نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


انسحاب روسيا من الاتفاقيات الناظمة للرقابة على التسليح.. الدوافع والتداعيات






تشترك روسيا مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية بالعديد من الاتفاقيات المتعلقة بمراقبة الأنشطة الخاصة بالتسليح، بما فيها السلاح النووي، بهدف ضمان أمن القارة الأوروبية والأمن العالمي، حيث أُبرمت تلك الاتفاقيات بعد انتهاء الحرب الباردة، وبعد مرور قُرابة العام على بَدْء العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، وتفاوت أدائها العسكري بين التقدم والجمود، إلى جانب الخسائر التي مُني بها الجيش الروسي في بعض المراحل بسبب الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا؛ بدأت روسيا الانسحاب من تلك الاتفاقيات، لإظهار قدرتها على التأثير في أمن القارة الأوروبية وإمكانية تهديده من قِبلها، إلى جانب الإجراءات الأخرى كالتعاون العسكري مع إيران.


كما سبق لروسيا أن استخدمت تلك الاتفاقيات كورقة تهديد تلوح بها ضد الجانب الأوروبي، وحلف الناتو، حيث علقت مشاركتها في معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا المبرمة في عام 1990، وأوقفت مشاركتها الفعّالة فيها عام 2015، رداً على توسُّع حلف شمال الأطلسي (الناتو) في شرق أوروبا بالقرب من الحدود الروسية.

 نستعرض في هذه الورقة بعض تلك الاتفاقيات، وأكثرها تأثيراً، ومضامينها والعقيدة العسكرية التي تخص استخدامها.

 أولاً: قراءة في بعض المعاهدات ومضامينها 

 معاهدة "نيو ستارت"

 وُقِّعت بين كل من أمريكا وروسيا في عام 2010، وتم تمديدها حتى 2026، إلا أن روسيا أعلنت تعليق العمل بها بتاريخ 21 فبراير/ شباط 2023، في استجابة لوقائع المواجهة "الروسية - الأوكرانية" والتي تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على استنزافها فيها. وبموجب الاتفاقية يلتزم الجانبان بعدم نشر أكثر من 1550 رأساً نوويةً إستراتيجية، و800 منصة منتشرة وغير منتشرة لإطلاق الصواريخ وخفض الصواريخ البالستية العابرة للقارات، والصواريخ البالستية التي تُطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة إلى 700 وحدة.[1] وتُعَدّ المعاهدة آخِر اتفاق ثنائي من نوعه يُلزِم القوتين بالكشف عن الأسلحة النووية التي يمتلكانها والحدّ منها، كما أن الانسحاب الروسي منها يضع الدول الأوروبية في وضع أمني حَرِج، نظراً لاعتمادها بشكل كلي على المظلة النووية الأمريكية بالكامل.

معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية

تم إقرار المعاهدة في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1996 بهدف منع كل التجارب النووية، لكنها لم تدخل حيّز التنفيذ بسبب عدم انضمام عدد من الدول النووية الرئيسية إليها، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والصين، بجانب كل من الهند وباكستان وإسرائيل وكوريا الشمالية كدول نووية غير معترَف بها. وتتشكل المعاهدة من نظام رصد دولي، وهو شبكة من مرافق الرصد المختلفة في أنحاء العالم، إذ تستطيع هذه المرافق رصد أصوات التفجيرات النووية، والأنشطة الزلزالية المصاحبة لها، وآثارها الإشعاعية، لتقليص الأسلحة النووية، والتخلص منها في نهاية المطاف، إضافة إلى حظر التجارب بتقييد تطوير الأسلحة النووية، وإدخال تحسينات نوعية عليها، ووقف تطوير أنواع جديدة متقدمة من الأسلحة النووية، وهو ما شكّل طوال السنوات الماضية إطارًا قويًّا لنزع السلاح النووي، وعدم انتشاره[2]، وقد ألغت روسيا مشاركتها فيها بتاريخ 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.

 معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا

وُقِّعت في أوروبا بين ممثلي الدول الأعضاء في حلف "الناتو"، وأعضاء حلف "وارسو" في عام 1990 في باريس، ودخلت حيّز التنفيذ في 9 نوفمبر عام 1992. وفي عام 1999 في قمة إسطنبول لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي تم توقيع اتفاق حول تعديل المعاهدة، وذلك بسبب تغيُّر الوضع السياسي العسكري في أوروبا بعد زوال حلف وارسو وتفكُّك الاتحاد السوفياتي في عام 1991، بهدف منع أيّ من طرفَي الحرب الباردة من حشد قوات لشنّ هجوم سريع ضد الطرف الآخر في أوروبا، ووضع قيودًا يمكن التحقق منها على فئات المعدات العسكرية التقليدية، التي يمكن لحلف شمال الأطلسي وحلف وارسو آنذاك نشرها. ونظراً لعدم الاستجابة للطلب الروسي القاضي بتعديل المعاهدة في عام 2007 علقت روسيا مشاركتها في معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، وانسحبت منها بشكل نهائي بتاريخ 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023. ويبين الجدول التالي أهم الأسلحة التقليدية المحدَّدة والحدّ الأقصى المسموح لكل طرف حشده بموجبها[3]:

