عربيا ظلت الامور مطاطة وفضفاضة فالحاكم لا يدس انفه بين العاشقين الا ان كانوا ينشطون سياسيا لكننا عرفنا حالات يترك فيها الخليفة شؤؤن الحكم ويتفرغ لأهل الهوى ليقمعهم استجابة لمطالب قبلية وهذه الحالات ليست قليلة ففي ظاهرة الحب العذري الذي ما يزال مصطلحه ملتبسا وبحاجة الى تجديدلا تمر معك قصة في تراث العشق الا وتجد ان السطان اهدر دم صاحبها.
وهذه التدخلات توحي بأننا ذات حقبة من الزمن عاملنا العشاق معاملة المرتدين فقهيا او ان سلاطيننا تجاوزا صلاحياتهم السياسية – ودوما يتجاوزونها – فقرروا ان ينتقموا من العشاق الذين يصبحون مشاهير بالضرورة كي لا ينافسهم احد على قلوب الناس فهم يفترضون –يا لسذاجتهم – ان قلوب المحكومين تحمل لهم كل ود ومحبة .
ولك ان تستغرب هذا التفسير لكن قبل ان تبالغ في الاستغراب تذكر ان الغيرة من المشاهير ما تزال موجودة الى اليوم فهناك حاكم معاصر يحمل لقب " ملك ملوك أفريقيا "خرب كل قوانين لعبة كرة القدم في بلاده وتبنى فكرة اللعب الجماعي كي لا يبرز أي لاعب على حسابه وحساب سلالته.
ومن القدم الى القلب يظل السؤال قائما ما الذي يزعج السطان من شهرة بطل قصة حب عادية بريئة ....؟
لنختبر الظاهرة مع جميل بثينة اشهر عشاق بني عذرة وسوف نجد الاشارة الى اهدار دمه في اكثر من رواية تختلط فيها اوامر السلطة السياسية بالاوامر العائلية لحل قصص بسيطة عمل الجميع على تعقيدها اخلاصا لتراث الكبت العربي الذي قاوم حراسه شعراء الغزل بكل الاسلحة ودفعوا السلطة العائلية الى الاستقواء بالسلطة السياسية لتنفيذ أغراضهم المعقدة والتي ما كان لها ان تنفذ الابذلك الاسلوب .
يقول الهيثم بن عدي واصحابه في اخبارهم :
لما نذر أهل بثينة دم جميل واباحهم السلطان قتله اعذروا الى اهله وكانت منازلهم متجاورة لقول جميل :
أبيت مع الهلاك ضيفا لأهلها
وأهلي قريب موسعون اولوا فضل
فمشت مشيخة الحي الى ابيه – وكان يلقب صباحا وكان ذا مال وفضل في اهله –فشكوه اليه ونادوه الله والرحم وسألوه كف ابنه عما يتعرضون له ويفضحهم به في فتاتهم فوعدهم كفه ومنعه ما استطاع ثم انصرفوا فدعا ابنه فقال له:يا بني حتى متى انت عمه في ضلالك لا تأنف ان تتعلق بذات بعل يخلو بها وينكحها وانت عنها في معزل ثم تأتي اليك فتغرك بخداعها وتريك الصفاء والمودة وهي مضمرة لبعلها ما تضمره الحرة لمن مللكها فيكون قولها لك تعليلا وغرورا فاذا انصرفت عنها عادت الى بعلها على حالتها المبذولة ان هذا لذل وضيم وما اعرف اخيب سهما ولا أضيع عمرا منك فأنشدك الله ألاكففت وتأملت أمرك لانك تعلم ان ما قلته حق .
فقال جميل :الرأي ما رأيت والقول كما قلت فهل رأيت قبلي أحدا قدر ان يدفع عن قلبه هواه أو ملك ان يسلي نفسه أو استطاع ان يدفع ما قضى عليه والله لو قدرت ان امحو ذكرها من قلبي أو أزيل شخصها من عيني لفعلت ولكن لا سبيل الى ذلك وانما هو بلاء بليت به لحين قد اتيح لي وانا امتنع عن طروق هذا الحي والالمام بهم ولو مت كمدا وهذا جهدي ومبلغ ما اقدر عليه وقام وهو يبكي فبكى ابوه ومن حضر ).
