وثائق تاريخية نادرة
مدير واحدة من أهم المؤسسات الأوروبية المعنية بتجارة وعرض وتسويق الكتب والوثائق التراثية النادرة، وصف ما لديهم من وثائق حول العالم العربي بـ“الكنز”، وقال إن الكتب النادرة والتراثية تلقى رواجاً في الشرق الأوسط وخاصة دول الخليج العربي، من المؤسسات المعنية ومن هواة جمع كل ما هو ذو قيمة نوعيّة من الأفراد العاديين، وكان لـ“العرب” لقاء معه لمعرفة خلفيات وأسرار هذه المهنة الدقيقة والصعبة
التعرف على العالم العربي
حول بدء دخولهم للعالم العربي وطبيعة مشاركاتهم، قال هوغو ويتشيريك مدير ومالك مؤسسة إنليبريز النمساوية المتخصصة بالوثائق والمخطوطات التاريخية القديمة والنادرة، لـ”العرب” “أول دخول للعالم العربي كان عبر مشاركتنا الأولى في معرض أبوظبي الدولي للكتاب عام 2008، حيث شاركنا في المعرض وكان في ذلك الحين ينظّم بالتعاون والشراكة مع معرض فرنكفورت الدولي للكتاب، وحضر معنا العديد من الفعاليات والشركاء والموزعين، وقدّمنا للحضور أعمال نحو 40 دار نشر أوروبية، وكانت مشاركة بنّاءة جداً، فاقت توقعاتنا، وقمنا بعمل مبهر في منطقة خام بالنسبة إلينا، واكتشفنا أن هذه المشاركة كانت فرصة جيدة لنا وللمهتمين في هذه الدولة الناشئة.
في حوزة المؤسسة أول نسخة من القرآن مطبوعة ومتوفرة في العالم، وهي نسخة قرآن "هامبورغ" المطبوع عام 1538، ويبدو أنها نسخة وحيدة لم ينتج غيرها، وتعتقد المؤسسة أن القوالب الأساسية قد أتلفت مباشرة بعد طباعة هذه النسخة
ورغم أن العديد من المؤسسات المشابهة توقفت عن الحضور للمنطقة لأسبابها الخاصة، إلا أننا ثابرنا على الحضور، وسنتابع بالمشاركة في كل الفعاليات التي تشهدها هذه المنطقة وخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث صارت لدينا اليوم خبرة لنحو عشر سنوات في المنطقة”. وتابع “كانت التجربة مُشجّعة، والنتائج المبهرة التي حصلنا عليها دفعتنا لقرار المشاركة أيضاً في ما بعد في معرض الشارقة الدولي للكتاب في العام 2010، ثم قمنا بعدها بالمشاركة في معرض الكتاب الدولي في الدوحة بقطر، وصرنا روّاداً دائمين لهذه المعارض الثلاثة في الشرق الأوسط”. وعن المشاركات الدولية، قال “لدينا مشاركات دولية واسعة بالإضافة إلى مشاركاتنا في العالم العربي، ونشارك في معارض الكتب العامة الكبرى، ومعارض الكتب المتخصصة، في نيويورك وباريس وأمستردام ولندن وفيينا وشتوتغارت، وفي آسيا أيضاً.
وعندما نشارك في المعارض والفعاليات في الشرق الأوسط والمنطقة فإننا نحضر معنا كتباً وموادّ مطبوعة قديمة ونادرة تختص بالمنطقة، وهي تختلف عن تلك التي نُشارك فيها بالمعارض الأوروبية والغربية، لأننا نحاول البحث عن مواد وكتب ومخطوطات نعتقد أنها ستثير اهتمام سكان المنطقة العربية، ونركز على تلك المكتوبة باللغة العربية منها، أو التي تتحدث عن المنطقة وأعلامها، والتي قد لا توجد نسخ منها في التداول، ومن بينها كتب دينية وعلمية وفنية، وكتب رياضيات وعلوم وطب وفلك وفلسفة، وكتب رحلات وأسفار، وكتب مُقدّسة، مثل أول ترجمة غربية للقرآن، وأول ترجمة لاتينية أو فرنسية له، وجزء من أول أقدم نسخة أصلية للقرآن، ونمتلك واحدة من أقدم 14 نسخة للقرآن معروفة في العالم، كذلك لدينا خرائط أصلية قديمة جداً، مكتوبة بالعربية وبأحجام صغيرة وكبيرة جدارية فريدة، وجميع كتبنا ووثائقنا ومخطوطاتنا قديمة وتراثية ونادرة، تتوزع غالبيتها زمنياً من بداية القرن الخامس عشر وحتى بداية القرن العشرين، مع وجود أشياء أقدم من ذلك”.
