إن أول مؤشرات إنتصار الثورة السورية نجاحها في إفشال الفتنة الطائفية التي كان يلوح بها النظام ، ومن يستمع الى شعارات ليلة أمس التاسع عشر من ابريل – نيسان يدرك هذه الحقيقة البهية التي تدل على ذكاء هذا الشعب ووعيه وتحضره في مظاهراته السلمية التي رفعت الورود في كلية الطب بدمشق وأغصان الزيتون في دوما ودرعا وكان الإستثناء المفهوم والمعبر إلقاء الأحذية على رجال الأمن في حمص بعد العودة من تشييع شهداء مجزرة ساعة الساحة التي صارت ساحة للحرية .
في الزبداني القريبة من دمشق هتف المتظاهرون المسالمون "لا سلفية ولا أخوان حيوا أبطالنا الشجعان " وفي دوما واللاذقية كان شعار " إسلام ومسيحية نحن بدنا حرية" هو الغالب ، وفي جبلة وهي من البلدات الصغيرة المختلطة قرب اللاذقية رفع السوريون شعار " سنية وعلوية بدنا وحدة وطنية " وهو من الشعارات التي رمت الى تهدئة مخاوف الطائفة العلوية التي يخوفها بعض أركان النظام بأنها ستمحى عن بكرة أبيها إن زال حكم العائلة الأسدية التي لم تعد أكاذيبها تنطلي على طائفة لها تاريخ وطني عريق ودفع بعض أبنائها كأبناء الطوائف الأخرى ثمن معارضتهم لنظام الفساد والاستبداد والأمثلة على ذلك أكثر من الحصر.
وإن كان لابد من أمثلة فلنبدأ من القرداحة بلد الأسديين حيث جرى هناك تذويب الشاعر حسن الخير بالاسيد عقوبة على قصيدة "عصابتان " التي أنتقد فيها نظام حافظ الأسد والاخوان في الثمانينات من القرن الماضي ، ومن القرداحة ايضا تم سجن عبد العزيز الخير والعشرات من النشطاء اليساريين عدة أعوام ، وخارج "قرية السيطرة الى حين " لعل أشهر سجناء العلويين في عهد الاب والابن المفكر الاقتصادي الكبير عارف دليلة الذي قضى قرابة اثني عشر عاما معظمها في زنزانة انفرادية عقوبة له على محاضرة تحدثت عن فساد الأسرة الحاكمة في زمن صمت فيه الشجعان .
والى هذه القائمة من المضطهدين العلويين يضاف فاتح جاموس ونزار نيوف ، ومئات من حزب العمل الشيوعي الذي كانت أغلبيته من شباب الساحل المثقف، ومع هؤلاء ابناء دوير بعبدا بلد صلاح جديد وحريصون ومناطق علوية كثيرة أهملت لأنها ليست من أتباع الطائفة التي تنتمي إليها العائلة الحاكمة التي حاولت الايحاء لابناء الطائفة بأن بقاءها في الحكم ضمانة لهم لكنهم كانوا يدركون ، وما زالوا بأن أستبداد تلك العائلة هو الخطر الأكبر الذي يهددهم ويريد عزلهم عن باقي مكونات الشعب السوري الذي أفشل ، بذكاء منقطع النظير نفير الفتن الطائفية الذي سارع اليه النظام منذ أول جولة أحتجاجات لأنه نظام هش ومرعوب ، وقد أثبتت الأحداث حجم ذعره من إنتفاضة بدأها أطفال من درعا الباسلة التي كانت أول من ينتقل مع بانياس لرفع شعار إسقاط النظام .
وما دمنا نقرأ الثورة السورية بشعاراتها ، وتطور خطابها فلا بد أن نلاحظ أن الشعار المشترك لكافة المناطق كان " اللي بيقتل شعبه خاين " ، وبهذا الشعار تكون مرحلة إحتكار الوطنية وتوزيع صكوكها على المستفيدين من قبل فئة باغية قد أنتهت فالشعب يوجه اليوم أصابعه الى الخونة الحقيقين الذين أطلقوا الرصاص على المسالمين وينتظر كلمة حاسمة من الصامت الأكبر الى هذه اللحظة وهو الجيش السوري .
لقد انتصرت الثورة التونسية حين انحاز الجيش الى الشعب وحمى المتظاهرين من رصاص المخابرات والأمر نفسه حدث في مصر وسيحدث في سوريا لكن الامور هنا أكثر تعقيدا ، فالقيادة السورية لا تريد تكرار ما حدث في بانياس حين خسرت كل رصيدها من الاكاذيب التي بثتها بعناية بمشاهد الشبيحة الذين أرسلتهم لضبط البلد فقاموا بحملة "تعفيس متظاهرين" جلب لها الخزي على الصعيد العالمي ، وحين أضطرت لانزال الجيش حصل ما توقعته حين امتنع الجنود عن اطلاق الرصاص على الشعب ، فأعدمت بعضهم لتبث رسالة رعب داخل جيش كان وسيظل وطنيا ودرعا لشعبه .
