في جلسات الحوار الوطني سمعت كلاما كثيرا مهما ومفيدا، ولكن أهم ما سمعت هو السؤال الذى طرحته المستشارة الفاضلة تهاني الجبالي حيث قالت ما هي الآلية التي صدر بناء عليها الإعلان الدستورى ومن قبله قانون الاحزاب وقانون منع التظاهر، هل هي لجنة البشرى أم من خلال وزارة العدل؟... ولم نسمع من الدكتور يحى الجمل إجابة على هذا السؤال الهام والرئيسي مما يعنى في تقديري أن هناك انفصال بين آلية الحوار وآلية صنع القرار، مما يجعل الحوار يندرج تحت مسمى تضييع الوقت وامتصاص واستيعاب بعض المثقفين وتحييدهم في هذه الفترة الخطيرة التي تصاغ فيها القوانين والقرارات في جهة ثانية ربما لا يعنيها هذا الحوار.
والسؤال هو على ماذا يتحاور المجتمعون؟
لقد تم تشكيل لجنة التعديلات الدستورية بلا حوار، وتم دفع الاستفتاء في اتجاه معين بلا حوار، وتم صدور قانون تشكيل الاحزاب بلا حوار، وتم صدور قانون لمنع التظاهر السلمى بلا حوار رغم أن الثورة ذاتها قامت لكسر حظر التظاهر السلمى ونجحت لأنها تحدت هذا المنع.
إذن لقد تم انجاز آليات العمل في الفترة الانتقالية بلا حوار رغم خطورة ذلك على مستقبل مصر، بل وآليات العمل بعد ذلك تم تحديدها حيث سيتولى مجلس الشعب الجديد، وهو بالمناسبة سيكون مجلس خطير جدا وتركيبته معروفة مقدما، سيتولى هذا المجلس الاشراف على أعداد دستور جديد للبلاد وكذا اصدار الكثير من القوانين الهامة...إذن على ماذا يتحاور المجتمعون؟ وما قيمة هذا الحوار والخطوط الرئيسية تم وضعها سواء في الفترة الانتقالية أو بعد ذلك؟.
ولهذا كان سؤال المستشارة تهاني الجبالي هو الاهم في جلسة الحوار كلها لأنها تتشكك في أن لجنة البشرى بالتعاون مع الجيش هي التي لها اليد العليا في كل ما حدث من قوانين وإعلانات وتعديلات دستورية... وهنا نكون إزاء طبخة تعد لمستقبل مصر والشعب وضع في دور المتفرج كما كان يحدث سابقا. لهذا لم يكن مستغربا أن قانون الاحزاب جاء سيئا ومفخخا، والإعلان الدستورى مشوه وردئ وهو بمثابة بث الحياة في دستور 71 الميت، وجاء قانون منع التظاهر في محاولة لإجهاض الثورة،وجاءت التعديلات الدستورية مفصلة لخدمة تيار معين وادير الاستفتاء عليها بطريقة تخدم هذا التيار لتقسيم المجتمع المصري على أساس ديني.
ولهذا أيضا لم يكن مستغربا ترحيب جماعة الاخوان المسلمين ومعها التيارات الدينية الأخرى بكل ما حدث من إجراءات اتخذت من قبل المجلس العسكري؟؟؟!!!!