ان دور السلطان في هذه الرواية ليس مباشرا فهو كمركز سياسي يصدر الاوامر ويحيلها الى ولاته ثم يأتي دور التنفيذ على السلطة العائلية التي تتسامح عادة مع من هو في مركز قبلي موموق كجميل وتبطش على الفور بمن لا ظهر له كما حدث في حكاية سحيم عبد بني الحسحاس وهي قصة لا تبتعد زمنيا عن جميل فهما ابناء حقبة متقاربة تمتد من أواخر العهد الراشدي الى اوائل العصر الاموي ومصطلح السلطان لم يكن موجودا في هذين العهدين فمن اين جاء ؟
أغلب الظن ان اضافة السلطان تمت حين تجددت تلك الروايات واضيف اليها الكثير في القاهرة المملوكية وبغداد السلجوقية فذاك اللقب وألقاب كثيرة اخرى ولدت بعد العصر الاموي الذي لم يعرف ابعد من ألقاب الخليفة والأمير والوالي .
وترد أوامر السلطان بهدر دم الشاعر العاشق في رواية اخرى منسوبة الى القاسم بن ابي الزناد ويدخل فيها شاعر غزلي أكثر شهرة من جميل و من خلالها نسمع بالحكم لأول مرة على لسان صاحب الدم المهدور :
قال القاسم :خرج عمر بن ابي ربيعة يريد الشام فلما كان بالجناب –موضع-لقيه جميل فقال عمر انشدني فانشده :
خليلي في ما عشتما هل رايتما
قتيلا بكى من حب قاتله قبلي
ثم قال جميل انشدني يا أبا لخطاب فأنشده عمر :
ألم تسأل الاطلال والمتربعا
ببطن حليات دوارس بلقعا
فلما بلغ عمر الى قوله:
فلما توافقنا وسلمت اشرقت
وجوه زهاها الحسن ان تتبرقعا
تبالهن بالعرفان لما عرفنني
وقلن امرؤ باغ أكل واوضعا
وقربن اسباب الهوى لمتيم
يقيس ذراعا كلما قسن اصبعا
فصاح جميل واستخذى وقال: ألا ان النسيب اخذمن هذا وما أنشده بعدها حرفا فقال عمر اذهب بنا الى بثينة حتى نسلم عليها فقال جميل – وهنا بيت القصيد – أهدر السلطان دمي ان وجدوني عندها وهاتيك ابياتها فاتى عمر حتى وقف على ابياتها وتأنس حتى كلم فقال يا جارية أنا عمر بن ابي ربيعة فاعلمي بثينة مكاني فخرجت اليه بثينة في مباذلها واذا امرأة ادماء طويلة وقالت :والله يا عمر لا أكون من نسائك اللواتي يزعمن ان قد قتلهن الوجد بك فانكسر عمر )وكان كما هو معروف يتغزل بنفسه ونرجسيته اكثر مما يتغزل بحبيباته لذالم يهدر دمه أحد.
واضحك ان شئت من التناقضات فلا مانع ان تقابل بثينة شاعرا يعبث بها وبعواطفها لكن لا يجوز ان تقابل من يحبها بأوامر سلطانية فدور السلطان الذي يكمل دور المجتمع انطلقا من مسلمة رهيبةاسست لجواز وأد العواطف وعدم السماح لها بالعيش تحت شمس النهار وهي مسلمة عدم السماح بزواج المحبين وضرورة فصلهما بالقوة كي لا يقال( لو لم ينل منها ما زوجوه اياه) .
