أول المواقف وأبرزها، أن الرئيس محمود عباس قد وصل إلى الحائط المسدود في محاولته التفاوضية مع إسرائيل من جهة، وفي أمله بموقف أميركي متوازن بينه وبين إسرائيل. وهو بسبب وصوله إلى هذه النقطة بدأ يعمل باتجاه المصالحة مع حركة حماس، بهدف إنهاء الانقسام بين الضفة وغزة، وعبر عن ذلك بالإعلان عن استعداده لزيارة غزة، ولكنه حصر هدفه هذا بالتفاوض حول حكومة فلسطينية موحدة، وحول اتفاق على إجراء الانتخابات. ثم ذهب إلى أبعد من ذلك بالذهاب إلى القاهرة وإنجاز اتفاق المصالحة مع حماس.
يقدم الرئيس عباس على خطوته الجديدة هذه، وهو يعرف سلفا احتمال إقدام الولايات المتحدة على قطع المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية، وهو يدرك أيضا احتمال أن تقدم اللجنة الرباعية الدولية على الإجراء نفسه. وهنا يبرز تساؤل مهم: هل حدث تغير ما في الساحة العربية أو في الساحة الدولية، بحيث أصبح الإقدام على مثل هذا القرار ممكنا؟
إن المصالحة مع حركة حماس مرفوضة أميركيا لأنها تعتبر حركة حماس حركة إرهابية لا يجوز التفاهم معها. وشروط أميركا لقبول حماس في اللعبة السياسية هي أن تقبل شروط اللجنة الرباعية الثلاثة: الاعتراف بإسرائيل، ونبذ العنف (المقاومة)، والقبول بالاتفاقات الموقعة فلسطينيا (اتفاق أوسلو وتوابعه). وفي الوقت نفسه فإن إسرائيل ترفض وجود أي صيغة لوجود حركة حماس داخل أي وضع كان. وقد عبر بنيامين نتنياهو عن هذا الموقف قائلا: إن على عباس أن يختار بين حركة حماس وبين السلام مع إسرائيل. ويؤكد هذان الموقفان الأميركي والإسرائيلي أهمية وضرورة طرح السؤال: ما الذي حدث حتى أصبحت حركتا فتح وحماس تقفان على أرض المصالحة؟
يحتاج الأمر هنا إلى جواب منطقي يقول مثلا: إن جهة ما عربية أو دولية أبدت استعدادها لتمويل السلطة الفلسطينية بعد إنجاز تفاهمها مع حركة حماس، فهل حصل أمر كهذا؟
ثم هناك الأمر الآخر الذي يتعلق بالتغير في الموقف المصري. إذ لا شك أن ما حدث في مصر قد أثر بشكل مباشر على مجرى الأحداث، وتتمثل خلاصة هذا التغيير فيما يلي:
أولا: إن مصر لم تعد تشكل غطاء سياسيا للسلطة الفلسطينية كما كان موقف الرئيس حسني مبارك.
ثانيا: إن مصر لم تعد صاحبة موقف يرفض التعامل مع حركة حماس لأنها حركة تدعو للمقاومة وبما يتعارض مع سياسة التفاوض والتسويات.
ثالثا: إن مصر ألزمت نفسها بتوجه لفتح معبر رفح بشكل دائم، وهو ما يعني أنها ستنهي الحصار الذي كان مفروضا على غزة من قبل مصر.
وحين تكون مصر في هذا الموقف، يصبح طبيعيا أن يتغير الموقف الذي كان يرفض رفضا قاطعا إدخال أية تغييرات على ورقة المصالحة المصرية، وهو شجع أن تقوم حركتا فتح وحماس في القاهرة، بوضع تفاهمات تحل قضايا الخلاف حول ورقة المصالحة، وأن تضاف هذه التفاهمات إلى ورقة المصالحة لتصبح جزءا منها، وهو ما حدث فعلا. فهل يعني هذا أن مصر تلتزم هنا بموقف سياسي يتعارض مع موقف أميركا، أم أن لديها ما يطمئنها بأن الرفض الأميركي للتعاون مع حماس، سيقف عند حدود معينة لا تشكل إزعاجا لمصر؟
لقد أسفر الاتفاق بين حركتي فتح وحماس عن نقاط عملية تتعلق بمرجعية متفق عليها حول الأجهزة الأمنية، وتتعلق باتفاق حول اللجنة التي ستشرف على الانتخابات، وتتعلق بتشكيل حكومة وحدة وطنية من المستقلين. ولكن الأمور لم تصل بعد بينهما إلى البحث في البرنامج السياسي الوطني. فهل يمكن أن تنجح المصالحة من دون الاتفاق حول هذا البرنامج السياسي الوطني؟
يمكن أن نقول هنا، إن درجة الخلاف الموجودة بين الحركتين تؤكد أن نجاح أي اتفاق بينهما لا يمكن أن يدوم ويستمر إلا إذا تضمن اتفاقا حول برنامج سياسي، وإذا لم يحصل هذا الاتفاق فإن احتمال حصول انتكاسة في عملية المصالحة يبقى أمرا ممكنا.
