.
لا تجاوب مع لجنة الاتصال العربية
وعقدت لجنة الاتصال العربية بشأن سورية اجتماعين على هامش اجتماع وزراء الخارجية العرب، الأسبوع الماضي في القاهرة، وذلك بعد توقف أعمالها منذ أكثر من عام ، بسبب عدم تجاوب دمشق مع المطالب العربية الرامية إلى تحريك الجمود في الأزمة السورية. وهذان الاجتماعان، اللذان يعدان جولة واحدة من أعمال اللجنة، يأتيان بعد تعثر انعقاد اللجنة منذ اجتماعها الأول، بعد أن امتنع الأردن، بتأييد سعودي، عن عقد اجتماع لجنة الاتصال العربية في بغداد، وذلك لعدم تلبية النظام المطالب العربية التي تم طرحها في الاجتماع الأول، والواردة أساساً في قرار الجامعة العربية الذي أعاد لسورية مقعدها في الجامعة ، بالإضافة إلى بياني عمّان (مايو 2023) وجدة (إبريل/ نيسان 2023) اللذين سبقا العودة. فبعد الاجتماع الأول للجنة، العام الماضي، زادت عمليات تهريب المخدرات من الأراضي السورية نحو الأراضي الأردنية، ومنها إلى دول الخليج، لا سيما السعودية، ما تسبب بسخط أردني ظهر من خلال التصريحات الواردة حينها من عمّان، علاوة على رفض إقامة اجتماع للجنة في العاصمة العراقية في مايو الماضي. ولا تبدو الملفات الرئيسية التي تعنى اللجنة الوزارية ببحثها وحلها، محل تجاوب من قبل النظام، لا سيما إعادة اللاجئين وتهريب وتصنيع المخدرات، إضافة إلى إيجاد صيغ للحل السياسي بما ينسجم مع القرار الأممي 2254 للعام 2015 (قرار مجلس الأمن الخاص بوقف إطلاق النار والانتقال السياسي)، بعد أن تبنت دول عربية، بقيادة الأردن، مبادرة للانخراط بحل الأزمة السورية ضمن البيت العربي، دون الخروج عن العباءة الأممية.
وفي ما يتعلق بالمبادرة العربية، فقد كانت أولى بوادرها في الاجتماع الوزاري لدول الخليج مع وزراء خارجية كل من مصر والأردن والعراق في جدة، منتصف إبريل من العام الماضي. كما عُقد اجتماع آخر في عمّان، في مايو من العام ذاته، حضره حينها وزراء خارجية السعودية (فيصل بن فرحان) والعراق (فؤاد حسين) ومصر (سامح شكري وقتها) والأردن (أيمن الصفدي)، إلى جانب استدعاء وزير خارجية النظام فيصل المقداد للاجتماع، والذي أفضى إلى تبني المبادرة الأردنية للحل والقائمة على مبدأ خطوة مقابل خطوة. ثم تبنت الجامعة العربية المبادرة في قمة وزارية في الشهر نفسه أعيد خلالها لسورية مقعدها، على أساس العمل على تنفيذ المبادرة. وتقوم المبادرة على حل عدة ملفات أبرزها الحل السياسي والتسوية بما ينسجم مع القرار الأممي 2254، ومكافحة تجارة وتهريب المخدرات لا سيما "الكبتاغون"، وإعادة اللاجئين إلى سورية، ومكافحة الإرهاب ومعالجة المشاكل الأمنية، بينها مشكلة المليشيات الأجنبية، لا سيما المرتبطة بإيران، بالإضافة إلى مسألة الإفراج عن المعتقلين. لكن المعطيات تشير إلى أن النظام لم يقدم على أي خطوة ملموسة تجاه الخطوات العربية نحوه.
وحمل اجتماع لجنة الاتصال العربية في القاهرة، قراراً بتشكيل فريق من الخبراء لدراسة المواضيع التي تتابعها مع النظام السوري، مع الإشارة إلى أن الاجتماع المقبل للجنة سيكون في العاصمة العراقية بغداد ، في موعد يحدد لاحقاً. ويشي ذلك، بأن النظام نجح في جعل اللجنة تسير مساراً طويل الأمد، إذ يتضمن اجتماعات تقنية للخبراء، ما يعني تقديم الأوراق والمقترحات والرد عليها، ما يسمح له بالمماطلة والقفز فوق المحطات والأجندات واستنفاد الوقت.
عبد المجيد بركات: المبادرة العربية لا تصب في جهد شامل لحل الأزمة السورية
مناورة النظام
وحول فرضية تحوّل عمل لجنة الاتصال العربية بشأن سورية إلى مسار تفاوضي، وموقف المعارضة من ذلك، وإمكانية التواصل مع الجامعة العربية أو أطراف اللجنة الوزارية للاطلاع على عملها، رفض عبد المجيد بركات، نائب رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، التعليق على إمكانية التواصل مع هذه اللجنة. لكنه أشار، خلال حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه "ليس من الضروري أن تفضي المبادرة العربية، التي أفرزت اللجنة وأعادت النظام إلى الجامعة العربية، إلى حل سياسي شامل للقضية السورية، بل على العكس تماماً، فالنظام أثبت أنه غير قادر على إعادة التعويم، وغير قادر على القيام أو الالتزام باستحقاقاته الداخلية والخارجية". وأوضح أن "النظام استطاع من خلال المبادرة وإعادته للجامعة العربية، أن يلعب على وتر بعض المحددات الداخلية لبعض الدول العربية لبناء قنوات تواصل ثنائية، بالانتقال من مرحلة التنسيق الأمني، إلى الإنساني، ثم الاقتصادي والسياسي في نهاية المطاف".
