لعل تلك الأسئلة وما شابهها إنما تنبثق من تصوّر عام مفاده أن طرفيْ الحرب الرئيسيين هما إسرائيل وإيران، أما حزب الله فهو ذراع مطواع لإيران ولا يملك القرار الفصل، وأمّا الجغرافيا السورية فهي ساحة صراع ولا يملك أصحابها أو القائمون عليها زمام مصيرها، وكذلك زمام مصيرهم.
ربما يصحّ هذا التصور إلى حدّ بعيد استناداً إلى المعطيات السابقة والراهنة، ولكن هذه المعطيات على الرغم من وضوحها فإنه لا يمكن الاعتقاد بأنها تختزل جميع الحقائق، طالما أن سيرورة الأحداث غالباً ما تحمل في طياتها مفاجآت.
بالعودة إلى التساؤل الأول يمكن التأكيد بأن الضربات الإسرائيلية على دمشق هي قائمة بالأصل قبل الحرب على حزب الله وحتى قبل الحرب على غزة، إذ لم يكن يخلو أسبوع من استهداف إسرائيلي جوي أو صاروخي لمواقع الأذرع الإيرانية أو قواعدها الصاروخية داخل الأراضي السورية، ولكن التحوّل الذي حدث لم يكن أساسه تغير قواعد الاشتباك كما يُطلق عليها، بقدر ما هو تحوّلٌ في القرار السياسي لدى الكيان الصهيوني الذي قرر توسيع المعركة خارج فلسطين، فكان حزب الله في لبنان المرحلة الأولى، ومع الخسائر السريعة لقوى الحزب وفقدانه لمعظم قياداته وكوادره، فقد شاع لدى كثيرين بأن حكومة الكيان الصهيوني لن تفوّت هذه الفرصة لكي تتعقّب أذرع إيران، ليس في لبنان وحسب، بل في سوريا في مرحلة تالية، ومن هنا ربما فهم كثيرون من استهداف الطيران الإسرائيلي لقاعدة حميميم الروسية، فجر يوم الخميس الثالث من شهر أكتوبر الجاري، أن هذا الاستهداف يمثل وجهاً من وجوه امتداد الحرب على حزب الله في سوريا.
تحييد دمشق عن ساحة المواجهة مع الكيان الإسرائيلي كان أمراً ممكناً حين كانت المواجهة محدودة، لكن حين أصبحت مواجهة شاملة ويمكن أن تطول العمق الإيراني، فإن المطلوب من دمشق حينئذٍ – من وجهة نظر طهران – أن تتحول إلى جبهة جديدة في مواجهة إسرائيل.
وربما أثار هذا الاستهداف أيضاً كثيراً من التساؤلات عن الموقف الروسي الذي لم تفصح عنه موسكو بشكل صريح حتى الآن، ولكن السؤال الذي يبقى قائماً: ماذا أرادت إسرائيل من استهداف قاعدة حميميم الروسية، خاصة أن موسكو كانت إلى عهد قريب هي صاحبة الوصاية على الأجواء السورية في مناطق سيطرة النظام، وغالباً ما تكون على علم مسبق بأي غارة إسرائيلية هناك، وذلك بحكم التنسيق المسبق بين موسكو وتل أبيب، فهل أرادت إسرائيل إبلاغ الروس برفضها لأي حصانة من شأنها أن تكون ملاذاً لإيران أو أحد أذرعها العسكرية؟
وإذا كان الجواب (نعم) فما هو موقف الروس في حال استمرّت إسرائيل بتعقّب الأهداف الإيرانية داخل الأراضي السورية، ولكن ليس من خلال الضربات العارضة والانتقائية كما في السابق، بل من خلال حرب مفتوحة كالتي نراها في لبنان الآن؟
لعله من المستبعد نشوء أي مواجهة عسكرية مباشرة بين موسكو وتل أبيب، ليس بسبب انغماس بوتين في حربه ضد أوكرانيا فحسب، بل بسبب انهماكه في مواجهة أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأميركية، ولعل كل ما بوسعه أن يفعله هو دفع حليفه الأسدي إلى الاستمرار بالنأي عن تلك الحرب بجميع الوسائل، لكن هل يمكن مع مجريات المعارك التي تحمل كل يوم تحوّلاً جديداً أن يبقى الأسد مستمراً في نأيه بنفسه عما يجري؟
إن جيش النظام على مدار السنوات الثلاث عشرة التي مضت من عمر الحرب التي شنها على الشعب السوري، فقد معظم قدراته العسكرية، وأصبح منهكاً ومترهلاً.
