________________________________________
كيف يمكن الكلام عن فنانٍ أو فنٍ عظيمٍ، لا بل هو خالدٍ؟!.... في جماليته، في أهدافه، أو في عطاءاته الكبيرة؟! ...
وهل يمكن الحديث عن إبداعاته الرائعة عبر خمسين عاماً أو أكثر في دقائق أو ساعات؟.. أنتحدث عن فنٍ لألحان رائعة، كلما سمعنا واحدةً منها أدهشتنا وجاء وقعها علينا كالمرة الأولى؟.. أم أتحدث عن صوتٍ مخملي ساحرٍ، يتغلغل في أعماقنا حاملاً لنا السلام والطمأنينة؟
صوت فرحٍ، صوت ألمٍ..
صوتٌ صرخ من أجل الاضطهاد..
صوت حقٍ، صوت حبً..
صوت سلام، صوت صلاة..
فيروز اسمٌ فني اختير لـ "نهاد حداد"، الصبية الرقيقة الخجولة تشبيهاً لخامة صوتها الثمين بالحجر الكريم.
ولدت نهاد حداد عام 1935 في قرية الدبية من قرى جبل لبنان وعاشت مع أهلها، في محلة زقاق البلاط في بيروت، في غرفة شديدة التواضع، من بيتٍ كانت تشترك فيه عدة عائلات من الفقراء أو المهجرين الآتين من أمكنةٍ مختلفةٍ من البلاد.
منذ صغرها بدا عليها ميل طبيعي للغناء. فكانت تحب أن تغني في السهرات الشتوية مع جيران البيت القروي الذي عاشت فيه. لم يكن باستطاعة أهلها شراء راديو لها. فكانت تستمع وتحفظ الأغاني التي ترد أصواتها من النافذة. وكانت تردد الأغاني بينما هي منهمكة في أعمال المنزل الكثيرة.
استطاع والدها وديع حداد، العامل المطبعي، أن يوفر قسماً من المال لإلحاقها بمدرسةٍ ابتدائيةٍ.
وهناك برزت موهبتها الغنائية وخصوصاً في أداء الأناشيد الوطنية.
في عام 1947 سمعها الملحن محمد فليفل في حفلة مدرسية. عندما كان يفتش عن مجموعة منشدين لغناء أناشيده الوطنية ومع اكتشافه لصوتها الثمين بدأت رعايته الفائقة لهذا الصوت فبدأ يقدم لهذه الفتاة الموهوبة كل النصائح والإرشادات اللازمة للحفاظ على خامة صوتها المميز.
فيما بعد، استطاع محمد فليفل إقناع والدها بالدخول إلى الكونسيرفاتوار الوطني لدراسة الموسيقى والغناء تحت إشرافه وعلى نفقته.
تحققت أمنية فيروز الكبرى بالدخول، والالتحاق بكورس الإذاعة اللبنانية بعدما قدّمها الأخوان فليفل إلى لجنة الاستماع والتي تألفت من حليم الرومي (والد المطربة ماجدة الرومي) وميشال خياط ونقولا المني وخالد أبو النصر وذلك في شباط من عام 1950.
أراد الفنان حليم الرومي والذي كان وقتها رئيساً للقسم الموسيقي في الإذاعة اللبنانية أن يستمع لها إفرادياً فغنت له موال "ديرتي مالك علي لوم" لأسمهان و "يا زهرة في خيالي" لفريد الأطرش.
أُعجب حليم الرومي بصوتها جداً، وأراد أن يصنع شيئاً لهذا الصوت يطلقه خارج الكورس الإذاعي الذي التحقت به.
تعهد حليم الرومي فيروز، وكان هو من أطلق عليها هذا الاسم الفني، فبدأت عنايته بصوتها وبمخارج الحروف والكلمات فأعد لها أغنية "تركت قلبي"، التي أُذيعت على الهواء في الإذاعة اللبنانية.
وفي أوائل شهر نيسان من عام 1950 كانت الأغنية الأولى التي غنتها في حياتها تحت اسم فيروز.. واسمها "تركت قلبي وطاوعت حبك"، وما لبثت أن تلتها الكثير من الأناشيد الوطنية والأغنيات الشعبية والراقصة والقصائد والطرب، والتي لحنها بالإضافة على حليم الرومي، كل من مدحت عاصم ونقولا المني وسليم الحلو وتوفيق الباشا وخالد أبو النصر ومحمد محسن.
وكان من ضمن الذين كلفوا أيضاً بتلحين بعض الأغنيات الحديثة لفيروز عاصي الرحباني، وقد كان وقتها عازفاً للكمان في الإذاعة اللبنانية، فكانت بداية مشواره مع فيروز... وأول خطوة في طريقهما القدري في الفن والحياة.
بدايات فيروز مع الرحابنة جاءت في وقتٍ كان فيه عاصي ومنصور الرحباني يخطوان أولى خطواتهما في عالم الاحتراف في الموسيقى والكتابة المسرحية. وكانت أغنياتهم الجديدة في إذاعة الشرق الأدنى قد بدأت تصل قلوب المستمعين وكانت تؤدّى بصوت نجوى، أخت االرحابنة. ومع اعتزال الأخت للفن، بدأت الاستعانة بفيروز لأداء تلك الأغنيات الجديدة ومنها: "سمراء مها"، "يا ساحر العينين"، "هل ترى تعرف يولا".
وجد الرحابنة في فيروز خامةً فنيةً كبيرة وصوتاً عذباً ذو نكهة مميزة كان وقتها يختلف عن أصوات مغنيات تلك الحقبة ويطابق تماماً الأغاني الجديدة التي يكتبونها ويلحنونها. فبدأوا بتدريب صوت فيروز وصقله وتحضير ما يناسبه من ألحان، وجعلوها تغني الألوان الأوروبية ثم الشرقية الصعبة، ومع كل الأوركسترات أصبح لها خبرة كبيرة ميزتها عن غيرها من المطربات. ومما ساعدهم في ذلك حسها الفني الذكي والذاكرة الحادة في حفظ النوتة أو الكلمات.. فيقال أنها كانت قادرة على حفظ أربع صفحات من الشعر خلال ساعتين فقط.
أراد الرحبانبان تكوين موسيقى لبنانية وأغنية لبنانية فصارا يجمعان الفولكلور ويرتبان بعضاً من ألحانه. فجمعا جملاً من "أبو الزلف" إلى غيرها.. من "عالماني" إلى "الدلعونا".. واستخرجا منها أغنية واحدة بعد أن ركّبا لها كلاماً جديداً. وصار مفهوم "التطوير الموسيقي" مبدأً لهما في هذه الفترة، فصاروا يقلبون جملة الميلودي التي تكون فلكلورية ويرسمون على شكلها لحناً عندما تسمعه تتساءل أين سمعت هذا اللحن من قبل كأغنية "تحت العريشة سوا" التي رُكّبت على لحن "عالروزانا". أما عن أولى ألحان عاصي لفيروز فكانت عام 1954 (العام الذي تم زواجهما فيه).. أولى هذه الأغاني "غروب"، ثم "ماروشكا"، ثم "عتاب"، ثم "راجعة".
ومع أغنية عتاب بدأت فيروز تعرف كمطربة كبيرة في الوطن العربي وبدأ اللون الرحباني يعرف كفن شعبي أيضاً.
أوجد الرحبانيان موسيقى خاصة راقصة مع انفتاحهما على الموسيقى العالمية، فكانت موسيقى التانغو، الجاز، السلو، والبوليرو، دارجةً ومعروفةً في تلك الأيام وصارا أحياناً يضعان لها كلاماً لبنانياً ويعيدا عزفها والادعاء أنها من تأليفهما.
ومن الفنانين المشهورين الذين تعاونوا معهم إدواردو بيانكو ملك التانجو، الذي اقتبسا بعضاً من ألحانه وغنتها فيروز بكلام لبناني وتحت إشرافه.. وقد غنت فيروز مع فرقه الكبيرة التي قدمت خصوصاً من الأرجنتين..
