وقبل هروبه من حكم الموحدين الذين خيّروا يهود الأندلس بين الإسلام أو النفي، كان هو وعائلته وطائفته، يمارسون طقوسهم الدينية والفكرية في الأندلس بكل حرية، حتى أن كتاب اليهود الديني "التلمود" كان متاحاً في قرطبة بينما كانت مدنٌ أوروبية عديدة آنذاك، تحرق أي نسخةٍ منه، وتهدد كل يهوديٍ يعيش على أرضٍ مسيحية. وربما كان لهذا تأثيرٌ بالغ على علاقة بين ميمون بالإسلام، وبصلاح الدين الأيوبي فيما بعد.
وما إن استقر في القاهرة، حتى بدأ صيته يذيع بين اليهود هناك، بعد تأليفه كتاب "شرح المشناه" وهو تعليقاتٌ وتوضيحات حول التوراة الشفوية التي نزلت على النبي موسى، عليه السلام، كما كتب عدة مقالاتٍ وشروحاتٍ فلسفية أخرى، من أهمها كتاب "دلالة الحائرين"، الذي "انتقد فيه ابن ميمون قيام اليهود بإطلاق صفاتٍ بشريةٍ على الإله، الذي لا يشبه البشر ، وذلك مثلاً بالقول أنّه قوي، لكن الأصح برأي بن ميمون القول إنّ الإله لا يفتقر إلى القوة ولا تعوزه أي قوةٍ مهما كانت، لكنه ليس قوياً وكفى كالبشر"، وفقاً لدراسة نشرت عن ابن ميمون في موقع "حكمة" بتاريخ 20 آذار (مارس) 2018.
وعموماً، رُفض الكتاب في أحيانٍ كثيرةٍ من الحاخامات اليهود ؛ لأنّه قدّم تفسيرات فلسفية لتعاليم التوراة، لم تكن متطابقة مع التفسير الحرفي له كما فهمها الأحبار عن النبي موسى، عليه السلام، وذلك بحسب رؤية حاخامات اليهود، إضافةً إلى أنّ تلك الرؤى الفلسفية تقترب من أفكار أرسطو وأفلاطون، التي كان شرحها أستاذه غير المباشر؛ ابن رشد.
في بلاط صلاح الدين
حين استقر ابن ميمون في القاهرة تماماً، ترد روايةٌ عن أنه أسلم في فاس، وسرعان ما ارتد عن الإسلام في القاهرة، غير أنّه كان معروفاً آنذاك، أنّ الهروب من الأندلس والإقامة في فاس، تتطلب من المرء أن يكون مسلماً، وإلا فإنّه سوف تتم ملاحقته ونفيه، مما جعل سبب إسلامه إجبارياً ربما، لكن هذا لا يسيء إلى صورة الإسلام في سياقه التاريخي؛ لأنّ عودة ابن ميمون إلى دينه، وترك الخيارات له ليؤمن بما يشاء، دلّت على تسامح الإسلام وقوته في ذلك العصر، إذ ما إن قدم العام 1166 ميلادية، حتى كان ابن ميمون جزءاً من فلاسفة الإسلام لا عليهم، وربما بقيت فقط كتبه الفكرية حول ديانته (اليهودية) هي تلك التي لم تحظ بالاهتمام الكبير عربياً.
اقرأ أيضاً: يهود ومسلمون مغاربة يتبركون من نفس الأولياء
كما أنّ الناصر صلاح الدين، وكما يرد في مقدمة كتاب ولفنسون، كان ينوي تحرير فلسطين ، وأدرك قبلاً "معنى وحدة مدن وبلاد العرب في الداخل، قبل خوض معركةٍ مع الخارج، لذلك استعان هو ووزيره الفاضل، برجل كابن ميمون، حتى يساعد في منع أي ثوراتٍ لليهود، كما في اليمن مثلاً، وبصفته رئيساً لهم، ومقيماً في القاهرة عاصمة الخلافة ، كان لابن ميمون دور إيجابي".
كما يشير كتاب ولفنسون إلى أنّ "صلاح الدين أدرك ذكاء وحنكة ابن ميمون السياسية ، ولا بد أنّه استفاد من فكره واستشاره، وربما جعله واسطة للحوار بينه وبين الغربيين إن صح التعبير". غير أنّ رواية أخرى مثيرة للجدل، تتحدث عن دورٍ مبكر لابن ميمون في إقامة اليهود بفلسطين، وذلك وفقاً لموقع "jewish encyclopedia".
وبحسب الموقع ذاته، فإن ابن ميمون اتهم كذلك بالتعصب، إذ "لم يكن يحب أن يُكتب أي شيءٍ عن الدين اليهودي ، بغير اللغة العبرية، كما طالته اتهاماتٌ أخرى، منها أنّه كان مستفيداً من القضاء على ما تبقى من الفاطمية في العالم الإسلامي، من أجل تسهيل إقامة اليهود في فلسطين".