2


 

 

وتبرر روسيا الانسحاب بأنه يأتي كوسيلة لتعزيز الموقف الدفاعي لروسيا، حيث اعتبرت روسيا أن المعاهدة حدّت من سيادتها الوطنية؛ نظراً لما فرضته من قيود على نشر القوات والبِنْية التحتية العسكرية[4]، ولا شك أن الانسحاب منها يرسل رسائل تهديدية لعموم القارة الأوروبية في ظل استمرار الحرب الأوكرانية الروسية.

ثانياً: القدرات النووية، والعقيدة النووية لكل من دول حلف الناتو وروسيا

يبدو أن "بوتين" ومن خلال التهديدات المتكررة باستخدام السلاح النووي في حربه ضد أوكرانيا، يُعوّل على ما يمتلكه من ترسانة نووية تتساوى إلى حد ما مع ترسانة دول حلف "الناتو"؛ فبحسب التقديرات في 21 أيلول/ سبتمبر 2022، تمتلك روسيا (5,977) رأساً نووياً، من ضمنها حوالَيْ (1,500) رأس نووي أُحيلت إلى التقاعد، ومن المقرر أن يتم تفكيكها، ومن بين الـ (4,500) رأس نووي أو ما يقارب هذا العدد المتبقية، معظمها يُعتبر أسلحة نووية إستراتيجية – أي صواريخ بالستية أو صواريخ يمكن توجيهها إلى أهداف بعيدة المدى، وهي أسلحة ترتبط عادة بالحرب النووية[5]. بينما تُوزع ترسانة حلف "الناتو" على ثلاث دول أعضاء فقط، هي: الولايات المتحدة، التي تُعَدّ أكبر قوة نووية داخل حلف الناتو بحوالَيْ (5800) رأس نووي، وفرنسا التي يُعتقَد أنها تمتلك (300) رأس حربي، والمملكة المتحدة التي تمتلك قرابة (215) رأساً. وتمتلك خمس دول أخرى نحو (100) قنبلة نووية بفضل اتفاقية مشاركة الأسلحة النووية الأمريكية في أوروبا، الدول الخمس هي: تركيا بقاعدة “إنجرليك” الجوية، وألمانيا بقاعدة “بوشل” الجوية، وإيطاليا بقاعدتَيْ “أفيانو – قاعدة غيدي” الجويتين، وبلجيكا في قاعدة “كلاين بروغل” الجوية، وهولندا في قاعدة “فولكل” الجوية. وتحافظ الدول الأعضاء داخل حلف الناتو على السرية التامة عندما يتعلق الأمر بترسانتها النووية عَبْر السياسة الحالية المعروفة باسم "الغموض المحسوب"[6].

ومن جانب آخر يبدو أن "بوتين" يسعى إلى توظيف التفاوت بين العقيدة النووية لحلف شمال الأطلسي وروسيا، حيث تنص العقيدة النووية للحلف على مبدأ "عدم البَدْء باستخدام السلاح النووي"، وتعهدت واشنطن بالامتناع عن استخدام الأسلحة النووية ضد الدول غير الحائزة عليها، دون أن تستبعد المبادرة باستخدامها في حالات وظروف لم تحددها، مع الالتزام بمبدأ "الدفاع الجماعي" للدول الأعضاء الذي ورد في المادة الخامسة من المعاهدة التأسيسية لحلف الناتو، والتي تنصّ على أن الهجوم على حليف واحد يُعتبر هجوماً على كل الحلفاء[7]. بينما تسمح العقيدة النووية الروسية لعام 2020، باستخدام الأسلحة النووية للحيلولة دون تصعيد صراع مسلح، وضمان الوصول إلى شروط في صالح روسيا لإنهاء الصراع[8]. وبالتالي فإن التلويح باستخدام السلاح النووي من قِبل روسيا، ونشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا يعكس المأزق العسكري الروسي في أوكرانيا، وسعي الرئيس الروسي بوتين للتخلص من ذلك الصراع بما يحقق مصالح روسيا.