إلى جانب ذلك، أنشأ الرحبانيان لوناً لبنانياً راقصاً كأغنية "نحن والقمر جيران".. وصارا يضعان للفلكلور إيقاعاً راقصاً كأغنيتي "يا مايلة على الغصن".. و"البنت الشلبية".
التفت الرحابنة إلى الموشح والقصيدة بنبرات جديدة مع الاحتفاظ بالقديم، فكتبا قصائد مختصرة كـ "لملمت ذكرى لقاء الأمس بالهدب" و"سنرجع يوماً إلى حيفا".
أما بالنسبة للموشح، فقد أخذا بعضاً من ألحانه وأجريا له توزيعاً موسيقياً جديداً كـ "لما بدا يتثنى".. وقاما أحياناً بتأليف قصائد جديدة مفرداتها وإيقاعاتها تشبه الموشح الأندلسي كـ "لوني الدنيا ربنا".
ألف الرحبانيان أيضاً "اسكتشات"، أو لوحات غنائية وتمثيليات إذاعية، كانت جديدة في وقتها.
جاءت من المخيلة الشعبية للرحابنة والتي كما يقولان عنها أن مرجعها هو التأمل والعيش مع الطبيعة.
فمن انطلياس، البلدة الساحلية المليئة بغابات الأشجار وبيوت القرميد، ذات الطابع القروي، بدأت علاقتهما مع الطبيعة. وكانا بحكم مساعدتهما لوالدهما حنا الرحباني (القبضاي)، المعروف آنذاك في مقهى انطلياس، ومن ثم في مقهى "الينابيع" قرب ضهور الشوير، وقد بدءا يقتربان من الطبيعة، فكانا ينظران الأحراج، ويقربا من الحيوانات، ويتعرفا على المقالع والصخور ويشمّا رائحة البارود المختلط برائحة الزهر. فالمناخ الجبلي زودهما بشيء من العنفوان الذي ظهر في كثير من أعمالهما وخاصة ذات الطبعة التاريخية والملحمية. فهناك كما يقولان ولدت شخصيات سبع، مخول، بو فارس.. وقصص المقالع والرعاة.
أما عن الجدة، فكان لها التأثير الكبير في تغذية مخيلتهما بحكاياتها القديمة والكثير من القباضايات والجن والرصد. بالإضافة إلى تشجيعهما على قول الشعر العامي (الزجل)، الذي كانت تجيد نظمه.
لقد ظهرت عبقرية عاصي ومنصور الشعرية والموسيقية منذ الصبا، فكان شغفهما بالكتابة واضحاً وكانا ميالين للقراءة والمعرفة وسبر أغوار كتب الأدب والفلسفة والمسرح العالمي. وكذلك تعمقا جداً في دراسة الموسيقى الشرقية وفي دراسة التأليف الموسيقي الغربي لمدة 9 سنوات بالإضافة إلى إطلاعهما الواسع على الموسيقى الكنسية وخاصة البيزنطية.
إلى جانب تلك الثقافات الواسعة كان للثقافة الشعبية موضعاً هاماً لديهما. فالتفتا إلى التراث المحلي الفلكلوري وجمعوه وأخرجوه بصورة جديدة. ثم أصبحا يضيفان إليه جملاً وأشياء مستوحاة منه فأبدعا لوحات غنائية ومسرحيات غنائية كثيرة، استمدا شخصياتها من الواقع اليومي فالإنسان عندهما هو ابن بيئته، وإذا كان أصيلاً فهو يتفاعل مع تراثه، شعبه، مع آلامه وأفراحه.
جاء المسرح الغنائي ذو صيغة رحبانية تضم الأغنية، الفلكلور، الدراما، القصة، الاستعراض، الحوار في علاقات غير تقليدية تتدرج من المسرح التاريخي إلى المسرح المرتبط بالتلاوين المحلية إلى المسرح السياسي. وكان لمشاركة فيروز في المسرح قيمة فنية ميزتها عن غيرها من المطربات. وعلى المسرح خلق الرحابنة لها شخصية جديدة مسرحية وكانت هي المحور الذي بني عليه مواضيع مسرحياتهم. تسمت البطلة الرحبانية بأسماء عديدة: "صبية الضيعة"، "عليا"، "منتورة"، "ريما"، "عطر الليل"، "هالة"، "البنت البياعة"، "قرنفل"، "هيفاء"، "ماريا"، "زاد الخير"، "لولو"، "وردة"، "زيون"، "شكيلا"، "شهرزاد"، "زنوبيا"، "غربة" ...الخ
كلها شخصياتٌ أحبتها فيروز وتعلقت بها وكانت لها صديقاتٍ سرن معها درباً طويلاً، عن ذلك تقول: "كان يعزّ علي فراق تلك الشخصيات. كما يعزّ علي رحيل الجمهور بعد انتهاء كل حفلةٍ. فأرى المكان الذي كان قبل قليل ينبض حياةً وترقباً. مقفراً عابساً وأسمع وقع خطاي ترددها الجدران الصامتة. الجمهور كرفوف السنونو. يغط ثم يطير".. وتستدرك قائلةً: "ليت الفنان ينتهي في إحدى لياليه. فتكون تلك أجمل النهايات"...
بلغ عدد المسرحيات التي شاركت بها فيروز حوالي 23 مسرحية نذكرها حسب التسلسل التاريخي من 1957 حتى 1977.
1957 أيام الحصاد 1963 الليل والقنديل 1970 صح النوم
1959 المحاكمة 1964 بياع الخواتم 1971 ناس من ورق
1959 عرس بالضيعة 1965 دواليب الهوا 1972 ناطورة المفاتيح
1960 موسم العز 1966 أيام فخر الدين 1973 قصيدة حب
1961 البعلبكية 1967 هالة والملك 1974 لولو
1962 جسر القمر 1968 الشخص 1975 ميس الريم
1962 عودة العسكر 1969 جبال الصوان 1976 منوعات
1963 حكايات الإسوارة 1970 يعيش يعيش 1977 بترا
غنت فيروز للوطن بكل ما في هذه الكلمة من معاني وللوطن عند الرحابنة طرحٌ خاص... إنه الأرض الطيبة .. والسماء الصافية ... والكروم الجميلة. إنه حالة من الجمال والحب الخالص أو حالة من الكمال المجرد عن كل الوقائع.
أحبت فيروز وطنها وغنت وصلت له. صرخت لرفع يد الظلم عنه وغنت لخيره وسلامه. تقول في حوارها مع بيير جورج في "الموند" اليومية الفرنسية: "أشعر أني مسؤولة عن كل ما يتعلق بالأرض وبالوطن. إنه كله لي. يتعين علي أن أمثل مجموعة ً من المشاعر للناس، علي أن أمثل ما يحلمون به".
في صيف 1957 وقفت فيروز وجهاً لوجهٍ لأول مرةٍ أمام الجمهور شامخةً عظيمة كعظمة أعمدة معبد جوبيتر في بعلبك وغنّت: "لبنان يا أخضر حلو".
فيروز كانت ومازالت رمزاً وطنياً عظيماً، خاصةً للمغتربين العرب الذين رافقتهم أغانيها أينما ذهبوا... وكانت كشعلة حب لا تنطفئ تدفئ قلوبهم، وتزرع الحنين والشوق لوطنهم، حتى وإن لم يرجعوا إليه.
تقول في أغنية من كلمات جوزيف حرب وتلحين زياد الرحباني:
فيكن تنسوا صور حبايبكن.. فيكن تنسوا لون الورد، وورق رسايلكن.. فيكن تنسوا الخبز، الكلام، الأسامي، الأيام، والمجد اللي ألكن.. لكن شو صار، ما تنسوا وطنكن..
لم تكن الوطنية في المدرسة الرحبانية إقليمية بل كان لها تواصل مستمر مع المحيط العربي.. وقد غنوا للقدس، للشام، ومكة وعمان قبل أن يغنوا لبيروت. وكانت أجمل اللحظات السعيدة والمؤثرة لدى الأسرة الرحبانية يوم تلقت فيروز من أهالي القدس في احتفال كبير في بيروت عام 1986 "مفتاح مدينة القدس" المصنوع من خشب الزيتون تقديراً للفن الرحباني الذي قدم للقضية الفلسطينية برنامج غنائي سمّي "راجعون"، وأغانٍ عديدة ومعبّرة عن واقع المأساة، فيها صلاة وإيمان بعودة المهجرين إلى أراضيهم الغالية.