ان تعقيدات المجتمع العربي وثوابته المستمرة في محاربة الحب معروفة اما الذي يحتاج الى سبر أغوار فهو دور السلطان لأن الحاكم الذي يتفرغ لهذه التفاصيل يجب ان يهدر من وقته الكثير لسماع جميع الاطراف قبل اصدار الحكم فالمشكلة ليست مشكلة جميل بمفرده ولا بني عذرة وحدهم لأن كل فتيان البادية يعشقون ومعظمهم يقرض شعر الغزل واذا اراد السلطان الفصل في كل قصة على حده فهو بحاجة الى ديوان موظفين غفير العدد للشؤن الوجدانية وبما ان ذلك الديوان لم يكن موجودا فالارجح ان السلطان دخل تلك المعمعة ليتسلى ويثبت نظريا انه حارس الاخلاق الحميدة مع انه ينتهكها في قصوره ولأنه لم يكن مقتنعا بذلك الدور بالكامل لمعرفته بازداوجيته وازدواجية من حوله لم يصل الى حد الزجر واهدار الدم الا تحت الحاح القبائل .
ان معظم شعراء الغزل كانوا يردون على الخلفاء وبعضهم من مهدوري الدم فلو اراد الخليفة ان ينفذ اوامره بنفسه لفعل فدمشق لم تكن تشكوا في أي يوم من الايام من قلة السيافين ولا بغداد ايضا لكن الخليفة اختار-ان صحت روايات الهدر- ان يكتفي بالامر ويترك التنفيذ لأهل الفتيات المعشوقات وهذه الاسر كما نعرف من حالات قيس ليلى وقيس لبنى وجميل لم تنفذ الحكم مع ان جميع هؤلاء الشعراء من مهدوري الدم بأوامر سلطانية .
وهناك قصة جرت مع جميل تدفعنا الى الاعتقاد ان الشعراء أنفسهم لم ينظروا الى تلك الاوامر السلطانية نظرة جدية ففي حكاية فيها بعض المبالغات يرويها رجل من اهل تيماء نرى عبثا ما بعده عبث فهو يرافق جميل الى مضارب بثينة ويعابث الفتيات مع معرفته بهدر الدم ثم تنتبه لهما القبيلة فيتراشقون بالسهام في ليلة مغامرات تنتهي بالهرب على ظهر ناقة .
وفي أشعار جميل ما يشير الى انها ظل يبات عندها - يا لجمال الحب العذري - وفي قلب مضاربها بعد اوامر المنع والزجر والهدر فهو القائل :
زوروا بثينة فالحبيب مزور
ان الزيارة للمحب يسير
ان الترحل ان تلبي امرنا
واعتاقنا قدر أحم بكور
اني عشية رحت وهي حزينة
تشكوالي صبابة لصبور
وتقول بت عندي فديتك ليلة
اشكو اليك فان ذاك يسير
ويورد الهيثم بن عدي أكثر من رواية عن مبيت جميل في خباء بثينة وعن تعاون اختها ليلى في تضليل الزوج والاهل وتعاون ام الجسير وعدة شخصيات نسائية من القبيلة في ترتيب لقاء المحبين ضاربين عرض الحائط بالسلطان واوامره فأمر الحب وحده عندهن يطاع .
لقد مات جميل في مصر ميتة طبيعية ولم يكن قد ذهب اليها هاربا بل سائحا ولو كانت الاوامر جدية لأمسك به العسس هنا او هناك وكل ما في الامر – كما نظن –ان حكاية تدخل السلطة السياسية في المسائل العاطفية واحدة من مبالغات الاثارة والتشويق التي مارسها الرواة بكرم حاتمي امام مستمع يكره السلطة ويبحث عمن يتحداها ولو بقبلة مسروقة تحت ابصار ومسامع حراس الكبت السياسي والاجتماعي .
