وهذا الكلام ليس أبداً مجرد تكهنات وافتراءات، بل وقائع مؤكدة ومثبتة، فهناك خوف كبير ينتاب إسرائيل وبعض القوى الإقليمية الأخرى من الثورات العربية المباركة. فلا يغرنكم العداء العربي الرسمي المعلن لإسرائيل، فهو عداء صوري للاستهلاك المحلي لا أكثر ولا أقل، وغير مقصود للتطبيق على أرض الواقع في معظم الأحيان، لكن ليس بسبب الضعف العربي، بل لأن الذين يتظاهرون بالعداء للأعداء لا يريدون تطبيقه أصلاً، والويل والثبور وعظائم الأمور لمن يحاول وضع ذلك العداء موضع التنفيذ، فإنه سيلقى عقاباً مريراً. إنه مجرد حبوب لتخدير الجماهير، أو تفريغ شحناتها النضالية في الهواء الطلق بدلاً من تحضيرها فعلاً لمعركة التحرير الحقيقة.
وهناك الكثير من الإشارات لأولي الألباب على أن معاداة إسرائيل المزعومة على مدى عقود لم تكن أكثر من لعبة مفضوحة. فلو كانت الأنظمة العربية تعادي العدو فعلاً لعاملت شعوبها بطريقة مختلفة تماماً، ولما وضعتها تحت الأحذية الثقيلة لعشرات السنين، ولما نزعت منها كل قيم النخوة والمواجهة والتحدي والمقاومة. لقد أخصى الطغاة العرب مجتمعاتنا، وحولوها إلى زرائب للأغنام وحظائر للنعاج وأقنان للدجاج. ولا شك أن أعداءنا ممتنون جداً للمستبدين العرب على جميلهم الذي لا يقدر بثمن.
يقول الكاتب الإسرائيلي آلوف بن : "قامت سياسة إسرائيل الإقليمية على ترتيبات وعلى توازن للرعب مع الديكتاتوريين العرب. لقد نُظر إلى سلطتهم على أنها حاجز طبيعي يقي إسرائيل من غضب الرعاع في الشارع العربي". ويحذر آلوف الولايات المتحدة من محاولة "نشر الديمقراطية دون رقيب". إسرائيل إذن مع الديكتاتورية للعالم العربي قلباً وقالباً. لقد بنى قادة إسرائيل كل استراتيجياتهم السياسية والعسكرية والاقتصادية للهيمنة على المنطقة والتحكم بها على دعم الخيار الديكتاتوري في منطقتنا، فهو الأنجع والأسلم بالنسبة للصهيونية والأكثر قدرة على تلبية حاجاتها واستتباب الأمن والهدوء لها، فهو يقايض فساده ووحشيته وتشبثه بالسلطة بتلبية المتطلبات الإسرائيلية المتمثلة أولاً وقبل كل شيء بكبح جماح الشارع، ووضعه تحت النعال كي تنام إسرائيل قريرة العين.
من هنا فإن لإسرائيل والأنظمة مصلحة مشتركة في أن تبقى هذه الشعوب خانعة ومستلبة. إنه حلف الأحلاف الذي يحارب من أجله هؤلاء بالنواجذ والأنياب لبقائه على قيد الحياة.
إذن هي معادلة واتفاق شرف وجنتلمان، وإن كان غير معلن، بين هذه الأنظمة وإسرائيل والقاضية بمقايضة الاستبداد بالبقاء، وكلما أمعنت هذه الأنظمة في القمع والطغيان كلما حصلت على درجات عالية في تقييم الأداء السياسي، ورضا ممن يدير لعبة الشطرنج غير المتكافئة هذه، وبالتالي تفويضاً أطول للاستمرار. وكان أحد شروط هذه المعادلة زرع التخلف، وإنتاج الفقر، وتغريب المجتمعات وإضعاف القدرة على المقاومة وتقويض الأسس التي تقوم عليها الدول الحديثة ونشر الفساد على أوسع نطاق ، لكي تبقى إسرائيل الوحيدة القوية في الميدان. وهاهي تلك المعادلة تؤتي أكلها بأن أصبحت إسرائيل "سوبر بوار" في هذه المنطقة، بينما تداعت تلك الدول والأنظمة الفتاكة وأصبحت شراذم وكيانات ضعيفة مفككة وهشة تصارع من أجل البقاء في وجه شعوب فاض بها الكيل. ومهما تفعل إسرائيل فلن تكون قادرة على أن تكافئ هذه الأنظمة على هذا الإنجاز "العظيم الذي بدأ قاب قوسين أو أدنى على شفى الانهيار تحت ضغط الشعوب التي بدأت تكسر قيودها أخيراً.
ومن السخف والسذاجة أن يعتقد الليبراليون العرب أن إسرائيل أو أمريكا تفضلهم على الديكتاتوريين. فآخر ما تبتغيه إسرائيل والغرب في منطقتنا هو انتشار الديموقراطية أو تشجيع الليبرالية. وصدقوني لن تعمل إسرائيل على الإطاحة بأي نظام ديكتاتوري عربي إلا إذا وجدت بديلاً أكثر طغياناً وشمولية. فالديموقراطية خط أحمر!!
