استقطبت أوروبا نتيجة سياستها الإستعمارية وتسببت من بعدها نتيجة عولمة الإقتصاد في السنين الأخيرة هجرة ملايين البشر من دوائر ثقافية مختلفة إليها، وقد كان ذلك كان في صالحها. وقد أدى التحول الديمغرافي المرافق للهجرة إلى اعتبار التعدد الثقافي أمرا لم تعد فيه رجعة وإلى أزمة هوية عميقة عند الأوروبيين. من وجهة نظر قراءة أوربية وطبقا للوعي الذي أضحى بديهية للجميع في الغالبية العظمى للدول الغربية، فإن العقلية الأوروبية قد قامت في القرنين الأخيرين بصيرورة علمانية Säkularisierung، لكنها صيرورة أُولت بطريقتين متناقضتين: من جهة يقابل كل ما هو ديني بنوع من الحذر إلى حدود الإلتساق العنيف بالعلمانية كنوع من الدين. ومن جهة أخرى يرجع المرء بنوع من "الإنفصام الثقافي"، كرد فعل على تنامي الإسلام في أوروبا، إلى الجذور المسيحية لأوروبا. وفي كلا الحالتين يرجع المرء إلى إرثه ودينه الخاص، حتى وإن كان ذلك لأسباب مختلفة، على الرغم من أنه يظهر بأن صيرورات الحالتين تتعاضد فيما بينها.
هناك إشكاليتين مصيريتين نواجهها نحن الأوروبيون في مطلع هذا القرن لها علاقة بأزمة هويتنا:
أ. سياسيا ـ ثقافيا: كيف تتصرف أوروبا مع واقعة التعدد الثقافي، على اعتبار الواقع التاريخي الحالي المتمثل في كون الدولة الوطنية "التقليدية" في وحدتها الإثنية والثقافية لم تعد إلا وهما؟ هل المرء في إطار إعادة تحديد جديدة لمفهوم الوطن والتحرر من وهم المجال الأحادي الثقافة الذي كانت تحدد معالمه الدولة؟ وقد يساعدنا الفهم السويسري لذواتهم كـ"دولة ذات إرادة" إلى إيجاد مخرج هنا. فبعد الإستفتاء حول الصومعة أو المأذنة، أصبح هذا الفهم على محك الإمتحان، شريطة ألا يُؤول مفهوم دولة ذات إرادة انتقائيا، بل يجب أن يشمل مواطني كل الجماعات الدينية الأخرى. إضافة إلى هذا، فهل الأوروبيون على استعداد للإعتراف بأن قارتهم "المجزأة" قد ابتعدت هويتها منذ زمن طويل عن المسيحية؟ هل يمكنهم قبول الفهم الديني والثقافي البديهي لمجموعات تنتمي لتقاليد أخرى على الأقل بحياد وتسامح على أساس مبدأ القبول المتبادل بينهم وبين الآخرين؟
ب. سياسيا ـ قانونيا: كيف تستطيع أروربا التوفيق بين الواقع المتعدد الثقافات، والذي تسببت فيه هي بنفسها حتى ولو كان ذلك بمثابة نتيجة لم تكن متوقعة، و"القيم الأوروبية" التي تدافع عنها؟ يتعلق الأمر هنا بالخصوص مطابقة السياسة والقيم القانونية مع التشريعات القانونية المُؤَسسة على حقوق الإنسان لكل دولة أوروبية على حدة، وبصفة عامة مع إلتزامات حقوق الشعوب من طرف كل دولة أوروبية (إذا كان المرء يفهم حقوق الإنسان كحق مفروض jus cogens لحقوق الشعوب العامة).
لقد أظهر القرار الشعبي السويسري، والذي دُونَ عن طريقه في التشريع السويسري منع بناء الصوامع، المشاكل المرتبطة بالتعايش المتعدد الثقافات بطريقة مثالية، حتى بالنسبة للذين لم يريدوا عن وعي إلى حد الآن رؤية المشكل في عمقه. وإذا تركنا الإشكالية القانونية جانبا، والتي سنرجع لها فيما بعد، فإن هذا القرار يُعتبر قبل كل شيء كعَرضِ لمشكل تعاني منه أوروبا بكاملها كُبتَ لمدة طويلة.