لقد آمنت فيروز أن صوتها سيكون سلاحاً تستخدمه من أجل المعاني الإنسانية السامية. تقول في حوار مع "جوان كوفمان"، والـ "ستريت جورنال" الأمريكية 1987: "عندما أغني ضد الاضطهاد، ليس في الأمر مجرد إيصال كلمات وغناء بواسطة صوت جميل. هذه هي أسلحتي التي أستخدمها. الأمر أشيه بالصلاة. عندما تصلي أنت تنقب في أعماق الروح. إن ما يصل مني إلى الجمهور هو ما لا أستطيع السيطرة عليه من روحي".
إن فيروز إنسانةٌ متشبعةٌ بالروح وبالأجواء الروحانية تعيشها في أغانيها وحتى في أقوالها وسلوكها. يقول عنها الأديب سعيد عقل: "نادرةٌ (إن لم تكن موجودة) المغنية التي يأبه لها المصلي. لكنك هنا واعجباه! أمام مغنية غدت هم هموم المصلين. صوت فيروز بخلع على جرحة القلب حتى الغزلة مسحةً من ابتهال"..
"كان محمد فليفل أو من اكتشف أن صوت التي ستصبح سفيرتنا إلى السماء يزيد الميلودي ميلودي. في هذه الهنيهة وأنا أكتب عما غنت فيروز ولعبت وضربت على دفٍ وقالت من زجلٍ وهي تترنح أو تتشيطن، يخيل إلي أن فيروز كانت، حتى في كل هذا، المقربة المقربة من الله" (سعيد عقل).
لقد كانت الصلاة مسيطرة في أغلب أغاني فيروز. ودائماً نحس بمناخ قدسي عند سماع أغانيها حتى العادية منها. مما ساعد على ذلك روحانيات فيروز والصوفية في صوتها الكبير.
غنت فيروز مجموعة من الأغاني الدينية كـ: "ساعدني يا نبع المحبة"، "شمس المساكين"، "أومن"، "المحبة".. والكثير من التراتيل والأغاني التي ما زالت تردد حتى اليوم في المناسبات والاحتفالات الدينية، خاصة للميلاد.. والقيامة. نحسّ مع فيروز في الميلاد بالبهجة والسلام عندما نسمع تراتيلها الملائكية خصوصاً ليلة الميلاد.. وفي أسبوع الآلام العظيم.. نحسّ بالخشوع والرهبة لدى سماعنا "تراتيل فيروز" للجمعة الحزينة والتي مازالت تؤديها في كنيسة انطلياس من كل عام.
لقد كان لظهور الأغنية الرحبانية. وانتشارها داخل وخارج العالم العربي أثره الكبير في تغيير المفاهيم السائدة آنذاك، عن ذلك يقول منصور الرحباني: "غيّرنا مفهوماً شعرياً، وغيّرنا مفهوماً موسيقياً، ونحن منذ البداية قصدنا التغيير بعمق في الإنسان الذي حولنا في نظرته إلى الموسيقى. أردنا أن ننتقل بالإنسان الشرقي من القتامة إلى الإشراق، من البكاء في الحب إلى فرح الحب؛ وهي نقلة من المحدود إلى الرحب. فعندما يمضي الإنسان إلى الحب بفرح، تتغير حياته وتتغير معها طبيعته وعلاقته بالمجتمع والوجود وهنا أهمية الفن والإنسان".
وهكذا جاءت الأغنية الرحبانية أغنيةً متجددة ذات نكهة مميزة بالإضافة إلى قابليتها للتطوير لكل ما يطرأ على المجتمع وعلى البيئة من تغيير حياتي، فكري، واجتماعي. فأصبحت أغاني فيروز لوحاتٍ جميلة معبرة بكل الألوان والأشكال.
كان للقمر حكاية عشقٍ مع فيروز في أغانيها، فغنت له كثيراً وحلمت به.. كان رفيقاً لها في سهراتها، وفي أمسياتها تنورت بضيائه واستأنست بصحبته.
لُقبت فيروز بـ"جارة القمر"، وقد غنت له: "ليلنا القمري"، "يا قمر أنا وإياك"، "لشو تطلع يا قمر"، "القمر بيضوي على الناس"، "قمر السماء"، "يا حلو يا قمر"، "غيب يا قمر"، "حبيبي بدو القمر".. وكيف يمكننا أن ننسى هذه الأغنية وننسى فيروز التي سهرت عشر ليالي على السطوح خوفاً أن تسرق الجارةُ القمرَ وتعطيه لحبيبها فيحول عنها وينساها.
فيروز لم تكن فقط جارة القمر، بل كانت أيضاً جارةً للبشر، تربطها معهم علاقات ودٍ ومحبةٍ وحنين: "يا بنت جارتنا، كيف حالك يا جار، يا حلو يا جارنا".
فيروز في حالة حنين وشوقٍ دائم للذكريات.. للسهرات للخبار ولأهل الدار....
بلدي درج اللوز.. أربع خمس بيوت، وشوية شجر
بلدي درج اللوز.. بالجبل العالي ، بخيال الشجر
طلة القمر، ووردة السهر.. بيتي بدرج اللوز
بيتنا بوابو مشقشقها الزمان.. عاسطحو في محدلة منسية من زمان
وأمي وإخوتي بيلمو حطب.. لأيام الثلج، بيلمو حطب.. وأنا من أيام الطفولة مخباية لعب
كانت فيروز دائمة الحنين للذكريات ولملاعب الطفولة، فنحسبها طفلةً هاربةً من الزمان تطير طيارةً من ورق وخيطان.
فيروز، وإن كانت قد غنت القليل للأطفال، فقد أحبوها كثيراً ورددوا أغانيها الجميلة لأجيالٍ وأجيالٍ في مدارسهم، في رحلاتهم، وفي أسفارهم. فأغانيها الحلوة قد دخلت قلوب وعقول الجميع كباراً وصغاراً.
من النادر أن لا يجد مستمع نفسه في أي أغنية من أغنيات فيروز، فقد جاءت صوراً ولقطات لحالات إنسانية مختلفة: من وصالٍ إلى هجرٍ.. من بعدٍ إلى سفرٍ.. من يأسٍ إلى أملٍ.. من حزنٍ إلى فرحٍ..
أما الحب عند فيروز، فله أحوالٌ وأحوال!.. بعضه قويٌ جارف،وبعضه ضعيف خائف!.. بعضه واضح، وبعضه صامت!..
تطوّر الحب في أغاني فيروز جنباً إلى جنب مع كل تطور طرأ على الأغنية الرحبانية، فكانت تغني، كما سمعنا، عن "نجوم السماء"، وأصبحت تغني "حبيتك بالصيف حبيتك بالشتي". أما مع زياد الرحباني، فقد أصبحت هذه أغنية الحبّ أكثر تعقُّلاً: " كان يبقى الحب جنون.. يخلص بحرف النون.. مش كل إنسانة تمرق وتصير تمون"..