وبالتالي فهذه العملية، وفق بركات، "أي المبادرة ومتابعتها من قبل اللجنة، لا تصب بهذه الحالة، في جهد شامل لحل الأزمة السورية"، لافتاً إلى أنه "قد حذرنا في الائتلاف بأن أي خطوات ثنائية مع النظام لن تكون ذات أثر إيجابي على الحل المستدام، فهناك مقررات دولية، لا سيما القرار 2254، والذي من المفترض أن يبنى على أساسه أي تصور للحل الشامل في البلاد". وشدد بركات على أن "النظام لم يقدم للمبادرة ولا الدول التي طبّعت معه بشكل ثنائي، أي تنازلات أو تنفيذ المطالب، مقابل بوادر حسن النية التي أبدتها تجاهه"، مشيراً إلى أن "تلك الدول لم تستغل عودة العلاقات والتواصل لممارسة ضغوط على النظام للجلوس إلى طاولة الحل، وبالتالي فإنها لا تزال تقدم هدايا مجانية له". ونوّه إلى أن "الائتلاف يتطلع لدور عربي فاعل يضغط لتطبيق القرارات الأممية للحل في سورية، لكن غير ذلك فإن أي جهد خارج هذا الإطار سيعطي النظام مزيداً من المساحة للمراوغة".
باسل معراوي: العرب يعلمون قبل غيرهم أن نظام الأسد يتقن مبدأ المناورة
من جهته، أشار المحلل السياسي السوري باسل معراوي إلى أن "العرب يعلمون قبل غيرهم أن نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد يتقن مبدأ المناورة، ولكن بوجهها السلبي وليس الإيجابي، فهو يربح الوقت ويراهن على حدوث متغيرات تصب في صالحه". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "النظام لا يخفي ذلك وهناك قول علني شهير لوزير خارجيته السابق (وليد المعلّم) حول الإغراق بالتفاصيل، حين كان يخاطب المجتمع الدولي الذي بدأ يُصدر البيانات والقرارات الدولية التي تحضّ على الحل السياسي". غير أن معراوي رأى أن "الأسد لم يستطع خداع الدول العربية ولجنة الاتصال بالذات وإغراقها بالتفاصيل إلى الآن، فيما كانت المطالب العربية واضحة منه والتي كانت شروطاً لعودته لشغل مقعد سورية في الجامعة العربية". وأضاف أن "الأسد فشل في تطبيق أي من الشروط، مع إصرار لجنة الاتصال العربية على بند جوهري وهو الشروع في الحل السياسي المستند إلى القرار الدولي 2254". وهذا القرار، وفق معراوي، "يُنقص من شرعية نظام الأسد باعتباره يمثل منفرداً الجمهورية العربية السورية، بل يعامله بوصفه أحد أطراف الصراع في سورية، والتي يجب أن تجلس إلى طاولة مستديرة برعاية أممية، وهو ما ينسف شرعية النظام أولاً وسرديته في محاربة إرهابيين، وعدم وجود معارضة حقيقية لحكمه ثانياً".
ونوّه معراوي إلى أن "العرب ولكي يقطعوا طرق المناورة على الأسد أنتجوا سياسة خطوة مقابل خطوة، بحيث لا يتم منح الأسد أي شيء إلا بعد تقديمه مقابلا، واعتبروا أن الخطوة الأولى أتت منهم بإعادته للجامعة العربية، وبالفعل لم يخيب الأسد ظنهم به فهو لم يقدم أي خطوة مقابل الخطوة الأولى، أعتقد لأنه لا يقدر على ذلك ولو توفرت له الرغبة". ورأى معراوي أن "الأسد قرأ المشهد بشكل خاطئ، واعتبر أن إعادة الاعتبار له ستفتح له خزائن المال العربي لاحقاً، وهو بالفعل يريد المال أكثر بكثير من الشرعية العربية لأنه يواجه أخطاراً داخلية كبيرة، في ظل عدم قدرة حليفيه الصلبين (روسيا وإيران) على إنقاذه اقتصادياً، والخشية عنده من انفجار احتقان داخلي في بيئته الحاضنة بسبب الأوضاع المعيشية المزرية أولاً، وعدم قدرة النظام على بيعهم الوهم والآمال بقطف ثمن الانتصار المزعوم ثانياً". ولفت إلى أن "تجربة السويداء وخروجها من سيطرته مثال حي على مآلات ما تخبئه الأيام المقبلة للساحل السوري". واتفق معراوي مع نائب رئيس الائتلاف بأن "النظام أو الأسد، يفضل التعامل مع كل دولة عربية على حدة، ولكن لم يرض العرب إلا مفاوضته مجتمعين"، وبرأيه فإن "مخاوف الدول العربية كلها تقريباً متطابقة من حيث ضرورة الدخول في الحل السياسي ومعالجة مشكلة اللجوء وإيقاف تهريب المخدرات والتضييق على النفوذ الإيراني في سورية وحصره ومنع توسعه". وقال: "لذلك أرى أن موقف لجنة الاتصال متماسك والانسجام يسود عملها، ولن يقدر الأسد على الدخول من ثقوب اختلاف المواقف والمصالح".
---------
العربي الجديد