لا يجب على المرء، فيما يخص البعد الديمقراطي السياسي، رمي الصبي مع الماء الذي استحم فيه. فلا يجب اعتبار نتيجة الإستفتاء كحجة ضد الديمقراطية المباشرة. لا يتعلق الأمر هنا بحط الشعب ـ المواطن ـ محط تساؤل كشعب ومواطن حر منتج الدستور، لكن الأمر يتعلق فقط بالظروف التي تمارس فيها الديمقراطية المباشرة. فلا يكون للقرارات ـ بغض النظر عن الجهة المقررة ـ أي معنى إلا إذا كانت مؤسسة على معلومات دقيقة وكانت مسبوقة بنقاش عام واسع يُفسح فيه المجال لكل وجهات النظر سواء كانت مع أو ضد القرار. والظاهر أن هذا الشرط لم يتحقق فيما يتعلق بالإستفتاء حول الصومعة.
لكن هناك سؤال مبدئي متعلق بسياسة الدولة، لا يحق لسويسرا ترحه دون إجابة:
كيف يمكن النظر لشكل الديمقراطية السويسرية المباشرة من أجل جعل قرار ما دستوري وقانوني؟ فحتى وإن قرر الشعب كسيد على نفسه شيئا ما، فإن قواعد الصلابة المعيارية المنطقية ـ إذا استعرنا استعمال المفهوم من نظرية القانون لكيلسين Kelsen ـ تكون صالحة. فإذا قدم مقترح ليقرر فيه الشعب ويكون متناقضا مع التزامات قانون حق الشعوب للدولة، فإنه يكون من اللازم قبل هذا التأكد عن طريق بحث قانوني مفصل عدم تقديم هذا المقترح للإستفتاء لتعارضه مع الإلتزامات الدولية التي اتفقت عليها دولة الإستفتاء قبل الإستفتاء نفسه. إذا لم يكن المرء يريد جعل الديمقراطية المباشرة غير قانونية، فإنه من اللازم ألا يناقض قرار الشعب معاييرا صالحة دستوريا ومتفق عليها في اتفاقات دولية. قد يكون من الممكن مثلا أن يكلف الشعب قاضيا „متخصص في القانون الدستوري مثلا“ ليتكلف بمسؤولية عدم سقوط الشعب في مثل هذا الوضع السيئ. في الحالة التي تهمنا، كان بإمكان الشعب السويسري، لتجنب التناقض المعياري المنطقي، أن يقرر قبل الإستفتاء التأكد من أن ما وقعت عليه سويسرا من قبل من معاهدات خاصة بحق الشعوب لا يتعارض مع مقترح الإستفتاء الذي قدمه المرء. ويتعلق الأمر بالضبط بالتزامات سويسرا بتاريخ 18 يونيو 1992 عند دخولها للمعاهدة الدولية، وهي التزامات تخص حقوق المواطنة وحقوق سياسية كما عبرت عنها في المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان بتاريخ 28 نونبر 1974. وبعض النظر عن إشكالية ما إذا اعتبرت حقوق الإنسان بصفة عامة كحقوق مفروضة jus cogens أم لا، فإن الجملة التي أدخلت دستوريا في القانون والتي تقول: "إن بناء الصوامع/المأذن ممنوع" تمثل مسا بأداتين قانونيتين لحقوق الشعوب، تؤكد على حرية ممارسة وإشهار العقيدة كما أنها تمثل مسا بمنع التمييز العنصري (لأن المنع مس مجموعة عقائدية خاصة دون غيرها). المؤمول هو ألا ينتظر المرء قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ليفهم بأن الإستفتاء يعارض الإلتزامات الدولية التي اتفقت عليها سويسرا، لكن أن يظهر مقترح لإلغاء Art. 72،Paragraph 3 للدستور الوطني السويسري.
