نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

إيران وتجرّع كأس السم

30/10/2024 - هدى الحسيني

كيف صارت إيران الحلقة الأضعف؟

23/10/2024 - مروان قبلان

الأسد والقفز بين القوارب

20/10/2024 - صبا مدور

هل ستطول الحرب الإسرائيلية نظام الأسد؟

20/10/2024 - العقيد عبد الجبار عكيدي


أزمة محتوى على الهواء العربي.. بوزنه





" كل القنوات التلفزيونية تعليمية. السؤال هو : ماذا تُدرِس؟"

رئيس المفوضية الأميركية السابق للاتصالات نيكولاس جونسون


تعاني القنوات التلفزيونية العربية ( وفي مقدمتها الفضائية )، من أزمة مُستحكمة لم ينفع معها التراكم المهني للقنوات التي تتمتع بقسط زمني طويل منذ وجودها على الهواء، ولم ينفع مع القنوات الفضائية الجديدة نسبياً، انفتاحها ( من حيث الأداء) على مثيلاتها غير العربية. أزمة وُضعت في ذيل الأولويات، بل أن بعض القنوات العربية وضعتها خارج سلم هذه الأولويات!. أزمة لو طبقت عليها المعايير الإعلامية الأساسية، بل والبدائية، لسقطت الغالبية العظمى من القنوات العربية في هذا الامتحان المهني. أزمة تمثل هماً عند القنوات الراشدة ( لاسيما غير العربية)، لكنها في الساحة العربية، تبدو وكأنها من الكماليات، أو تلك التي تنطبق عليها مقولة "إلى حين ميسرة"!.

إنها أزمة المحتوى، الذي يشكل القاعدة الأساس لأي وسيلة إعلامية، والذي من خلاله يتم تصنيف هذه الوسيلة وتلك، وفق المعايير المعمول بها على الساحة الإعلامية ككل. فغالبية القنوات العربية تقدم الشكل على المضمون، وبعضها لا يُقدم شكلاً ولا مضموناً، وبعضها الآخر، يكتفي بإعلان "نجاحه"، لمجرد أنه استطاع أن يعبئ ساعات الهواء الواحدة تلو الأخرى!. المهم أن الشاشة مليئة بالمنتج التلفزيوني، بصرف النظر عن ماهية ومستوى وجودة هذا المنتج. وقد شاءت الصُدف أنني شخصياً، جُمِعت في أحد المنتديات الإعلامية العربية، مع رئيس لإحدى القنوات العربية، الذي قال بفخر، إنهم ينتجون الساعة التلفزيونية الواحدة، في مدة ساعة واحدة!!. فما كان مني، إلا أن انسحبت بهدوء، مستضيعاً الزمن الذي جلست فيه إلى جانبه . فإذا كان أكبر شخصية في هذه القناة، يفهم الإنتاج بهذه الصورة، فكيف الحال بالمنفذين الذي يعملون تحت إمرته؟!. هي إذن.. تعبئة الهواء بأي شيء، حتى ولو كان أخف من الهواء نفسه. فقد كنت أعتقد، أن كل من يعمل في هذا القطاع الخطير، يعرف أن ساعة إنتاج، تحتاج إلى ما بين خمس إلى ست ساعات إعداداً وتحضيراً، وخلق الظروف المواتية لهذا الساعة، وبعض الساعات الأخرى تحتاج إلى أسابيع إنتاجية. وحتى لو افترضنا أن قناة ما تعاني من شح الموارد والضيق المالي والبشري، فلا يمكن أن يشكل هذا

الإنتاج المُعيب فخراً لأحد. فقد تمنيت أن لا يظهر في يوم من الأيام مدير آخر لقناة عربية أخرى، يتباهى بإنتاج ساعة تلفزيونية بنصف ساعة فقط!!.