الحدث الثاني في نفس اليوم هو خروج الإعلان الدستورى والمؤتمر الصحفي الذى رافقه، وقد شدني في هذا الإعلان إنه إعلان مطول جدا من 62 مادة منقول في مجمله من دستور 1971 المرفوض من الشعب مع اضافة المواد التي جرى عليها الاستفتاء، والغريب أن اللواء ممدوح شاهين قال أن الدستور الجديد سيشتمل على هذه المواد وكأنه حدد الخطوط الرئيسية للدستور الجديد، والأخطر من ذلك إنه وصف المادة الثانية من الدستور والتي جاءت أيضا مادة ثانية في الإعلان الدستورى بأنها " مادة فوق دستورية" بما يعنى أنها مادة تنسخ ما يخالفها من مواد دستورية أو تقيدها بقيد الشريعة، وهو نفس الكلام الذى قاله فتحي سرور أثناء التعديلات الدستورية عام 2005.والأهم من ذلك أنه لا يوجد شيء اسمه مادة فوق دستورية وهى موجودة في الدستور، كيف تكون مادة موجودة في الدستور وتوصف بأنها فوق دستورية؟. المبادئ فوق الدستورية هي المتعلقة بالمساواة والمواطنة وحقوق الإنسان، وهى الموجودة في المواثيق الدولية حاليا، فالمواثيق الدولية تعلوا على كل القوانين المحلية بما في ذلك الدساتير ذاتها، وهذا ما نصت عليه المادة الخامسة من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية السياسية من أنه " لا يجوز تقييد أي من حقوق الإنسان الحقيقية المقررة في أية دولة طرف في الاتفاقية استنادا إلى القانون المحلى أو الاتفاقيات أو اللوائح أو التحلل منها بحجة عدم إقرار الاتفاق أو إقرارها بدرجة أقل".
وقد أقرت المحكمة الدستورية العليا في أمريكا بأنها لا تكتفى بالرقابة على مطابقة القوانين للدستور، ولكن أيضا تحقق فوق ذلك في عدم مخالفة التشريعات لإعلانات الحقوق.
إن المبادئ فوق الدستورية والتي جاءت في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان هي نتاج نضال طويل ضد الاستبداد منذ ما يعرف بالمجانا كارتا أو العهد الأعظم الصادر عام 1215، ثم جاءت معاهدة وستفاليا عام 1648 لتقر تأسيس الدولة الحديثة كدولة المواطنين وليس الرعايا الدينيين، ثم وثيقة قانون الحقوق في بريطانيا عام 1689،ثم وثيقة الاستقلال الأمريكي عام 1776، والإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان في اعقاب الثورة الفرنسية والصادر في عام 1789، تلى ذلك الجهود الدولية لحقوق الإنسان وكانت البداية صدور ميثاق الأمم المتحدة متضمنا في مادته الأولى " تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء". وأعقب ذلك إجراء آخر حيث أقرت دول العالم في شبه إجماع " الإعلان العلمي لحقوق الإنسان" الصادر في 10 ديسمبر عام 1948، كما اقرت أيضا العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والملاحق والبروتوكولات المرفقة بهما اللذين دخل حيز التنفيذ عام 1976، هذا فضلا عن عشرات المواثيق والاتفاقيات والإعلانات الدولية.
ولهذا فان المبادئ فوق الدستورية المتعلقة بالحريات والمساواة والمواطنة، والموجودة في المواثيق الدولية، هي نتاج نضال الإنسان عبر قرون طويلة ضد الظلم والقمع والاستبداد والفساد والعنصرية.
أما وصف المادة الثانية بأنها فوق دستورية فهذا معناه تدمير الدستور لصالح حكم الشريعة، وتفريغ مواد المواطنة والمساواة والحريات من مضامينها، وتكريس التمييز الديني، ومخالفة المواثيق الدولية، والأهم معناه ضرب كل شعارات الثورة في مقتل والتي كانت ترفع " مدنية مدنية... سلمية سلمية".
المشكلة الأساسية تكمن في أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لا يعترف بشرعية الثورة وإنما بشرعية يوليو 1952 ودستورها لعام 1971، ولهذا جاء الاستفتاء على التعديلات التي طرحها الرئيس السابق واضاف لها باقي المواد من دستور 1971 ليشكلا معا الإعلان الدستورى الجديد، والمجلس هنا متسقا مع نفسه فيما يقوم به، ولو كان اعترف بشرعية 25 يناير ما كنا محتاجين للتعديلات الدستورية ولا للاستفتاء عليها بل فقط إلى إعلان دستوري قصير يشتمل على أهم المواد الحاكمة للفترة الانتقالية لحين كتابة دستور جديد.
ولهذا فإننى على المستوى الشخصي أعلن رفضي للتعديلات الدستورية ولقانون منع التظاهر ولقانون الأحزاب وللإعلان الدستورى لأنها جميعا امتداد لعهد مبارك الفاسد المتحالف مع التيارات الدينية لخلق حالة انقسام واحتقانات دينية تجر مصر إلى الخلف.