الحرفاء والمصادر
وعن طبيعة الحرفاء والجهات التي يمكن أن تقتني هذه المخطوطات النادرة، قال “نحن هواة جمع، وبائعو كتب ومخطوطات قديمة وأثرية، وزبائننا هم من الأكاديميات ومراكز البحوث والجامعات والمكتبات العامة، بالإضافة إلى الهواة من جامعي هذا النوع من التحف الفريدة، وفي المنطقة العربية قمنا ببيع الكثير من الكتب والمخطوطات والأعمال الفنية النادرة لهواة جمع هذا النوع، وكذلك لمؤسسات حكومية وخاصة”.
كتاب طبع عام 1885 في إسطنبول
وعن مصادر هذه الكتب النادرة، وطرق إيجادها، قال “نُحاول أن نجمع كتبنا من مختلف أنحاء العالم، نسافر كثيراً بحثاً عنها، ونشتريها من أشخاص ومُلّاك، ومن هواة جمع الكتب والمخطوطات الأثرية، ونتبادلها مع زملاء لنا بالمهنة، كما نتبادل ونشتري من شبكات دولية متخصصة بتبادل هذا النوع من الأعمال، ونجدها بصعوبة بشكل عام وليس بالسهولة التي يتصورها البعض”. وأضاف “عندما نشتري الكتاب، نتأكد من جودته، ونقوم بتصويره وعمل ‘كاتالوغ’ له، ونصِفُهُ بشكل جيد ومتكامل، أما عملية الترميم فلا نقوم بها، بل نتعامل مع شركاء وخبراء مهمتهم الترميم، ومعالجة أي خلل أو عطل أو تلف في الكتب، في محاولة للحفاظ على الكتب من الضياع، وتقديمها في أكمل وجه أصلي”.
وعن السوق العربية، قال “أسواقنا العربية تتركز عبر معارض الكتب أو الفعاليات التي نشارك فيها في العالم العربي، وعادة نجلب معنا كمية قليلة من المواد المخصصة للبيع والاقتناء، وهو ما يعادل 50 مادة للعرض والتسويق في كل مرة، وندرس طبيعة الزوار والمهتمين الذين سنلتقي بهم، ونقوم باختيار دقيق للكتب بناء على هذه المعرفة. أما عن النتائج المالية للمشاركات، فهي مثل (اللوتو)، فقد تربح وقد تخسر، هو أمر متروك للظروف، ونحن من جهتنا نحاول دائماً فهم زبائننا ونسعى للتوجه إليهم وفق مزاجهم العام، ونترك البقية للظروف. وبالعموم، يمكن القول، وكمحصلة إجمالية، إن النتائج المالية مستقرة، ولا تدعو إلى القلق والإحباط”. وأضاف “لهذا سنستمر في المشاركة في هذه الدول، بل وعلى العكس، سنسعى لتطوير عملنا وتوسيعه، ففي هذه المنطقة من الشرق الأوسط ليس لدينا الكثير من المنافسين، بينما في أوروبا هناك الكثير، والسوق هنا جيدة، فالإمارات مثلاً هي دولة في حالة نموّ وتطوّر، وهي تبني متاحفها وتجمع مقتنيات هامة لها، وتسعى لأن تكون مركزاً هاماً لكل شيء بما فيه هذا النوع من الكتب والمخطوطات النادرة والقديمة والثمينة، وكذلك نجد أنه على المستوى الخاص، فإن الأفراد هناك مهتمون كثيراً بمثل هذه الهواية، وعندما نلتقي بهم يتحدثون معنا لساعات وساعات حول هذه الكتب، وما لديهم وما يمكن أن نُقدّمه لهم لاستكمال مجموعاتهم الثمينة والنادرة”.
