نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

رياح الشام

25/03/2025 - مصطفى الفقي

في الردّة الأسدية الإيرانية

22/03/2025 - عبد الجبار عكيدي

لن تحكموا سورية هكذا

20/03/2025 - مروان قبلان

حكّام دمشق وأقليّات باحثة عن "حماية"

13/03/2025 - عبدالوهاب بدرخان

بَين ثورتَي 1925 و2011: كم تساوي سوريا؟

12/03/2025 - إبراهيم الجبين

التطييف وبناء الوطنية السورية

11/03/2025 - رانيا مصطفى

فلول الأسد: التجربة المرة

11/03/2025 - فايز سارة

خالد الأحمد: المستشار المنفي

10/03/2025 - عروة خليفة

الجرح الاوربي ...عميق

04/03/2025 - سوسن الأبطح

في دمشق نسيتُ الفوتوغراف

04/03/2025 - غطفان غنوم


رياح الشام




ملخص ..لقد آن لسوريا أن تلعب دوراً قومياً متوازناً بالتعاون مع السعودية ومصر، بل والعراق وغيرها من الأشقاء العرب أيضاً، لحماية التجربة الجديدة في دمشق وإعلان الترحيب الكامل بعودة القطر السوري لأمته، فتلك خطوة إيجابية نهتم بها ونسعى إليها ونبني عليها كثيراً، والعود أحمد.


 

لقد حان الوقت الذي يجب أن ترتفع فيه أيدي طهران وأنقرة عن الشعب السوري وأرضه وسياساته

ملخص ..لقد آن لسوريا أن تلعب دوراً قومياً متوازناً بالتعاون مع السعودية ومصر، بل والعراق وغيرها من الأشقاء العرب أيضاً، لحماية التجربة الجديدة في دمشق وإعلان الترحيب الكامل بعودة القطر السوري لأمته، فتلك خطوة إيجابية نهتم بها ونسعى إليها ونبني عليها كثيراً، والعود أحمد.

يستأثر الشام الكبير أو تعبير "سوريا الكبرى" باهتمام خاص في الدراسات الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط، فإذا كانت العروبة قد وفدت إلى المنطقة من الجزيرة العربية فإن الامتداد الجغرافي والتاريخي لها يعود بالدرجة الأولى للدولة الإسلامية، إذ إن بني أمية قادمون من الجزيرة والساحل، أي تلك المرتبطة بجغرافيا ذلك الإقليم الذي يختزن في أعماقه أبعاداً تاريخية خاصة، ويعكس في الوقت ذاته رؤى حضارية كامنة تطفو على السطح فناً وأدباً وثقافة، إضافة إلى أنها تقع في معظمها في إقليم البحر المتوسط بما يحمله ذلك من دلالات وما يعبر عنه من مظاهر، ولذلك فإنها تلعب دوراً مؤثراً في ثقافة المنطقة بآدابها وفنونها، فالقدود الحلبية لا تبتعد كثيراً من الموشحات الموصلية، والمناخ الثقافي السائد يعطي انطباعاً بوحدة المجتمع وتجانس أطرافه، بل إن التأثيرات الشامية ثقافياً وفكرياً تخرج عن هذا النطاق لكي تكون عاملاً مؤثراً في ثقافة شعوب كبيرة مجاورة مثل مصر، فالنهضة الفكرية والوثبة الثقافية التي عرفتها الكنانة ترتبط بقدوم العنصر الشامي إلى مصر، ليصبح الأدب والفن والموسيقى والغناء والشعر كلها مرادفات لآثار قادمة من الشام الكبير، خصوصاً قطريها الكبيرين سوريا ولبنان.

