نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


مدارات نقدية(في أصول العربية)




لا أفكار خارج اللغة ولا عقل يعقل نفسه بدونها.. إحدى قرى جبال لبنان ضربتها العزلة وانقطعت عن الحضارة لمئات السنين إبان الخلافة العثمانية، فتلاشت لغتها تقريبا. ولم يبق في حلق أهليها سوى أربعمائة مفردة..فقاموس اللغة مشروط بالتجربة المعرفية للإنسان وعندما تتلاشى يجفّ ضرع اللغة أيضا. ومن المؤسف أنّ الآلهة لا تعلّمنا الكلام، كما عُلّم آدم الأسماء (يصعب تأكيد الحادثة لغياب الشهود) ولا تتفرّع عن بلبلة الألسن كما تصوّر كتّاب التوراة.


احدى الأساطير الكبرى في حياتنا، هي لغة قريش التي جُمع بها القرآن العثمانيّ وحملها (الغزاة ؟) العرب على صهوات الخيل كما يُزعم، ثم أصبحت في القرن التاسع ميلادي، لغة عالمية للتدوين، خصبّها ونمذجها الفراهيدي وسيبيويه والزجاج وأبو علي الفارسي والجرجاني وغيرهم ( ويا سبحان الله كلهم من الفرس!!)
فداحة الكذبة لم تنطل على النبيهين، الذين عرفوا أنّ شعراء الجاهلية كتبوا قصائدهم بلغة (قريش) دون أن يكونوا قرشيين، فإمّا أنّهم شعراء وهميون أسقطهم الخيال من جوزاء خيلائه، أو أن لغة قريش سقطت من علياء الوهم..
إن ألف باء علوم اللسانيات تؤكد بأن اللغات الكبيرة، يلزمها تمركزٌ حضريٌّ وأجيالٌ تخصّبت بالمعرفة، لهذا من السذاجة الاعتقاد بأنّ اللغة العربية التي صاغت الشعر والتجريد العقليّ والفلسفة، قد نشأت في أرض لا زرع بها ولا ضرع. ومن السذاجة الاعتقاد بأن الصحراء موئل الفصاحة التي تتلمذ على يدها فقهاء اللغة، ولعلّ لقيات الأركيولوجيا ونقوش الخطّ العربي القديم وأصوله، تدلّنا على ذلك. فمعظمها وُجد خارج ما يُسمّى جزيرة العرب، وأهمّها كان في حوران موطن الغساسنة إلى حلب شمالا إلى سيستان الإيرانية شرقا إلى بردية الفيوم غربا؟ باستثناء نقش يتيم في الطائف يرد فيه اسم معاوية.. ومعظم المخطوطات والكسور ونسخ القرآن الأقدم المحفوظة في المتاحف كُتبت بأيد عراقية..
عربية القرن التاسع المعدّلة والمنمذجة، هي حصيل توليفي لكامل الموروث اللغوي القديم، فالحدود بين العربية والأرامية وغيرها كانت مفتوحة، بسبب القرابة لشجرة نسب واحدة، لهذا استطاعت العربية أن تغرفها وتذيبها في قاموس ابن منظور. ليس لأنّ الأرامية أو القبطية لغة المقهورين، بل لدينامية خاصة بتفوق العربية لسانيا، هذا ما تؤكده مالطا التي غادرها العرب والمسلمون منذ تسعمائة سنة، لكن المالطية ما زالت لهجة عربية يمكن للتونسي والليبي أن يتعلمها بثلاثة أيام (كما يتعلم الليبرالية).
لهذا أصبحت لغة التواصل والتدوين في أرجاء العالم القديم Lengua Franca (يُذكر أن كولومبس اصطحب ترجمانا عربيا، لاعتقاده أنّ كل العالم خارج أوروبا لا بدّ أنّه يتكلم العربية)، واستطاعت إنتاج ابن المقفع والجاحظ والمعري وأبي حيان، وابن رشد.