وكي نزيل الغشاوة عن عيون المنبهرين بالدعوات الأمريكية والإسرائيلية القديمة الجديدة لدمقرطة المنطقة وتخليصها من ربقة الشمولية والاستبداد، أود فقط أن أذكـّر بما قاله أحد السياسيين الإسرائيليين ذات مرة. فقد سئل عن دور إسرائيل بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانتهاء مهمتها في مواجهة الشيوعية والمد الاشتراكي في المنطقة العربية، فأجاب بكلمات تتطابق تماماً مع كلمات الكاتب الإسرائيلي آلوف بن المذكور آنفاً: " إن إحدى أهم مهام إسرائيل في المستقبل هو حماية الأنظمة العربية من السقوط" أمام أي ثورات شعبية أو انقلابات جماهيرية. أي أن هناك تحالفاً عضوياً مفضوحاً بين الديكتاتورية والصهيونية في المنطقة العربية. لا تتعجبوا! فإن الشغل الشاغل لعدوتنا "الحبيبة" هو حماية طغاتنا وجلادينا وفاسدينا ومعذبينا وهادري ثرواتنا وكراماتنا. وكل من يقول لكم عكس ذلك يكذب عليكم. "قالوا الجمل طلع النخلة، قال هذا الجمل وهذي النخلة."
لقد غصت سجوننا العربية الغراء بالمناضلين الحقيقيين ودعاة الديموقراطية والتحرر فقط من أجل عيون العدو، وبالتالي
فلا تحلموا بتحقيق الديموقراطية الحقيقية أو تحرير الأرض إلا بعد أن تتحرروا من نير الطغيان والاستبداد ودفنهما إلى غير رجعة، فهما أكبر حام وضامن لإسرائيل. ولعلكم تتذكرون أن عنترة بن شداد لم يصبح بطلاً إلا بعد أن تخلص من عبوديته، فعندما طلب منه أبوه أن يقاتل قال قولته الشهيرة: "العبد لا يكر يا أبتي"، فقال له: "كر فأنت حر"، فانطلق يقاتل بشكل أسطوري. بعبارة أخرى،"لا يحررها إلا أحرارها". ومعاذ الله أن يكون طغاتنا أحراراً إلا في التنكيل بالشعوب والأوطان وجعلها لقمة سائغة في فم الأعداء والطامعين.
لكن هيهات، هاهي الشعوب تواجه مخرز الطغاة بعيونها بعد أن حطمت جدار الخوف إلى غير رجعة. ولتذهب اللوبيات الإسرائيلية والإيرانية والعربية التي تحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، فلتذهب إلى الجحيم، وهي، بلا شك، ذاهبة لا محالة، ولن تجني غير الخيبة، لأن الشعوب قررت كنس أنظمة الطغيان المتصهينة إلى مزابل التاريخ.
-------------------------
fk4fk@hotmail.com
وهناك الكثير من الإشارات لأولي الألباب على أن معاداة إسرائيل المزعومة على مدى عقود لم تكن أكثر من لعبة مفضوحة. فلو كانت الأنظمة العربية تعادي العدو فعلاً لعاملت شعوبها بطريقة مختلفة تماماً، ولما وضعتها تحت الأحذية الثقيلة لعشرات السنين، ولما نزعت منها كل قيم النخوة والمواجهة والتحدي والمقاومة. لقد أخصى الطغاة العرب مجتمعاتنا، وحولوها إلى زرائب للأغنام وحظائر للنعاج وأقنان للدجاج. ولا شك أن أعداءنا ممتنون جداً للمستبدين العرب على جميلهم الذي لا يقدر بثمن.
يقول الكاتب الإسرائيلي آلوف بن : "قامت سياسة إسرائيل الإقليمية على ترتيبات وعلى توازن للرعب مع الديكتاتوريين العرب. لقد نُظر إلى سلطتهم على أنها حاجز طبيعي يقي إسرائيل من غضب الرعاع في الشارع العربي". ويحذر آلوف الولايات المتحدة من محاولة "نشر الديمقراطية دون رقيب". إسرائيل إذن مع الديكتاتورية للعالم العربي قلباً وقالباً. لقد بنى قادة إسرائيل كل استراتيجياتهم السياسية والعسكرية والاقتصادية للهيمنة على المنطقة والتحكم بها على دعم الخيار الديكتاتوري في منطقتنا، فهو الأنجع والأسلم بالنسبة للصهيونية والأكثر قدرة على تلبية حاجاتها واستتباب الأمن والهدوء لها، فهو يقايض فساده ووحشيته وتشبثه بالسلطة بتلبية المتطلبات الإسرائيلية المتمثلة أولاً وقبل كل شيء بكبح جماح الشارع، ووضعه تحت النعال كي تنام إسرائيل قريرة العين.