من الواضح أن منع بناء الصومعة دستوريا لم يؤثر سلبا بطريقة جدية في مصداقية السياسة الخارجية السويسرية فقط، بل كذلك في العلاقة بين العالم الغربي ـ وبالأخص المسيحي (إذا كان من الممكن الحديث عن هذا الأخير كمسيحي) ـ وبين المسلمين. وبالنظر إلى ما يروجه الغرب عن حقوق الإنسان كمقياس كوني بمقارنته مع باقي العالم، فإن الذين يدافعون عن هذا الأمر يجدون أنفسهم وجها لوجه أمام اتهام القياس بمقياسين. فبعد كل الجدل للعشر سنوات الماضية، والتي ساهم فيه الكثير من الشخصيات الغربية ذات سلطة (من الميدان السياسي والديني)، فإن الإستفتاء حول الصومعة بسويسرا قد أدى إلى تضخيم عدم الثقة بالغرب، وهو أمر من الصعب تجاوزه بسرعة في اللحظة الراهنة.
إن الحديث عن القضاء على الأحكام المسبقة المتبادلة سهل، لكن مباشرته صعب. ومع ذلك، فإنه من اللازم مسائلة هذه الأحكام. ويعتبر تحميل المسؤولية الأخلاقية لكل القبيلة ـ حيث يدرج المسلمون في غالب الأحيان في خانة الإرهاب نظرا للعمليات الإرهابية المنفردة للبعض منهم أو لمجموعة صغيرة منهم ـ مثال صارخ لضرورة مراجعة هذه الأحكام المسبقة. في محيط متعدد الثقافات لليوم، قد يصبح التشبث بصورة العدو التي تطورت عبر التاريخ بمثابة قنبلة للتضامن المجتمعي والإستقرار السياسي. وبالنظر إلى التطور الكوني ـ بما في ذلك الديمغرافي منه ـ فإنه لا يوجد هناك أي بديل حقيقي عن الحوار أو على الأقل التعايش السلمي على أساس الإحترام المتبادل. فبالنظر إلى سياسة المواجهة المتبعة من طرف الكثير من السياسيين ذوي النفوذ في دول كثيرة، فإن المرء يعرض مستقبل أوروبا للخطر. وبالنظر للأحداث السياسية العالمية بعد 2001، فإنه لم يعد من الضروري التأكيد على أن السلم الداخلي والأمن العالمي يشترط الواحد الآخر.
أنا على يقين بأن المواطن اليقظ مستعد لحط وجهات النظر الجاهزة محط تسائل ويراجع أحكامه المسبقة الناتجة في الغالب عن ضغط اندماجه اليومي، إذا كانت له إمكانية الوصول إلى معلومات مهمة ووعى النتائج الوخيمة لرفض التعدد الثقافي. ويعد هذا من طبيعة الحال أمرا طويلا ومتعبا، يتطلب من بين ما يتطلبه إصلاح النظام التعليمي كذلك. ولا يحق ترك تكوين الرأي العام في الديمقراطية المباشرة للوبيات وجرائد الطوار فقط.
__________
* مفكر نمساوي
ترجمة: د. حميد لشهب
هناك إشكاليتين مصيريتين نواجهها نحن الأوروبيون في مطلع هذا القرن لها علاقة بأزمة هويتنا:
أ. سياسيا ـ ثقافيا: كيف تتصرف أوروبا مع واقعة التعدد الثقافي، على اعتبار الواقع التاريخي الحالي المتمثل في كون الدولة الوطنية "التقليدية" في وحدتها الإثنية والثقافية لم تعد إلا وهما؟ هل المرء في إطار إعادة تحديد جديدة لمفهوم الوطن والتحرر من وهم المجال الأحادي الثقافة الذي كانت تحدد معالمه الدولة؟ وقد يساعدنا الفهم السويسري لذواتهم كـ"دولة ذات إرادة" إلى إيجاد مخرج هنا. فبعد الإستفتاء حول الصومعة أو المأذنة، أصبح هذا الفهم على محك الإمتحان، شريطة ألا يُؤول مفهوم دولة ذات إرادة انتقائيا، بل يجب أن يشمل مواطني كل الجماعات الدينية الأخرى. إضافة إلى هذا، فهل الأوروبيون على استعداد للإعتراف بأن قارتهم "المجزأة" قد ابتعدت هويتها منذ زمن طويل عن المسيحية؟ هل يمكنهم قبول الفهم الديني والثقافي البديهي لمجموعات تنتمي لتقاليد أخرى على الأقل بحياد وتسامح على أساس مبدأ القبول المتبادل بينهم وبين الآخرين؟
ب. سياسيا ـ قانونيا: كيف تستطيع أروربا التوفيق بين الواقع المتعدد الثقافات، والذي تسببت فيه هي بنفسها حتى ولو كان ذلك بمثابة نتيجة لم تكن متوقعة، و"القيم الأوروبية" التي تدافع عنها؟ يتعلق الأمر هنا بالخصوص مطابقة السياسة والقيم القانونية مع التشريعات القانونية المُؤَسسة على حقوق الإنسان لكل دولة أوروبية على حدة، وبصفة عامة مع إلتزامات حقوق الشعوب من طرف كل دولة أوروبية (إذا كان المرء يفهم حقوق الإنسان كحق مفروض jus cogens لحقوق الشعوب العامة).
