في الأسابيع الأولى من رئاسة جو بايدن، التزم وزير الخارجية أنطوني بلينكين "بوضع حقوق الإنسان كجوهر لسياسة الولايات المتحدة الخارجية". وقد أعرب بلينكين قبل توليه منصبه عن أسفه العميق للطريقة التي "أخفقت بها الولايات المتحدة في منع الخسائر المروعة في الأرواح" في سورية خلال فترة توليه منصب المسؤول الثاني في وزارة الخارجية في عهد باراك أوباما.
مع ذلك وبعد أن أصبح بلينكن يشغل منصب دبلوماسي رفيع، فإن سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية هي عكس ما قد يتوقعه المرء. فبدلاً من عزل بشار الأسد وضمان بقاء نظامه منبوذاً، شجعت الإدارة بهدوء إعادة تأهيل الأسد دبلوماسياً.
إن هذه السياسة تتعارض مع روح قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية، الذي أقره الكونغرس في أواخر عام 2019 بدعم قويّ من الحزبين كجزء من مشروع قانون التفويض الدفاعي السنوي. وقد سعى هذا القانون إلى ترسيخ عزلة الأسد من خلال وضع شرط قانوني يحتّم فرض عقوبات على كل من يتعامل مع نظام الأسد.
وقد تعهدت إدارة بايدن خلال الأشهر الأولى من ولايتها بالتنفيذ المخلص لقانون العقوبات، إلا أنه مرّ حوالَيْ 6 أشهر قبل أن تفرض عقوبات على أيّ من كيانات نظام الأسد، في حين أن إدارة ترامب، على الرغم من سياستها المتقلبة تجاه سورية، كانت تعلن عن أهداف جديدة كل شهر بعد دخول القانون حيز التنفيذ.
أمام الرأي العامّ الغربي تتحدث إدارة بايدن وكأنها ما تزال ملتزمة بعزل الأسد. ففي الشهر الماضي حيث كانت المعارضة السورية تحتفل بالذكرى السنوية لانتفاضة 2011 ضد دكتاتورية الأسد، انضم البيت الأبيض إلى حكومات المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا ليعلنوا: "نحن لا نقوم بتطبيع العلاقات مع نظام الأسد ولن يكون التطبيع حتى يكون هناك تقدُّم حقيقي ودائم نحو حل سياسي "للحرب السورية"، ولكن عندما بدأت دول عربية مختلفة جهوداً لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد، أشارت إدارة بايدن إلى استعدادها لقبول النتيجة. وبدلاً من الاحتجاج بشدة على هذه التحرُّكات، قالت باربرا ليف، مساعدة وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، في مقابلة الشهر الماضي: "ننصح أصدقاءنا وشركاءنا في المنطقة بضرورة الحصول على شيء مقابل هذه المشاركة مع الأسد."
وتقول الإدارة إنها تتوقع من الأسد تقديم تنازُلات في مجال حقوق الإنسان مقابل التطبيع. كما قالت ليف إن أولئك الذين يتعاملون مع الأسد يجب أن "يضغطوا عليه" لمراعاة مسألة "أمن شعبه". وعلى وجه التحديد، يجب الضغط عليه "لتهيئة الظروف للسماح للنازحين داخلياً واللاجئين بالعودة إلى ديارهم بأمن وأمان". في الحقيقة كررت ليف نقاطاً وملاحظات مماثلة في تصريحاتها لموقع "المونيتور" الإخباري ومرة أخرى في إحاطة لوزارة الخارجية.
فكرة أن مثل هذه الطلبات ستُؤتي ثمارها هي فكرة خيالية حيث لدى الأنظمة التي تم إعدادها لإعادة العلاقات مع الأسد سِجلّات سيئة في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فمثل تلك الدول لن تدافع عن الشعب السوري.
لم تقدم الإدارة أيّ مبرر واضح لدعم المشاركة، ويبدو أن السبب الرئيسي هو السأم من متابعة مثل ذلك الموقف، حيث أظهر نظام الأسد -وبدعم غير محدود من روسيا وإيران- مقاومة للبقاء، ولا يبدو أن الإدارة تريد استثمار رأس المال الدبلوماسي الضروري لإبقائه معزولاً.
إن لكل من الديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس وجهة نظر مختلفة تماماً عن الوضع. فبعد مرور عام تقريباً على اليوم التالي لتولي بايدن منصبه، أرسل له أربعة نواب بارزين رسالة يعيدون فيها مُعارَضتهم لـ "الموافقة الضمنية للإدارة على التعامُل الدبلوماسي الرسمي مع النظام السوري". وكان اثنان من الأربعة من الرؤساء الديمقراطيين للجنتَي الشؤون الخارجية في مجلسَي النواب والشيوخ، وكان الاثنان الآخران من الأعضاء الجمهوريين في تلك اللجان. إنه في زمن الاستقطاب الشديد في الكونغرس، يحظى هذا الموقف بدعم من كِلا الحزبين.
ولأسباب أخلاقية، فإن قضية عزل الأسد لا تقبل الجدل وهي أيضاً تصبّ في مصلحة الولايات المتحدة. فعلى نحو متزايد، يشبه النظام عصابة تهريب المخدرات، حيث يغمر المنطقة بعقار شبيه بالأمفيتامين يُعرف باسم الكبتاغون. وما تزال دمشق أيضاً جزءاً لا يتجزأ من الشبكة الإيرانية التي تنقل أسلحة متطورة ومئات الملايين من الدولارات إلى حماس وحزب الله– وهي المنظمات التي حددتها الولايات المتحدة على أنها إرهابية والتي جعلت المنطقة على شَفَا الحرب في وقت سابق من هذا الشهر بهجمات صاروخية على إسرائيل.
لقد وصلت إعادة تأهيل الأسد إلى هذا الحدّ فقط لأن الإدارة أعطت جيرانه الضوء الأخضر، ويمكن للتراجع عن الموقف الأمريكي المذكور أن يُوقِف عملية التطبيع فوراً.
---------
واشنطن بوست