غنّت فيروز لكثير من الشعراء القديمين والمعاصرين.. غنّت لـ
عنترة بن شداد (“ولقد ذكرتك”)،
ولجرير (“جبل الريان”)،
وابن جبير (“أقول وآنست”)،
أبو بكر بن زهر (“هل تستعاد”)،
ابن سناء الملك (“يا شقيق الروح”)،
قيس بن الملوح (“أحب من الأسماء”)،
الصمة القشيري (“بروحي تلك الأرض”)،
لسان الدين بن الخطيب (“في ليال”، و“من عذب الما”)،
أبو سلمى (“ابنة بلادي”)،
إيليا أبو ماضي (“وطن النجوم”)،
جبران خليل جبران (“أعطني الناي وغنِّ“،“سكن الليل“، و“المحبة”)،
أحمد شوقي (“يا جارة الوادي”)،
أسعد سابا (“الروزانا، و“مين دلك”)،
بدوي الجبل (“خالقه”)،
رشدي المعلوف (“زكي سألتك باسمهن”)،
رفيق خوري (“أرجعي يا ألف ليلة”)،
رشيد نخلة (“أهلاً وسهلاً”)،
الأخطل الصغير (“أرق الحسن”، “بين النجوم”، “سيوف وجراح”، “ضفاف بردى”، “في عيونه جن”، “ملعب الأحلام”، “وداد”، “عاقد الحاجبين”)،
شفيق جدايل “تعال تعال”،
عبد الله غانم (“دقت على صدري”)،
قبلان مكرزل (“غروب”)،
ميخائيل نعيمة (“تناثري”)،
أبو النواس (“حامل الهوى”)،
ميشال طراد (“بكوخنا يا ابني”، “تخمين”، و“جلنار”،
جوزيف حرب وبولس سلامة وسعيد عقل: (“أجراس العودة”، “الأردن”، “أمي يا ملاكي”، “بحبك ما بعرف”، “دقيت”، “فتحهن علي”، “قرأت مجدك”، “من صوب بيتكم”، “نسمة من صوب سوريا”، “ردني إلى بلادي”، “سائليني”، “شال”، “شام يا ذا السيف”، “غنيت مكة”، “القمر”، “لاعب الريشة”، “مر بي”، “مشوار”، “يارا”، “مرجوحة”، نزار قباني “دمشق”، “وشاية”، “لا تسألوني”).
لحن لفيروز، بالإضافة إلى “لأخوين رحباني، ملحنون كثر أهمهم: سيد درويش، محمد عبد الوهاب، فيلمون وهبي.
سيد درويش: ملحن موسيقي مصري كبير ترك فنه أثراً ظاهراً قس نقل النغم المصري من حال لحال. أحدث نغمة جديدة في الموسيقى العربية “الزنجران” لحن الكثير من الأدوار. كما إنه لحن العديد من الأوبيريتات: “شهرزاد”، “العشرة الطيبة”، و“كليوباترا”. توفي شاباً عن عمر 31 سنة. اعتبرت وفاته خسارة موسيقية كبيرة للموسيقى العربية. من ألحانه التي غنتها فيروز: “زوروني”، “الحلوة دي”، و“طلعت يا محلا نورها” التي أكملها الأخوين رحباني و“شادي الألحان”
محمد عبد الوهاب: من كبار الموسيقيين العرب لعصره وهو مصري أيضاً لحن لكبار الشعراء وله العديد من الألحان التي جمعت كل الصيغ والقوالب الغنائية العربية. أحدث ثورة في التلحين بإدخاله بعض الآلات الغربية للتخت الشرقي بالإضافة لمزجه الإيقاعات الغربية بالإيقاعات العربية. لحن عبد الوهاب لفيروز ثلاث أغنيات: “اسهار”، “سكن الليل”، “مرّ بي”.
فيلمون وهبي: الملحن الشعبي الموهوب، صاحب النكتة الساخر والذي كان نجماً لامعاً من نجوم مسرحيات الرحابنة. لحن أكثر من 500 لحن. يقال عن ميلوديات ألحانه أنها من أزهى ميلوديات الأغاني العربية. كان له دوراً في خلق الأغنية الشعبية المتطورة، لم يكن يعرف النوتة ولم يدرسها بل كان يلحن بالفطرة. قدم لفيروز أكثر من ثلاثين عملاً تعتبر من أكثر ألحان أغانيها طرباً.. بل ويعتبرها نقاد الموسيقى من أجمل الألحان الشرقية. ومع ألحانه أثبتت فيروز قدرتها على أداء الطرب الشرقي. من هذه الأغاني: “يا كرم العلالي"، "بكرم اللولو،" "جايبلي سلام"، "فايق يا هوا"، "ليلة بترجع يا ليل"، "أنا خوفي من عتم الليل"، "من عز النوم"، "طيري يا طيارة"، "عالطاحونة"، "صيف يا صيف"، "يا داره دوري فينا"، "يا مرسال المراسيل"، "كتبنا وما كتبنا"، "على جسر اللوزية"، "بليل وشتي"، "يا ريت"، "ياقونة شعبية"، "ورقوا الأصفر"، "طلعلي البكي"، "لما عالباب"، "أسامينا"، و"إسوارة العروس".
غنت فيروز أيضاً لزكي ناصيف؛ ولمحمد حسن، وهو ملحن سوري كبير غنت له: "يا زائري بالضحى"، "سيد الهوا"، "جاءت معذبتي"، "ولي فؤادٌ"، "لو تعلمين"، و"أحب من الأسماء".
كذلك لحّن الياس الرحباني لفيروز العديد من المقدمات الموسيقية في مسرحياتها، وعدة أغنيات هي: “ليل وأوضة منسية"، "كنا نتلاقى من عشية"، "طير الوروار"، "لاتجي اليوم"، "كان عنّا طاحون".
لقد كانت نبوءة حليم الرومي لصوت فيروز بأنه “صوت غير محدّد بمقدرته الفائقة على الأداء لكل الألوان الغنائية. وأنه سيتميز في المستقبل القريب بأنه أقدر صوت على غناء الألحان الحديثة في العالم”.
لقد جسدت فيروز هذا القول بتقديمها أعمالاً فنية جديدة لابنها البكر زياد الرحباني الذي آمنت بموهبته وبقدرته على تقديم رؤية فنية ولو اختلفت أحياناً عما سبقها من مسارٍ رحباني رائد.
بدأ زياد شاعراً، له مجموعة من القصائد؛ وعازفاً بارعاً للبيانو. رافق والدته في كثير من جولاتها الموسيقية داخل وخارج لبنان. ومن ثم غدا ملحناً وكاتباً مسرحياً، مقدماً الكثير من الأعمال الاستعراضية الانتقادية الغنائية.
من أهم أعماله لفيروز أغنية “سألوني الناس”، التي ألفها ولحنها زياد وغنتها فيروز بعد أزمة المرض التي حلت بزوجها عاصي.
كان لزياد العديد من المقدمات الموسيقية التي لحنها كـ: المقدمة الموسيقية لأغنية "قديش كان في ناس"، المقدمة الموسيقية لأغنية "يا أنا يا أنا" المقتبسة من السيمفونية الرابعة لموزار، والمقدمة الموسيقية الأولى لمسرحية "ميس الريم".
عام 1979 صدرت لفيروز أسطوانة “وحدن”، جميع أغنياتها من ألحان وتوزيع زياد: “عاهدير البوسطة”، “أنا عندي حنين”، “حبيتك تا نسيت النوم”، و“بعتلك”.
كان زياد يرى أن حس فيروز الموسيقي السليم وطريقة أدائها المميز تدفعه لاستنباط طريقة جديدة في التلحين. وكان يرى أن لديها أداء خاص للجملة الموسيقية. مثل قدرتها على تبطئ الجملة اللحنية على نقطة معينة حساسة دون خروجها عن الإيقاع.
قدّمت فيروز لزياد أيضاً مجموعة من الألبومات برؤيا معاصرة، فالعالم الآن حول زياد كما يراه معقداً وليس بسيطاً كالسابق مثل أيام والديه. استعمل زياد في موسيقاه عناصر أخرى موسيقية للتعبير الموسيقي متأثراً بموسيقى الجاز ومستخدماً آلات نحاسية ونفخ خشبية، كما أنه يعتمد على الفواصل الموسيقية كثيراً في أغانيه.
نذكر من الألبومات التي غنتها فيروز لزياد: "كيفك أنت"، "معرفتي فيك"، "مش كاين هيك تكون"، "ولا كيف".
فيروز تعتبر عالمياً من أهم المغنيات العرب المعاصرين.
مسيرة زاخرة من العطاء
1000 أغنية، 22
مسرحية،
3 أفلام سينمائية.
قراءتنا لليوم انتهت.. لكن فن فيروز باقٍ...
فيروز كيفما غنّت ولمن غنت؟!
هي حالةٌ من الجمال والعشق الأبدي،
سيظل يمتعنا سماع صوتها المنساب عذوبةً ورقةً في الصباح الباكر،
وسنظل نردد أغانيها الحلوة مئات المرات...
فيروز نحبك صوتاً وحضوراً وصلاةً!..
