نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


ما أهمية الأرشيف العثماني في الصراع الحالي بالمدينة المقدسة؟




خلال الحكم العثماني للمدينة الذي امتد لأربعة قرون متوالية منذ دخول سليم الأول للمدينة فاتحاً عام 1516 ولغاية خسارتها في الحرب العالمية الأولى عام 1917، حرص جميع السلاطين العثمانيين على الاهتمام بالقدس وتطويرها وربطها بالمدن الرئيسية والمواني البحرية


 
لطالما وقف الأتراك من مختلف المشارب الفكرية والسياسية إلى جانب القضية الفلسطينية عموماً، والقدس خصوصاً. وفور حدوث أية أعمال تصعيدية من قبل دولة الاحتلال "إسرائيل" يأتي الدعم التركي من مختلف المستويات الرسمية والشعبية، وعلى مختلف الأصعدة الداخلية والخارجية، وذلك لخصوصية فلسطين الثقافية والتاريخية في الوجدان التركي.
وتصدرت ردود الفعل التركية الحكومية والشعبية ردود الفعل العربية والإسلامية والعالمية الرافضة والمنددة بالاعتداءات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في القدس وغزة، ومنذ بدء العدوان دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دول العالم أجمع لاتخاذ مواقف صارمة لردع العدوان الإسرائيلي، وطالب بإرسال قوات حفظ سلام إلى القدس، وسخر جميع الوسائل الإعلامية التركية لنشر الفظائع التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين.
وقدمت الحكومة التركية مساعدة كبرى وغاية في الأهمية عام 2019، تمثلت في تسليم السلطة الفلسطينية نسخة إلكترونية من الأرشيف العثماني، الأمر الذي من شأنه أن يكون طوق نجاة للفلسطينيين في مساعيهم لإثبات ملكيتهم لأراضيهم أمام التهديدات الإسرائيلية التي تسعى لمصادرتها لمصلحة المستوطنين اليهود، حيث تمثل الوثائق سجلات ملكية الأراضي "الطابو" في حقبة الحكم العثماني لفلسطين بين عامي 1516 و1917، والتي شهدت هجرة اليهود إلى فلسطين قبل وخلال الحرب العالمية الأولى.
القدس في ظل الحكم العثماني
في فترة حكم السلطان العثماني ياووز سليم الأول بين عامي 1512 و1520، ومع ازدياد حدة الصراع المذهبي بين "السنة" وتمثلهم الدولة العثمانية و"الشيعة" وتمثلهم الدولة الصفوية، وامتداد النفوذ الصفوي إلى العراق، فضلاً عن ضعف دولة المماليك في مصر والشام، قرر سليم الأول تأمين الساحة الخلفية للدولة العثمانية، من أجل ذلك تحرك على رأس جيشه لقتال المماليك في معركة مرج دابق شمال حلب عام 1516، وعقب هزيمة المماليك ضُمت مدن الشام ومصر تباعاً للحكم العثماني، ودخل السلطان سليم الأول مدينة القدس فاتحاً يوم الثلاثاء 30 ديسمبر/كانون الأول 1516.
وحظيت مدينة القدس بعناية خاصة إبان فترة حكم السلطان العثماني سليمان القانوني التي امتدت لقرابة 46 عاماً بين عامي 1520 و1566، حيث أمر السلطان بإعادة بناء أسوار المدينة التي تهدمت إثر الغزو الصليبي، وبقيت على ذلك الحال لقرابة 300 عام، وحل مشكلة المياه التي كانت تعاني منها المدينة من خلال بنائه للقنوات المائية وبرك تجميع المياه المعروفة باسم برك سليمان قرب بيت لحم، فضلاً عن ترميم السلطان لقبة الصخرة وكسائها بالحرير الهندي. أُولي الحجاج وطلبة العلم والفقراء في المدينة اهتمام السلطان وحاشيته، حيث تم بناء التكايا التي قدمت الطعام لهم، ويذكر أن تكية "خاصكي" التي بنيت بأمر من زوجة السلطان الروسية روكسيلانة ما زالت تقدم الطعام لغاية يومنا الحالي
وخلال الحكم العثماني للمدينة الذي امتد لأربعة قرون متوالية منذ دخول سليم الأول للمدينة فاتحاً عام 1516 ولغاية خسارتها في الحرب العالمية الأولى عام 1917، حرص جميع السلاطين العثمانيين على الاهتمام بالقدس وتطويرها وربطها بالمدن الرئيسية والمواني البحرية، بدءاً من بناء الطرق الواسعة وإنارتها، مروراً بخط سكة الحديد الواصل بين مدينة القدس وميناء يافا الذي تم إنشاؤه عام 1892، وانتهاءً بتزويدها بالكهرباء وربطها بخط التلغراف مع مصر ولبنان وأوروبا عام 1914.
