نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


الولايات المتحدة والعودة إلى مبدأ كارتر





الاستراتيجية الأميركية الجديدة وغير المعلنة، والتي ترسخ ثانوية الشرق الأوسط بتفكير ساسة البيت الأبيض أمام زيادة الاهتمام بالصين وشرق آسيا منطقة حيوية يجب أن تستأثر باهتمام الولايات المتحدة وتوجهاتها، وليس الانغلاق على الشرق الأوسط والخليج العربي، والاستراتيجية الجديدة تتعدّاها للطلب بالخروج نهائياً من منطقة الشرق الأوسط والتركيز على المجال الحيوي للصين التي تبحث عن نظام عالمي جديد، تحاول رسمه بأدواتها وسيطرتها الاقتصادية، وهذا ما على واشنطن التوجس منه، وأخذه بالاعتبار في صلب تفكير أصحاب العقيدة الجديدة لواشنطن التي يجب أن تضع باعتبارها أيضاً جعل خطوط وصول الطاقة إلى الصين، سواء كانت قادمة من الشرق الأوسط أو عبر أفريقيا تحت الضغط الأميركي


 

ولكن مراكز بحثية أميركية حذّرت، أخيرا، من أن تلك الاستراتيجية في الشرق الأوسط التي بانت ملامحها عبر الانسحاب من كثير من ملفات المنطقة أو جعلها ثانوية بنظر الإدارات الأميركية المتعاقبة، وإهمال مخاوف دول الخليج وتوجساتها حيال الخطر الإيراني، ستدفع الصين إلى ملء الفراغ، وبالتالي رفع الضغط الأميركي عن مصادر طاقتها، ويقولون، على سبيل المثال: إذا كان الرئيس الصيني شي جين بينغ يحجم اليوم عن غزو تايوان، فالأمر يعود إلى ردع عسكري أميركي لا يمكن تجاهله من بكين، وأن شي يفكّر مرتين بخطوط الطاقة التي تهيمن عليها الولايات المتحدة، قبل التفكير بالسيطرة على تايوان. ويعلم الصينيون جيداً مدى قدرات الجيش الأميركي على قطع كل خطوط إمدادهم من منطقة الشرق الأوسط، وإذا ما حصلت الانفراجة الصينية، وأمنت خطوط طاقتها، فقد نستيقظ على عالم بدون تايوان، بل قد يصبح الأمر أكثر تعقيداً وضغطاً على منافسي الصين، لأن ملء الصين الفراغ الأميركي بالشرق الأوسط سيكون بمثابة وضع إبهامها على القصبة الهوائية لجميع منافسيها، كما يقول مايكل دوران من معهد هيدسون.

ملء الصين الفراغ الأميركي في الشرق الأوسط سيكون بمثابة وضع إبهامها على القصبة الهوائية لجميع منافسيها

الأصوات التي بدأت ترتفع من واشنطن عبر معاهد الدراسات البحثية، حذّرت من مخاطر استراتيجية واشنطن التي تقضي بالانسحاب التدريجي من منطقة الشرق الأوسط لصالح الاهتمام بمحيط الصين والشرق الآسيوي، ووضعت الصين خطرا استراتيجيا أول على الولايات المتحدة، وإزاحة روسيا إلى المركز الثاني. وطالب بعضهم، ومنهم مدير المركز الأميركي لدراسات بلاد الشام والمبعوث الأميركي الأسبق للملف السوري جزيل ريبورن، الذي ذكّر الإدارة الأميركية بأهمية العودة إلى المبدأ الذي طرحه الرئيس الأسبق جيمي كارتر في أعقاب صدمة الطاقة التي حصلت في سبعينيات القرن الماضي، عقب الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، وسيطرة الاتحاد السوفييتي على أفغانستان، والثورة في إيران. طالب "مبدأ كارتر" حينها بتركيز الاهتمام على منطقة الطاقة العالمية في الشرق الأوسط، وإبقائها تحت النفوذ الأميركي، باعتبار أن السيطرة على مصادر الطاقة العالمية، وحماية خطوط إمدادها، كانت إحدى عوامل جعل الولايات المتحدة القطب الأوحد المتحكّم بالنظام العالمي الجديد في ما بعد، عندما سقط الاتحاد السوفييتي.

