والعنف الذي اندلع هذا الشهر في المدن الساحلية يشير إلى خطر تفكك البلاد على أسس طائفية.
بدأت عناصر من النظام السابق هذه الأعمال العدائية، حيث قتلوا العشرات من قوات الأمن التابعة للحكومة الجديدة التي تفتقر إلى التنظيم. ولكن التعزيزات التي أُرسلت للتعامل مع الجناة تورطت لاحقا في مجازر بحق المدنيين من الطائفة العلوية، التي كانت العمود الفقري لنظام الأسد الوحشي.
حتى اندلاع هذا العنف، كانت هناك حالة من الهدوء المتوتر بعد انهيار النظام القديم في ديسمبر. نداءات التسامح التي أطلقها أحمد الشرع حظيت بالاحترام إلى حد كبير إلا أن الكراهية تجاه المسؤولين عن التعذيب والقتل الجماعي في ظل النظام السابق كانت لا تزال كامنة تحت السطح.
العنف الطائفي يمثل جرس إنذار للشرع الذي لم يحقق حتى الآن وعوده ببناء حكومة شاملة. مؤتمر الحوار الوطني الذي عُقد الشهر الماضي في دمشق ضم جماعات معارضة أخرى، لكن العديد من المشاركين خرجوا منه مقتنعين بأن الشرع يركز على السلطة لنفسه وللمجموعة الضيقة التي قادت المعارضة.
هيئة تحرير الشام التي يقودها الشرع انبثقت من فرع للقاعدة في سوريا ولا يزال هو وأتباعه المسلحون متجذرين في نهج إسلامي سلفي غير محبوب حتى داخل المجتمع السني الأوسع.
ليس كل شيء يسير في الاتجاه الخاطئ. إعلان عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون، وقف إطلاق النار في تركيا، ساعد في تخفيف التوترات بين دمشق والأكراد السوريين.
وقع قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي اتفاقا مع الشرع والذي في حال تنفيذه سيضع المؤسسات التي يقودها الأكراد، بما في ذلك ميليشياتهم، تحت السيطرة الوطنية مقابل اعتراف الشرع بالحقوق الدستورية للمجتمع الكردي.
لم تُحدد تفاصيل الاتفاق بدقة، ولكن الأكراد سيفسرونه على أنه قبول بدرجة من الحكم الذاتي الإقليمي، كما يتمتع الأكراد في العراق. هذا الاتفاق يمثل أول خطوة جدية للشرع نحو الاعتراف بتطلعات الأقليات في سوريا.
في حين تحاول تركيا مساعدة الشرع، فإن إسرائيل تصعّب عليه الأمور.
إسرائيل كانت تعتبر أن نظام الأسد، رغم علاقاته مع إيران ودوره في تمرير الأسلحة إلى حزب الله في لبنان، كان أفضل من المجهول الذي قد تجلبه معارضة إسلامية متفرقة.
إلى جانب كل هذا، يزداد إحباط الشعب السوري. إمدادات الكهرباء محدودة لبضع ساعات يوميا. تدفق السلع التركية الرخيصة يقوّض الصناعات المحلية. موظفو الحكومة إما فقدوا وظائفهم أو لم يتلقوا رواتبهم.
يحتاج الشرع إلى التحرك بسرعة لإثبات جديته في بناء سوريا شاملة.
محاولة إعادة فرض سلطة استبدادية في بلد متنوع كهذا ستؤدي إلى مقاومة عنيفة. هناك العديد من الميليشيات المسلحة، وفرص كبيرة لتدخل القوى الخارجية، وإصرار بين السوريين على عدم العودة لحكم طائفة واحدة على البقية.
الاتفاق مع الأكراد هو خطوة أولى حيوية، ولكن يجب أن تتبعها إجراءات مماثلة مع الأقليات والمناطق الأخرى. لن تقبل الميليشيات بحل نفسها إلا إذا تأكدت من أن مصالح مجتمعاتها محمية قانونيا ودستوريا. حتى العلويين، الذين عانى بعضهم أيضا في ظل نظام الأسد، يحتاجون إلى مكان محترم في النظام الجديد.
حصل الشرع على حق الأولوية في قيادة سوريا نحو مستقبل أفضل.
الأمن ضروري، ولكن ذلك يعني توحيد جميع الميليشيات ضمن نهج مشترك، وليس نزع سلاحها بالقوة. الإعلان الدستوري الصادر يوم الخميس يضع بعض المبادئ المفيدة. ولكن الجمعية التمثيلية الموعودة يجب أن تكون منفتحة حقا للنقاش، وأن تتجنب فرض الشريعة الإسلامية بطريقة صارمة.
كما يجب على الشرع جذب السوريين المنفيين الذين يملكون المهارات والاتصالات الدولية لقيادة حكومة تكنوقراطية. مثل هذه الحكومة يمكن أن تؤمن رفع العقوبات الغربية المتبقية وتعيد تشغيل الاقتصاد. ولكن ذلك يتطلب منه تقاسم السلطة، وليس الاحتفاظ بها لنفسه.
في الوقت الحالي، تسير سوريا نحو التفكك، مما سيشكل فرصة ضائعة وهدية للجماعات الإرهابية مثل داعش والقاعدة. ليس لدى الشرع وقت طويل لإثبات أنه قادر على بناء سوريا متسامحة وشاملة كما وعد.