-----------
كيف يمكن الكلام عن فنانٍ أو فنٍ عظيمٍ، لا بل هو خالدٍ؟!.... في جماليته، في أهدافه، أو في عطاءاته الكبيرة؟! ...
وهل يمكن الحديث عن إبداعاته الرائعة عبر خمسين عاماً أو أكثر في دقائق أو ساعات؟.. أنتحدث عن فنٍ لألحان رائعة، كلما سمعنا واحدةً منها أدهشتنا وجاء وقعها علينا كالمرة الأولى؟.. أم أتحدث عن صوتٍ مخملي ساحرٍ، يتغلغل في أعماقنا حاملاً لنا السلام والطمأنينة؟
صوت فرحٍ، صوت ألمٍ..
صوتٌ صرخ من أجل الاضطهاد..
صوت حقٍ، صوت حبً..
صوت سلام، صوت صلاة..
فيروز اسمٌ فني اختير لـ "نهاد حداد"، الصبية الرقيقة الخجولة تشبيهاً لخامة صوتها الثمين بالحجر الكريم.
ولدت نهاد حداد عام 1935 في قرية الدبية من قرى جبل لبنان وعاشت مع أهلها، في محلة زقاق البلاط في بيروت، في غرفة شديدة التواضع، من بيتٍ كانت تشترك فيه عدة عائلات من الفقراء أو المهجرين الآتين من أمكنةٍ مختلفةٍ من البلاد.
منذ صغرها بدا عليها ميل طبيعي للغناء. فكانت تحب أن تغني في السهرات الشتوية مع جيران البيت القروي الذي عاشت فيه. لم يكن باستطاعة أهلها شراء راديو لها. فكانت تستمع وتحفظ الأغاني التي ترد أصواتها من النافذة. وكانت تردد الأغاني بينما هي منهمكة في أعمال المنزل الكثيرة.
استطاع والدها وديع حداد، العامل المطبعي، أن يوفر قسماً من المال لإلحاقها بمدرسةٍ ابتدائيةٍ.
وهناك برزت موهبتها الغنائية وخصوصاً في أداء الأناشيد الوطنية.
في عام 1947 سمعها الملحن محمد فليفل في حفلة مدرسية. عندما كان يفتش عن مجموعة منشدين لغناء أناشيده الوطنية ومع اكتشافه لصوتها الثمين بدأت رعايته الفائقة لهذا الصوت فبدأ يقدم لهذه الفتاة الموهوبة كل النصائح والإرشادات اللازمة للحفاظ على خامة صوتها المميز.
فيما بعد، استطاع محمد فليفل إقناع والدها بالدخول إلى الكونسيرفاتوار الوطني لدراسة الموسيقى والغناء تحت إشرافه وعلى نفقته.
تحققت أمنية فيروز الكبرى بالدخول، والالتحاق بكورس الإذاعة اللبنانية بعدما قدّمها الأخوان فليفل إلى لجنة الاستماع والتي تألفت من حليم الرومي (والد المطربة ماجدة الرومي) وميشال خياط ونقولا المني وخالد أبو النصر وذلك في شباط من عام 1950.
أراد الفنان حليم الرومي والذي كان وقتها رئيساً للقسم الموسيقي في الإذاعة اللبنانية أن يستمع لها إفرادياً فغنت له موال "ديرتي مالك علي لوم" لأسمهان و "يا زهرة في خيالي" لفريد الأطرش.
أُعجب حليم الرومي بصوتها جداً، وأراد أن يصنع شيئاً لهذا الصوت يطلقه خارج الكورس الإذاعي الذي التحقت به.
تعهد حليم الرومي فيروز، وكان هو من أطلق عليها هذا الاسم الفني، فبدأت عنايته بصوتها وبمخارج الحروف والكلمات فأعد لها أغنية "تركت قلبي"، التي أُذيعت على الهواء في الإذاعة اللبنانية.
وفي أوائل شهر نيسان من عام 1950 كانت الأغنية الأولى التي غنتها في حياتها تحت اسم فيروز.. واسمها "تركت قلبي وطاوعت حبك"، وما لبثت أن تلتها الكثير من الأناشيد الوطنية والأغنيات الشعبية والراقصة والقصائد والطرب، والتي لحنها بالإضافة على حليم الرومي، كل من مدحت عاصم ونقولا المني وسليم الحلو وتوفيق الباشا وخالد أبو النصر ومحمد محسن.
وكان من ضمن الذين كلفوا أيضاً بتلحين بعض الأغنيات الحديثة لفيروز عاصي الرحباني، وقد كان وقتها عازفاً للكمان في الإذاعة اللبنانية، فكانت بداية مشواره مع فيروز... وأول خطوة في طريقهما القدري في الفن والحياة.
بدايات فيروز مع الرحابنة جاءت في وقتٍ كان فيه عاصي ومنصور الرحباني يخطوان أولى خطواتهما في عالم الاحتراف في الموسيقى والكتابة المسرحية. وكانت أغنياتهم الجديدة في إذاعة الشرق الأدنى قد بدأت تصل قلوب المستمعين وكانت تؤدّى بصوت نجوى، أخت االرحابنة. ومع اعتزال الأخت للفن، بدأت الاستعانة بفيروز لأداء تلك الأغنيات الجديدة ومنها: "سمراء مها"، "يا ساحر العينين"، "هل ترى تعرف يولا".
وجد الرحابنة في فيروز خامةً فنيةً كبيرة وصوتاً عذباً ذو نكهة مميزة كان وقتها يختلف عن أصوات مغنيات تلك الحقبة ويطابق تماماً الأغاني الجديدة التي يكتبونها ويلحنونها. فبدأوا بتدريب صوت فيروز وصقله وتحضير ما يناسبه من ألحان، وجعلوها تغني الألوان الأوروبية ثم الشرقية الصعبة، ومع كل الأوركسترات أصبح لها خبرة كبيرة ميزتها عن غيرها من المطربات. ومما ساعدهم في ذلك حسها الفني الذكي والذاكرة الحادة في حفظ النوتة أو الكلمات.. فيقال أنها كانت قادرة على حفظ أربع صفحات من الشعر خلال ساعتين فقط.
أراد الرحبانبان تكوين موسيقى لبنانية وأغنية لبنانية فصارا يجمعان الفولكلور ويرتبان بعضاً من ألحانه. فجمعا جملاً من "أبو الزلف" إلى غيرها.. من "عالماني" إلى "الدلعونا".. واستخرجا منها أغنية واحدة بعد أن ركّبا لها كلاماً جديداً. وصار مفهوم "التطوير الموسيقي" مبدأً لهما في هذه الفترة، فصاروا يقلبون جملة الميلودي التي تكون فلكلورية ويرسمون على شكلها لحناً عندما تسمعه تتساءل أين سمعت هذا اللحن من قبل كأغنية "تحت العريشة سوا" التي رُكّبت على لحن "عالروزانا". أما عن أولى ألحان عاصي لفيروز فكانت عام 1954 (العام الذي تم زواجهما فيه).. أولى هذه الأغاني "غروب"، ثم "ماروشكا"، ثم "عتاب"، ثم "راجعة".
ومع أغنية عتاب بدأت فيروز تعرف كمطربة كبيرة في الوطن العربي وبدأ اللون الرحباني يعرف كفن شعبي أيضاً.
أوجد الرحبانيان موسيقى خاصة راقصة مع انفتاحهما على الموسيقى العالمية، فكانت موسيقى التانغو، الجاز، السلو، والبوليرو، دارجةً ومعروفةً في تلك الأيام وصارا أحياناً يضعان لها كلاماً لبنانياً ويعيدا عزفها والادعاء أنها من تأليفهما.
ومن الفنانين المشهورين الذين تعاونوا معهم إدواردو بيانكو ملك التانجو، الذي اقتبسا بعضاً من ألحانه وغنتها فيروز بكلام لبناني وتحت إشرافه.. وقد غنت فيروز مع فرقه الكبيرة التي قدمت خصوصاً من الأرجنتين..
