يبدو أن الأمم المتحدة تعيد النظر فيما يحقق مبادئ القرار 2254 (2015)، فبعد 3 خطوات انتقال جرت في سوريا، تمثّلت في مؤتمر الحوار الوطني الذي أقرّ تسمية "أحمد الشرع" رئيساً للدولة السورية، ثم صياغة الإعلان الدستوري، وتشكيل الحكومة الانتقالية، فإنَّ الأمم المتحدة ما تزال تتعامل مع الوضع في سوريا على أنه يُدار من قِبل ما تسميه "السلطات السورية المؤقتة"، وليس الحكومة السورية.
"خطّة العمل الانتقالية لسوريا" (Syria Transitional Action Plan) هو عنوان الخطة البديلة المقترحة من الأمم المتحدة، والتي رُمز لها اختصاراً: "TAP"، وهي خطة مشتركة وضعها فريق الأمم المتحدة القُطري، بالتشاور مع مكتب المبعوث الخاص، بالإضافة إلى الشركاء الإنسانيين، سعياً من الأمم المتحدة للتأثير بشكل إيجابي في عملية التحول السياسي في سوريا لضمان استدامتها، ولدعم الدور القيادي لمكتب المبعوث في المساعدة في عملية انتقال سياسي تتماشى مع القرار 2254.
تتضمن الخطة نهجاً يضمن استجابة شاملة وإستراتيجية في 12 مجالاً برامجياً هي:
• إصلاح القطاع المالي والتعاون مع المؤسسات المالية الدولية.
• إعادة الإعمار والتنمية الاجتماعية والاقتصادية.
• معالجة قضايا العقوبات.
• اللاجئون والعائدون والنازحون داخلياً.
• الحماية الاجتماعية.
• الإصلاح الدستوري والحوار الوطني.
• الانتخابات.
• إصلاح قطاع الأمن.
• نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج.
• الإصلاح القانوني والقضائي.
• العدالة الانتقالية.
• إصلاح الإعلام.
وتهدف الخطة إلى إعادة تصوُّر نهج الأمم المتحدة في سوريا لضمان استجابة مناسبة للتغييرات الناشئة في الهياكل المؤسسية والمشهد الاجتماعي والاقتصادي السوري، وإعداد منظومة الأمم المتحدة لدعم سوريا ومرافقتها في عمليتها الانتقالية، وتجهيزها لتقديم الخدمات الاستشارية والمساعدة الفنية المدفوعة بالطلب من النظراء الوطنيين.
من بين مبادئ التخطيط والتنفيذ التي تسترشد بها الخطة مبدأ التشاور والمشاركة الشاملة مع جميع مكونات المجتمع السوري، ومنظمات المجتمع المدني، والمنظمات الدولية، والمنظمات غير الحكومية الوطنية، والسلطات المحلية، والشتات السوري، والقطاع الخاص والدولي، ومجتمع المانحين، والمؤسسات المالية الدولية، إضافة إلى مبدأ التوطين والملكية السورية لضمان أن المؤسسات السورية، ومنظمات المجتمع المدني، والمجتمعات المحلية، ستعمل معاً إلى جانب السلطات، على قيادة عملية تقاسُم المرحلة الانتقالية في البلاد.
تشرح الخطة التي جاءت في 34 صفحة أدوار الأمم المتحدة في كل واحد من المجالات الـ 12 التي تضمنتها، إلى جانب أدوار الشركاء الآخرين، فعلى سبيل المثال: في مجال إصلاح القطاع المالي والتعاون مع المؤسسات المالية الدولية، ترى أنه يمكن أن يعمل فريق الأمم المتحدة القُطري بدور مد جسر بين المؤسسات المالية الدولية والسلطات المؤقتة، مما يساعد على صياغة السياسات التي تتماشى مع المعايير الدولية، وفي مجال العقوبات تذكر الخطة أن من بين أهداف الدول عند فرضها للعقوبات إجبار الأطراف السورية على الانخراط في العملية السياسية التي تُيسّرها الأمم المتحدة، وأن تعزيز مشاركة فريق الأمم المتحدة القُطري مع السلطات المؤقتة في الإصلاحات الانتقالية يمكن أن يطلق المزيد من تخفيف العقوبات.
على صعيد الإصلاح الدستوري ترى الخطة أن الأمم المتحدة تتمتع بمستويات كبيرة من الخبرة، ويمكن لها أن تدعم وتشارك في رسم الخرائط التحضيرية وتقييم الاحتياجات للقضايا المتعلقة بتصميم وتنفيذ التدابير الداعمة للإصلاح الدستوري والحوار الوطني، ومثل ذلك في مجال الانتخابات، وعلى صعيد إصلاح القطاع الأمني يمكن للأمم المتحدة أن تقدم الدعم من خلال العديد من الإدارات المتخصصة، والوكالات التابعة لها، بالإضافة إلى إمكانية نشر مجموعة من الخبراء المتخصصين في سوريا، وَفْق ما جاء في قرار مجلس الأمن 2553 (2020) بشأن إصلاح قطاع الأمن وحَوْكَمته.
حول وضعها موضع التنفيذ، ترى الخطة أن الأمم المتحدة ستحتاج إلى التزام من "السلطات المؤقتة" والإرادة السياسية فيها للدخول في الحوار وفي الأنشطة التي ستنبثق عنها، وهو ما يبدو أن "ديكارلو" جاءت للحصول عليه من القيادة السورية.