تؤكّد صيحات التحذير المتزايدة أن تحالف الروس والصين في الشرق الأوسط سيشكّل ضربة قوية لمصالح الغرب، وإذا ما انضمت إيران لهذا التحالف، ستكون العواقب أكثر كارثية على مصالح أوروبا والولايات المتحدة، وسيصبح الخليج العربي ومصادر الطاقة مع ممرّات دولية هامة، مثل مضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس، تحت رحمة ثالوث معادٍ للغرب. ويؤكد هؤلاء أن تمدّد المشروع الإيراني للسيطرة على العراق وسورية ولبنان، والوصول عبرها إلى البحر الأبيض المتوسط سيشكل نقطة ارتكاز لهيمنة إيرانية تجعل منها شريكاً هاماً للصين وروسيا في منطقة الشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه، سيكون وضعاً ضاغطاً ومتحكّماً بعلاقة الأوروبيين مع منطقة الخليج العربي وبكامل الشرق الأوسط.

قناعة شبه مؤكّدة أن الاتفاق النووي مع إيران أصبح شبه مستحيل، نظراً إلى الشروط الإيرانية التي لا يمكن للغرب التجاوب معها

أمام هذا الواقع، تبرز أهمية صياغة استراتيجية أميركية جديدة تعنى بالشرق الأوسط بشكل عام، وتولي اهتماماً خاصاً ببلاد الشام تحديداً، والاهتمام بما يحصل في العراق وسورية ولبنان واليمن، ونزع تلك الدول عن خريطة المشروع الإيراني، ووقف الهيمنة الإيرانية على تلك المنطقة، ومنعها من كونها اللاعب الأول والأساسي الذي بات يتحكّم بتوجهات أربع عواصم عربية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وتحالفاتها، عبر كماشة إيرانية "سياسية وعسكرية واقتصادية"، لسانها الأول يضغط من العراق وسورية ولبنان، وطرفها الآخر عبر اليمن وباب المندب ومضيق هرمز، وتصبح قناة السويس والأردن والسعودية وكامل دول الخليج تحت رحمة المشروع الإيراني المدعوم من الصين وروسيا. ويستدعي هذا السيناريو بالتأكيد إعادة تفكير صانع القرار الأميركي والغربي، ومن منطلق المصالح المشتركة مع دول المنطقة، بصياغة توجّه جديد يعنى بإزالة كيانات أوجدتها واستخدمتها إيران لتثبيت مشروعها الفارسي العابر للحدود والخاضع للمادة الأولى في دستورها الذي ينص على مبدأ تصدير الثورة. ولتحقيق مصالح الجميع، يجب البدء فوراً بإزاحة حزب الله عن صدر اللبنانيين، واجتثاث نظام الأسد عن كاهل السوريين، وتفكيك الحشد الشعبي العراقي والأدوات الإيرانية التي صنعها قاسم سليماني في العراق، والانتهاء من ملف الحوثيين في اليمن، ويجب عدم تناسي الدور الروسي بدعم المشروع الإيراني، وهي الدولة التي كانت وما زالت تتحالف مع نظام طهران وتحميه في أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتمدّه بكل أسباب وطرق ونوافذ الالتفاف على العقوبات الغربية. واليوم ترد إيران جزءاً من ديون موسكو عليها بصفقة طائرات مسيرة (درون)، منها ما يستخدم للاستطلاع والقصف، ومنها ما هي طائرات انتحارية، وقد اختبرتها وجرّبتها إيران عبر مليشياتها في سورية، مع خبراء عسكريين إيرانيين باتوا ينتشرون اليوم في شبه جزيرة القرم الأوكرانية المحتلة من روسيا لمساندة بوتين في حربه على أوكرانيا. وأيضاً لا يمكن التغاضي عن محاولات الصين إمداد ترياق البقاء للنظام الإيراني، عبر صفقات استثمار اقتصادية فاقت الـ400 مليار دولار في مشاريع الطاقة الإيرانية.