لقد استطاع لغويو ذلك الزمن التغلب على مصاعب عصرهم فاشتقّوا وزن "فُعَال" ليترجموا أسماء الأمراض عن جالينوس ـ فعرفنا ـ "زكام وسعال وبهاق ..إلخ" واستطاعوا تطوير الطاقة الدلالية للاسم والفعل، فحصلنا على بحر من المعاني لوزن "استفعل واستفعال" فمن (استفعل طاعة الآخر) حصلنا على: استطاعة ومن عمّر استعمار ومن حمار (استجحاش)، ومن خير استخارة ومن شر استشارة (عذرا للخلل الفنّي…)لكن لغتنا اليوم أصبحت عتيقة رغم إضافات بطرس البستاني وفان دييك والشدياق وغيرهم من أساطين الحداثة ومعلمي الكلية الأنجيلية السورية (جامعة بيروت الأمريكية لاحقا).
عربية اليوم لا تستطيع أن تستوعب العصر، فلو فتحنا قاموسا لعلم البحار لوجدنا آلاف أسماء الهيدرا والطحالب والكائنات المجهرية وآلاف أنواع الأسماك والكائنات.. ونحن في الحقيقة لا نملك إلا بضعة أسماء نلخصها بكلمة: سمكة (وفي تونس تكبر السمكة وتصبح حوتا)، لغتنا تضمحل لأننا لم نشارك العالم في اكتشاف معارف علم البحار (نكره السباحة والغوص، ونخشى من البرد) فلو استوعبنا الدرس القديم لجيل سيبويه لكان علينا فتح اللغة على مصراعيها لتهضم العاميات كما فعل لغويو القرن التاسع والعاشر ميلادي الذين عصروا الآرامية والقبطية والفارسية ولعقوها بلسان العرب.. فقط الكلمات المفبركة هي التي لم تعش على ألسن الناس أو في لهجاتهم لأنها أصلا كلمات مشبوهة، أقحمت العربية زورا لغرض التلاعب الدوغمائي. مثل كلمة " كلالة" التي وردت مرتين في القرآن ضمن آيات تخص الميراث، فقام الفقهاء بالالتفاف على معناها واختلقوا أعذارا لهدر دمها (في الطبري) علما أنها تعني "كنّة: وكلالة من إكليل وزواج"، وكان غرضهم آنذاك حرمان الكنّة من الميراث كي لا يذهب خارج القبيلة (هناك دراسة ممتعة حول كلالة لمحمد أركون).
إن لغتنا الكلاسيكية لا تزال شديدة الرسمية مليئة بالبلاغة (المبالغة) وترتدي بذلة وربطة عنق، وتمارس المخادعة والتمويه وكأنها في حفلة تنكرية، هي لغة موروث مقدس، علّم كل ما هو غير طبيعي، هذا ما اكتشفته الحداثة التي حوّلت الإنسان إلى مادة للبحث بواسطة علوم الإنسانيات. فجردته من ثنائيات الخير والشر وعالم المثل والبطولة والزيف وموروث الخوف والنفاق وأخضعته للتجربة ككلب بافلوف. ليس هو فقط بل تاريخه ومقدسه أيضا.
فِلهم كامماير كتب " التزوير في تاريخ المسيحية الأوروبية" وكشف النقاب عن جبل من الأوهام ومات بعد أن عضّه الجوع (عام 1959 م) وسوء التغذية والحرمان وعدم نشر كتبه، لكنه أصبح الآن أبا روحيا لجيل من المؤرخين والباحثين عن الحقيقة.
في جملة واحدة لخص حياته المريرة قائلا:
أكتبُ لدوافع تنويرية نبيلة، لأنّ تاريخاً مزوّرا، هو خطر جسيم على الحضارة، فهو يمنحنا مفاتيح خاطئة تؤدي إلى معرفة ووعي خادعين، سرعان ما يتحوّلان إلى وقود لصراعات قادمة!!
وعلى خطى كامماير بدأ المنهج النقدي لمؤرّخي ما بعد الحداثة يشق طريقه في وعثاء الماضي وأساطيره وأبطاله وأشباحه.. ومن هذه الأشباح ربط العرب والعربية بقريش، وبيارق فتوحات (وهمية) لخالد وسعد وعمرو.. لهذا أود أن أقدم فيما يلي بعض الخلاصات والرؤى، قد تساعدنا في رؤية حداثية متحررة من موروث الأسطرة والزيف.
