نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

بضاعة بشار الأسد الأخيرة

10/10/2024 - عدنان عبد الرزاق

في قراءة السابع من أكتوبر..!

10/10/2024 - أكرم عطا الله

استراتيجية تجديد أمريكا لإعادة بناء دور قيادي على الساحة العالمية

06/10/2024 - وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن

الفخ التركي

03/10/2024 - علي العبدالله

في تذكر الأعداء

03/10/2024 - فواز حداد

إسرائيل تريد سحق المقاومة

25/09/2024 - إبراهيم الأمين


أنا لا أعرف تاكيو أو ساهيرا ..قصة قصيرة للكاتب السوري اياس غالب الرشيد





أرجوكم توقفوا عن ذكر اسم اليابان أمامي، هذه البلاد كانت سبباً في محنتي في هذه الحياةِ الفانية، وأتمنى عليكم ما استطعتم إلى ذلك سبيلا أن لا تذكروا أمامي أيَّ اسمٍ ياباني، وإذا بقي لي مقدارُ ذرةٍ من خردل من محبة وتقديرٍ في قلوبكم أن لا تذكروا أيَّ خلاَّطٍ أو عصَّارةٍ أو غسَّالة أو تركتور صُنع في اليابان.
أرجوكم أن تحذفوا اليابانَ من حديثكم أمامي.. أتوسلُ إليكم أيها الأصدقاء.