إلى جانب ذلك، أنشأ الرحبانيان لوناً لبنانياً راقصاً كأغنية "نحن والقمر جيران".. وصارا يضعان للفلكلور إيقاعاً راقصاً كأغنيتي "يا مايلة على الغصن".. و"البنت الشلبية".
التفت الرحابنة إلى الموشح والقصيدة بنبرات جديدة مع الاحتفاظ بالقديم، فكتبا قصائد مختصرة كـ "لملمت ذكرى لقاء الأمس بالهدب" و"سنرجع يوماً إلى حيفا".
أما بالنسبة للموشح، فقد أخذا بعضاً من ألحانه وأجريا له توزيعاً موسيقياً جديداً كـ "لما بدا يتثنى".. وقاما أحياناً بتأليف قصائد جديدة مفرداتها وإيقاعاتها تشبه الموشح الأندلسي كـ "لوني الدنيا ربنا".
ألف الرحبانيان أيضاً "اسكتشات"، أو لوحات غنائية وتمثيليات إذاعية، كانت جديدة في وقتها.
جاءت من المخيلة الشعبية للرحابنة والتي كما يقولان عنها أن مرجعها هو التأمل والعيش مع الطبيعة.
فمن انطلياس، البلدة الساحلية المليئة بغابات الأشجار وبيوت القرميد، ذات الطابع القروي، بدأت علاقتهما مع الطبيعة. وكانا بحكم مساعدتهما لوالدهما حنا الرحباني (القبضاي)، المعروف آنذاك في مقهى انطلياس، ومن ثم في مقهى "الينابيع" قرب ضهور الشوير، وقد بدءا يقتربان من الطبيعة، فكانا ينظران الأحراج، ويقربا من الحيوانات، ويتعرفا على المقالع والصخور ويشمّا رائحة البارود المختلط برائحة الزهر. فالمناخ الجبلي زودهما بشيء من العنفوان الذي ظهر في كثير من أعمالهما وخاصة ذات الطبعة التاريخية والملحمية. فهناك كما يقولان ولدت شخصيات سبع، مخول، بو فارس.. وقصص المقالع والرعاة.
أما عن الجدة، فكان لها التأثير الكبير في تغذية مخيلتهما بحكاياتها القديمة والكثير من القباضايات والجن والرصد. بالإضافة إلى تشجيعهما على قول الشعر العامي (الزجل)، الذي كانت تجيد نظمه.
لقد ظهرت عبقرية عاصي ومنصور الشعرية والموسيقية منذ الصبا، فكان شغفهما بالكتابة واضحاً وكانا ميالين للقراءة والمعرفة وسبر أغوار كتب الأدب والفلسفة والمسرح العالمي. وكذلك تعمقا جداً في دراسة الموسيقى الشرقية وفي دراسة التأليف الموسيقي الغربي لمدة 9 سنوات بالإضافة إلى إطلاعهما الواسع على الموسيقى الكنسية وخاصة البيزنطية.
إلى جانب تلك الثقافات الواسعة كان للثقافة الشعبية موضعاً هاماً لديهما. فالتفتا إلى التراث المحلي الفلكلوري وجمعوه وأخرجوه بصورة جديدة. ثم أصبحا يضيفان إليه جملاً وأشياء مستوحاة منه فأبدعا لوحات غنائية ومسرحيات غنائية كثيرة، استمدا شخصياتها من الواقع اليومي فالإنسان عندهما هو ابن بيئته، وإذا كان أصيلاً فهو يتفاعل مع تراثه، شعبه، مع آلامه وأفراحه.
جاء المسرح الغنائي ذو صيغة رحبانية تضم الأغنية، الفلكلور، الدراما، القصة، الاستعراض، الحوار في علاقات غير تقليدية تتدرج من المسرح التاريخي إلى المسرح المرتبط بالتلاوين المحلية إلى المسرح السياسي. وكان لمشاركة فيروز في المسرح قيمة فنية ميزتها عن غيرها من المطربات. وعلى المسرح خلق الرحابنة لها شخصية جديدة مسرحية وكانت هي المحور الذي بني عليه مواضيع مسرحياتهم. تسمت البطلة الرحبانية بأسماء عديدة: "صبية الضيعة"، "عليا"، "منتورة"، "ريما"، "عطر الليل"، "هالة"، "البنت البياعة"، "قرنفل"، "هيفاء"، "ماريا"، "زاد الخير"، "لولو"، "وردة"، "زيون"، "شكيلا"، "شهرزاد"، "زنوبيا"، "غربة" ...الخ
كلها شخصياتٌ أحبتها فيروز وتعلقت بها وكانت لها صديقاتٍ سرن معها درباً طويلاً، عن ذلك تقول: "كان يعزّ علي فراق تلك الشخصيات. كما يعزّ علي رحيل الجمهور بعد انتهاء كل حفلةٍ. فأرى المكان الذي كان قبل قليل ينبض حياةً وترقباً. مقفراً عابساً وأسمع وقع خطاي ترددها الجدران الصامتة. الجمهور كرفوف السنونو. يغط ثم يطير".. وتستدرك قائلةً: "ليت الفنان ينتهي في إحدى لياليه. فتكون تلك أجمل النهايات"...
بلغ عدد المسرحيات التي شاركت بها فيروز حوالي 23 مسرحية نذكرها حسب التسلسل التاريخي من 1957 حتى 1977.
1957 أيام الحصاد 1963 الليل والقنديل 1970 صح النوم
1959 المحاكمة 1964 بياع الخواتم 1971 ناس من ورق
1959 عرس بالضيعة 1965 دواليب الهوا 1972 ناطورة المفاتيح
1960 موسم العز 1966 أيام فخر الدين 1973 قصيدة حب
1961 البعلبكية 1967 هالة والملك 1974 لولو
1962 جسر القمر 1968 الشخص 1975 ميس الريم
1962 عودة العسكر 1969 جبال الصوان 1976 منوعات
1963 حكايات الإسوارة 1970 يعيش يعيش 1977 بترا
غنت فيروز للوطن بكل ما في هذه الكلمة من معاني وللوطن عند الرحابنة طرحٌ خاص... إنه الأرض الطيبة .. والسماء الصافية ... والكروم الجميلة. إنه حالة من الجمال والحب الخالص أو حالة من الكمال المجرد عن كل الوقائع.
أحبت فيروز وطنها وغنت وصلت له. صرخت لرفع يد الظلم عنه وغنت لخيره وسلامه. تقول في حوارها مع بيير جورج في "الموند" اليومية الفرنسية: "أشعر أني مسؤولة عن كل ما يتعلق بالأرض وبالوطن. إنه كله لي. يتعين علي أن أمثل مجموعة ً من المشاعر للناس، علي أن أمثل ما يحلمون به".
في صيف 1957 وقفت فيروز وجهاً لوجهٍ لأول مرةٍ أمام الجمهور شامخةً عظيمة كعظمة أعمدة معبد جوبيتر في بعلبك وغنّت: "لبنان يا أخضر حلو".
فيروز كانت ومازالت رمزاً وطنياً عظيماً، خاصةً للمغتربين العرب الذين رافقتهم أغانيها أينما ذهبوا... وكانت كشعلة حب لا تنطفئ تدفئ قلوبهم، وتزرع الحنين والشوق لوطنهم، حتى وإن لم يرجعوا إليه.
تقول في أغنية من كلمات جوزيف حرب وتلحين زياد الرحباني:
فيكن تنسوا صور حبايبكن.. فيكن تنسوا لون الورد، وورق رسايلكن.. فيكن تنسوا الخبز، الكلام، الأسامي، الأيام، والمجد اللي ألكن.. لكن شو صار، ما تنسوا وطنكن..
لم تكن الوطنية في المدرسة الرحبانية إقليمية بل كان لها تواصل مستمر مع المحيط العربي.. وقد غنوا للقدس، للشام، ومكة وعمان قبل أن يغنوا لبيروت. وكانت أجمل اللحظات السعيدة والمؤثرة لدى الأسرة الرحبانية يوم تلقت فيروز من أهالي القدس في احتفال كبير في بيروت عام 1986 "مفتاح مدينة القدس" المصنوع من خشب الزيتون تقديراً للفن الرحباني الذي قدم للقضية الفلسطينية برنامج غنائي سمّي "راجعون"، وأغانٍ عديدة ومعبّرة عن واقع المأساة، فيها صلاة وإيمان بعودة المهجرين إلى أراضيهم الغالية.
