من هو هاشم الأتاسي؟
- رئيس المؤتمر السوري عام 1920، ورئيس المجلس التأسيسي في سوريا عام 1928
- أول رئيس منتخب للجمهورية بعد توقيع معاهدة الاستقلال (1936 - 1939)
- أول رئيس عربي يستقيل من منصبه ثلاث مرات (1939، 1949، 1951) من دون أن يكون مرغماً على ذلك
- الرئيس العربي الوحيد الذي رفض العودة إلى منصبه مرتين (1941، 1943) بطلب من فرنسا
- لم يؤيد أي انقلاب عسكري في تاريخ سوريا الحديث
- الرئيس السوري الوحيد الذي سلّم رئاسة الجمهورية حين انتهت مدته القانونية إلى رئيس منتخب ديمقراطياً بشكل دستوري وعاد إلى مدينته حمص معتزلاً نهائياً العمل العام
- لقب "أبو الدستور" لأنه كان دائماً حريصاً على قدّسية الدستور واحترام القوانين
- كان يكتب خطبه بنفسه ورجل مبادئ والتزام على الصعيد السياسي والثقافي والديني والمجتمعي.
البيئة والعائلة والعمل أيام العثمانيين
يعود نسب هاشم الأتاسي (المولود عام 1873) إلى عائلة الأتاسي الحمصية التي يعرف أنها متوطنة فيها منذ ستة قرون، وينتمي لعائلة علماء دين وقضاة، درس في بلاد الشام أولاً خلال فترة الحكم العثماني ثم تابع دراسته في إسطنبول، ليتخرج باكراً وينتقل بعد ذلك ليعمل في سلك الدولة العثمانية.
تنقل الأتاسي بين الولايات في بلاد الشام وفي الأناضول، وكان نموذجاً للإنسان العفيف العادل والمتوازن والمحبوب أينما حل وارتحل، ولعل هذا من أسباب نجاحه في أعمال وذياع صيته، الذي أكسبه محبة الناس وقبولهم، حيث كان لنظافة يده وعدم استغلال منصبه لمكاسب شخصية دور أسياسي في استمرار حضوره وشهرته.
من الحرب العالمية الأولى حتى الحكومة العربية في دمشق
نعلم الدور الإنكليزي الفرنسي في إسقاط الدولة العثمانية ، خاصة في دعم حركة الشريف حسين ، تحت دعوى الاستقلال العربي، وذلك في الحرب العالمية الأولى (1914 - 1917) حيث تحالف العثمانيون مع الألمان، إلا أنهم هُزموا في الحرب ونتج عن ذلك تفكك الدولة العثمانية، واستقلال سوريا عن الإمبراطورية العثمانية عام 1918.
لم يكن هاشم الأتاسي أحد المشاركين في مؤتمر باريس ضد العثمانيين، ولا من فريق العمل مع الشريف حسين وأولاده قبل الثورة العربية الكبرى ، لكنه كان أحد الفاعلين فيها عندما حضر الأمير فيصل بن الحسين إلى سوريا، وعمل مع كثير من الزعامات الوطنية لتشكيل الدولة الوطنية الأولى، والتي تمخض عنها تولية فيصل ملكاً على البلاد، إلا أن الدولة العربية لم تتمكن من الاستمرار فلم تعمر طويلاً.
المواجهة مع الفرنسيين
كان الفرنسيون والإنكليز قد اتفقوا على تقسيم بلاد الشام، فيما بينهم، حيث كانت سوريا ولبنان من حصة الفرنسيين، أما العراق وفلسطين والأردن فذهبت إلى الإنكليز عبر اتفاقية سايكس بيكو السرية.
دخل الفرنسيون إلى سوريا ولبنان وفرضوا حكماً سمّوه انتداباً مرعياً من عصبة الأمم، لكنه لم يكن مقبولاً من السوريين الذين بادر رجالهم الوطنيون الى مواجهة هذا الاحتلال بكل الوسائل والأساليب.
كان الفرنسيون يخططون لتقسيم سوريا إلى خمس دويلات صغيرة، هي لبنان الكبير ودمشق وحلب واللاذقية وجبل الدروز مع تبعية لواء إسكندرون إلى دولة حلب.
فشلت هذه الخطط بسبب تصدي هاشم الأتاسي ومجموعة من الوطنيين الذين خلقوا بنية مؤسسية تواجه المستعمر وخططه التقسيمية الاستعمارية.
وفي إطار ذلك، دعوا لإجراء انتخابات حرة أدت لولادة مجلس تأسيسي يعمل على مواجهة المستعمر الفرنسي، وكذلك كتابة نظام أساسي (دستور) يحدد المطالب الأساسية في الوحدة السورية والتحرير.
كما كان هناك تكامل بين العمل العسكري المقاوم للفرنسيين في عموم سوريا، ونتج عنه الثورة السورية الكبرى عام 1925، والتي شارك فيها سلطان باشا الأطرش وإبراهيم هنانو وصالح العلي وغيرهم.
أسس هاشم الأتاسي ورفاقه من الوطنيين السوريين "الكتلة الوطنية السورية " التي قادت النشاط السياسي في مواجهة المستعمر الفرنسي، الذي لم تنجح أساليبه العسكرية والسياسية في إفشال أعمال الكتلة الوطنية. بل اضطرت للخضوع أمام نضالهم الذي تراكم وأنتج دستوراً جديداً، ومجلساً تأسيسياً وطنياً عام 1932.
وفي خضم هذا الحراك والحشد السياسي المتراكم توجه عدد من أعضاء الكتلة الوطنية وعلى رأسهم هاشم الأتاسي إلى فرنسا للتفاوض مع الحكومة الفرنسية والتوقيع على معاهدة 1936، حيث انصاعت فرنسا لمطالب الاستقلال والوحدة السورية.