ولقد انعكس ذلك بالضرورة على الحركة الفكرية والتيارات القومية في المنطقة عموماً، فشهدنا تنامياً لروح العروبة وبرزت أسماء كبيرة تأثرت بالامتزاج بين المناخين الشامي والمصري، ولعلنا نذكّر الجميع بنموذج شاعر القطرين خليل مطران، بل إن مؤسسي القلاع الثقافية والإعلامية الكبرى في مصر إنما هم أولئك الذين وفدوا من الشام إليها، استثماراً لمناخها السياسي ومساحة الحرية المتاحة فيها بعيداً من سطوة الحكم العثماني، فوفد إلى القاهرة عبدالرحمن الكواكبي وجيله ممن يرفضون الاستبداد ويحاربون الفساد وينتقدون الحكم التركي الذي جثم على صدر المنطقة لقرون عدة، بل إنني أضيف إلى ذلك أن مسيحيي الشام يتصدرون قائمة البنائين الرواد للثقافة العربية في مصر، فآل تقلا مؤسسو الأهرام شوام، ومؤسس دار الهلال جرجي زيدان من الشوام أيضاً، كما أن السيدة روزا اليوسف قد وفدت إلى مصر من المشرق العربي، وقس على ذلك عشرات المؤسسات والأسماء التي تجعل الشام درة العقد وأيقونة الفكر والثقافة، فكثيرون لا يعرفون أن نجيب الريحاني عراقي الأب قبطي الأم، ولذلك فإن العلاقة بين مصر والشام كانت ولا تزال علاقة تكاملية ينتمي فيها الطرفان إلى تأثيرات الجزيرة العربية، مهبط الوحي ومبعث الرسالة التي جاءت إلى المنطقة كلها بروح الإسلام التي انصهرت مع الثقافات القديمة في المنطقة، لتصنع بوتقة مؤثرة في حياتنا جميعاً حتى اليوم.

إنني أقول هذه الكلمات إيماناً مني بأن الشام الكبير كان وسيظل كياناً مؤثراً لا في الجوانب الفكرية والثقافية وحسب، ولكن أيضاً في الإرهاصات السياسية، فالحركة القومية شامية النشأة، كما أن العروبة سورية المولد، ولذلك يصبح من الطبيعي أن ينظر العرب في هذه المرحلة إلى سوريا التي تستعيد عافيتها وتسترد وضعها بعد غياب قارب نصف قرن كامل، افتقدتها فيه المحافل السياسية والدوائر الدبلوماسية، إذ غابت دمشق عن الحضن العربي والتيار القومي لعقود عدة ، وها هي تعود لحضن أمتها بترقب عربي كامل واهتمام إقليمي ودولي واسع، بخاصة أن الأراضي السورية كانت تحولت إلى مرتع لبعض التنظيمات ذات الطابع الإرهابي، وسقطت أجزاء منها في مستنقع التنظيمات المتطرفة والجماعات التي تدعي الإسلام السياسي من دون أن تقتني سماحة ذلك الدين الحنيف وفلسفته الجامعة لأبناء الملل والنحل من دون تفرقة أو تمييز، ولذلك فإنني أطرح في هذه الظروف التي يواجه فيها القطر السوري رياحاً عاتية من اتجاهات مختلفة، وأطماعاً عدة من دول الجوار تارة ومن القوى الدولية تارة أخرى بعض الأفكار لكي تبقى سوريا لؤلؤة متألقة في بر الشام، على رغم الجراح التي سببتها الأحداث الدامية الأخيرة والتي تؤكد دائماً أن سوريا، شأن الدول العربية الأخرى، هي مطمع للجيران ومصدر إغراء لكل من يريد أن ينال من الكيان العربي الكبير، بإجهاض دورها الجديد من بدايته والتأثير في حضورها القومي الذي غاب طويلاً ثم عاد أخيراً ليجد لنفسه مكاناً على الخريطة القومية، ولتصبح أرضه من جديد هدفاً للطامعين من مخططي السياسة الإسرائيلية الذين فتحت أحداث سوريا الأخيرة شهيتهم تجاه ذلك البلد العربي المهم تاريخياً وجغرافياً، بل إنني أذكر الجميع بأن حال الترقب التي يتابع فيها كثيرون تطورات الوضع السوري، هي في حد ذاتها تعبير كبير عن أهمية ذلك البلد العربي المحوري مع رغبة شديدة في خلاصه من تأثير الميليشيات المتطرفة والجماعات الشاردة التي تحاول أن تجد لنفسها مكاناً في هذه الظروف الاستثنائية التي تشهد فيها دمشق تحولات كبيرة، وتتعرض أيضاً لأعاصير شديدة بعضها طائفي وبعضها الآخر نتاج طبيعي للصراع التاريخي الطويل في الشرق الأوسط حول القضية الفلسطينية، والتي تتحمل فيها سوريا عبئاً كبيراً نجم عن تركة ثقيلة خلال العقود الأخيرة لنظام مستبد وحكم شديد الوطأة على الشعب السوري الذي قاسى كثيراً، وتحولت أعداد كبيرة منه إلى لاجئين ونازحين، وقد بدأت حالياً أعداد كبيرة منهم تعود لديارها بعد رحلة عذاب طويلة في الصحاري والبحار طلباً للنجاة وتعلقاً بالحياة، ولعلنا نطرح الآن ملاحظات ثلاث نرى أنها ذات تأثير محوري في مستقبل ذلك القطر العربي الشقيق