وبالمقابل، يرى الموقع ودون إنكار، وكما يرى الشيخ والكاتب المصري المعروف مصطفى عبد الرازق في مقدمة الطبعة العربية لكتاب إسرائيل ولفنسون "أن ابن ميمون فيلسوف إسلامي الشكل والموضوع، ولقي خلافاتٍ عديدة مع حاخامات اليهود في زمنه، لأنه كان متشدداً بشأن توحيد عبادة الله، ومحو أي آثارٍ وثنية في الدين، وله رؤى فلسفية في الدين، لاهوتية ربما، لكنها غير متعصبة".
ولعل ابن ميمون، كتب كتبه ومقالاته إيماناً منه أنّ الإيمان يجب أن يتسق مع العقل ، متأثراً بفكر ابن رشد المسلم، أما فكرة قربه من السلطة، فربما كانت مثالاً على التعايش لا على الاستغلال أو الخداع من أجل مصالح اليهود في العيش بفلسطين مثلاً، بل إنّ تلك الرواية المتعلقة بعودة اليهود إلى فلسطين في زمن صلاح الدين ، تبدو مجرد تأصيلٍ لأساطير الصهاينة اليوم، عن قدم أحقيتهم بفلسطين وطموحاتهم التاريخية بها. فيما تشير مؤلفات ابن ميمون وعقليته الفلسفية، إلى أنّه لم يكن رجل الخلاص الجماعي لليهود، إنما تأثر بفلسفة الإسلام، ودعا إلى إيمانٍ عقلانيٍ وعلميٍ وحضاريٍ غير متعصب، ولا شيء أكثر.
----------
حفريات
وما إن استقر في القاهرة، حتى بدأ صيته يذيع بين اليهود هناك، بعد تأليفه كتاب "شرح المشناه" وهو تعليقاتٌ وتوضيحات حول التوراة الشفوية التي نزلت على النبي موسى، عليه السلام، كما كتب عدة مقالاتٍ وشروحاتٍ فلسفية أخرى، من أهمها كتاب "دلالة الحائرين"، الذي "انتقد فيه ابن ميمون قيام اليهود بإطلاق صفاتٍ بشريةٍ على الإله، الذي لا يشبه البشر ، وذلك مثلاً بالقول أنّه قوي، لكن الأصح برأي بن ميمون القول إنّ الإله لا يفتقر إلى القوة ولا تعوزه أي قوةٍ مهما كانت، لكنه ليس قوياً وكفى كالبشر"، وفقاً لدراسة نشرت عن ابن ميمون في موقع "حكمة" بتاريخ 20 آذار (مارس) 2018.
وعموماً، رُفض الكتاب في أحيانٍ كثيرةٍ من الحاخامات اليهود ؛ لأنّه قدّم تفسيرات فلسفية لتعاليم التوراة، لم تكن متطابقة مع التفسير الحرفي له كما فهمها الأحبار عن النبي موسى، عليه السلام، وذلك بحسب رؤية حاخامات اليهود، إضافةً إلى أنّ تلك الرؤى الفلسفية تقترب من أفكار أرسطو وأفلاطون، التي كان شرحها أستاذه غير المباشر؛ ابن رشد.
هاجم الحاخامات ابن ميمون لتفسيره التوراة فلسفياً بينما اتهمه مسلمون بالسعي لإقامة اليهود في فلسطينوبهذا الخصوص، يرى الكاتب والمؤرخ إسرائيل ولفنسون، في كتابه "ابن ميمون، حياته ومصنفاته"، أن ابن ميمون، أفضل علماء اليهود في عصره "كانت أعماله الفلسفية والدينية، تؤشر بوضوح إلى الفلسفة الإسلامية... بل هو واحد من فلاسفة الإسلام، لأن الفلسفة الإسلامية لم تكن تفرق بين عرقٍ أو جنسٍ أو دين، كما إن كل من عاش على أرض العرب، كان عربياً، وكان في دراسته لمسألة صفات الله مثلاً، أقرب إلى المعتزلة منه إلى الأشاعرة". وهو ما أكسب الفيلسوف اليهودي قيمة إنسانية على ما يبدو، لأنّه يعد فيلسوفاً إسلامياً من الناحيتين الحضارية والثقافية، إلا أنّ أحقاداً عديدةً طالته كذلك، سواء من اليهود أنفسهم، أو من بعض المسلمين، فلماذا؟
في بلاط صلاح الدين
حين استقر ابن ميمون في القاهرة تماماً، ترد روايةٌ عن أنه أسلم في فاس، وسرعان ما ارتد عن الإسلام في القاهرة، غير أنّه كان معروفاً آنذاك، أنّ الهروب من الأندلس والإقامة في فاس، تتطلب من المرء أن يكون مسلماً، وإلا فإنّه سوف تتم ملاحقته ونفيه، مما جعل سبب إسلامه إجبارياً ربما، لكن هذا لا يسيء إلى صورة الإسلام في سياقه التاريخي؛ لأنّ عودة ابن ميمون إلى دينه، وترك الخيارات له ليؤمن بما يشاء، دلّت على تسامح الإسلام وقوته في ذلك العصر، إذ ما إن قدم العام 1166 ميلادية، حتى كان ابن ميمون جزءاً من فلاسفة الإسلام لا عليهم، وربما بقيت فقط كتبه الفكرية حول ديانته (اليهودية) هي تلك التي لم تحظ بالاهتمام الكبير عربياً.
