تشمل التعاون بين البلدين في مختلف القطاعات العسكرية والتجارية والطاقة والاقتصاد والاستراتيجية
ووقعت إيران وروسياً، في عام 2001، اتفاقية مدتها 20 عاماً، وتم بموجبها تحديد أوجه التعاون الثنائي في مختلف القطاعات. وعندما تم التوقيع على هذه الاتفاقية، اتفقا على أنه إذا لم يعترض أي منهما، فسيتم تمديد هذه الاتفاقية تلقائياً لمدة خمس سنوات أخرى بعدما تنتهي المدة القانونية التي ذكرت في الاتفاقية. وعليه، فإن الاتفاقية السابقة بين النظام الإيراني وروسيا سارية حتى عام 2026.
وسياسة التوجّه شرقاً ورغبة رئيسي الشديدة في التقرب من الرئيس بوتين، دفعت بالحكومة الإيرانية إلى إعداد وثيقة جديدة للتعاون مع روسيا. وقدمت هذه الوثيقة إلى بوتين في الاجتماع الأول بين رئيسي البلدين في العاصمة موسكو، والآن يبدو أن النص النهائي أصبح جاهزاً للتوقيع.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، في تصريح لها أخيراً في مؤتمر صحافي، إن "اتفاقية التعاون الشامل طويل الأمد بين طهران وموسكو" تم الانتهاء منها وسيتم توقيعها في المستقبل القريب.
كما نقلت الوكالة الحكومية "إيرنا" للأنباء عن زاخاروفا قائلة "لقد عمل كل من البلدين، بشكل تفصيلي، على هذه الاتفاقية، وتناقشا وتبادلا الآراء حولها، والآن يمكن القول إن الصيغة النهائية للنص باتت جاهزة".
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية "هذه الاتفاقية ستغطي العلاقات المتعددة الأبعاد والأوجه بين إيران وروسيا، وإنها ذات طبيعة استراتيجية وشاملة، كما أنها نقطة تحول مهمة في تاريخ العلاقات الممتدة لقرون بين روسيا وإيران".
ولتبرير قيام موسكو وطهران بالتوقيع على هذه الاتفاقية، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية إن "العديد من القضايا، ومنها الوضع الحالي على الساحة الدولية، تغيّر، والعلاقات بين البلدين تحسنت إلى مستوى غير مسبوق في الآونة الأخيرة".
وكان سفير إيران في موسكو كاظم جلالي قال، حول سبب توقيع الاتفاقية الجديدة بين إيران وروسيا، "بالنظر إلى التطورات الدولية، فإن ما ورد في بنود الاتفاقية السابقة ليس على مستوى العلاقات الحالية بين البلدين ويجب تحديثها، ولهذا تم الاتفاق على مستوى رفيع بين قادة البلدين على ضرورة تحديث هذه الاتفاقية لتتماشى مع متطلبات اليوم".
وبناءً على ما قاله سفير إيران في موسكو، فإن هذه الاتفاقية، وبعد وضعها في صيغتها النهائية، ستتم الموافقة عليها من قبل برلماني البلدين، مضيفاً أنه، وخلافاً للضجيج الحاصل، لا يوجد في هذه الاتفاقية أي موضوع خفي. كما قال رئيس الجانب الإيراني لمجموعة الصداقة البرلمانية بين إيران وروسيا الاتحادية إبراهيم رضائي، خلال زيارته موسكو، إنه مع التوقيع على هذه الاتفاقية الجديدة بين طهران وموسكو، ستشهد العلاقات بين البلدين قفزة غير مسبوقة.
ورأت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية أن توقيع هذه الاتفاقية الجديدة سيتم في أول اجتماع بين رئيسي روسيا وإيران. كما أعلن سفير إيران في موسكو أن موعد توقيع الاتفاقية سيكون في النصف الأول من العام الحالي.
وتشمل هذه الاتفاقية الجديدة أجزاء مختلفة، وبموجبها، يعتزم الطرفان التعاون بينهما في العديد من المجالات السياسية والإقليمية والدولية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والاستخباراتية والسيبرانية وغيرها من المجالات الأخرى.
وبما أن طهران وموسكو تخضعان لعقوبات دولية وأوضاعهما متشابهة تقريباً، فمن الممكن أن تكون لهذه الاتفاقية أهمية استراتيجية في المنطقة والعالم، بخاصة أن إيران وروسيا يلعبان دوراً في توسيع نطاق الحروب والتوترات الإقليمية والدولية.
وتوسيع العلاقات بين طهران وموسكو ليست له عواقب على المجتمع الدولي وحسب، بل تضرّ هذه العلاقات بالمواطنين الإيرانيين أيضاً. ولسنوات عدة، قدّم النظام الإيراني تنازلات لروسيا من خلال سياسة التوجّه شرقاً ومعاداة الغرب، بحيث أصبح ابتزاز إيران سلوكاً وممارسة شائعة بالنسبة لروسيا
وعلى رغم أن المسؤولين الإيرانيين يصفون العلاقات بين طهران وموسكو بأنها "ثنائية"، إلا أنه إذا ما حللنا الأحداث والقرارات والتصرفات الروسية سنجد أنه، في الكثير من الحالات، تكون العلاقات أحادية الجانب والكفة تميل دائماً لمصلحة موسكو.