أولاً نلاحظ بوضوح انقطاع العلاقة بين النظام السوري الجديد والماضي المرتبط ببعض قياداته فكرياً وسياسياً، فلكل مرحلة أساليبها ولكل أوان أذان، والتحول الفكري والسياسي أمر معترف به في تاريخ الأمم والشعوب، ولكن صدق العزيمة ووضوح الرؤية من لوازم ذلك التغيير ونتائجه، كما أن سوريا عانت استئثار طائفة واحدة بمقدرات ذلك الشعب العريق لنصف قرن كامل من الزمان، سبقته مرحلة انقلابات عسكرية وتحولات سياسية دفع ثمنها الشعب السوري في كل وقت، فذلك الشعب لا يمكن أن تعود له الطائفية من النافذة بعد أن طردها الشعب من الباب، فالسوريون سواء من دون تفرقة أو تمييز ومن دون مجاملة لطائفة على حساب غيرها، بل إننا نتطلع إلى يوم يتخلص فيه العرب جميعاً والمسلمون أيضاً من النزعات الطائفية التي تعوق المسيرة وتحول دون الرقي والتقدم في كل الأحيان.

ثانياً إن العلاقات بين سوريا وكل من إيران وتركيا شديدة الحساسية وبالغة التعقيد، تتحكم فيها رواسب الماضي القريب وآثار المراحل السابقة في تاريخنا العربي، خصوصاً مع دول الجوار، ولقد حان الوقت الذي يجب أن ترتفع فيه أيدي طهران وأنقرة عن الشعب السوري وأرضه وسياساته، فهو يدخل اليوم مرحلة البناء وينهي المرحلة القاتمة من تاريخ الصراعات على أرضه والعدوان على شعبه، بل إنني أنتمي إلى الدولة المصرية التي تطالب دائماً بالتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، لأن ذلك ميراث لمرحلة ولّت وفترة تاريخية انتهت ولا أظنها ستعود.

ثالثاً لا شك في أن الدور العربي تجاه مساندة الأشقاء في سوريا حيوي وحاسم ويجب أن يمضي في طريق واحد وهو طريق ما يحدث حالياً، رافضين كل ما يدور من مخططات واضحة وأساليب ملتوية تسعى إلى تحجيم الدور العربي وتقزيم التيار القومي وصبغ المنطقة بحال من السيولة التي نجمت عن الصراع العربي - الإسرائيلي، وما جرى ويجري للشعب الفلسطيني الأعزل في غزة وخارجها من قتل ودمار خلال العامين الأخيرين تحديداً، فلقد آن لسوريا أن تلعب دوراً قومياً متوازناً بالتعاون مع السعودية ومصر، بل والعراق وغيرها من الأشقاء العرب أيضاً، لحماية التجربة الجديدة في دمشق وإعلان الترحيب الكامل بعودة القطر السوري لأمته، فتلك خطوة إيجابية نهتم بها ونسعى إليها ونبني عليها كثيراً، والعود أحمد.
---------------
اندبندنت عربي


مصطفى الفقي
الثلاثاء 25 مارس 2025