وقد شجعت السلطات العربية قديما وحديثا بشموليتها المعروفة والممقوتة على هذا التوجه وعلى المبالغة في الانتشار غير الايجابي والتنطع لأدوار ليست لها ففي الدنيا اصناف من السلطات بعضها يكتفي بالعموميات والاستراتيجيات الخارجية والتنموية والامن الوطني ويترك التفاصيل الاخرى لأهلها ومؤسساتها وبعضها يدس انفه في كل شئ حتى في ما يجري في المخادع وخلوات العشاق وكأنه يستكثر على الناس "ساعة بقرب الحبيب " وقد كانت السلطات في بلداننا – وما زالت - من النوع الثاني
وهذه التدخلات توحي بأننا ذات حقبة من الزمن عاملنا العشاق معاملة المرتدين فقهيا او ان سلاطيننا تجاوزا صلاحياتهم السياسية – ودوما يتجاوزونها – فقرروا ان ينتقموا من العشاق الذين يصبحون مشاهير بالضرورة كي لا ينافسهم احد على قلوب الناس فهم يفترضون –يا لسذاجتهم – ان قلوب المحكومين تحمل لهم كل ود ومحبة .
ولك ان تستغرب هذا التفسير لكن قبل ان تبالغ في الاستغراب تذكر ان الغيرة من المشاهير ما تزال موجودة الى اليوم فهناك حاكم معاصر يحمل لقب " ملك ملوك أفريقيا "خرب كل قوانين لعبة كرة القدم في بلاده وتبنى فكرة اللعب الجماعي كي لا يبرز أي لاعب على حسابه وحساب سلالته.
ومن القدم الى القلب يظل السؤال قائما ما الذي يزعج السطان من شهرة بطل قصة حب عادية بريئة ....؟
لنختبر الظاهرة مع جميل بثينة اشهر عشاق بني عذرة وسوف نجد الاشارة الى اهدار دمه في اكثر من رواية تختلط فيها اوامر السلطة السياسية بالاوامر العائلية لحل قصص بسيطة عمل الجميع على تعقيدها اخلاصا لتراث الكبت العربي الذي قاوم حراسه شعراء الغزل بكل الاسلحة ودفعوا السلطة العائلية الى الاستقواء بالسلطة السياسية لتنفيذ أغراضهم المعقدة والتي ما كان لها ان تنفذ الابذلك الاسلوب .
يقول الهيثم بن عدي واصحابه في اخبارهم :
لما نذر أهل بثينة دم جميل واباحهم السلطان قتله اعذروا الى اهله وكانت منازلهم متجاورة لقول جميل :
أبيت مع الهلاك ضيفا لأهلها
وأهلي قريب موسعون اولوا فضل
فمشت مشيخة الحي الى ابيه – وكان يلقب صباحا وكان ذا مال وفضل في اهله –فشكوه اليه ونادوه الله والرحم وسألوه كف ابنه عما يتعرضون له ويفضحهم به في فتاتهم فوعدهم كفه ومنعه ما استطاع ثم انصرفوا فدعا ابنه فقال له:يا بني حتى متى انت عمه في ضلالك لا تأنف ان تتعلق بذات بعل يخلو بها وينكحها وانت عنها في معزل ثم تأتي اليك فتغرك بخداعها وتريك الصفاء والمودة وهي مضمرة لبعلها ما تضمره الحرة لمن مللكها فيكون قولها لك تعليلا وغرورا فاذا انصرفت عنها عادت الى بعلها على حالتها المبذولة ان هذا لذل وضيم وما اعرف اخيب سهما ولا أضيع عمرا منك فأنشدك الله ألاكففت وتأملت أمرك لانك تعلم ان ما قلته حق .
فقال جميل :الرأي ما رأيت والقول كما قلت فهل رأيت قبلي أحدا قدر ان يدفع عن قلبه هواه أو ملك ان يسلي نفسه أو استطاع ان يدفع ما قضى عليه والله لو قدرت ان امحو ذكرها من قلبي أو أزيل شخصها من عيني لفعلت ولكن لا سبيل الى ذلك وانما هو بلاء بليت به لحين قد اتيح لي وانا امتنع عن طروق هذا الحي والالمام بهم ولو مت كمدا وهذا جهدي ومبلغ ما اقدر عليه وقام وهو يبكي فبكى ابوه ومن حضر ).