وإن الناشطين في إيران الذين يحذرون من مغبة العلاقات مع روسيا يتهمون بـ "الرهاب من روسيا" وأنهم "ميالون للغرب". وفي تقرير لصحيفة "همشهري"، بتاريخ 21 سبتمبر (أيلول) 2023، حذرت الصحيفة مما سمته "الموجة الجديدة من الدعاية المناهضة لروسيا"، ونقلت عن الخبير في الشؤون الروسية روح الله مدبر قوله "الآن، وبعد أن وافق الروس على توقيع اتفاقية تعاون طويلة الأمد مع إيران، فمن الضروري الاستفادة بشكل مناسب من هذا المستوى من التعاون، من خلال صياغة الخطط وأن تكون هذه الخطط عملياتية". وذكرت الصحيفة أن هذه الاتفاقية بين طهران وموسكو تحمل العديد من المزايا للإيرانيين.
وإذا ما استعرضنا الأخبار المرتبطة بإيران وروسيا في السنوات الأخيرة الماضية، سنجد عكس ادعاء هذه الصحيفة، ويتبين لنا أن روسيا دأبت، وباستمرار، على ابتزاز النظام الإيراني في العديد من المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والبيئية والطاقة.
سياسياً، أقرّت موسكو، في مناسبتين منفصلتين، بمعية الدول العربية، أن الجزر الثلاث (أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى) المتنازع عليها ليست إيرانية، وأيدت رفع دعوى قضائية دولية حول هذه القضية.
وفي مجال الطاقة، كشف رئيس جمعية الغاز الطبيعيCNG أردشير دادرس، خلال إفطار عمل لجنة الطاقة الإيرانية، عن أن "روسيا لا تسمح لإيران بالاستخراج من ثمانية آبار في حقل غاز سردار جنكل في بحر قزوين، وهذه القضية تسببت في اختلال توازن إنتاج واستهلاك الغاز في إيران".
أما في المجال العسكري والدفاعي، وفي نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2023، وبعد نفي السلطات والمسؤولين الإيرانيين إرسال طائرات مسيّرة هجومية إلى روسيا لاستخدامها في الحرب على أوكرانيا، قال وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف "خدعتنا روسيا في الحرب الأوكرانية، أخذوا الطائرات من دون طيار وهم من كشفوها بأنفسهم. هذا له أسباب رهيبة في حسابات التوازن النووي. لقد كان الأمر دقيقاً بالنسبة لهم، وخطيراً بالنسبة لنا".
في مجال التعاون الاقتصادي، وخلال وباء فيروس كورونا، تلقت روسيا مبالغ مالية ضخمة من النظام الإيراني لبيع اللقاحات، إلا أن الأمر لم يقتصر على عدم إرسال اللقاحات إلى إيران في الموعود المحدد وحسب، بل طالبت روسيا أيضاً بحصة كبيرة من الإنتاج المشترك لهذه اللقاحات.
في مجال البيئة، أعلن رئيس قسم السلامة والحماية البحرية في المديرية العامة للموانئ البحرية في محافظة جيلان علي منتصر كوهستاني، في سبتمبر 2023، أن روسيا رفضت تزويد بحر قزوين بالحصة المخصصة لها ما أدى إلى انخفاض 180 سنتيمتراً في منسوب هذه البحيرة. وقبل تصريح هذا المسؤول، كان خبراء قد حذروا من أن روسيا قامت ببناء سد على نهر الفولغا، ومنعت دخول مياه الأنهار إلى بحر قزوين، وحالياً تواجه هذه البحيرة خطر وقوع كارثة بيئية.
ومسألة إعطاء الامتيازات لروسيا وصلت إلى مرحلة، حتى الأشخاص المقربين من السلطة باتوا ينتقدونها. وبعد أن توقفت مفاوضات إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) بسبب مطالبة روسيا بحصولها على حصتها، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وبوضوح شديد، إنه "إذا كانت كل الأطراف ستعود إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، يجب أن يتم هذا بطريقة أن تستفيد روسيا أيضاً". هذه التصريح وصفه نائب رئيس البرلمان السابق علي مطهري بالمخزي وسأل: "هل إيران مستعمرة روسية؟".
ما ذكر أعلاه من قضايا ليست سوى جزء بسيط من الإجراءات التي اتخذتها روسيا ضدّ الإيرانيين، والتي أثرت نتائجها بشكل مباشر على حياة المواطنين الإيرانيين وتعرّض أمنهم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والصحي للخطر. وفي خلاصة القول إن الأمثلة كثيرة في تاريخ العلاقات بين طهران وموسكو.