أولا: إن تقسيم المنطقة العربية، حسب نظريات هجرة الشعوب، وتفرع الساميات يسبب تشويشا وضررا وإن قبلناه على مضض. فعربية سيبويه كانت مشروعا مخزونا في الموروث اللغوي (من الآكادية شرقا إلى الكنعانية غربا) حتى اسم "محمد" يضرب جذوره إلى القرن 13 ق.م فقد كشفت ألواح أوغاريت المسمارية أن MHMD مهمد (ساكنة بدون تصويت) صفة لنقاء الذهب ويعني: الأفضل، أو النوعية المنتقاة. وقد احتفظ اللفظ الأوغاريني "مهمد" على محتواه الدلالي بمعنى: مصطفى، منتخب، مختار حتى بداية الإسلام (1)
ولتعميق الفكرة لا بدّ من الإشارة إلى أنّ فكّ طلاسم اللغة الأكادية اعتمد أساسا على اللغات الحية (وعربية سيبويه بالدرجة الأولى) فلو راجعنا المسلّة الشهيرة لحامورابي (1728 ـ 1686 ق.م) التي عُثر عليها عام 1902في سوسة عاصمة العيلاميين، ثم نقلت إلى لوفر باريس فإننا نقرأ تصنيف طبقات المجتمع العراقي القديم كما يلي:
1ـ طبقة " الأوليم Awilum " الأولون وتعني طبقة السادة والأحرار 2ـ طبقة "الموشكينوم Musckinum وتعني السكان أو المساكين. إلخ (2)
ثانيا: أيضا ورغم تعدد الآلهة في الشرق القديم، إلا أن فكرة إله التوحيد كانت مبرمجة في عمق الميثولوجيا، لنقرأ هذا النص على رقيم عُثر عليه في مدينة إيبلا (بلد الإله داجون) التي انتهى أجلها ودمرها الحثيون نهائيا حوالي (1600ق.م):
ربّ السموات والأرضين، إن الأرض لم تكن، وأنت خلقتها. إنّ نور النهار لم يكن، وأنت خلقته… أيها الربّ (أنت) الكلمة الفاعلة. أيها الربّ (أنت) الرخاء. أيها الرب (أنت) البطولة (3)
ثالثا: إنّ الوجود العربي (بالمعنى الإثنولوجي) لم يكن بحاجة لسيوف خالد وعمرو بن العاص، كي يُحمل خارج الجزيرة العربية، فهو ضارب القدم وجزء من الجسد السكاني للشام والعراق، ومصر. وهو بديهي ومعروف منذ قيام كيانات للأنباط وتدمر والحضر في القرن الثاني ميلادي وقبلها لكن المدهش حقا ما أورده الباحث التوراتي دونالد ريدفورد الذي يشير إلى أن فترة الفرعون بسامتيك (610ـ 664 ق.م) وابنه نخو الثاني (من الأسرة 26) حفلت بازدهار عمراني كحفر قناة بين المتوسط وفروع النيل الشرقية لربطها بالبحر الأحمر (تأكيدات أركيولوجية) وأنّ القيداريين (العرب) استوطنوا شرق الدلتا منذ القرن السابع ق.م. وفي القرن الخامس ق.م أصبحوا القوة المسيطرة في الدلتا، وأن المدينة التي ترد في التوراة باسم جوسن (قريبة من الآثار المكتشفة لبي رمسيس) هي اسم العائلة الملكية للقيداريين العرب (4) ، وهنا يجدر الملاحظة بأن ريدفورد ساق هذه المعلومات لربط قصة يوسف التوراتية بالقيداريين، فالأسطورة تذكر أنّ قافلة من الإسماعيليين هي التي اصطحبته إلى مصر.
رابعا: أما الفكرة البالغة الخطورة التي نحتها، بهمّة وجهد علمي غير مسبوق، فولكر بوب (5) فقد أضافت مصطلحا جديدا أسماه " آرابي" ويدل على مجموعات سكانية يصعب من ناحية التحقيب اللساني (القاموسي)تحديدها، لكنها بالتأكيد مرحلة أولى في صيرورة عربية سيبويه (يمكن تصورها مزيجا عربيا آراميا)، وكانت لغة الجسد السكاني للهلال الخصيب في القرن الثالث ميلادي وتمتد بين إنطاكية والرها (المقار التاريخية للمسيحية الشرقية) إلى الحضر وسلوقيا (قرب بغداد: تيسفون المدائن، مراكز النسطورية) حيث تشير الدلالات التاريخية بأن الملك الساساني شاهبور الأول (241م ـ272 م) احتل مدينة الحضر وسبى سكانها. حيث كان التهجير آنذاك جزءا من تطبيقات الحكم الساساني:
وكذلك احتل إنطاكية في سوريا، وقام بترحيل سكانها بما فيهم مطران المدينة حيث أسسوا مدينة جندشابور في خوزستان. التي غدت وطنا جديدا للاهوت الأنطاكي المضاد لعقيدة التثليث والتأليه في روما.
وفي الحروب الثلاث الكبرى التي خاضها شاهبور. ضد روما وحلفائها بين 241 و 260 م تم توطين الأسرى في بيرسيس (أو تخت جمشيد عاصمة فارس القديمة) هذا ما يؤكده النقش الفارسي المسمى كأبابي زردشت في العاصمة جمشيد (16 سطرا بالفارسية).
وحوالي 540م. قام خسرو الأول (531 ـ579 م.) بهزيمة البيزنطيين وقام ثانية بترحيل جميع سكان أنطاكيا الأسرى باتجاه وادي الرافدين، حيث شيّد هناك مدينة أسماها "أنطاكية خسرو الجديدة" Veh-Antiokh-i Chosoau أو المدينة التي عرفها المسلمون باسم "رومية".
وعلينا ألا نعجب، لوجود ألفاظ، تعود بالأساس لوطن المنفيين السوريين، والتي استبدلت اسم الشاهينشاه على النقود (المضروبة) بعد غروب الحكم الساساني: ففي الشرق وبالضبط في سيستان عام 661 م. حلّ اللقب التشريفي "محمد" على المسكوكات مكان اسم الملك الساساني!!
إن أهمية هذه الأطروحات تساهم بجدية في فهم لغز الدور الفارسي في الحضارة العربية، وكيف احتوى عصارة اللغة العربية، من خلال مدن جند سابور، ومرو وسيستان ورومية وكل المستوطنات الفارسية التي سكنها المنفيون "الآرابيون السوريون" (تصفيق) الذين مهدوا لعصر قادم مثّله الطبري والبخاري وسيبويه.
فالأطروحة تحلّ بضربة واحدة مسائل تاريخية غامضة، عن العربيّ الذي كان يمتطي صهوة جواده ويتجوّل في بلاد فارس دون ترجمان وكأنه وسط قبيلته في أزد وتميم، وكيف استطاع فارسيّ مثل ابن المقفع أن يكتب كليلة ودمنه بالعربية في ذلك الزمن المبكر، إنها أفكار تضيء لنا أشياء مبهمة عن تاريخ التشيّع وقدوم بني العباس من خراسان تحملهم سيوف أبي مسلم، وحتى عن أدب القرن الرابع الهجري وسجالات الشعوبية والظهور المفاجئ للشيعة البويهية؟ عن سرّ التدوين الكتابيّ العربيّ الذي تسيّده الفرس وأهل بخارى وطبرستان دون العرب. إنها أفكار تلقي الضوء على بعد غائب في التاريخ ـ الأنتربولوجي للإسلام، ويفسر ظهوره كارتكاز على ثقافة جماعات آرابية مسيحية (مضادة للتأليه والتثليث) ومُعمدة بثقافة إيران الزرداشتية، التي تقوم على زواج مطلق بين المعبد والسلطة.. وكأن الإسلام في جوهره العميق عبارة عن حركة استقلال كبرى بدأها (الآربي) من إيران(في مرو وسيستان وخوزستان) عبر تحالفات مع العرب الغساسنة والمناذرة، في فترة أفول إمبراطوريات بيزنطا وساسان، ثم أسقطت تلك الأحداث المبكرة ميثولوجيا، على نبي الحجاز وسيوف خالد وعمرو وسعد (هذا هو جوهر نظرية بوب، مع الاعتذار لشيخنا الجليل ابن جرير الطبري).
------------------------------------------------------
الهوامش: 1ـ Cyrus H. Gordon: Ugaritic Manual

2ـ 3ـ المعتقدات الأمورية خزعل الماجدي

4ـ The Bible Uneathed

5ـ من اوغاريت إلى سامراء : فولكر بوب (الإسلام المبكرDer frühe Islam )

نادر قريط
الاحد 10 ماي 2009