لقد آمنت فيروز أن صوتها سيكون سلاحاً تستخدمه من أجل المعاني الإنسانية السامية. تقول في حوار مع "جوان كوفمان"، والـ "ستريت جورنال" الأمريكية 1987: "عندما أغني ضد الاضطهاد، ليس في الأمر مجرد إيصال كلمات وغناء بواسطة صوت جميل. هذه هي أسلحتي التي أستخدمها. الأمر أشيه بالصلاة. عندما تصلي أنت تنقب في أعماق الروح. إن ما يصل مني إلى الجمهور هو ما لا أستطيع السيطرة عليه من روحي".
إن فيروز إنسانةٌ متشبعةٌ بالروح وبالأجواء الروحانية تعيشها في أغانيها وحتى في أقوالها وسلوكها. يقول عنها الأديب سعيد عقل: "نادرةٌ (إن لم تكن موجودة) المغنية التي يأبه لها المصلي. لكنك هنا واعجباه! أمام مغنية غدت هم هموم المصلين. صوت فيروز بخلع على جرحة القلب حتى الغزلة مسحةً من ابتهال"..
"كان محمد فليفل أو من اكتشف أن صوت التي ستصبح سفيرتنا إلى السماء يزيد الميلودي ميلودي. في هذه الهنيهة وأنا أكتب عما غنت فيروز ولعبت وضربت على دفٍ وقالت من زجلٍ وهي تترنح أو تتشيطن، يخيل إلي أن فيروز كانت، حتى في كل هذا، المقربة المقربة من الله" (سعيد عقل).
لقد كانت الصلاة مسيطرة في أغلب أغاني فيروز. ودائماً نحس بمناخ قدسي عند سماع أغانيها حتى العادية منها. مما ساعد على ذلك روحانيات فيروز والصوفية في صوتها الكبير.
غنت فيروز مجموعة من الأغاني الدينية كـ: "ساعدني يا نبع المحبة"، "شمس المساكين"، "أومن"، "المحبة".. والكثير من التراتيل والأغاني التي ما زالت تردد حتى اليوم في المناسبات والاحتفالات الدينية، خاصة للميلاد.. والقيامة. نحسّ مع فيروز في الميلاد بالبهجة والسلام عندما نسمع تراتيلها الملائكية خصوصاً ليلة الميلاد.. وفي أسبوع الآلام العظيم.. نحسّ بالخشوع والرهبة لدى سماعنا "تراتيل فيروز" للجمعة الحزينة والتي مازالت تؤديها في كنيسة انطلياس من كل عام.
لقد كان لظهور الأغنية الرحبانية. وانتشارها داخل وخارج العالم العربي أثره الكبير في تغيير المفاهيم السائدة آنذاك، عن ذلك يقول منصور الرحباني: "غيّرنا مفهوماً شعرياً، وغيّرنا مفهوماً موسيقياً، ونحن منذ البداية قصدنا التغيير بعمق في الإنسان الذي حولنا في نظرته إلى الموسيقى. أردنا أن ننتقل بالإنسان الشرقي من القتامة إلى الإشراق، من البكاء في الحب إلى فرح الحب؛ وهي نقلة من المحدود إلى الرحب. فعندما يمضي الإنسان إلى الحب بفرح، تتغير حياته وتتغير معها طبيعته وعلاقته بالمجتمع والوجود وهنا أهمية الفن والإنسان".
وهكذا جاءت الأغنية الرحبانية أغنيةً متجددة ذات نكهة مميزة بالإضافة إلى قابليتها للتطوير لكل ما يطرأ على المجتمع وعلى البيئة من تغيير حياتي، فكري، واجتماعي. فأصبحت أغاني فيروز لوحاتٍ جميلة معبرة بكل الألوان والأشكال.
كان للقمر حكاية عشقٍ مع فيروز في أغانيها، فغنت له كثيراً وحلمت به.. كان رفيقاً لها في سهراتها، وفي أمسياتها تنورت بضيائه واستأنست بصحبته.
لُقبت فيروز بـ"جارة القمر"، وقد غنت له: "ليلنا القمري"، "يا قمر أنا وإياك"، "لشو تطلع يا قمر"، "القمر بيضوي على الناس"، "قمر السماء"، "يا حلو يا قمر"، "غيب يا قمر"، "حبيبي بدو القمر".. وكيف يمكننا أن ننسى هذه الأغنية وننسى فيروز التي سهرت عشر ليالي على السطوح خوفاً أن تسرق الجارةُ القمرَ وتعطيه لحبيبها فيحول عنها وينساها.
فيروز لم تكن فقط جارة القمر، بل كانت أيضاً جارةً للبشر، تربطها معهم علاقات ودٍ ومحبةٍ وحنين: "يا بنت جارتنا، كيف حالك يا جار، يا حلو يا جارنا".
فيروز في حالة حنين وشوقٍ دائم للذكريات.. للسهرات للخبار ولأهل الدار....
بلدي درج اللوز.. أربع خمس بيوت، وشوية شجر
بلدي درج اللوز.. بالجبل العالي ، بخيال الشجر
طلة القمر، ووردة السهر.. بيتي بدرج اللوز
بيتنا بوابو مشقشقها الزمان.. عاسطحو في محدلة منسية من زمان
وأمي وإخوتي بيلمو حطب.. لأيام الثلج، بيلمو حطب.. وأنا من أيام الطفولة مخباية لعب
كانت فيروز دائمة الحنين للذكريات ولملاعب الطفولة، فنحسبها طفلةً هاربةً من الزمان تطير طيارةً من ورق وخيطان.
فيروز، وإن كانت قد غنت القليل للأطفال، فقد أحبوها كثيراً ورددوا أغانيها الجميلة لأجيالٍ وأجيالٍ في مدارسهم، في رحلاتهم، وفي أسفارهم. فأغانيها الحلوة قد دخلت قلوب وعقول الجميع كباراً وصغاراً.
من النادر أن لا يجد مستمع نفسه في أي أغنية من أغنيات فيروز، فقد جاءت صوراً ولقطات لحالات إنسانية مختلفة: من وصالٍ إلى هجرٍ.. من بعدٍ إلى سفرٍ.. من يأسٍ إلى أملٍ.. من حزنٍ إلى فرحٍ..
أما الحب عند فيروز، فله أحوالٌ وأحوال!.. بعضه قويٌ جارف،وبعضه ضعيف خائف!.. بعضه واضح، وبعضه صامت!..
تطوّر الحب في أغاني فيروز جنباً إلى جنب مع كل تطور طرأ على الأغنية الرحبانية، فكانت تغني، كما سمعنا، عن "نجوم السماء"، وأصبحت تغني "حبيتك بالصيف حبيتك بالشتي". أما مع زياد الرحباني، فقد أصبحت هذه أغنية الحبّ أكثر تعقُّلاً: " كان يبقى الحب جنون.. يخلص بحرف النون.. مش كل إنسانة تمرق وتصير تمون"..