من جانب آخر تدعو الخطة المجتمع الدولي وأصحاب المصلحة الوطنيين والجهات الفاعلة المحلية إلى العمل بشكل تعاوُنيّ، وضمان أن تكون الإصلاحات شفّافة وتشاركية، وتعكس تطلُّعات جميع شرائح المجتمع السوري، وهو ما يبدو أن المجتمع الدولي مستعِدّ للانخراط فيه، حيث ترافَق وصول "ديكارلو" مع تصريح مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي "كايا كالاس" عقب اجتماع وزراء خارجية الاتحاد في لوكسمبورغ أن الاتحاد لم يرَ خُطواتٍ كثيرة من القيادة الجديدة، وأن مستقبل سوريا لا يزال هشّاً للغاية، وأنه تم الاتفاق على تقييم عملية الانتقال التي جرت حتى الآن، ويتم معه تقييم الاستمرار في قرار الاتحاد برفع بعض العقوبات، وأن الاتحاد سيقدم مقترحاته في الخُطوات التالية في الانتقال، مع مراعاة الشروط والخطوط الحمراء التي سيضعها ويرغب في رؤيتها، وأن العمل سيجري خلال الفترة المقبلة على "الجوانب الفنية" لهذه الخُطوات المقترحة، ثم سيعود الاتحاد لمناقشة موضوع ما إذا كان مستعِدّاً للمضيّ قُدماً في سوريا.
إضافة إلى تبني الأمم المتحدة للخطة، ودعم المجتمع الأكبر للمانحين المتمثل بالاتحاد الأوروبي، فمن المتوقع أن تحصل الخطة على دعم محلي أيضاً من طرف المنظمات الإنسانية، ومنظمات المجتمع المدني، والمكونات السورية، حيث إنها تحقق لها مصالح وتشاركية أكبر بكثير من عملية الانتقال التي قامت بها الحكومة، حيث تشعر العديد من هذه الفئات أنها مستبعَدة، أو مُهمَّشة، أو أنها مُورِسَ عليها نوع من الإقصاء، أو لم تَنَلْ حصتها التي تستحقها.
يبقى موقف الحكومة السورية من هذه الخطة، فهي تختلف جذرياً عن خطط الاستجابة الإنسانية، والإستراتيجيات التي كانت تطرحها الأمم المتحدة بشأنها، وبشأن التعافي المبكر، وإعادة الإعمار، مثل إستراتيجية 2024- 2028 بما يقتصر على التدخل الإنساني، وهي أول خطة تتجاوز ذلك نحو التدخل في عملية الانتقال السياسي برُمَّتها في سوريا عَبْر المجالات الـ 12 التي تقترحها، وتضع لها خطة متكاملة بمعزل عن الحكومة السورية، ويجتمع فيها لأول مرة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، مع مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، والذي كان كل من الملف الإنساني والملف الأمني خارج نطاق ولايته، وهي تتشابه بشكل كبير مع "برنامج الأجندة الوطنية لمستقبل سوريا" الذي أطلقه مساعد الأمين العامّ للأمم المتحدة والمدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي الدكتور عبد الله الدردري، بإشراف لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "ESCWA".
هذه الخطة ستختبر إنْ كان التعثر الذي تراه الأمم المتحدة في الانتقال الجاري في سوريا عائداً إلى نقص الخبرة لدى الحكم الجديد، وهذا يعني إمكانية قبوله بالخطة، وبالخبرات التي ستوفرها الأمم المتحدة، أو أنه عائد إلى الإرادة السياسية للحكم الجديد في اتخاذ خُطوات الانتقال هذه بغضّ النظر عن المعايير التي تراها الأمم المتحدة.
قد ترفض الحكومة السورية هذه الخطة، وترى فيها نوعاً من "الوصاية" عليها، وأنها تتدخل في إعادة هيكلة الدولة السورية بكاملها، وتحاول فرض سياسات خارجية في القضايا العسكرية والأمنية والمالية والدستورية والإعلامية، وتميل إلى صالح المكونات "المناوئة" للحكومة حتى الآن، وتقوّي من شوكتها باشتراطها توفير الحماية الاجتماعية لها، وبإلزام الحكومة بالتشاركية معها رغم مواقفها السلبية.
بالمحصلة ليس من المستغرَب أن تضع الأمم المتحدة خُطة عمل انتقالية لبلد خارج من النزاع، لكن المستغرَب أن تستخدم الاستجابة الإنسانية شرطاً للانخراط معها في هذه الخطة، والسؤال الأكبر هنا: هل سيؤثر عدم استجابة الحكومة السورية للخطة في موضوع الاعتراف الأممي بها؟ أو إلى التراجع الدولي عن رفع العقوبات عنها؟ أو إلى تغيير في سياسات المساعدات الإنسانية، ومشاريع التعافي المبكر التي كانت مُدرَجة في خُطَط سابقة للأمم المتحدة؟ وتفادياً لذلك قد تلجأ الحكومة السورية إلى فتح حوار مع المنسق المقيم ومع المبعوث الخاص حول الخطة، والمطالبة بألَّا يتم إطلاقها إلا بعد التشاور مع الحكومة بشأنها، وعليها النظر في المحاذير التي يمكن أن تترتب عنها سواء في قبولها، أم في رفضها، أم مطالبة الأمم المتحدة بإجراء تعديلات عليها بما يتفق مع مبدأ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وبما يحقق المصالح المشتركة على الصعيد الوطني، وعلى الصعيد الدولي.