وتابع “بالإضافة إلى ذلك، هناك أمر في غاية الأهمية المعنوية بالنسبة إلينا، وهو أن هذه الدول، وخاصة الإمارات، هي من الدول الوحيدة في العالم التي نشارك فيها ونلتقي خلال مشاركتنا بأعضاء من الأسرة الحاكمة، وبأمراء وشيوخ رفيعي المستوى، يحملون اهتمامات عالية بمثل هذه الكتب الفريدة، ويقتنونها ويحرصون على معرفة كل ما يتعلق بها، وهذا بحد ذاته أمر مُشجّع جداً للاستمرار في المشاركة والحضور لهذه المنطقة”.
المؤسسة
مؤسسة إنليبريز تأسست عام 1883 لتتعامل مع الكتب القيمة والمخطوطات والوثائق والصور الأرشيفية، ويضم أرشيفها عناصر مثيرة للاهتمام، تُعرض للبيع أو بيعت بالفعل، وصارت تُعتبر الآن من أهم تجار النمسا للكتب النادرة.
لدى المؤسسة أول قاموس طُبع في العالم العربي، والذي كان له تأثير كبير على الثقافة والمعرفة العربيتين، وهو من وضع جان جوزيف مارسيل عام 1798
والمؤسسة التي تتخذ من مركز مدينة فيينا التاريخي مقراً لها، والعضو في الرابطة الدولية لباعة الكتب الأثرية، والجمعية النمساوية لباعة الكتب الأثرية، والجمعية الألمانية لبائعي الكتب الأثرية، تلتزم بمعايير دولية في عملها، مكّنتها من أن يكون لها زبائن من جامعات عالمية مرموقة ومكتبات وطنية كبرى، فضلاً عن شريحة من زبائن القطاع الخاص الذين عرفوا بأعمالها خاصة من خلال معارض الكتب الدولية ومن خلال “الكاتالوغات” على شبكة الإنترنت. كما أنها شركة تشتري كل الكتب من كافة الحقول والمطبوعة بين القرن الخامس عشر ومنتصف القرن التاسع عشر، وتركز بشكل خاص على مخطوطات وأعمال الشخصيات الهامة في العلوم والفنون، وتُشارك بانتظام في مزادات كبرى في ألمانيا والنمسا وبريطانيا.
الأندر والأغرب والأغلى
تمتلك الدار مجموعة كبيرة من الكتب والمخطوطات القديمة النادرة، تُشكّل في حقيقة الأمر ثروة مزدوجة، سواء لقيمتها التاريخية وندرتها، أو لقيمتها المالية العالية، حيث تباع بعض الكتب بما يقرب من نصف مليون يورو. من بين ما تتباهى المؤسسة باقتنائه، أول خارطة كاملة للعالم مكتوبة بالعربية، وهي بقياس كبير يتجاوز الثلاثة أمتار طولاً، كذلك أول أطلس إسلامي في العالم (أطلس الجديد)، ونسخ أصلية من كتاب “الثقافة البدوية” من كتابة يعقوب جورج عام 1897، وآخر عن “العملات العربية قبل الإسلام” مطبوع عام 1859 في باريس.
أما في ما يتعلق بالمواضيع والأثمان، فهناك خارطة بـ65 ألف يورو، هي الأولى والأكثر دقّة وتفصيلاً عن الخليج العربي، وكتاب للفلكي أبومعشر البلخي جعفر بن محمد، مطبوع عام 1506، ويُقدّر ثمنه بنحو 25 ألف يورو، وكذلك كتاب عالم الرياضيات المسلم أحمد بن محمد بن كثير الفرغاني، والمطبوع عام 1537 وبسعر 65 ألف يورو، وكذلك كتاب الإمام محمد بن سليمان الجزولي، زعيم الصوفية المغربية، الذي ألّفه عام 1482، والمطبوع عام 1785، وبقيمة 18 ألف يورو، وكتاب أبوالصقر عبدالعزيز بن عثمان بن علي القابسي، المطبوع عام 1482، والذي يُقدر ثمنه بـ45 ألف يورو.