لقد أظهر القرار الشعبي السويسري، والذي دُونَ عن طريقه في التشريع السويسري منع بناء الصوامع، المشاكل المرتبطة بالتعايش المتعدد الثقافات بطريقة مثالية، حتى بالنسبة للذين لم يريدوا عن وعي إلى حد الآن رؤية المشكل في عمقه. وإذا تركنا الإشكالية القانونية جانبا، والتي سنرجع لها فيما بعد، فإن هذا القرار يُعتبر قبل كل شيء كعَرضِ لمشكل تعاني منه أوروبا بكاملها كُبتَ لمدة طويلة.
لا يجب على المرء، فيما يخص البعد الديمقراطي السياسي، رمي الصبي مع الماء الذي استحم فيه. فلا يجب اعتبار نتيجة الإستفتاء كحجة ضد الديمقراطية المباشرة. لا يتعلق الأمر هنا بحط الشعب ـ المواطن ـ محط تساؤل كشعب ومواطن حر منتج الدستور، لكن الأمر يتعلق فقط بالظروف التي تمارس فيها الديمقراطية المباشرة. فلا يكون للقرارات ـ بغض النظر عن الجهة المقررة ـ أي معنى إلا إذا كانت مؤسسة على معلومات دقيقة وكانت مسبوقة بنقاش عام واسع يُفسح فيه المجال لكل وجهات النظر سواء كانت مع أو ضد القرار. والظاهر أن هذا الشرط لم يتحقق فيما يتعلق بالإستفتاء حول الصومعة.
لكن هناك سؤال مبدئي متعلق بسياسة الدولة، لا يحق لسويسرا ترحه دون إجابة:
كيف يمكن النظر لشكل الديمقراطية السويسرية المباشرة من أجل جعل قرار ما دستوري وقانوني؟ فحتى وإن قرر الشعب كسيد على نفسه شيئا ما، فإن قواعد الصلابة المعيارية المنطقية ـ إذا استعرنا استعمال المفهوم من نظرية القانون لكيلسين Kelsen ـ تكون صالحة. فإذا قدم مقترح ليقرر فيه الشعب ويكون متناقضا مع التزامات قانون حق الشعوب للدولة، فإنه يكون من اللازم قبل هذا التأكد عن طريق بحث قانوني مفصل عدم تقديم هذا المقترح للإستفتاء لتعارضه مع الإلتزامات الدولية التي اتفقت عليها دولة الإستفتاء قبل الإستفتاء نفسه. إذا لم يكن المرء يريد جعل الديمقراطية المباشرة غير قانونية، فإنه من اللازم ألا يناقض قرار الشعب معاييرا صالحة دستوريا ومتفق عليها في اتفاقات دولية. قد يكون من الممكن مثلا أن يكلف الشعب قاضيا „متخصص في القانون الدستوري مثلا“ ليتكلف بمسؤولية عدم سقوط الشعب في مثل هذا الوضع السيئ. في الحالة التي تهمنا، كان بإمكان الشعب السويسري، لتجنب التناقض المعياري المنطقي، أن يقرر قبل الإستفتاء التأكد من أن ما وقعت عليه سويسرا من قبل من معاهدات خاصة بحق الشعوب لا يتعارض مع مقترح الإستفتاء الذي قدمه المرء. ويتعلق الأمر بالضبط بالتزامات سويسرا بتاريخ 18 يونيو 1992 عند دخولها للمعاهدة الدولية، وهي التزامات تخص حقوق المواطنة وحقوق سياسية كما عبرت عنها في المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان بتاريخ 28 نونبر 1974. وبعض النظر عن إشكالية ما إذا اعتبرت حقوق الإنسان بصفة عامة كحقوق مفروضة jus cogens أم لا، فإن الجملة التي أدخلت دستوريا في القانون والتي تقول: "إن بناء الصوامع/المأذن ممنوع" تمثل مسا بأداتين قانونيتين لحقوق الشعوب، تؤكد على حرية ممارسة وإشهار العقيدة كما أنها تمثل مسا بمنع التمييز العنصري (لأن المنع مس مجموعة عقائدية خاصة دون غيرها). المؤمول هو ألا ينتظر المرء قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ليفهم بأن الإستفتاء يعارض الإلتزامات الدولية التي اتفقت عليها سويسرا، لكن أن يظهر مقترح لإلغاء Art. 72،Paragraph 3 للدستور الوطني السويسري.