تاكيو أو ساهيرا ابو النهضة اليابانية
تاكيو أو ساهيرا ابو النهضة اليابانية
 
أنتم لا تعرفون من أنا، ولذلك من المفيد أن أقدَّم سيرةً ذاتيةً عن نفسي حتى تقتنعوا أنني أقول كلاماً في غاية الأهمية، وأرجو أن لا تؤثرَ عليكم هذه الأسمالُ الباليةُ التي أرتديها؛ فهي متعلقةٌ بمهنة بيعِ المازوت، لذلك أرتدي هذه الملابس، وأدعوكم جميعاً لزيارة مقهى القلعةِ الأثري يومَ الخميس حتى تروني وأنا بكامل أناقتي. 
لا تنظر إلى أظافري يا سيدي.. لقد خلقني الله سبحانه وتعالى بأظافر مثل كل البشر، ولكنْ (تاكيو أوساهيرا) كان سبباً في اقتلاع أظافري.  أرجوك انظر إلى عقلي، ولا تنظر إلى عيني اليسرى؛ فقد كان لي عينان مثل الجميع، ولكن سامح الله (تاكيو أو ساهيرا)، الذي جعلني أضع الجلدَ مكانَ عيني التي انطفأت في مكان ما، وصرتُ أشبهُ القراصنة. 
هل تعلمون يا سادة أن الذي يقف أمامكم كان مرشحاً للدراسة في جامعة (أوساكا) في اليابان، والدراسة لم تكن للمرحلة الجامعية، بل كانت منحةً لعام ونصف والتخصص الدقيق: (الثقافة اليابانية).
انظروا إلى هذا العنوان الدقيقِ والعميق، والواسع في آن معاً، والذي لا تعلمونه أيضاً أنني كنت سأتقاضى مليوني ليرة عن سنة ونصف كنت سأقضيها في جامعة أوسكا _طبعا قبل أن تنهار الليرة_ . ولكن للأسف لم يحدث ذلك، وكما ترون أنا الآن أبيع المازوت على طنبر.
لكن الحمد لله ما زال عندي أصابع، وعين واحدة أوجِّه بها الحمار.. هل المستقبل في بلادنا مصادفة أم تخطيط.. 
أعتقد أنه مصادفة..
_أنهيت الدراسةَ في المرحلة الإعدادية، وتحولت لبيع المازوت على طنبر أبي الذي ورثه عن أبيه، والاختلافُ بين الأجيال الثلاثة هو الحمار فقط، جدي عاش معه ثمانيةَ عشر حماراً، حيث كانت تهلك الحمير لأسباب مجهولة، أمَّا والدي فقد عاش معه حمارٌ واحد نحو ثلاثين سنة، وقد تعلَّم والدي من أبيه أن يقومَ بتوليدِ الحمير في حظيرته حتى لا يضطر لشراء حمار كلما هلك أخوه .. أما أنا فقد عاصرتُ حمارَ أبي، ولكنَّني كنت طفلاً، وعندما مات أبي مات معه حمارُه أيضاً، وحتى هذه اللحظة معي حماري. لقد تغيرت الحمير ياسادة أمَّا جسمُ الطنبر فلم يتغير، ولكلِّ جيلٍ حمارُه.
لقد ولدت مع الطنبر والمازوت والحمار، لكنَّني في الوقت نفسه أحبُّ قراءةَ المجلاتِ والكتب، وأحب المجلاتِ التي فيها صور، وتحديداً مجلة الشبكة، وأحبُّ مجلةَ العربي أيضاً، وبعضَ الصفحاتِ من مجلة طبيبك. _خرجت في إحدى المراتِ لتعبئة المازوتِ للمركز الثقافي، وكنتُ أفكرُ طوالَ الطريق كم طابقاً ارتفاعُ المركزِ الثقافي؟ وهل سيصلُ الخرطومُ إلى الخزان الذي وضعوه في الجانب البعيدِ عن الطريق؟ِ لقد صارعلى صاحب الطنبرِ أن يشتريَ خرطوماً أطولَ بثلاثةِ أضعاف … نحن نحتاج ثلاثين متراً فقط على سطح البناء … أقسم بالله المسؤول الذي قرر وضعَ الخزانِ في الطرفِ الآخرِ من البناء البعيد جداً جداً عن الطريق حمارٌ … لو أُمسكُ بزمام السلطةِ يوماً واحداً فقط في هذه البلاد لأحلتُ هذا الحمارَ المسكينَ إلى التقاعدِ، ووضعتُ مكانَه مديرَ المركزِ الثقافي.
_عندما دخلتُ بالطنبر إلى شارع المركزِ الثقافي وجدت انتشاراً غيرَ مسبوق لرجالِ الأمنِ، و طلبَ مني كبيرُهم أن أؤجلَ تعبئةَ المازوتِ قليلاً كي لا يصدرَ صوتٌ عالٍ ويشوشَ على السفير الياباني الذي يُلقي محاضرةً عن الثقافة اليابانية. 
لم يكن أمامي إلا أن أستجيب لهذا المسؤول؛ فأوقفتُ الطنبرَ، وربطتُ الحمارَ بعمود الكهرباءِ، وقررتُ أن أدخلَ لحضور المحاضرةِ ريثما ينتهي السفيرُ من محاضرته.
كان السفيرُ يتكلمُ العربيةَ بشكل معقولٍ، ويستخدمُ كلَّ أعضاء جسده في الحديثِ؛ فقد كان يعودُ إلى الخلف، ثم يتقدمُ إلى الأمام، و يرفعُ اليدَ اليمنى، ثم يرفعُ اليسرى، ثم يضربُ يدَه على الطاولة، وبعدها يرفعُ كلتا يديه، ثم يقف، ثم يجلس، ثم يطوي قدمه ويضعها تحت إليته… يا إلهي الرجل يتحرك وكأنه أصيب بمسٍّ من جن. 
أمضيتُ أكثر من ثلاث دقائق وأنا أحاولُ استيعابَ مشهدِ حركةِ الرجل، ولم أنتبه لأيِّ كلمةٍ قالها، بعد ذلك بدأت أتأملُ في حديثه، كان يقول: يجبُ تعميقُ العلاقاتِ الثقافيةِ العربيةِ اليابانيةِ، وهناك علاقاتٌ قديمةٌ تعودُ إلى العصر الوسيطِ، وبعضُ العربِ زار اليابانَ منذ زمنٍ بعيد، وبعضُ اليابانيين زار العربَ أيضاً في العصر نفسِهِ، وهناك سفاراتٌ قديمةٌ بينهما، وفي هذا العصرِ لا بدَّ من إعادة هذه العلاقات. 
كان كلامُ السفيرِ أفضلَ من حركة جسده، وكان متماسكاً وحماسياً وعاطفياً وجذاباً؛ لذلك قررتُ الجلوسَ مثل كلِّ الناس وتخليتُ عن نية تقطيعِ الوقتِ ريثما ينتهي السفير من الهراء.  كلُّ ما أعرفه عن اليابان في تلك الفترةِ هو أنَّني أحلمُ ببيعِ الطنبرِ والحمار ووضع خزانِ المازوتِ في السوزوكي، وكان يلتبسُ عليَّ التفريقُ بين الهوندا والسوزوكي، مع أنَّنا نتعاملُ مع هذه السياراتِ من منطلق أنَّ كلَّ هوندا سوزكي، وليست كلُّ سوزوكي هوندا، وكنت أخلطُ بين السامونج والباناسونيك والتيوتا؛ مَنْ منها ياباني ومَنْ منها كوري، ولكنَّني كنت الوحيدَ بين أقراني الذي يتمسكُ بمقولة أنَّ اليابانيين لا يشبهون بعضَهم، وقصةُ الشبه هي نكتةٌ سخيفةٌ أطلقناها وحولناها إلى قناعةٍ علميةٍ، وأزيدُ في الحديثِ أنَّ اليابانيين يقولون أيضاً: إنَّنا نشبهُ بعضَنا، وفي هذا التفصيلِ تظهرُ ثقافتي واختلافي عن الآخرين. 
ولكنَّني قرأت وأنا طفل في مجلة العربي أنَّ بانيَ النهضة اليابانية الحقيقي هو عالم ميكانيك اسمه:( تاكيو أو ساهيرا)، وأن الحكومة اليابانية أرسلت هذا الرجلَ مطلعَ القرن العشرين لدراسة الميكانيك والحصولِ على الدكتوراه من ألمانيا ، ولكنَّ الرجلَ ترك الجامعةَ، وجلسَ يتعلمُ أصولَ الميكانيك في ورشة ليتقنَ أسرارَ الميكانيكِ، ثم عاد إلى اليابانِ بعد أن استطاعَ صناعةَ عدة محركاتٍ، ومن هنا بدأت النهضةُ العلميةُ اليابانية التي كان سببها( تاكيو أو ساهيرا)
لم أكن أعرف عن اليابان سوى هذه المعلوماتِ؛ أضف إليها كلمة الساموراي، وفلم الكارتون ساسوكي، ولم يخطر في بالي أنني سأحتاجُ هذه المعلوماتِ في أيِّ تفصيلٍ من تفاصيل حياتي. 
كان حديثُ السفيرِ الياباني ممتعاً لدرجة أنني نسيتُ الحمارَ وطنبرَ المازوت، وبدأ العالمُ يضيقُ حتى صرت أنا والسفيرَ وحدنا في القاعة لشدة انجذابي لحديثه. فجأةً توقفَ السفير عن الكلام وقال: سنحاولُ معرفةَ حجمِ المعلوماتِ التي عند الجمهور الكريم عن اليابان، والسؤالُ هنا ماذا تعرفُ عن اليابان.؟
بدأ الناس يرفعون يدَهم واحًدا تلو الآخر وكانت الإجابات. 
_إمبراطورية الشمس 

اياس غالب الرشيد
الاربعاء 3 يوليوز 2024