إن المحتوى مع غياب الإدراك الإعلامي ( الذي يُغييب معه بالضرورة الحد الأدنى من المستوى المهني)، ليس سوى جعجعة لكنها خطيرة ومؤذية. لماذا؟ لأنها موجه إلى قاعدة عريضة من المتلقين. وإذا كانت هناك شريحة من هؤلاء المتلقين، تستطيع فرز الغث من الثمين، فإن الشريحة الأكبر تأخذ ما يُقدم لها كما هو، لاسيما في ظل التراجع الذي لم يتوقف أو يتباطىء، على صعيد التحصيل الفكري والثقافي فيها ( في العالم العربي 90 مليون أمي). لن أتحدث هنا عن البرامج الموجهة للأطفال، فهذه لوحدها جريمة ترتكب على مدار الساعة. والذي يزيد الأمر تعقيداً، أن التراكم المهني الذي يُفترض أن يكون موجوداً على الساحة الإعلامية بصورة أوتوماتيكية، لا يزال دون مستوى المحتوى، ويبدو هذا التراكم مثل المياه التي تذهب هدراً، في أوج الاحتياج لها!. وقد أثبتت غالبية القنوات العربية، أن التخبط يتسيد الساحة، خلف الكاميرات وأمامها، وأن قدسية الهواء لا مكان لها!. ومع ازدياد عدد الفضائيات العربية ( يصل مجموعها إلى ما بين 600 و700 قناة حالياً)، يزداد الجهل في المادة المُقدَمة، ويرتفع زخم تجاهل المُتلقي نفسه، الذي يمثل في النهاية الحلقة الآمنة لأي قناة.

والحقيقة أن مصائب الإنتاج التلفزيوني العربي، تصاحبه كمية هائلة من البرامج المستنسخة، فضلاً عن الدراما المدبلجة، الأمر الذي يعزز الحقيقة الأكبر، وهي أن الابتكار مفقود في القنوات التلفزيونية، بما في ذلك تلك التي تستند على أرضية مالية وبشرية صلبة. والابتكار – كما نفهمه – يسبق المحتوى بخطوة، ولأنه كذلك، فإن المصبية تصبح مصيبتان، وتتحول سريعاً إلى جزء أصيل من المعطيات الموجودة في القنوات العربية. نحن نعلم أن "المنتجات" الإعلامية المستنسخة، ليست حكراً على القنوات العربية. فهي موجودة في قنوات تلفزيونية أجنبية، ضاربة الجذور في القِدم والابتكار والإبداع، وقبل هذا وذاك المهنية العالية، لكن هذه "المنتجات" لا تشكل جزءاً أصيلاً، من الهيكل الإنتاجي فيها. فلديها من البرامج ما يمكن أن يُسوَق، وهناك الكثير من القنوات تسعى للحصول على حقوق إعادة بث هذه البرامج، من فرط جودتها.

إن الانفتاح والعولمة، بالإضافة إلى وجود القدرة على استنساخ البرامج ( مالياً على الأقل)، أحسب أنها يجب أن تُبقي قضية المحتوى الإعلامي – بشكل عام – حية ومطروحة بصورة دائمة، طالما أن هناك فضاء عربياً يعج، بهذا الكم الهائل من القنوات التلفزيونية. أو على الأقل ينبغي أن تُبقي هذه القضية في محيط القنوات العربية التي ترتكز على المهنية، وشيء من الإبداع المطلوب. فعدد

القنوات المتعاظم، لا يوفر بأي حال من الأحوال، إعلاماً جيداً. وكل ما تقدمه هذه القنوات، إنتاجاً مكرراً ومملاً ومتخلفاً، (بعض المتخصصين في الشؤون الإعلامية يعتبرونه سلطويا)، فضلاً عن ضرره الماحق، للمتلقي البسيط، ثقافة واطلاعاً.

يقول الجندي الأميركي الأول وليم فوستر: " الجودة لا تأتي مصادفة. هي نتاج نوايا حسنة، وجهد صادق، وتوجيه ذكي، وإخراج متمرس.. إنها اختيار حكيم لبدائل متعددة". والجودة هي الحاجة الأولى المُلحة، للغالبية العظمى من القنوات العربية، لكنها لن تأتي من فرط عدد القنوات ( لاسيما الارتجالية منها)، بل من معادلة بسيطة التركيب، لكنها ليست سهلة التطبيق، هي على الشكل التالي: إبداع + انفتاح + ابتكار+ كوادر واعية – جهل = جودة". ويرى بعض الخبراء العرب، أن الحل أو مشروع الحل، يكمن في الإنتاج العربي المشترك، بصورة تتلاقى فيها المصالح والإيرادات. وهذا في الواقع ليس صعباً، بل قابلاً للتنفيذ والتطبيق، ولكن ليس بمعزل عن رؤية متكاملة، تستند على فهم "قدسية" الهواء العربي، الذي انتهكه بعض من يملكون المال، ولا يملكون شيئاً معه.
---------------------------

m@karkouti.net


محمد كركوتــي
الاربعاء 11 غشت 2010