من الواضح أن منع بناء الصومعة دستوريا لم يؤثر سلبا بطريقة جدية في مصداقية السياسة الخارجية السويسرية فقط، بل كذلك في العلاقة بين العالم الغربي ـ وبالأخص المسيحي (إذا كان من الممكن الحديث عن هذا الأخير كمسيحي) ـ وبين المسلمين. وبالنظر إلى ما يروجه الغرب عن حقوق الإنسان كمقياس كوني بمقارنته مع باقي العالم، فإن الذين يدافعون عن هذا الأمر يجدون أنفسهم وجها لوجه أمام اتهام القياس بمقياسين. فبعد كل الجدل للعشر سنوات الماضية، والتي ساهم فيه الكثير من الشخصيات الغربية ذات سلطة (من الميدان السياسي والديني)، فإن الإستفتاء حول الصومعة بسويسرا قد أدى إلى تضخيم عدم الثقة بالغرب، وهو أمر من الصعب تجاوزه بسرعة في اللحظة الراهنة.
إن الحديث عن القضاء على الأحكام المسبقة المتبادلة سهل، لكن مباشرته صعب. ومع ذلك، فإنه من اللازم مسائلة هذه الأحكام. ويعتبر تحميل المسؤولية الأخلاقية لكل القبيلة ـ حيث يدرج المسلمون في غالب الأحيان في خانة الإرهاب نظرا للعمليات الإرهابية المنفردة للبعض منهم أو لمجموعة صغيرة منهم ـ مثال صارخ لضرورة مراجعة هذه الأحكام المسبقة. في محيط متعدد الثقافات لليوم، قد يصبح التشبث بصورة العدو التي تطورت عبر التاريخ بمثابة قنبلة للتضامن المجتمعي والإستقرار السياسي. وبالنظر إلى التطور الكوني ـ بما في ذلك الديمغرافي منه ـ فإنه لا يوجد هناك أي بديل حقيقي عن الحوار أو على الأقل التعايش السلمي على أساس الإحترام المتبادل. فبالنظر إلى سياسة المواجهة المتبعة من طرف الكثير من السياسيين ذوي النفوذ في دول كثيرة، فإن المرء يعرض مستقبل أوروبا للخطر. وبالنظر للأحداث السياسية العالمية بعد 2001، فإنه لم يعد من الضروري التأكيد على أن السلم الداخلي والأمن العالمي يشترط الواحد الآخر.
أنا على يقين بأن المواطن اليقظ مستعد لحط وجهات النظر الجاهزة محط تسائل ويراجع أحكامه المسبقة الناتجة في الغالب عن ضغط اندماجه اليومي، إذا كانت له إمكانية الوصول إلى معلومات مهمة ووعى النتائج الوخيمة لرفض التعدد الثقافي. ويعد هذا من طبيعة الحال أمرا طويلا ومتعبا، يتطلب من بين ما يتطلبه إصلاح النظام التعليمي كذلك. ولا يحق ترك تكوين الرأي العام في الديمقراطية المباشرة للوبيات وجرائد الطوار فقط.
__________
* مفكر نمساوي
ترجمة: د. حميد لشهب