ان دور السلطان في هذه الرواية ليس مباشرا فهو كمركز سياسي يصدر الاوامر ويحيلها الى ولاته ثم يأتي دور التنفيذ على السلطة العائلية التي تتسامح عادة مع من هو في مركز قبلي موموق كجميل وتبطش على الفور بمن لا ظهر له كما حدث في حكاية سحيم عبد بني الحسحاس وهي قصة لا تبتعد زمنيا عن جميل فهما ابناء حقبة متقاربة تمتد من أواخر العهد الراشدي الى اوائل العصر الاموي ومصطلح السلطان لم يكن موجودا في هذين العهدين فمن اين جاء ؟
أغلب الظن ان اضافة السلطان تمت حين تجددت تلك الروايات واضيف اليها الكثير في القاهرة المملوكية وبغداد السلجوقية فذاك اللقب وألقاب كثيرة اخرى ولدت بعد العصر الاموي الذي لم يعرف ابعد من ألقاب الخليفة والأمير والوالي .
وترد أوامر السلطان بهدر دم الشاعر العاشق في رواية اخرى منسوبة الى القاسم بن ابي الزناد ويدخل فيها شاعر غزلي أكثر شهرة من جميل و من خلالها نسمع بالحكم لأول مرة على لسان صاحب الدم المهدور :
قال القاسم :خرج عمر بن ابي ربيعة يريد الشام فلما كان بالجناب –موضع-لقيه جميل فقال عمر انشدني فانشده :
خليلي في ما عشتما هل رايتما
قتيلا بكى من حب قاتله قبلي
ثم قال جميل انشدني يا أبا لخطاب فأنشده عمر :
ألم تسأل الاطلال والمتربعا
ببطن حليات دوارس بلقعا
فلما بلغ عمر الى قوله:
فلما توافقنا وسلمت اشرقت
وجوه زهاها الحسن ان تتبرقعا
تبالهن بالعرفان لما عرفنني
وقلن امرؤ باغ أكل واوضعا
وقربن اسباب الهوى لمتيم
يقيس ذراعا كلما قسن اصبعا
فصاح جميل واستخذى وقال: ألا ان النسيب اخذمن هذا وما أنشده بعدها حرفا فقال عمر اذهب بنا الى بثينة حتى نسلم عليها فقال جميل – وهنا بيت القصيد – أهدر السلطان دمي ان وجدوني عندها وهاتيك ابياتها فاتى عمر حتى وقف على ابياتها وتأنس حتى كلم فقال يا جارية أنا عمر بن ابي ربيعة فاعلمي بثينة مكاني فخرجت اليه بثينة في مباذلها واذا امرأة ادماء طويلة وقالت :والله يا عمر لا أكون من نسائك اللواتي يزعمن ان قد قتلهن الوجد بك فانكسر عمر )وكان كما هو معروف يتغزل بنفسه ونرجسيته اكثر مما يتغزل بحبيباته لذالم يهدر دمه أحد.
واضحك ان شئت من التناقضات فلا مانع ان تقابل بثينة شاعرا يعبث بها وبعواطفها لكن لا يجوز ان تقابل من يحبها بأوامر سلطانية فدور السلطان الذي يكمل دور المجتمع انطلقا من مسلمة رهيبةاسست لجواز وأد العواطف وعدم السماح لها بالعيش تحت شمس النهار وهي مسلمة عدم السماح بزواج المحبين وضرورة فصلهما بالقوة كي لا يقال( لو لم ينل منها ما زوجوه اياه) .