كما استثمر الرجال الوطنيون السوريون معاهدة 1936 مع الفرنسيين وأجروا انتخابات نيابية ورئاسية فاز فيها هاشم الأتاسي رئيساً لسوريا، إلى جانب تشكيل حكومة وطنية.
الرئيس يستقيل من منصبه
هذا العرس الوطني لم يدم طويلاً، حيث عاد الحكم العسكري الفرنسي إلى سوريا عام 1939، مع اندلاع الحرب العالمية الثانية ، وكانت فرنسا وبريطانيا ضد ألمانيا وإيطاليا واليابان.
في تلك المرحلة الحرجة، استقال هاشم الأتاسي من منصبه في رئاسة الجمهورية، وبدأت القوى الوطنية السورية مواجهة جديدة مع الفرنسيين الذين لم تسر الحرب لصالحهم؛ حيث احتلت ألمانيا الأراضي الفرنسية، والتحق الفرنسيون في سوريا بجيش فيشي الذي أعلن ولاءه للألمان، وشب صراع بين الإنكليز والفرنسيين في سوريا، كما تحالف الجنرال ديغول مع الإنكليز الذي قاد الفرنسيين من لندن ضمن حكومة منفى أسسها بدعم منهم.
وفي تلك الأثناء عملت إنكلترا على تقليص نفوذ الفرنسيين في سوريا، واستجابت لمطالب السوريين بالوحدة والاستقلال.
وأدى ضغط الأطراف الدولية على فرنسا، وتقليص نفوذها بشكل كبير، لتجبر في نهاية المطاف على منح سوريا الاستقلال عام 1946، برئاسة هاشم الأتاسي.
الحكم الديمقراطي وانقلابات العسكر
لم تكن مرحلة الاستعمار الفرنسي وردية، فقد فرض المحتل بنوداً مجحفة بحق السوريين في الدستور ، ما دفع هاشم الأتاسي ومن حوله من الوطنيين لتعديلها بعد الاستقلال.
وحصلت أول انتخابات ديمقراطية نيابية ورئاسية في عهد الاستقلال انتخب فيها هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية الوليدة المستقلة.
استمر الربيع الديمقراطي السوري حتى 1949، لكن بعد هزيمة الجيوش العربية أمام "إسرائيل" عام 1948 دشن حسني الزعيم عصر الانقلابات العسكرية في سوريا والعالم العربي بانقلابه الأول عام 1949 وفرضه للحكم العسكري.
هذه الخطوة الكارثية، تبعها انقلاب سامي الحناوي، الذي انقلب عليه أديب الشيشكلي أيضاً، وبالطبع لم يكن العبث الغربي الأميركي بعيداً عن هذه الانقلابات، في إطار تدخلاتهم عبر مشروع الدفاع المشترك ضد النفوذ السوفييتي في المنطقة.
ضد حكم العسكر
ورغم أن الانقلابات العسكرية بدأت من سوريا، إلا أنها لم تكن محل إعجاب أو قبول شعبي، وهذا ما دفع الشخصيات الوطنية، وعلى رأسهم هاشم الأتاسي للنضال السياسي المستمر ضدها، حيث تمكن من استعادة الحكم من يد أديب الشيشكلي إلى أيدي القوى المدنية عام 1954.
وعلى مدار عمله المستمر في السياسة لم يدعم هاشم الأتاسي بحياته انقلاباً عسكرياً واحداً، أولاً لأنه يؤمن بالحرية والديمقراطية والخيار الشعبي، وثانياً لأنه كان منتخباً من قبل الشعب حينما تم الانقلاب عليه، إلى جانب وجود إيمان من قبل الشخصيات الوطنية بأهمية إبعاد العسكر عن السياسة وحصرها في يد السلطة الشرعية المنتخبة شعبياً.
اعتزال العمل السياسي برغبة شخصية
وبعد عودة الديمقراطية وانتهاء فترة حكم هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية عام 1955، قرر من دون ضغوط أو مظاهرات ضده اعتزال العمل السياسي وعدم ترشيح نفسه لولاية جديدة، ليسلم الراية لشخصية وطنية أخرى هو شكري القوتلي كرئيس مدني منتخب من قبل شعبه.
وكأي موظف يخدم أمته، عاد هاشم الأتاسي إلى بيته في حمص حيث ولد، واضعاً بصمته في تاريخ البلاد، ومحط إعجاب السوريين في الأمس واليوم، عاملاً على خدمة وطنه كمرجع وطني يشاوره كل من يريد الاستفادة من تجربته الرائدة.
وحينما تمت الوحدة بين سوريا ومصر، وقف إلى جانبها، لكنه في المقابل عارض الحكم الفردي واعتبر الوحدة متسرعة وغير مدروسة على نحو كافٍ، كما التقى الرئيس جمال عبد الناصر خصوصاً أنه سبق وقد قاد وساطة صلح بين السعودية واليمن (كانت مصر طرفاً فيها) في أثناء حكمه لسوريا.
وفي عام 1960 توفي الأتاسي تاركاً البلاد، من دون أن يعلم أنه منذ عام 1963 لم تجر فيها أي انتخابات مدنية نزيهة، بعد سيطرة حزب البعث على السلطة في انقلاب عسكري أخذ منحاً طائفياً، وأنهى التجربة الديمقراطية التي آمن بها الآباء المؤسسون للدولة السورية.
كان الأتاسي نموذجاً يجب أن يحتذى ويتكرر اليوم، خصوصاً أنه جاهد مع العديد من مواطني هذه البلد، لترسيخ الديمقراطية وحرية التعبير والصحافة والنزاهة والعدالة.
----------------
موقع تلفزيون سوريا