ثالثاً: دوافع الانسحاب الروسي من اتفاقيات الرقابة على التسليح

إعادة الاعتبار للردع النووي

وهو توجُّه تُؤمِن به النخب السياسية الروسية، ومنهم سيرغي كاراغانوف، الرئيس الفخري لهيئة رئاسة مجلس السياسة الخارجية والدفاع في روسيا، ويكون من خلال استعادة روسيا مصداقية الردع النووي من خلال خفض العَتَبة العالية غير المقبولة لاستخدام الأسلحة النووية، والتحرك إلى أعلى سُلّم الردع عَبْر التصعيد. ويُعتبَر نشر الأسلحة النووية وناقلاتها في بيلاروسيا من الخُطوات في هذا الاتجاه[9].

ولهذا السيناريو عدة مؤشرات، منها إشراف بوتين على المناورات التي تخللها إطلاق صاروخ بالستي عابر للقارات من طراز "يارس" من قاعدة بليسيتك الفضائية في شمال روسيا، والاتهامات الأمريكية لروسيا المتعلقة بتطوير سلاح نووي مضاد للأقمار الصناعية، واعتبار أمريكا هذه الخُطوة بـ "التهديد الخطير" للأمن القومي لأمريكا. إضافة إلى انتهاك صاروخ كروز روسي للمجال الجوي لبولندا[10]. وبناءً عليه فإن روسيا حققت نجاحاً إلى حدّ ما في تقييد الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا، من خلال استخدام لغة التهديد حول الاستخدام المُحتمل للأسلحة النووية.

محاولة عرقلة التدابير العسكرية الأوروبية وخاصة فيما يتعلق بالأسلحة التقليدية

حيث تُبدِي موسكو قلقها من رغبة حلف شمال الأطلسي "الناتو" في إيجاد منطقة عسكرية في أوروبا مماثلة لمنطقة "شنغن"، يمكن أن تسمح بتنقُّل وتحرُّك قوات الحلف المسلحة في أنحاء أوروبا للتصدي لروسيا، على اعتبار أن الكثير من الإجراءات الروتينية في أنحاء أوروبا تعرقل تحرُّكات القوات، وهي مشكلة قد تتسبب في تأخيرات كبيرة فيها إذا اندلع صراع مع روسيا، وَفْق ما صرح به قائد القيادة اللوجستية لحلف شمال الأطلسي، اللفتنانت جنرال ألكسندر سولفرانك[11].

خاتمة

يشير الانسحاب الروسي من الآليات المركزية لحَوْكَمة التسليح العالمية، في ظل التوتُّرات الدولية المتزايدة إلى  إصرار روسيا على إرسال رسائل تهديدية لكل من أوروبا والناتو، ويمثل نوعاً من اتباع سياسة حافّة الهاوية مع الدول الأوروبية وحلف الناتو، مما يؤدي بدوره إلى زيادة أنشطة التسليح أو توسيع حلف الناتو، وهو ما بات يتجلى في سعي دول أوروبا الشرقية "فنلندا والسويد" للانضمام إلى الناتو.

 

يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا)

الهوامش:

[1] ما هي معاهدة "نيو ستارت"؟ وماذا يعني انسحاب روسيا منها؟ "الجزيرة نت"، 21 شباط / فبراير 2023، الرابط.

[2] أيمن سمير، الخروج من «قيود التسلح».. خلاصة طبيعية للسلوك الأمريكي، مركز الدراسات العربية الأوراسية، 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، الرابط.

[3] المرجع السابق.

[4] تداعيات خروج روسيا من معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، إنترريجونال للتحليلات الإستراتيجية،  9  تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، الرابط.

[5] الإرهاب النووي، العقيدة النووية والسيناريوهات المحتملة في أوكرانيا - المركز الأوروبي لدراسة مكافحة الإرهاب والاستخبارات، 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، الرابط.

[6] عقيدة حلف “الناتو” النووية وسيناريوهات الرد على موسكو، المركز الأوروبي لدراسة مكافحة الإرهاب والاستخبارات، 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، الرابط.

[7] المرجع السابق.

[8] كيف يعلمنا خداع روسيا لأوكرانيا في الشأن النووي دروسًا خطيرة، مؤسسة راند، 6 آب/ أغسطس 2022، الرابط.

[9] استخدام الأسلحة النووية لإنقاذ البشرية من كارثة عالمية، مركز الدراسات العربية الأوراسية، 15 يونيو/ تموز 2023، الرابط.

[10] صاروخ كروز روسي ينتهك المجال الجوي لبولندا، الجزيرة، 24 آذار/ مارس 2024، الرابط.

[11] روسيا تحذر من إقامة "شنغن عسكرية".. وتتوعّد بالرد، "سكاي نيوز عربية"، 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، الرابط.


مركز ابعاد - رشيد حوراني
الثلاثاء 23 أبريل 2024