وعلى الرغم من رفض السلطان عبد الحميد الثاني لعرض الزعيم الصهيوني "ثيودور هرتزل" بفتح باب هجرة اليهود إلى فلسطين، إلا أنه سمح لليهود بزيارة فلسطين ضمن شروط خاصة، تمثلت في أن يترك اليهود جوازات سفرهم لدى الحامية العثمانية على أطراف مدينة القدس ودفع مبلغ مالي لضمان عودتهم، كما جرى تقييد مدة إقامتهم بالقدس لشهر واحد جرى زيادتها في وقت لاحق لتصل إلى ثلاثة أشهر، بعد احتجاج اليهود على أن المدة غير كافية لإتمام عباداتهم.
القدس خارج المظلة العثمانية
بداية القرن العشرين أصاب الضعف والوهن كيان الدولة العثمانية وأُطلق عليها اسم "رجل أوروبا المريض" بسبب عدم الاستقرار السياسي وكثرة الانتفاضات من قبل الأقليات القومية، ورغم ذلك شكلت مع الإمبراطورية الألمانية ما يُعرَف بـ"قوات المحور"، ودخلت صراع الحرب العالمية الأولى (1914-1918) في مواجهة "قوات الحلفاء" المتمثلة في بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية وحلفائهم.
وبعد خسارة الدولة العثمانية الحرب أمام قوى الحلفاء وأعوانهم في الثورة العربية الكبرى الذين كان لهم أثر عظيم في خسارة الدولة العثمانية لفلسطين وبلاد الشام والعراق، انهزم الجيش العثماني في معركة دفاعه عن القدس أمام قوات الاحتلال "الانتداب" البريطاني أواخر عام 1917، وعلى إثر ذلك استسلمت القدس ودخلتها القوات البريطانية بقيادة اللمبي.
وبعد إعلان الدولة العثمانية لهزيمتها من قبل دول الحلفاء، وقعت على الهدنة مع دول الحلفاء برفقة الإمبراطورية الألمانية في 11 نوفمبر /تشرين الثاني 1918، لحقها بعد ذلك التوقيع على اتفاقية فرساي يوم 28 يونيو/حزيران 1919 التي أقرت عدم عودة الأراضي العربية المحتلة إلى الدولة العثمانية ومن ضمنها فلسطين والقدس، وتم فك الارتباط العثماني بالقدس وفلسطين بشكل رسمي بعد توقيع معاهدة سيفر في 10 أغسطس/آب 1920.
الأرشيف العثماني
برعت الدولة العثمانية في توثيق جميع أنشطة الدولة الإدارية والسياسية والتاريخية والاجتماعية والعمرانية والسكانية ضمن سجلات رسمية، ويبلغ عدد الوثائق في الأرشيف العثماني قرابة 95 مليون وثيقة، تضم بين طياتها مختلف المعلومات التي تصل بين الماضي والحاضر وتؤرخ بشكل دقيق لمعظم الأحداث المهمة التي حصلت في أراضي الإمبراطورية ومن ضمنها فلسطين والقدس، التي حكمتها الدولة العثمانية لمدة 4 قرون متواصلة بين 1516 و1917.
وسهلت الحكومة التركية ولوج الباحثين الفلسطينيين إلى الأرشيف العثماني من أجل تقوية حججهم في الدفاع عن قضيتهم وملكيتهم لأراضي فلسطين والقدس، فضلاً عمَّا تقدمه هذه الوثائق من أدلة دامغة لدحض المزاعم الإسرائيلية بملكية هذه الأراضي أمام المحاكم الدولية. ويعد الأرشيف سلاحاً بيد الفلسطينيين في مجابهة الاستيطان الإسرائيلي الغاشم للأراضي الفلسطينية والقدس.
وفي عام 2019 سلمت الحكومة التركية للسلطة الفلسطينية نسخة إلكترونية من الأرشيف العثماني الذي يضم 36 ألف صفحة في 288 سجلاً، تضم آلاف البيانات تتعلق بتسجيل الأراضي الفلسطينية (الطابو) في عهد الدولة العثمانية، الأمر الذي سيكون له عظيم الأثر في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، لكون الأرشيف يمثل صكاً قانونياً يثبت ملكية الفلسطينيين لأراضيهم.
وتعد خطوة منح الحكومة التركية للأرشيف العثماني الخاص بفلسطين والقدس طوق نجاة لفلسطين والفلسطينيين الذين يحاولون إثبات ملكيتهم لأراضيهم، ودحض مزاعم الاحتلال القائلة بأنها أملاك غائبين أو أملاك أشخاص وجمعيات يهودية، خصوصاً بعد ضياع وثائق وصكوك الملكية إبان فترة الانتداب البريطاني وما لحقه من احتلال إسرائيلي وتهجير للفلسطينيين.
وتلعب الوثائق العثمانية دوراً محورياً في التصدي لعمليات التهجير التي تتعرض لها العائلات الفلسطينية في مدينة القدس وحي الشيخ جرّاح مؤخراً، ففي حال جرى توظيف الوثائق العثمانية بشكل جيد، وافترضنا عدالة وموضوعية محاكم الاحتلال فإن مزاعم طائفة السفارديم ولجنة كنيست إسرائيل بامتلاكهم 19 دونماً من أراضي الحي منذ عام 1885 سيجري تفنيدها ودحضها.
----------
تي ار تي

حسام خضر
الاثنين 5 سبتمبر 2022