لعل الإجابة عن هذا التساؤل يمكن أن تختزلها الزيارة التي قام بها وزير خارجية إيران عباس عراقجي إلى دمشق، يوم السبت في الخامس من الشهر الجاري، والتقى فيها مع رأس النظام، وكانت هذه الزيارة هي المحطة الثانية له بعد بيروت، زيارة ربما تسبب المزيد من الضغط والحرج لنظام الأسد، إذ إن تحييد دمشق عن ساحة المواجهة مع الكيان الإسرائيلي كان أمراً ممكناً حين كانت المواجهة محدودة، لكن حين أصبحت مواجهة شاملة ويمكن أن تطول العمق الإيراني، فإن المطلوب من دمشق حينئذٍ – من وجهة نظر طهران – أن تتحول إلى جبهة جديدة في مواجهة إسرائيل، فهل سيستجيب الأسد لردّ الجميل لإيران وأذرعها، أم سيتشبث بحياده متحدّياً رغبة حليفه الإيراني؟
النظام السوري لديه إدراك كبير بان تداعيات ما يجري في غزة ولبنان ستؤثر عليه وربما تطول وجوده، وما التزامه الصمت طيلة الفترة الماضية وتلقيه ضربات كثيرة من قبل الاسرائيليين، بل وتخليه حتى عن فكرة الاحتفاظ بحق الرد، ما هي إلا محاولة لتمرير هذه العاصفة من دون أن تؤدي إلى اقتلاعه.
بالنسبة للقدرات فإن جيش النظام على مدار السنوات الثلاث عشرة التي مضت من عمر الحرب التي شنها على الشعب السوري، فقد معظم قدراته العسكرية، وأصبح منهكاً ومترهلاً، بالإضافة إلى أنه لم يحصل خلال كل تلك السنوات على أي عتاد حديث أو أسلحة متطورة.
وبمقارنة بسيطة بين جاهزية الجيش السوري وما يمتلكه من سلاح وعتاد، وبين جاهزية الجيش الصهيوني المتفوق عسكرياً وتكنولوجياً واستخباراتياً، فإن الفارق كبير جداً، وهنا سأضع مقارنة موجزة بين الأسلحة ذات التأثير الأساسي على مجريات المعركة وحسم نتيجتها.
إسرائيل تمتلك أقوى سلاح جو في المنطقة وعلى مستوى العالم، ولديها ما يقارب \1000\ طائرة من أفضل الأنواع في العالم (اف- 15، اف-16، اف-35)، وهي من الجيلين الرابع والخامس، قادرة على تأمين الأعمال القتالية والتمهيد والدعم الناري لجميع الفرق العسكرية البرية للجيش الإسرائيلي.
في حين أن القوى الجوية السورية لا تملك سوى \80\ طائرة حربية مقاتلة ومقاتلة قاذفة، وقاذفات من الجيل الثاني والثالث التي انتهى عمرها الزمني، ولديه \18\ طائرة من الجيل الرابع طراز \ميغ -29\ حصل عليها النظام من الاتحاد السوفييتي السابق في عام 1987، منها تسع طائرات جاهزة فقط، بالإضافة الى حوالي سبعين طائرة مروحية، وإذا افترضنا جدلاً الجاهزية الكاملة لكل تلك الطائرات فإنها لا تستطيع أن تؤمن بكل قوامها الأعمال القتالية أو التمهيد أو الدعم الناري لفرقة عسكرية برية واحدة.
تمتلك إسرائيل العديد من منظومات الدفاع الجوي المتقدمة والمتكاملة، تعتبر الأفضل والأقوى في العالم (القبة الحديدية، مقلاع داوود، آرو، باراك، باتريوت، حيتس، تشابتر)، قادرة على مواجهة مختلف التهديدات، وتستطيع أن تلغي أي عمل للقوى الجوية السورية، هذا اذا افترضنا تمكن أي طائرة سورية من الإقلاع، في حين أن أحدث أنواع منظومات الدفاع الجوي السوري هي من نوع (بانتسير) التي لا يتجاوز مداها \30\ كم مدعومة بمنظومة (أوسا) للأهداف القريبة المدى والمنخفضة، ومنظومتي صواريخ متوسطة المدى أكثر من \40\ كم (بوك ام2) و(باتشورا معدلة)، جميعها عاجزة عن اكتشاف الأهداف الإسرائيلية وتعقبها.
أما منظومة الصواريخ بعيدة المدى (S-300)، فالروس هم من يتحكم بها، كما أن منظومة (S-400) الأكثر تطوراً فهي سلاح دفاع جوي روسي على الأرض السورية، لا يمكن استخدامها إلا لحماية القواعد الروسية في طرطوس وحميميم.
ما سبق ليس من باب الدعاية لجيش الاحتلال، بل هي الحقيقة التي لا تغيب عن ذهن وبصر أي مطلع ومتابع، وفوارق كمية ونوعية عمقتها الحرب التي شنها جيش النظام على شعبه واستهلك فيها آخر ما تبقى له من رصيد فني وأخلاقي، ما يجعل أي انخراط له في هذه الحرب محكوماً بنتائج كارثية يسعى بشار ونظامه لتجنبها بكل الوسائل كما هو واضح.
------------
تلفزيون سوريا