لقد قامت الثورة من أجل إعادة بناء مصر كدولة حديثة تسعى للمستقبل، ولكن ما حدث حتى الآن يشير إلى محاولة جر مصر إلى الخلف... إلى العصور الوسطى... إلى الدولة الدينية الفاشلة تاريخيا والخطيرة إنسانيا والمدمرة لمفهوم الوطن والمواطنة.
magdi.khalil@hotmail.com
والسؤال هو على ماذا يتحاور المجتمعون؟
لقد تم تشكيل لجنة التعديلات الدستورية بلا حوار، وتم دفع الاستفتاء في اتجاه معين بلا حوار، وتم صدور قانون تشكيل الاحزاب بلا حوار، وتم صدور قانون لمنع التظاهر السلمى بلا حوار رغم أن الثورة ذاتها قامت لكسر حظر التظاهر السلمى ونجحت لأنها تحدت هذا المنع.
إذن لقد تم انجاز آليات العمل في الفترة الانتقالية بلا حوار رغم خطورة ذلك على مستقبل مصر، بل وآليات العمل بعد ذلك تم تحديدها حيث سيتولى مجلس الشعب الجديد، وهو بالمناسبة سيكون مجلس خطير جدا وتركيبته معروفة مقدما، سيتولى هذا المجلس الاشراف على أعداد دستور جديد للبلاد وكذا اصدار الكثير من القوانين الهامة...إذن على ماذا يتحاور المجتمعون؟ وما قيمة هذا الحوار والخطوط الرئيسية تم وضعها سواء في الفترة الانتقالية أو بعد ذلك؟.
ولهذا كان سؤال المستشارة تهاني الجبالي هو الاهم في جلسة الحوار كلها لأنها تتشكك في أن لجنة البشرى بالتعاون مع الجيش هي التي لها اليد العليا في كل ما حدث من قوانين وإعلانات وتعديلات دستورية... وهنا نكون إزاء طبخة تعد لمستقبل مصر والشعب وضع في دور المتفرج كما كان يحدث سابقا. لهذا لم يكن مستغربا أن قانون الاحزاب جاء سيئا ومفخخا، والإعلان الدستورى مشوه وردئ وهو بمثابة بث الحياة في دستور 71 الميت، وجاء قانون منع التظاهر في محاولة لإجهاض الثورة،وجاءت التعديلات الدستورية مفصلة لخدمة تيار معين وادير الاستفتاء عليها بطريقة تخدم هذا التيار لتقسيم المجتمع المصري على أساس ديني.
ولهذا أيضا لم يكن مستغربا ترحيب جماعة الاخوان المسلمين ومعها التيارات الدينية الأخرى بكل ما حدث من إجراءات اتخذت من قبل المجلس العسكري؟؟؟!!!!
الحدث الثاني في نفس اليوم هو خروج الإعلان الدستورى والمؤتمر الصحفي الذى رافقه، وقد شدني في هذا الإعلان إنه إعلان مطول جدا من 62 مادة منقول في مجمله من دستور 1971 المرفوض من الشعب مع اضافة المواد التي جرى عليها الاستفتاء، والغريب أن اللواء ممدوح شاهين قال أن الدستور الجديد سيشتمل على هذه المواد وكأنه حدد الخطوط الرئيسية للدستور الجديد، والأخطر من ذلك إنه وصف المادة الثانية من الدستور والتي جاءت أيضا مادة ثانية في الإعلان الدستورى بأنها " مادة فوق دستورية" بما يعنى أنها مادة تنسخ ما يخالفها من مواد دستورية أو تقيدها بقيد الشريعة، وهو نفس الكلام الذى قاله فتحي سرور أثناء التعديلات الدستورية عام 2005.والأهم من ذلك أنه لا يوجد شيء اسمه مادة فوق دستورية وهى موجودة في الدستور، كيف تكون مادة موجودة في الدستور وتوصف بأنها فوق دستورية؟. المبادئ فوق الدستورية هي المتعلقة بالمساواة والمواطنة وحقوق الإنسان، وهى الموجودة في المواثيق الدولية حاليا، فالمواثيق الدولية تعلوا على كل القوانين المحلية بما في ذلك الدساتير ذاتها، وهذا ما نصت عليه المادة الخامسة من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية السياسية من أنه " لا يجوز تقييد أي من حقوق الإنسان الحقيقية المقررة في أية دولة طرف في الاتفاقية استنادا إلى القانون المحلى أو الاتفاقيات أو اللوائح أو التحلل منها بحجة عدم إقرار الاتفاق أو إقرارها بدرجة أقل".
