نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


أبحثُ عن زعيم أوروبي مبتسم





" كسياسيين.. علينا أن نتعاطى مع حقيقة، أن غالبية الناس لا يشعرون بالانتماء إلى الاتحاد الأوروبي"
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل


تحديت أحد الزملاء من رؤساء التحرير، في أن يجلب لي – بمعاونة محرريه – صورة واحدة لزعيم أوروبي مبتسم، على أن لا يزيد تاريخها عن أربعة أسابيع فقط. قَبِل التحدي، لكنه عاد في مساء نفس اليوم، ليكتب إليَ: "لقد فشلنا يا عزيزي". وأضاف يقول:" لقد حاولنا العثور على صورة حتى لسيفليو برلسكوني رئيس الوزراء الإيطالي قليل المشاعر، لكن يبدو أنه طرأ بعض التغيير الإيجابي على مشاعره، فلم يبتسم"!. الواقع أن الخوف من الـ "أنفلونزا" اليونانية الاقتصادية، إلى جانب عبء الإنقاذ الأوروبي لليونان، نشرا ما يمكن تسميته بـ " مهرجان العبوس الأوروبي". هذا "المهرجان" ليس موسمي.. إنه تاريخي. إنه من ذلك الذي ينتشر، مع مشاعر الندم، من غبطة وُلدَت قبل استكمالها زمن التكوين الطبيعي. إنه "مهرجان" يشارك فيه الجميع قسراً، لا احتفالاً. إنه ليس كمهرجان " ريو دي جانيرو" المبهج، هو "مهرجان يورو الخوف"!.
الأوروبيون مرعوبون من "وباء" اليونان الاقتصادي. هذه حقيقة، لا تنفع معها التطمينات التي تصدر بين الحين والآخر. ولكن هل الاتحاد الأوروبي بشكل عام، ومنطقة اليورو بشكل خاص، منطقتان محصنتان من الأوبئة الاقتصادية؟. هل هاتين المنطقتين، معقمتان اقتصادياً؟. هل أن "الوباء" اليوناني المتوقع، سيكون العامل الوحيد للمصاعب والمشاكل والهموم الاقتصادية في أوروبا بشكل عام؟. باختصار، هل أن كل شيء في هذه القارة على مايرام؟. الجواب ببساطة هو: لا، ولا.. قوية جداً. فما تحصده اليونان حالياً، ستحصده البرتغال واسبانيا لاحقاً، إذا ما تُرك المجال للمشاعر الوطنية تتقدم على الواجبات الأوروبية. فقد بلغ الاتحاد الأوروبي – بشكل عام – مرحلة تحول فيها الانتماء الوطني، إلى شيء يشبه إلى حد ما " الانتماء الفاشي"، ولا بأس من شيء – ولو قليل - من "الانتماء النازي"!. وهذه المقاربة بالتحديد هي التي دفعت مجلة يونانية لوضع صورة على غلافها للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في بذلة عسكرية قتالية تقف أمام مبنى "الأكروبول" الشهير في اليونان، ومروحيات عسكرية تحلق أعلاها. وهو ما دفع أيضاً إحدى الصحف اليونانية لنشر مانشيت مُعبِر جاء فيه : ميركل تقول "سوف ندفع لكم، ولكن عليكم أن تنزفوا"!. ومضى نائب رئيس وزراء اليونان تيودورس بانجالوس، أبعد من ذلك، حين قال علانية: " إن موقف ألمانيا من بلاده يقوم على أساس (عنصري)، ومع حُكم مسبق بأن اليونان لن تفي بتعهداتها". انظروا ماذا قال أيضاً؟ : "إن ألمانيا لم تقدم التعويض المناسب لليونان عما سببته لها من أضرار أثناء الحرب العالمية الثانية"!. يا إلهي، بدأت أوروبا تنبش في الماضي الأليم لها وللعالم. إنها تستحضر بطريقة مباشرة مَن؟ الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر، ولا بأس من استحضار تابعه الزعيم الإيطالي الفاشي ببينيتو موسوليني، إذا ما كان يفي بالغرض!.