ولا بد أن نشير هنا إلى أن هذه المسألة تتجاوز حركتي فتح وحماس، إذ إن مطلب البرنامج السياسي هو مطلب شعبي فلسطيني، تنادي به القوى الاجتماعية الفلسطينية إضافة إلى الفصائل الفدائية الأخرى. ولذلك فإن البحث في هذه المسألة سيكون بمثابة ضاغط باتجاه تعميق المصالحة أو باتجاه فشلها.
كذلك لا بد أن نشير هنا إلى أن إسرائيل الرافضة لمبدأ المصالحة، تستطيع أن تدخل على الخط، وتستطيع أن تكون عامل تعطيل أساسيا له، وبخاصة تجاه تعطيل أي خطوة تنفيذية مثل خطوة إجراء الانتخابات، أو التدخل ضد أي مرشح يتبنى نهج المقاومة أو يدعو إلى إلغاء اتفاق أوسلو مثلا. وفي حالة كهذه فإن اتفاق المصالحة لن يجد طريقه للتنفيذ، وهو أمر لا بد أن يؤخذ بالاعتبار.
إن مبدأ المصالحة حتى الآن، يستند إلى كل ما هو قائم على أرض الواقع. يستند إلى السلطة الفلسطينية، وإلى وجود الاحتلال الإسرائيلي. وإلى إمكان الدعوة إلى انتخابات. وبالاستناد إلى هذه الوقائع فقط، لا يمكن تجاوز الوضع الراهن إلى ما هو أكثر منه، أما إذا كانت هناك إرادة لتجاوز الوضع الراهن فعليا، فلا بد من طرح أسئلة من نوع آخر: هل حصل تغير ما في الموقف الأميركي أو في الموقف الدولي، يسمح بإجراءات جديدة لم تكن مقبولة سلفا؟ وهل حصل تغير ما في الموقف العربي تجعل منه موقفا مستعدا للتعامل مع التغيرات الفلسطينية بما لم يكن مستعدا له من قبل؟
سؤالان حائران لا توجد لهما أجوبة حاسمة حتى الآن، وبحسب الجواب عليهما سيتقرر مصير المصالحة. لا بل سيتقرر مصير الوضع الفلسطيني الراهن للقضية الفلسطينية.
إن السلطة الفلسطينية منشغلة الآن بالإعداد لإعلان الدولة في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، وفي ظل اعتراض أميركي ورفض إسرائيلي. وإذا لم ينجح هذا المسعى، سيجد الجميع أنفسهم أمام الحائط المسدود. أما القفز عن هذا الحائط وتجاوزه، فهو أمر آخر ممكن، إنما من خارج تجربة اتفاق أوسلو كلها. فهل هناك من هو مستعد لذلك؟
يقدم الرئيس عباس على خطوته الجديدة هذه، وهو يعرف سلفا احتمال إقدام الولايات المتحدة على قطع المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية، وهو يدرك أيضا احتمال أن تقدم اللجنة الرباعية الدولية على الإجراء نفسه. وهنا يبرز تساؤل مهم: هل حدث تغير ما في الساحة العربية أو في الساحة الدولية، بحيث أصبح الإقدام على مثل هذا القرار ممكنا؟
إن المصالحة مع حركة حماس مرفوضة أميركيا لأنها تعتبر حركة حماس حركة إرهابية لا يجوز التفاهم معها. وشروط أميركا لقبول حماس في اللعبة السياسية هي أن تقبل شروط اللجنة الرباعية الثلاثة: الاعتراف بإسرائيل، ونبذ العنف (المقاومة)، والقبول بالاتفاقات الموقعة فلسطينيا (اتفاق أوسلو وتوابعه). وفي الوقت نفسه فإن إسرائيل ترفض وجود أي صيغة لوجود حركة حماس داخل أي وضع كان. وقد عبر بنيامين نتنياهو عن هذا الموقف قائلا: إن على عباس أن يختار بين حركة حماس وبين السلام مع إسرائيل. ويؤكد هذان الموقفان الأميركي والإسرائيلي أهمية وضرورة طرح السؤال: ما الذي حدث حتى أصبحت حركتا فتح وحماس تقفان على أرض المصالحة؟
يحتاج الأمر هنا إلى جواب منطقي يقول مثلا: إن جهة ما عربية أو دولية أبدت استعدادها لتمويل السلطة الفلسطينية بعد إنجاز تفاهمها مع حركة حماس، فهل حصل أمر كهذا؟
ثم هناك الأمر الآخر الذي يتعلق بالتغير في الموقف المصري. إذ لا شك أن ما حدث في مصر قد أثر بشكل مباشر على مجرى الأحداث، وتتمثل خلاصة هذا التغيير فيما يلي:
أولا: إن مصر لم تعد تشكل غطاء سياسيا للسلطة الفلسطينية كما كان موقف الرئيس حسني مبارك.