ان تعقيدات المجتمع العربي وثوابته المستمرة في محاربة الحب معروفة اما الذي يحتاج الى سبر أغوار فهو دور السلطان لأن الحاكم الذي يتفرغ لهذه التفاصيل يجب ان يهدر من وقته الكثير لسماع جميع الاطراف قبل اصدار الحكم فالمشكلة ليست مشكلة جميل بمفرده ولا بني عذرة وحدهم لأن كل فتيان البادية يعشقون ومعظمهم يقرض شعر الغزل واذا اراد السلطان الفصل في كل قصة على حده فهو بحاجة الى ديوان موظفين غفير العدد للشؤن الوجدانية وبما ان ذلك الديوان لم يكن موجودا فالارجح ان السلطان دخل تلك المعمعة ليتسلى ويثبت نظريا انه حارس الاخلاق الحميدة مع انه ينتهكها في قصوره ولأنه لم يكن مقتنعا بذلك الدور بالكامل لمعرفته بازداوجيته وازدواجية من حوله لم يصل الى حد الزجر واهدار الدم الا تحت الحاح القبائل .
ان معظم شعراء الغزل كانوا يردون على الخلفاء وبعضهم من مهدوري الدم فلو اراد الخليفة ان ينفذ اوامره بنفسه لفعل فدمشق لم تكن تشكوا في أي يوم من الايام من قلة السيافين ولا بغداد ايضا لكن الخليفة اختار-ان صحت روايات الهدر- ان يكتفي بالامر ويترك التنفيذ لأهل الفتيات المعشوقات وهذه الاسر كما نعرف من حالات قيس ليلى وقيس لبنى وجميل لم تنفذ الحكم مع ان جميع هؤلاء الشعراء من مهدوري الدم بأوامر سلطانية .
وهناك قصة جرت مع جميل تدفعنا الى الاعتقاد ان الشعراء أنفسهم لم ينظروا الى تلك الاوامر السلطانية نظرة جدية ففي حكاية فيها بعض المبالغات يرويها رجل من اهل تيماء نرى عبثا ما بعده عبث فهو يرافق جميل الى مضارب بثينة ويعابث الفتيات مع معرفته بهدر الدم ثم تنتبه لهما القبيلة فيتراشقون بالسهام في ليلة مغامرات تنتهي بالهرب على ظهر ناقة .
وفي أشعار جميل ما يشير الى انها ظل يبات عندها - يا لجمال الحب العذري - وفي قلب مضاربها بعد اوامر المنع والزجر والهدر فهو القائل :
زوروا بثينة فالحبيب مزور
ان الزيارة للمحب يسير
ان الترحل ان تلبي امرنا
واعتاقنا قدر أحم بكور
اني عشية رحت وهي حزينة
تشكوالي صبابة لصبور
وتقول بت عندي فديتك ليلة
اشكو اليك فان ذاك يسير
ويورد الهيثم بن عدي أكثر من رواية عن مبيت جميل في خباء بثينة وعن تعاون اختها ليلى في تضليل الزوج والاهل وتعاون ام الجسير وعدة شخصيات نسائية من القبيلة في ترتيب لقاء المحبين ضاربين عرض الحائط بالسلطان واوامره فأمر الحب وحده عندهن يطاع .
لقد مات جميل في مصر ميتة طبيعية ولم يكن قد ذهب اليها هاربا بل سائحا ولو كانت الاوامر جدية لأمسك به العسس هنا او هناك وكل ما في الامر – كما نظن –ان حكاية تدخل السلطة السياسية في المسائل العاطفية واحدة من مبالغات الاثارة والتشويق التي مارسها الرواة بكرم حاتمي امام مستمع يكره السلطة ويبحث عمن يتحداها ولو بقبلة مسروقة تحت ابصار ومسامع حراس الكبت السياسي والاجتماعي .
وقد شجعت السلطات العربية قديما وحديثا بشموليتها المعروفة والممقوتة على هذا التوجه وعلى المبالغة في الانتشار غير الايجابي والتنطع لأدوار ليست لها ففي الدنيا اصناف من السلطات بعضها يكتفي بالعموميات والاستراتيجيات الخارجية والتنموية والامن الوطني ويترك التفاصيل الاخرى لأهلها ومؤسساتها وبعضها يدس انفه في كل شئ حتى في ما يجري في المخادع وخلوات العشاق وكأنه يستكثر على الناس "ساعة بقرب الحبيب " وقد كانت السلطات في بلداننا – وما زالت - من النوع الثاني