المشكلة التي تواجهها أوروبا اليوم، لا تكمن فقط بمشكلة اليونان وعملية إنقاذ هذا البلد من الإفلاس والانهيار، بل تكمن أيضاً في غياب مؤشر "انتماء أوروبي" واضح المعالم، واعتماده مرة واحدة وإلى الأبد. هل يريد الأوروبيون اتحاداً، يشبه "اتحاد" الولايات الأميركية، في مرحلة الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن وما بعدها؟. أم أنهم يرغبون باتحاد يسرح بين قوميات مضطربة، و "مواطنة أوروبية" مهزوزة؟. هل سيتركون المجال أمام ما اصطلحتُ على تسميته في كتابي " في الأزمة" (نشرته العام الماضي) بـ "القومية الاقتصادية"، التي خرجت من بطن الأزمة الاقتصادية العالمية، لكي تكون بمثابة الجراد الذي يُغِير على الحقول ويلتهم المحصول؟. أم أنهم سيقاومونه بمستحضر " المواطنة الأوروبية"؟!. إن الحالة الأوروبية الراهنة، تحتم إنقاذ أي غريق أوروبي، وبمعزل عن ذلك سيسحب إلى القاع، كل ما يرتبط معه مباشرة، بل وسيهدد حتى ذاك الذي لا يرتبط ارتباطاً مباشراً معه. ويكفي إلقاء نظرة سريعة على أداء السوق الأميركية التي انخفضت انخفاضاً تاريخياً، وأسواق آسيا التي تعيش تحت ضغط المخاوف من انتقال عدوى الأزمة اليونانية إلى دول أخرى في منطقة اليورو.
نقول العدوى اليونانية؟ نعم. فالمدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس يرى – على سبيل المثال – أن خطة الإنقاذ الأوروبية – الدولية لليونان ( الأوروبيون سيدفعون 80 مليار يورو، وصندوق النقد سيدفع 30 مليار) وُضعت أصلاً، لتفادي انتقال العدوى، إلى بقية الدول الأوروبية، لاسيما تلك المؤهلة للإصابة في أي وقت. فهو يعتقد – ومعه العالم أجمع – بأن خطر العدوى موجود دائماً، وينبغي أن يتحلى كل طرف بيقظة كبيرة. ولذلك تحولت دولة مثل ألمانيا، من معارض شرس لتقديم المساعدات والعون إلى اليونان، إلى مؤيد لتقديمها، مع شراسة في تطبيقها، وموجات من الإهانات المتواصلة. المندفعون نحو الإنقاذ، لا تهمهم الإهانات الألمانية لليونان، ولا المظاهرات التي عمت الأرجاء اليونانية (بما في ذلك القتلى الثلاثة الذين راحوا ضحية المظاهرات). المهم بالنسبة إليهم، أن لا تتسبب بلاد الإغريق في انهيار "إمبراطورية" منطقة اليورو، وتزعزع مكانة الاتحاد الأوروبي.
الفاتورة المالية عالية بلاشك، لكن الفاتورة المعنوية ستكون أعلى بالتأكيد، والفاتورة المرتبطة بالسمعة والتاريخ، ستكون باهظة بصورة غير محتملة، لأي عضو في منطقة اليورو، إذا ما تُركت اليونان لمصيرها. ومن أجل ذلك أشرك الأوروبيون الكبار، حتى صغارهم في عملية الإنقاذ، بل وحتى أولئك المهددين بالمصير اليوناني، مثل أسبانيا ( دفعت 9,79 مليار يورو) والبرتغال ( دفعت 2,06 مليار). ألمانيا سددت المبلغ الأكبر ( 22,4 مليار)، ودفعت معها مالطا، مبلغاً كبيراً جداً بالنسبة لها، حتى وإن كان مجرد سبعين مليون يورو على مدى ثلاث سنوات!. إنها عملية إنقاذ لليونان، وحصانة ضرورية للبيت الأوروبي الكبير، حتى وإن تمت بوجوه عابسة، خائفة، مرتعدة، غاضبة.
لقد أثبتت الحالة اليونانية، أن للاتحاد – أي اتحاد – تكاليف في الأزمنة العادية السلسة. وله تكاليف هائلة في أوقات المحن والأزمات. وأعطت الأوروبيين درساً، ما كانوا ليفهموه، لولا الأزمة الاقتصادية العالمية، التي جعلت من اليونان دولة على حافة الانهيار الشامل، وتهدد – حتى الآن – دولاً، كانت يصعب قهرها. هذا الدرس ينحصر في ضرورة التروي في توسيع نطاق منطقة اليورو، وأهمية أن تكون الواقعية، هي المحرك الأساسي لمخططات التوسيع. ولذلك أرى صعوبة ( إن لم أقل استحالة)، في مواصلة توسيع هذه المنطقة، في المستقبل المنظور، لأن الأزمة والمشكلة اليونانية غيرتا شروط العضوية، أو على الأقل جعلتاها أكثر صعوبة. وعلى هذا الأساس، تطالب ألمانيا بتغيير "ميثاق الاستقرار" بين دول منطقة اليورو، كدرس من الأزمة اليونانية. فهي تعرف، ومعها أولئك الذين لا يزال لديهم مساحة للتفكير، أن انسحاب اليونان (حسب بعض الاقتراحات التي طُرحت)، أو أي دولة أوروبية من منطقة اليورو، لن يؤدي إلا إلى شيء واحد فقط، هو نهاية اليورو نفسه!. وهي نتيجة لا يمكن لأحد أن يتحملها، سواء أكان عابساً، أم ضاحكاً!.


محمد كركوتي
الثلاثاء 18 ماي 2010