اقرأ أيضاً: يهود ومسلمون مغاربة يتبركون من نفس الأولياء
كما أنّ الناصر صلاح الدين، وكما يرد في مقدمة كتاب ولفنسون، كان ينوي تحرير فلسطين ، وأدرك قبلاً "معنى وحدة مدن وبلاد العرب في الداخل، قبل خوض معركةٍ مع الخارج، لذلك استعان هو ووزيره الفاضل، برجل كابن ميمون، حتى يساعد في منع أي ثوراتٍ لليهود، كما في اليمن مثلاً، وبصفته رئيساً لهم، ومقيماً في القاهرة عاصمة الخلافة ، كان لابن ميمون دور إيجابي".
كما يشير كتاب ولفنسون إلى أنّ "صلاح الدين أدرك ذكاء وحنكة ابن ميمون السياسية ، ولا بد أنّه استفاد من فكره واستشاره، وربما جعله واسطة للحوار بينه وبين الغربيين إن صح التعبير". غير أنّ رواية أخرى مثيرة للجدل، تتحدث عن دورٍ مبكر لابن ميمون في إقامة اليهود بفلسطين، وذلك وفقاً لموقع "jewish encyclopedia".
ولفنسون: ابن ميمون أفضل فيلسوف يهودي في عصره وتشير أعماله إلى الفلسفة الإسلامية وتأثره بهالقد تحررت فلسطين في الوقت الذي كان ابن ميمون حياً فيه، وكانت تهم مثل "أنّه يلقى حظوةً لدى الناصر صلاح الدين من أجل حماية يهود مصر، ومن أجل إقناعه بأن يعيش اليهود في فلسطين" تهماً تاريخيةً لا يمكن إثباتها، لأسبابٍ واضحة تتعلق برأي صلاح الدين، الذي كان يرى أنّ القدس تحديداً، مدينة سماوية، أي يمكن للديانات الثلاث أن تتعايش فيها، لكن دون أن يحتلها أحدٌ كما فعل الصليبيون. كما أنّها من الطبيعي أن تكون رمزاً للمسلمين وهي تقع جغرافياً في قلب أراضي العرب والمسلمين.
وبحسب الموقع ذاته، فإن ابن ميمون اتهم كذلك بالتعصب، إذ "لم يكن يحب أن يُكتب أي شيءٍ عن الدين اليهودي ، بغير اللغة العبرية، كما طالته اتهاماتٌ أخرى، منها أنّه كان مستفيداً من القضاء على ما تبقى من الفاطمية في العالم الإسلامي، من أجل تسهيل إقامة اليهود في فلسطين".
وبالمقابل، يرى الموقع ودون إنكار، وكما يرى الشيخ والكاتب المصري المعروف مصطفى عبد الرازق في مقدمة الطبعة العربية لكتاب إسرائيل ولفنسون "أن ابن ميمون فيلسوف إسلامي الشكل والموضوع، ولقي خلافاتٍ عديدة مع حاخامات اليهود في زمنه، لأنه كان متشدداً بشأن توحيد عبادة الله، ومحو أي آثارٍ وثنية في الدين، وله رؤى فلسفية في الدين، لاهوتية ربما، لكنها غير متعصبة".
ولعل ابن ميمون، كتب كتبه ومقالاته إيماناً منه أنّ الإيمان يجب أن يتسق مع العقل ، متأثراً بفكر ابن رشد المسلم، أما فكرة قربه من السلطة، فربما كانت مثالاً على التعايش لا على الاستغلال أو الخداع من أجل مصالح اليهود في العيش بفلسطين مثلاً، بل إنّ تلك الرواية المتعلقة بعودة اليهود إلى فلسطين في زمن صلاح الدين ، تبدو مجرد تأصيلٍ لأساطير الصهاينة اليوم، عن قدم أحقيتهم بفلسطين وطموحاتهم التاريخية بها. فيما تشير مؤلفات ابن ميمون وعقليته الفلسفية، إلى أنّه لم يكن رجل الخلاص الجماعي لليهود، إنما تأثر بفلسفة الإسلام، ودعا إلى إيمانٍ عقلانيٍ وعلميٍ وحضاريٍ غير متعصب، ولا شيء أكثر.
----------
حفريات