وليس سرا إن الجيش السوري حصل له وان بصورة أخف ما حصل للجيش الليبي مع كتائب القذافي من تهميش لأغلبية قطاعاته وقصر التسليح الحديث على الحرس الجمهوري والقوات الخاصة وبعض الفرق الخاضعة مباشرة للعائلة ولكن ولأن سوريا دولة مواجهة ما كان بالامكان إهمال الجيش بالكامل والاعتماد على " الكتائب والمرتزقة " كما حدث في ليبيا فظل الجيش السوري قويا متماسكا ، وسينزل الى الشوارع ليحمي السوريين في اللحظة المناسبة حتى وان لم تطلب منه القيادة النزول متخوفة من موقفه بعد تجربة بانياس التي علمتها ان المواطنين يزدادون قوة وحماسا حين يرون الجيش في شوارعهم جنبا الى جنب معهم يعايش همومهم ويحميهم من رصاص الشبيحة والمخابرات .
إن أجهزة الأمن السورية التي تقوم حتى هذه اللحظة بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين أذكى من أن تصطدم بالجيش وسيقوم بعض قادتها في لحظة ما بالتفاهم مع الجيش على ترك الحراك السياسي السوري المدني يأخذ مداه إلى أن تتم الإستجابة لمطالب المتظاهرين التي باتت واضحة وحاسمة من ناحية عدم القبول بالمسكنات الاصلاحية ، و قد بات الامن يدرك انه لا يستطيع الاستمرار في قمعها فالذي يحكم الناس ليس المخابرات ولكن الخوف وحين يزول ذلك الخوف يدرك أي جهاز أمن مهما كانت قوته أن دوره قد أنتهى وأن صيغة أخرى للحكم ستنبثق من شعارات المتظاهرين ودخان حرائق ملفاته المنذرة بانتهاء مرحلة وبداية أخرى .
قد يكون هذا السيناريو ورديا لكنه حتى الآن السيناريو الوحيد المقبول عسكريا ومدنيا لأن السيناريو الآخر رهيب ، ولا يجرؤ على التفكير به أو تنفيذه إلا أعتى المجرمين ، وهؤلاء موجودون طبعا ، والقدرة على تحجيمهم ، ومنعهم من نقل الصراع الى داخل الجيش موجودة أيضا ، وفي لحظات الحسم ، وكما عودتنا التجارب ودروس التاريخ الحديث يسارع المذعورون الى الرحيل ولا يختارون المواجهة إلا اذا أغلقت في وجوههم جميع دروب الهروب .
في الزبداني القريبة من دمشق هتف المتظاهرون المسالمون "لا سلفية ولا أخوان حيوا أبطالنا الشجعان " وفي دوما واللاذقية كان شعار " إسلام ومسيحية نحن بدنا حرية" هو الغالب ، وفي جبلة وهي من البلدات الصغيرة المختلطة قرب اللاذقية رفع السوريون شعار " سنية وعلوية بدنا وحدة وطنية " وهو من الشعارات التي رمت الى تهدئة مخاوف الطائفة العلوية التي يخوفها بعض أركان النظام بأنها ستمحى عن بكرة أبيها إن زال حكم العائلة الأسدية التي لم تعد أكاذيبها تنطلي على طائفة لها تاريخ وطني عريق ودفع بعض أبنائها كأبناء الطوائف الأخرى ثمن معارضتهم لنظام الفساد والاستبداد والأمثلة على ذلك أكثر من الحصر.
وإن كان لابد من أمثلة فلنبدأ من القرداحة بلد الأسديين حيث جرى هناك تذويب الشاعر حسن الخير بالاسيد عقوبة على قصيدة "عصابتان " التي أنتقد فيها نظام حافظ الأسد والاخوان في الثمانينات من القرن الماضي ، ومن القرداحة ايضا تم سجن عبد العزيز الخير والعشرات من النشطاء اليساريين عدة أعوام ، وخارج "قرية السيطرة الى حين " لعل أشهر سجناء العلويين في عهد الاب والابن المفكر الاقتصادي الكبير عارف دليلة الذي قضى قرابة اثني عشر عاما معظمها في زنزانة انفرادية عقوبة له على محاضرة تحدثت عن فساد الأسرة الحاكمة في زمن صمت فيه الشجعان .