كذلك لدى الدار كتاب أصلي لأحمد فارس الشدياق، وهو من أوائل الذين اضطلعوا برسالة التثقيف والتوجيه والتنوير والإصلاح في القرن التاسع عشر، وهو “أبدع ما كان في صور سلاطين آل عثمان” المطبوع عام 1885 في إسطنبول، والذي يُقدّر ثمنه بنحو 12 ألف يورو. كذلك أول طبعة متعددة اللغات من الكتاب المقدس، والمطبوع عام 1516، ويبلغ ثمنه 85 ألف يورو. ومن بين الكتب التي تُعتبر ثروة مادية، هناك كتاب عن البعثات الدبلوماسية في السلطنة العثمانية في القرن السادس عشر، بصور ملوّنة أصلية باهرة، من وضع جاك برايكل عام 1570، ويرتفع ثمنه ليصل إلى نحو ربع مليون يورو.
نسخ نادرة من القرآن وخرائط ومخطوطات من القرن الخامس عشر
كما أن هناك كتابا في وصف مصر لـ ف. بانكوك، وهو من البعثة الفرنسية في مصر، والمطبوع بالعربية عام 1829 في القاهرة، ويبلغ ثمنه 185 ألف يورو، كذلك هناك وثائق للجيش المصري، للجنرال دو كير، تعود لعام 1801، وبثمن يُقدّر بـ35 ألف يورو، وكذلك أول كتاب طُبع في مصر، لجان جوزيف مارسيل، حول الحروف الأبجدية العربية، والمطبوع عام 1798، وبثمن 65 ألف يورو، وهو من الكتب النادرة جداً التي طُبعت في الشرق الأوسط، وقد طبع على أولى المطابع التي دخلت الشرق الأوسط، والقاهرة تحديداً مع حملة نابليون بونابرت.
ولدى المؤسسة أيضاً أول قاموس طُبع في العالم العربي، والذي كان له تأثير كبير على الثقافة والمعرفة العربيتين، وهو من وضع جان جوزيف مارسيل عام 1798، وبثمن 48 ألف يورو، وفضلاً عن ذلك هناك كتاب عن أول أوروبي قام بزيارة مكّة، لودفيغو دي فارتيما، الذي قام بزيارة سوريا وإيران وإثيوبيا والهند، قبل أن يقوم بزيارة مكّة، حيث تم تسجيل أول زيارة لأوروبي غير مسلم لهذه المدينة المقدسة، ويعود الكتاب لعام 1510، ويبلغ سعره التقديري 28 ألف يورو.
وكذلك، هناك أول ترجمة لكتاب “رحلات ابن بطوطة في العالم الإسلامي وما وراءه”، والمطبوع عام 1829، وبثمن 17 ألف يورو، وكذلك كتاب ابن سينا المطبوع عام 1508، وبثمن 18 ألف يورو، وكتاب “نساء القسطنطينية” المطبوع عام 1648 في باريس، والبالغ ثمنه 45 ألف يورو، والغني بالصور الفوتوغرافية الجميلة. وأغلى الكتب القديمة التي بحوزة المؤسسة هو كتاب عن الشرق الأوسط بصور قديمة نادرة، هي الأكبر بين المجموعات غير المنشورة على مستوى العالم، والذي يعتبر أهم مجموعة فوتوغرافية حول المنطقة موجودة على الإطلاق، وهو مطبوع عام 1860، في لندن، ويبلغ ثمنه 450 ألف يورو.
وهناك أول مخطوط نُشر في العالم الإسلامي، الأطلس الجديد، المطبوع عام 1804، والبالغ ثمنه 150 ألف يورو، وأول كتاب طبع باللغة العربية على الإطلاق، وهو قاموس يضم 30 ألف كلمة، ويضم توضيحات وقواعد لغوية، وهو من جزأين، ويُقدّر ثمنه بنحو 250 ألف يورو. ومن القطع النادرة التي تحتفظ بها المؤسسة قطعة صغيرة من صفحة قرآن، من سوريا أو العراق، تعود لعام 715م (95 هـ)، مكتوبة على جانبيها، عليها جزء من السورة الثامنة من القرآن وجزء من التاسعة، بحبر بني أحمر غامق، لخط كوفي قديم، بـ17 سطراً في الصفحة، وتبلغ قيمتها 450 ألف أورو. أما أول نسخة من القرآن مطبوعة ومتوفرة في العالم، فهي في حوزة هذه المؤسسة أيضاً، وهي نسخة قرآن “هامبورغ” المطبوع عام 1538، ويبدو أنها نسخة وحيدة لم يُنتج غيرها، وتعتقد المؤسسة أن القوالب الأساسية قد أُتلفت مباشرة بعد طباعة هذه النسخة.
-----------
العرب - آكي