وقد أقرت المحكمة الدستورية العليا في أمريكا بأنها لا تكتفى بالرقابة على مطابقة القوانين للدستور، ولكن أيضا تحقق فوق ذلك في عدم مخالفة التشريعات لإعلانات الحقوق.
إن المبادئ فوق الدستورية والتي جاءت في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان هي نتاج نضال طويل ضد الاستبداد منذ ما يعرف بالمجانا كارتا أو العهد الأعظم الصادر عام 1215، ثم جاءت معاهدة وستفاليا عام 1648 لتقر تأسيس الدولة الحديثة كدولة المواطنين وليس الرعايا الدينيين، ثم وثيقة قانون الحقوق في بريطانيا عام 1689،ثم وثيقة الاستقلال الأمريكي عام 1776، والإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان في اعقاب الثورة الفرنسية والصادر في عام 1789، تلى ذلك الجهود الدولية لحقوق الإنسان وكانت البداية صدور ميثاق الأمم المتحدة متضمنا في مادته الأولى " تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء". وأعقب ذلك إجراء آخر حيث أقرت دول العالم في شبه إجماع " الإعلان العلمي لحقوق الإنسان" الصادر في 10 ديسمبر عام 1948، كما اقرت أيضا العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والملاحق والبروتوكولات المرفقة بهما اللذين دخل حيز التنفيذ عام 1976، هذا فضلا عن عشرات المواثيق والاتفاقيات والإعلانات الدولية.
ولهذا فان المبادئ فوق الدستورية المتعلقة بالحريات والمساواة والمواطنة، والموجودة في المواثيق الدولية، هي نتاج نضال الإنسان عبر قرون طويلة ضد الظلم والقمع والاستبداد والفساد والعنصرية.
أما وصف المادة الثانية بأنها فوق دستورية فهذا معناه تدمير الدستور لصالح حكم الشريعة، وتفريغ مواد المواطنة والمساواة والحريات من مضامينها، وتكريس التمييز الديني، ومخالفة المواثيق الدولية، والأهم معناه ضرب كل شعارات الثورة في مقتل والتي كانت ترفع " مدنية مدنية... سلمية سلمية".
المشكلة الأساسية تكمن في أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لا يعترف بشرعية الثورة وإنما بشرعية يوليو 1952 ودستورها لعام 1971، ولهذا جاء الاستفتاء على التعديلات التي طرحها الرئيس السابق واضاف لها باقي المواد من دستور 1971 ليشكلا معا الإعلان الدستورى الجديد، والمجلس هنا متسقا مع نفسه فيما يقوم به، ولو كان اعترف بشرعية 25 يناير ما كنا محتاجين للتعديلات الدستورية ولا للاستفتاء عليها بل فقط إلى إعلان دستوري قصير يشتمل على أهم المواد الحاكمة للفترة الانتقالية لحين كتابة دستور جديد.
ولهذا فإننى على المستوى الشخصي أعلن رفضي للتعديلات الدستورية ولقانون منع التظاهر ولقانون الأحزاب وللإعلان الدستورى لأنها جميعا امتداد لعهد مبارك الفاسد المتحالف مع التيارات الدينية لخلق حالة انقسام واحتقانات دينية تجر مصر إلى الخلف.
لقد قامت الثورة من أجل إعادة بناء مصر كدولة حديثة تسعى للمستقبل، ولكن ما حدث حتى الآن يشير إلى محاولة جر مصر إلى الخلف... إلى العصور الوسطى... إلى الدولة الدينية الفاشلة تاريخيا والخطيرة إنسانيا والمدمرة لمفهوم الوطن والمواطنة.
magdi.khalil@hotmail.com