وأضاف البيان أنَّ انتشار قوات سوريا الديمقراطية امتد إلى عدة أحياء، شملت السريان، الميدان، الهلك، بعيدين، الحيدرية، والمناطق المؤدية إلى دوار الجندول والخالدية المطلة على دوار الليرمون، إضافة إلى أجزاء من حي بستان الباشا. كما تمكنت من مراقبة دوار الصاخور وأجزاء من شارع النيل ودوار الليرمون، فضلاً عن السيطرة على طريق الكاستيلو الذي يربط بين دوار الليرمون والجندول مروراً بمنطقة الشقيف، إلى جانب أجزاء من حي السبيل من الجهة الشرقية.
وذكر البيان أنَّ الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان وثقت قيام عناصر مسلحين تابعين لقوات سوريا الديمقراطية، متمركزين بشكل أساسي في حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب، بعمليات قنص واسعة ومتكررة استهدفت المدنيين وعلى نحو مقصود. كما وثّقت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان، خلال الفترة الممتدة من 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 وحتى 30 كانون الثاني/يناير 2025، مقتل ما لا يقل عن 65 مدنياً، بينهم طفل وسيدتان واثنان من العاملين في المجال الإنساني، جراء عمليات القنص التي نفذتها قوات سوريا الديمقراطية في مدينة حلب، بالإضافة إلى سقوط عدد من المقاتلين. كما سجلت الشَّبكة خلال الفترة ذاتها عشرات حالات الاختفاء القسري لأشخاص لا يزال مصيرهم مجهولاً حتى اللحظة، وذلك بعد دخولهم أو اقترابهم من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
وأكد البيان على أنَّه نظراً لاستمرار تمركز قناصي قوات سوريا الديمقراطية في محيط حيي الشيخ مقصود والأشرفية واستهدافهم العشوائي للتحركات، واجهت فرق الهلال الأحمر السوري، والدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) صعوبات كبيرة في الوصول إلى جثث الضحايا وسحبها. وقد تم تسجيل استهداف مباشر لعناصر هذه الفرق أثناء محاولتهم انتشال الجثث.
أشار البيان إلى أنَّ عمليات القنص التي نفذتها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في مدينة حلب تشكل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني، وتمثل خرقاً واضحاً للعديد من المبادئ الأساسية لحماية حقوق الإنسان، وعلى رأسها الحق في الحياة. وتؤكد الأدلة الموثقة أنَّ هذه العمليات لم تكن عشوائية، بل تمت بطريقة مدروسة عبر استهداف قناصة قسد للمدنيين، مما يشير إلى وجود نية مسبقة في القتل وتعمد انتهاك مبدأ التمييز بين المقاتلين والمدنيين، وهو أحد المبادئ الأساسية في القانون الدولي الإنساني.
وأضاف أنَّ الحق في الحياة يُعد من الحقوق الأساسية المنصوص عليها في المادة (6) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تنص على أنَّ “الحق في الحياة هو حق ملازم لكل إنسان. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً”. إنَّ عمليات القنص التي نفذتها قوات قسد ضد المدنيين في مدينة حلب تمثل انتهاكاً مباشراً لهذا الحق، خاصة أنَّها استهدفت أفراداً غير مشاركين في القتال، بمن فيهم نساء وأطفال وعاملون في المجال الإنساني.
كما يجب أن تميز أطراف النزاع في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين، وألا تستهدف إلا الأهداف العسكرية. إلا أنَّ الأدلة الواردة في التقرير توضح أنَّ قوات قسد لم تلتزم بهذا المبدأ، حيث قامت قناصتها باستهداف مدنيين بشكل مباشر، رغم وضوح عدم انخراطهم في أي أنشطة عسكرية. ويحظر الهجوم العشوائي الذي لا يميز بين المدنيين والمقاتلين، ويشمل ذلك الهجمات المتعمدة ضد المدنيين، وهو ما ينطبق على عمليات القنص الممنهجة التي مارستها قسد.
وأشار البيان أنَّ عمليات القنص الممنهج التي استهدفت مدنيين تُعد جريمة حرب وفقاً للمادة (8) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، التي تنص على أنَّ القتل العمد يُعدّ جريمة حرب. كما أنَّ استخدام القنص كوسيلة استهداف مباشرة للمدنيين، رغم وضوح هويتهم المدنية، يعكس نية متعمدة في القتل، مما يندرج ضمن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني ويستوجب الملاحقة الجنائية الدولية.