غنّت فيروز لكثير من الشعراء القديمين والمعاصرين.. غنّت لـ
عنترة بن شداد (“ولقد ذكرتك”)،
ولجرير (“جبل الريان”)،
وابن جبير (“أقول وآنست”)،
أبو بكر بن زهر (“هل تستعاد”)،
ابن سناء الملك (“يا شقيق الروح”)،
قيس بن الملوح (“أحب من الأسماء”)،
الصمة القشيري (“بروحي تلك الأرض”)،
لسان الدين بن الخطيب (“في ليال”، و“من عذب الما”)،
أبو سلمى (“ابنة بلادي”)،
إيليا أبو ماضي (“وطن النجوم”)،
جبران خليل جبران (“أعطني الناي وغنِّ“،“سكن الليل“، و“المحبة”)،
أحمد شوقي (“يا جارة الوادي”)،
أسعد سابا (“الروزانا، و“مين دلك”)،
بدوي الجبل (“خالقه”)،
رشدي المعلوف (“زكي سألتك باسمهن”)،
رفيق خوري (“أرجعي يا ألف ليلة”)،
رشيد نخلة (“أهلاً وسهلاً”)،
الأخطل الصغير (“أرق الحسن”، “بين النجوم”، “سيوف وجراح”، “ضفاف بردى”، “في عيونه جن”، “ملعب الأحلام”، “وداد”، “عاقد الحاجبين”)،
شفيق جدايل “تعال تعال”،
عبد الله غانم (“دقت على صدري”)،
قبلان مكرزل (“غروب”)،
ميخائيل نعيمة (“تناثري”)،
أبو النواس (“حامل الهوى”)،
ميشال طراد (“بكوخنا يا ابني”، “تخمين”، و“جلنار”،
جوزيف حرب وبولس سلامة وسعيد عقل: (“أجراس العودة”، “الأردن”، “أمي يا ملاكي”، “بحبك ما بعرف”، “دقيت”، “فتحهن علي”، “قرأت مجدك”، “من صوب بيتكم”، “نسمة من صوب سوريا”، “ردني إلى بلادي”، “سائليني”، “شال”، “شام يا ذا السيف”، “غنيت مكة”، “القمر”، “لاعب الريشة”، “مر بي”، “مشوار”، “يارا”، “مرجوحة”، نزار قباني “دمشق”، “وشاية”، “لا تسألوني”).
لحن لفيروز، بالإضافة إلى “لأخوين رحباني، ملحنون كثر أهمهم: سيد درويش، محمد عبد الوهاب، فيلمون وهبي.
سيد درويش: ملحن موسيقي مصري كبير ترك فنه أثراً ظاهراً قس نقل النغم المصري من حال لحال. أحدث نغمة جديدة في الموسيقى العربية “الزنجران” لحن الكثير من الأدوار. كما إنه لحن العديد من الأوبيريتات: “شهرزاد”، “العشرة الطيبة”، و“كليوباترا”. توفي شاباً عن عمر 31 سنة. اعتبرت وفاته خسارة موسيقية كبيرة للموسيقى العربية. من ألحانه التي غنتها فيروز: “زوروني”، “الحلوة دي”، و“طلعت يا محلا نورها” التي أكملها الأخوين رحباني و“شادي الألحان”
محمد عبد الوهاب: من كبار الموسيقيين العرب لعصره وهو مصري أيضاً لحن لكبار الشعراء وله العديد من الألحان التي جمعت كل الصيغ والقوالب الغنائية العربية. أحدث ثورة في التلحين بإدخاله بعض الآلات الغربية للتخت الشرقي بالإضافة لمزجه الإيقاعات الغربية بالإيقاعات العربية. لحن عبد الوهاب لفيروز ثلاث أغنيات: “اسهار”، “سكن الليل”، “مرّ بي”.
فيلمون وهبي: الملحن الشعبي الموهوب، صاحب النكتة الساخر والذي كان نجماً لامعاً من نجوم مسرحيات الرحابنة. لحن أكثر من 500 لحن. يقال عن ميلوديات ألحانه أنها من أزهى ميلوديات الأغاني العربية. كان له دوراً في خلق الأغنية الشعبية المتطورة، لم يكن يعرف النوتة ولم يدرسها بل كان يلحن بالفطرة. قدم لفيروز أكثر من ثلاثين عملاً تعتبر من أكثر ألحان أغانيها طرباً.. بل ويعتبرها نقاد الموسيقى من أجمل الألحان الشرقية. ومع ألحانه أثبتت فيروز قدرتها على أداء الطرب الشرقي. من هذه الأغاني: “يا كرم العلالي"، "بكرم اللولو،" "جايبلي سلام"، "فايق يا هوا"، "ليلة بترجع يا ليل"، "أنا خوفي من عتم الليل"، "من عز النوم"، "طيري يا طيارة"، "عالطاحونة"، "صيف يا صيف"، "يا داره دوري فينا"، "يا مرسال المراسيل"، "كتبنا وما كتبنا"، "على جسر اللوزية"، "بليل وشتي"، "يا ريت"، "ياقونة شعبية"، "ورقوا الأصفر"، "طلعلي البكي"، "لما عالباب"، "أسامينا"، و"إسوارة العروس".
غنت فيروز أيضاً لزكي ناصيف؛ ولمحمد حسن، وهو ملحن سوري كبير غنت له: "يا زائري بالضحى"، "سيد الهوا"، "جاءت معذبتي"، "ولي فؤادٌ"، "لو تعلمين"، و"أحب من الأسماء".
كذلك لحّن الياس الرحباني لفيروز العديد من المقدمات الموسيقية في مسرحياتها، وعدة أغنيات هي: “ليل وأوضة منسية"، "كنا نتلاقى من عشية"، "طير الوروار"، "لاتجي اليوم"، "كان عنّا طاحون".
لقد كانت نبوءة حليم الرومي لصوت فيروز بأنه “صوت غير محدّد بمقدرته الفائقة على الأداء لكل الألوان الغنائية. وأنه سيتميز في المستقبل القريب بأنه أقدر صوت على غناء الألحان الحديثة في العالم”.
لقد جسدت فيروز هذا القول بتقديمها أعمالاً فنية جديدة لابنها البكر زياد الرحباني الذي آمنت بموهبته وبقدرته على تقديم رؤية فنية ولو اختلفت أحياناً عما سبقها من مسارٍ رحباني رائد.
بدأ زياد شاعراً، له مجموعة من القصائد؛ وعازفاً بارعاً للبيانو. رافق والدته في كثير من جولاتها الموسيقية داخل وخارج لبنان. ومن ثم غدا ملحناً وكاتباً مسرحياً، مقدماً الكثير من الأعمال الاستعراضية الانتقادية الغنائية.
من أهم أعماله لفيروز أغنية “سألوني الناس”، التي ألفها ولحنها زياد وغنتها فيروز بعد أزمة المرض التي حلت بزوجها عاصي.
كان لزياد العديد من المقدمات الموسيقية التي لحنها كـ: المقدمة الموسيقية لأغنية "قديش كان في ناس"، المقدمة الموسيقية لأغنية "يا أنا يا أنا" المقتبسة من السيمفونية الرابعة لموزار، والمقدمة الموسيقية الأولى لمسرحية "ميس الريم".
عام 1979 صدرت لفيروز أسطوانة “وحدن”، جميع أغنياتها من ألحان وتوزيع زياد: “عاهدير البوسطة”، “أنا عندي حنين”، “حبيتك تا نسيت النوم”، و“بعتلك”.
كان زياد يرى أن حس فيروز الموسيقي السليم وطريقة أدائها المميز تدفعه لاستنباط طريقة جديدة في التلحين. وكان يرى أن لديها أداء خاص للجملة الموسيقية. مثل قدرتها على تبطئ الجملة اللحنية على نقطة معينة حساسة دون خروجها عن الإيقاع.
قدّمت فيروز لزياد أيضاً مجموعة من الألبومات برؤيا معاصرة، فالعالم الآن حول زياد كما يراه معقداً وليس بسيطاً كالسابق مثل أيام والديه. استعمل زياد في موسيقاه عناصر أخرى موسيقية للتعبير الموسيقي متأثراً بموسيقى الجاز ومستخدماً آلات نحاسية ونفخ خشبية، كما أنه يعتمد على الفواصل الموسيقية كثيراً في أغانيه.
نذكر من الألبومات التي غنتها فيروز لزياد: "كيفك أنت"، "معرفتي فيك"، "مش كاين هيك تكون"، "ولا كيف".
فيروز تعتبر عالمياً من أهم المغنيات العرب المعاصرين.
مسيرة زاخرة من العطاء
1000 أغنية، 22
مسرحية،
3 أفلام سينمائية.
قراءتنا لليوم انتهت.. لكن فن فيروز باقٍ...
فيروز كيفما غنّت ولمن غنت؟!
هي حالةٌ من الجمال والعشق الأبدي،
سيظل يمتعنا سماع صوتها المنساب عذوبةً ورقةً في الصباح الباكر،
وسنظل نردد أغانيها الحلوة مئات المرات...
فيروز نحبك صوتاً وحضوراً وصلاةً!..
-----------