ويحمل الكثير من الدلالات الرمزيّة الإيجابيّة في أذهان الناس. لكنّ إصرار هذه «النخبة» على حرف الصراع الحالي عن مساره، عبر اختراع معارك وهميّة أو ثانويّة، يشير إلى مسألة أشدّ عمقاً. فالواقع أنّ الأنظمة التي تضعف أو تسقط اليوم، يتهاوى على ضفافها أيضاً قسم كبير من مثقّفيها المعارضين الذين يحملون في الجوهر خطاب السلطة نفسه. كأنّ هؤلاء حين يدافعون عن الأنظمة، لا يدافعون عن ديكتاتور أو عن بنية تسلّطية، بل يدافعون عن شيء منهم.
يمكن، في هذا السياق، الحديث عن انتشار فجائيّ لخطاب العلمانيّة ومكافحة الفساد. وتأتي المفاجأة من كون هذا الهوى العلمانيّ يهبّ علينا فيما تعيش العلمانية مأزقها في أوروبا نفسها حيث يتأكّد يوماً بعد آخر استحالة صمود «الصفقة» التي عُقدت بين الكنيسة والدولة من دون أن يتعرّض المواطنون المسلمون للتمييز ضدّهم. أمّا اقتحام الفساد للأدبيّات الاقتصاديّة، فلم يكن إلا للتغطية على عجز النماذج التنمويّة السائدة عن الوفاء بوعودها. لكن، في زحمة المأزقين العلماني والتنموي، الاجتماعي والاقتصادي، نجد الأنظمة تعيدهما إلى صدارة المشهد للتغطية على مأزقها السياسي، أي مشاركة المواطنين في السلطة، يعاونها في ذلك ـــــ بتواطؤ غير مقصود غالباً ـــــ مثقّفون يدافعون في الحقيقة عن موقعهم في الحقل.
هكذا يراقب بعض «النخبة» اليوم التظاهرات بريبة شديدة، بحجّة أنّ علمانيّة المتظاهرين مشكوك في أمرها، أو ليست علمانيّة مكتملة. ويعيد آخرون المشكلة الاقتصاديّة في سوريا وغيرها، إلى الفساد وحده، قبل أن تعطى السلطة الحاليّة قدرة عجائبيّة على مكافحة هذا الفساد.
لم يتورّع أدونيس، مثلاً، عن التعالي على تظاهرات «تخرج من الجوامع»، وإن أدان مشكوراً إطلاق الرصاص عليها. وفي تعليق لاحق، قدّم نصحه للطرفين: أن تتخلّى الدولة عن ثقافة الحزب الواحد، وأن يتبنّى المحتجّون برنامجاً واضحاً بشأن «ضرورة قيام مجتمع جديد علماني».
فليعُد المحتجّون إلى البيت إذاً، وليطهّروا أنفسهم من العناصر «المدسوسة» غير العلمانيّة، قبل أن يستحقّوا شرف الصراخ: حريّة... حريّة
-------------------
الاخبار اللبنانية
يمكن، في هذا السياق، الحديث عن انتشار فجائيّ لخطاب العلمانيّة ومكافحة الفساد. وتأتي المفاجأة من كون هذا الهوى العلمانيّ يهبّ علينا فيما تعيش العلمانية مأزقها في أوروبا نفسها حيث يتأكّد يوماً بعد آخر استحالة صمود «الصفقة» التي عُقدت بين الكنيسة والدولة من دون أن يتعرّض المواطنون المسلمون للتمييز ضدّهم. أمّا اقتحام الفساد للأدبيّات الاقتصاديّة، فلم يكن إلا للتغطية على عجز النماذج التنمويّة السائدة عن الوفاء بوعودها. لكن، في زحمة المأزقين العلماني والتنموي، الاجتماعي والاقتصادي، نجد الأنظمة تعيدهما إلى صدارة المشهد للتغطية على مأزقها السياسي، أي مشاركة المواطنين في السلطة، يعاونها في ذلك ـــــ بتواطؤ غير مقصود غالباً ـــــ مثقّفون يدافعون في الحقيقة عن موقعهم في الحقل.
هكذا يراقب بعض «النخبة» اليوم التظاهرات بريبة شديدة، بحجّة أنّ علمانيّة المتظاهرين مشكوك في أمرها، أو ليست علمانيّة مكتملة. ويعيد آخرون المشكلة الاقتصاديّة في سوريا وغيرها، إلى الفساد وحده، قبل أن تعطى السلطة الحاليّة قدرة عجائبيّة على مكافحة هذا الفساد.
لم يتورّع أدونيس، مثلاً، عن التعالي على تظاهرات «تخرج من الجوامع»، وإن أدان مشكوراً إطلاق الرصاص عليها. وفي تعليق لاحق، قدّم نصحه للطرفين: أن تتخلّى الدولة عن ثقافة الحزب الواحد، وأن يتبنّى المحتجّون برنامجاً واضحاً بشأن «ضرورة قيام مجتمع جديد علماني».
فليعُد المحتجّون إلى البيت إذاً، وليطهّروا أنفسهم من العناصر «المدسوسة» غير العلمانيّة، قبل أن يستحقّوا شرف الصراخ: حريّة... حريّة
-------------------
الاخبار اللبنانية