كما أنَّ استهداف اثنين من العاملين في المجال الإنساني عبر عمليات القنص يعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، حيث يحظر أي اعتداء عليهم أثناء تأديتهم مهامهم الإنسانية. كما أنَّ استهداف الفرق التي حاولت سحب الجثث يعكس استراتيجية ممنهجة لمنع عمليات الإنقاذ والإغاثة، وهو ما يشكل جريمة حرب.
وأكد البيان أنَّ قوات سوريا الديمقراطية تتحمل المسؤولية الجنائية عن هذه الجرائم بموجب القانون الدولي، ويمكن تصنيف أفعالها ضمن جرائم الحرب، كما يمكن تحميل قادتها المسؤولية المباشرة عن هذه الانتهاكات باعتبارهم مسؤولين عن إصدار الأوامر أو التغاضي عن تنفيذها.
وذكر البيان ختاماً عدد من التوصيات القانونية للجهات الفاعلة وصناع القرار، وهي:
استناداً إلى الاستنتاجات القانونية التي تؤكد ارتكاب قوات سوريا الديمقراطية (قسد) انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، يتوجب على الفاعلين الدوليين والسلطات المعنية اتخاذ خطوات عاجلة لمحاسبة المسؤولين وضمان حماية المدنيين ومنع تكرار مثل هذه الانتهاكات الفظيعة. وفي هذا السياق، نوجه التوصيات التالية:
1. لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا:
• إجراء تحقيق شامل حول جرائم القنص التي استهدفت المدنيين في مدينة حلب، وجمع الأدلة والشهادات الموثقة لرفعها إلى الهيئات القضائية الدولية المختصة.
• التعاون مع منظمات حقوق الإنسان المحلية لجمع الأدلة وتحليل الأنماط التي تدل على تعمد استهداف المدنيين بشكل ممنهج من قبل قوات قسد.
2. المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان:
• إدانة عمليات القنص ضد المدنيين في مدينة حلب بشكل واضح، والتأكيد على أنَّ هذه الانتهاكات تشكل جرائم حرب بموجب المادة (8) من نظام روما الأساسي.
• مطالبة السلطات المسؤولة عن قوات قسد بتقديم توضيحات رسمية حول هذه الجرائم، واتخاذ خطوات جدية لمحاسبة المتورطين.
3. الحكومة السورية الجديدة:
بصفتها الجهة المسؤولة قانونياً عن حماية جميع المواطنين داخل الأراضي السورية، يقع على عاتق الحكومة الجديدة:
• اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المدنيين، خاصة في المناطق التي تشهد عمليات قنص، وضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات مستقبلاً.
• فتح تحقيقات رسمية في عمليات القنص التي استهدفت المدنيين، والعمل على محاسبة المتورطين وفقاً للقانون السوري.
4. توصيات لقوات سوريا الديمقراطية (قسد):
• فتح تحقيق داخلي مستقل في جميع حوادث القنص الموثقة، والكشف عن المسؤولين المباشرين عن هذه العمليات.
• محاسبة الأفراد المتورطين في استهداف المدنيين، واتخاذ إجراءات قانونية صارمة بحقهم وفقاً للمعايير الدولية.
• تقديم ضمانات بعدم تكرار هذه الانتهاكات، والالتزام بمبادئ القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك مبدأ التمييز بين المدنيين والمقاتلين.
• التعاون مع الجهات الدولية والحقوقية لضمان الشفافية في التحقيقات والإجراءات القضائية المتعلقة بهذه الجرائم.
• وقف أي ممارسات تعرّض المدنيين للخطر، وسحب القناصة من المناطق التي تؤثر بشكل مباشر على حياة المدنيين.
5. التوصيات للمجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي:
• على الجهات الداعمة لقسد تعليق كافة أشكال المساعدات والدعم، وربطها بمدى التزام قسد باحترام حقوق المواطنين السوريين.
• فرض عقوبات على القادة التي تتورط في استهداف المدنيين، سواء من خلال تجميد الأصول المالية أو فرض قيود على السفر.
• تقديم الدعم القانوني والفني للضحايا وأسرهم لمساعدتهم في رفع دعاوى قضائية أمام المحاكم الوطنية والدولية.
• تعزيز الجهود الدبلوماسية لإيجاد حل مستدام لقضية شمال شرق سوريا.