ثانيا: إن مصر لم تعد صاحبة موقف يرفض التعامل مع حركة حماس لأنها حركة تدعو للمقاومة وبما يتعارض مع سياسة التفاوض والتسويات.
ثالثا: إن مصر ألزمت نفسها بتوجه لفتح معبر رفح بشكل دائم، وهو ما يعني أنها ستنهي الحصار الذي كان مفروضا على غزة من قبل مصر.
وحين تكون مصر في هذا الموقف، يصبح طبيعيا أن يتغير الموقف الذي كان يرفض رفضا قاطعا إدخال أية تغييرات على ورقة المصالحة المصرية، وهو شجع أن تقوم حركتا فتح وحماس في القاهرة، بوضع تفاهمات تحل قضايا الخلاف حول ورقة المصالحة، وأن تضاف هذه التفاهمات إلى ورقة المصالحة لتصبح جزءا منها، وهو ما حدث فعلا. فهل يعني هذا أن مصر تلتزم هنا بموقف سياسي يتعارض مع موقف أميركا، أم أن لديها ما يطمئنها بأن الرفض الأميركي للتعاون مع حماس، سيقف عند حدود معينة لا تشكل إزعاجا لمصر؟
لقد أسفر الاتفاق بين حركتي فتح وحماس عن نقاط عملية تتعلق بمرجعية متفق عليها حول الأجهزة الأمنية، وتتعلق باتفاق حول اللجنة التي ستشرف على الانتخابات، وتتعلق بتشكيل حكومة وحدة وطنية من المستقلين. ولكن الأمور لم تصل بعد بينهما إلى البحث في البرنامج السياسي الوطني. فهل يمكن أن تنجح المصالحة من دون الاتفاق حول هذا البرنامج السياسي الوطني؟
يمكن أن نقول هنا، إن درجة الخلاف الموجودة بين الحركتين تؤكد أن نجاح أي اتفاق بينهما لا يمكن أن يدوم ويستمر إلا إذا تضمن اتفاقا حول برنامج سياسي، وإذا لم يحصل هذا الاتفاق فإن احتمال حصول انتكاسة في عملية المصالحة يبقى أمرا ممكنا.
ولا بد أن نشير هنا إلى أن هذه المسألة تتجاوز حركتي فتح وحماس، إذ إن مطلب البرنامج السياسي هو مطلب شعبي فلسطيني، تنادي به القوى الاجتماعية الفلسطينية إضافة إلى الفصائل الفدائية الأخرى. ولذلك فإن البحث في هذه المسألة سيكون بمثابة ضاغط باتجاه تعميق المصالحة أو باتجاه فشلها.
كذلك لا بد أن نشير هنا إلى أن إسرائيل الرافضة لمبدأ المصالحة، تستطيع أن تدخل على الخط، وتستطيع أن تكون عامل تعطيل أساسيا له، وبخاصة تجاه تعطيل أي خطوة تنفيذية مثل خطوة إجراء الانتخابات، أو التدخل ضد أي مرشح يتبنى نهج المقاومة أو يدعو إلى إلغاء اتفاق أوسلو مثلا. وفي حالة كهذه فإن اتفاق المصالحة لن يجد طريقه للتنفيذ، وهو أمر لا بد أن يؤخذ بالاعتبار.
إن مبدأ المصالحة حتى الآن، يستند إلى كل ما هو قائم على أرض الواقع. يستند إلى السلطة الفلسطينية، وإلى وجود الاحتلال الإسرائيلي. وإلى إمكان الدعوة إلى انتخابات. وبالاستناد إلى هذه الوقائع فقط، لا يمكن تجاوز الوضع الراهن إلى ما هو أكثر منه، أما إذا كانت هناك إرادة لتجاوز الوضع الراهن فعليا، فلا بد من طرح أسئلة من نوع آخر: هل حصل تغير ما في الموقف الأميركي أو في الموقف الدولي، يسمح بإجراءات جديدة لم تكن مقبولة سلفا؟ وهل حصل تغير ما في الموقف العربي تجعل منه موقفا مستعدا للتعامل مع التغيرات الفلسطينية بما لم يكن مستعدا له من قبل؟
سؤالان حائران لا توجد لهما أجوبة حاسمة حتى الآن، وبحسب الجواب عليهما سيتقرر مصير المصالحة. لا بل سيتقرر مصير الوضع الفلسطيني الراهن للقضية الفلسطينية.
إن السلطة الفلسطينية منشغلة الآن بالإعداد لإعلان الدولة في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، وفي ظل اعتراض أميركي ورفض إسرائيلي. وإذا لم ينجح هذا المسعى، سيجد الجميع أنفسهم أمام الحائط المسدود. أما القفز عن هذا الحائط وتجاوزه، فهو أمر آخر ممكن، إنما من خارج تجربة اتفاق أوسلو كلها. فهل هناك من هو مستعد لذلك؟