من هنا فإن لإسرائيل والأنظمة مصلحة مشتركة في أن تبقى هذه الشعوب خانعة ومستلبة. إنه حلف الأحلاف الذي يحارب من أجله هؤلاء بالنواجذ والأنياب لبقائه على قيد الحياة.
إذن هي معادلة واتفاق شرف وجنتلمان، وإن كان غير معلن، بين هذه الأنظمة وإسرائيل والقاضية بمقايضة الاستبداد بالبقاء، وكلما أمعنت هذه الأنظمة في القمع والطغيان كلما حصلت على درجات عالية في تقييم الأداء السياسي، ورضا ممن يدير لعبة الشطرنج غير المتكافئة هذه، وبالتالي تفويضاً أطول للاستمرار. وكان أحد شروط هذه المعادلة زرع التخلف، وإنتاج الفقر، وتغريب المجتمعات وإضعاف القدرة على المقاومة وتقويض الأسس التي تقوم عليها الدول الحديثة ونشر الفساد على أوسع نطاق ، لكي تبقى إسرائيل الوحيدة القوية في الميدان. وهاهي تلك المعادلة تؤتي أكلها بأن أصبحت إسرائيل "سوبر بوار" في هذه المنطقة، بينما تداعت تلك الدول والأنظمة الفتاكة وأصبحت شراذم وكيانات ضعيفة مفككة وهشة تصارع من أجل البقاء في وجه شعوب فاض بها الكيل. ومهما تفعل إسرائيل فلن تكون قادرة على أن تكافئ هذه الأنظمة على هذا الإنجاز "العظيم الذي بدأ قاب قوسين أو أدنى على شفى الانهيار تحت ضغط الشعوب التي بدأت تكسر قيودها أخيراً.
ومن السخف والسذاجة أن يعتقد الليبراليون العرب أن إسرائيل أو أمريكا تفضلهم على الديكتاتوريين. فآخر ما تبتغيه إسرائيل والغرب في منطقتنا هو انتشار الديموقراطية أو تشجيع الليبرالية. وصدقوني لن تعمل إسرائيل على الإطاحة بأي نظام ديكتاتوري عربي إلا إذا وجدت بديلاً أكثر طغياناً وشمولية. فالديموقراطية خط أحمر!!
وكي نزيل الغشاوة عن عيون المنبهرين بالدعوات الأمريكية والإسرائيلية القديمة الجديدة لدمقرطة المنطقة وتخليصها من ربقة الشمولية والاستبداد، أود فقط أن أذكـّر بما قاله أحد السياسيين الإسرائيليين ذات مرة. فقد سئل عن دور إسرائيل بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانتهاء مهمتها في مواجهة الشيوعية والمد الاشتراكي في المنطقة العربية، فأجاب بكلمات تتطابق تماماً مع كلمات الكاتب الإسرائيلي آلوف بن المذكور آنفاً: " إن إحدى أهم مهام إسرائيل في المستقبل هو حماية الأنظمة العربية من السقوط" أمام أي ثورات شعبية أو انقلابات جماهيرية. أي أن هناك تحالفاً عضوياً مفضوحاً بين الديكتاتورية والصهيونية في المنطقة العربية. لا تتعجبوا! فإن الشغل الشاغل لعدوتنا "الحبيبة" هو حماية طغاتنا وجلادينا وفاسدينا ومعذبينا وهادري ثرواتنا وكراماتنا. وكل من يقول لكم عكس ذلك يكذب عليكم. "قالوا الجمل طلع النخلة، قال هذا الجمل وهذي النخلة."
لقد غصت سجوننا العربية الغراء بالمناضلين الحقيقيين ودعاة الديموقراطية والتحرر فقط من أجل عيون العدو، وبالتالي
فلا تحلموا بتحقيق الديموقراطية الحقيقية أو تحرير الأرض إلا بعد أن تتحرروا من نير الطغيان والاستبداد ودفنهما إلى غير رجعة، فهما أكبر حام وضامن لإسرائيل. ولعلكم تتذكرون أن عنترة بن شداد لم يصبح بطلاً إلا بعد أن تخلص من عبوديته، فعندما طلب منه أبوه أن يقاتل قال قولته الشهيرة: "العبد لا يكر يا أبتي"، فقال له: "كر فأنت حر"، فانطلق يقاتل بشكل أسطوري. بعبارة أخرى،"لا يحررها إلا أحرارها". ومعاذ الله أن يكون طغاتنا أحراراً إلا في التنكيل بالشعوب والأوطان وجعلها لقمة سائغة في فم الأعداء والطامعين.
لكن هيهات، هاهي الشعوب تواجه مخرز الطغاة بعيونها بعد أن حطمت جدار الخوف إلى غير رجعة. ولتذهب اللوبيات الإسرائيلية والإيرانية والعربية التي تحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، فلتذهب إلى الجحيم، وهي، بلا شك، ذاهبة لا محالة، ولن تجني غير الخيبة، لأن الشعوب قررت كنس أنظمة الطغيان المتصهينة إلى مزابل التاريخ.
-------------------------
fk4fk@hotmail.com