والى هذه القائمة من المضطهدين العلويين يضاف فاتح جاموس ونزار نيوف ، ومئات من حزب العمل الشيوعي الذي كانت أغلبيته من شباب الساحل المثقف، ومع هؤلاء ابناء دوير بعبدا بلد صلاح جديد وحريصون ومناطق علوية كثيرة أهملت لأنها ليست من أتباع الطائفة التي تنتمي إليها العائلة الحاكمة التي حاولت الايحاء لابناء الطائفة بأن بقاءها في الحكم ضمانة لهم لكنهم كانوا يدركون ، وما زالوا بأن أستبداد تلك العائلة هو الخطر الأكبر الذي يهددهم ويريد عزلهم عن باقي مكونات الشعب السوري الذي أفشل ، بذكاء منقطع النظير نفير الفتن الطائفية الذي سارع اليه النظام منذ أول جولة أحتجاجات لأنه نظام هش ومرعوب ، وقد أثبتت الأحداث حجم ذعره من إنتفاضة بدأها أطفال من درعا الباسلة التي كانت أول من ينتقل مع بانياس لرفع شعار إسقاط النظام .
وما دمنا نقرأ الثورة السورية بشعاراتها ، وتطور خطابها فلا بد أن نلاحظ أن الشعار المشترك لكافة المناطق كان " اللي بيقتل شعبه خاين " ، وبهذا الشعار تكون مرحلة إحتكار الوطنية وتوزيع صكوكها على المستفيدين من قبل فئة باغية قد أنتهت فالشعب يوجه اليوم أصابعه الى الخونة الحقيقين الذين أطلقوا الرصاص على المسالمين وينتظر كلمة حاسمة من الصامت الأكبر الى هذه اللحظة وهو الجيش السوري .
لقد انتصرت الثورة التونسية حين انحاز الجيش الى الشعب وحمى المتظاهرين من رصاص المخابرات والأمر نفسه حدث في مصر وسيحدث في سوريا لكن الامور هنا أكثر تعقيدا ، فالقيادة السورية لا تريد تكرار ما حدث في بانياس حين خسرت كل رصيدها من الاكاذيب التي بثتها بعناية بمشاهد الشبيحة الذين أرسلتهم لضبط البلد فقاموا بحملة "تعفيس متظاهرين" جلب لها الخزي على الصعيد العالمي ، وحين أضطرت لانزال الجيش حصل ما توقعته حين امتنع الجنود عن اطلاق الرصاص على الشعب ، فأعدمت بعضهم لتبث رسالة رعب داخل جيش كان وسيظل وطنيا ودرعا لشعبه .
وليس سرا إن الجيش السوري حصل له وان بصورة أخف ما حصل للجيش الليبي مع كتائب القذافي من تهميش لأغلبية قطاعاته وقصر التسليح الحديث على الحرس الجمهوري والقوات الخاصة وبعض الفرق الخاضعة مباشرة للعائلة ولكن ولأن سوريا دولة مواجهة ما كان بالامكان إهمال الجيش بالكامل والاعتماد على " الكتائب والمرتزقة " كما حدث في ليبيا فظل الجيش السوري قويا متماسكا ، وسينزل الى الشوارع ليحمي السوريين في اللحظة المناسبة حتى وان لم تطلب منه القيادة النزول متخوفة من موقفه بعد تجربة بانياس التي علمتها ان المواطنين يزدادون قوة وحماسا حين يرون الجيش في شوارعهم جنبا الى جنب معهم يعايش همومهم ويحميهم من رصاص الشبيحة والمخابرات .
إن أجهزة الأمن السورية التي تقوم حتى هذه اللحظة بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين أذكى من أن تصطدم بالجيش وسيقوم بعض قادتها في لحظة ما بالتفاهم مع الجيش على ترك الحراك السياسي السوري المدني يأخذ مداه إلى أن تتم الإستجابة لمطالب المتظاهرين التي باتت واضحة وحاسمة من ناحية عدم القبول بالمسكنات الاصلاحية ، و قد بات الامن يدرك انه لا يستطيع الاستمرار في قمعها فالذي يحكم الناس ليس المخابرات ولكن الخوف وحين يزول ذلك الخوف يدرك أي جهاز أمن مهما كانت قوته أن دوره قد أنتهى وأن صيغة أخرى للحكم ستنبثق من شعارات المتظاهرين ودخان حرائق ملفاته المنذرة بانتهاء مرحلة وبداية أخرى .
قد يكون هذا السيناريو ورديا لكنه حتى الآن السيناريو الوحيد المقبول عسكريا ومدنيا لأن السيناريو الآخر رهيب ، ولا يجرؤ على التفكير به أو تنفيذه إلا أعتى المجرمين ، وهؤلاء موجودون طبعا ، والقدرة على تحجيمهم ، ومنعهم من نقل الصراع الى داخل الجيش موجودة أيضا ، وفي لحظات الحسم ، وكما عودتنا التجارب ودروس التاريخ الحديث يسارع المذعورون الى الرحيل ولا يختارون المواجهة إلا اذا أغلقت في وجوههم جميع دروب الهروب .