يقول مايكل دوران، من معهد هيدسون، إن مواجهة إيران ليس بالضرورة أن تكون بتدمير ترسانتها من الصواريخ الباليستية ومشروعها النووي، أو بتدمير أسطول طيرانها المسيّر والمتطوّر، صحيح أنها مقدرات كبيرة، وتمثل تهديدات عسكرية خطيرة وتؤثر على كامل منطقة الشرق الأوسط، وتهدد استقرار وأمن الدول فيها، وتهدّد أيضاً مصادر الطاقة وخطوط إمداد الاقتصاد العالمي، لكن النقطة المهمة تكمن بالنظر إلى هشاشة نظام إيران، وأن تدمير قواعد هذا النظام أمر غاية في السهولة، وأن مؤشرات على احتمال سقوط النظام الإيراني لاحت في موضعين: الأول الكسور التي عانى منها النظام الإيراني خلال 33 سنة من حكم المرشد علي خامنئي. والثاني شجاعة الإيرانيين في شوارع المدن المنتفضة ومواجهتهم كل آلة قمع النظام بصدور عارية وبشجاعة لافتة (انظروا إلى ثورة تلميذات ونساء إيران الضخمة).

طالب "مبدأ كارتر" بتركيز الاهتمام على منطقة الطاقة العالمية في الشرق الأوسط، وإبقائها تحت النفوذ الأميركي

يجد محللون سياسيون أميركيون أن ميناء سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم وتركيا وسورية مثلت القوة الروسية، وبالتالي، يجب أن تولي الولايات المتحدة اهتماماً خاصاً بأهمية خسارة بوتين القرم بعد ما حصل في خاركيف وخيرسون، ويجب إيلاء الاهتمام أكثر بعلاقة أميركية جيدة مع تركيا، وهذا سيتسبب بضعف روسي في سورية التي استثمر بوتين وجوده في موانئها على البحر المتوسط للتمدّد نحو ليبيا وأفريقيا، وبالتالي، ربط مستقبل الوجود الروسي في البحر المتوسط وفي سورية بنتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا. ويؤكّد مايكل دوران "أن تركيا ليست بتحالف مع روسيا إنما تستثمر بالضعف الروسي في سورية، وأن أنقرة تدرك أنها بصراع نفوذ لا يمكن تجاهله داخل سورية مع كل من روسيا وإيران"، بمعنى أن طرح أنقرة للتقارب مع نظام دمشق يأتي في إطار المناورات السياسية، والتخلص من بعض الضغوط الروسية قبل الاستحقاق الانتخابي التركي الهام في منتصف العام المقبل.

قد تكون الانتخابات الأميركية المقبلة، والمتوقع منها أن تغير الأكثرية لصالح الجمهوريين في أحد مجلسي الكونغرس أو كليهما، البوابة التي تعبر منها الاستراتيجية الأميركية الجديدة والعودة إلى "مبدأ كارتر"، بعد قناعة شبه مؤكّدة أن الاتفاق النووي مع إيران أصبح شبه مستحيل، نظراً إلى الشروط الإيرانية التي لا يمكن للغرب التجاوب معها. ولكن يؤخذ على إدارة بايدن أن التسهيلات الاقتصادية الأميركية ما زالت تقدّم لإيران، وما زال النفط الإيراني الممنوح للصين خارج العقوبات الأميركية، و400 ألف برميل نفط التي كان يمكن لإيران تسويقها في عهد الرئيس الأسبق دونالد ترامب ارتفعت اليوم وتجاوزت المليون برميل.
--------
العربي الجديد


أحمد رحّال
السبت 29 أكتوبر 2022