وعندما أنهض من النوم لأكتب مقالي الأسبوعي ينفجر فيّ ألمٌ مضاعف كأنني ارتكبت كل الخطايا وكل الجرائم منذ فجر التاريخ.
لا أستطيع أن أصف الألم فهو شعور يضربك كمفاجأة، ثم حين يتخلى عنك للحظات يتركك كأشلاء عاجزة عن الحياة.
لا أحد وصف الألم أو كتبه، فنحن في ما لا يكتب.
في عالم من الأسى، نأمل أن ننتهي منه سريعاً لنعود إلى الحياة التي افتقدنا طعمها ولذتها، ولكننا لم ننسها ولن ننساها.
أتخيل أمامي بحراً من الألم، بحراً يهوج بي ويضربني في كل أنحائي وأنا أصرخ.
أنا الآن في انتظار الوقت، والوقت بطيء ثقيل سمجٌ لا يأتي.
لكنه في النهاية سيأتي مرغماً، سنأتي به مكبلاً كي يشهد أن حقنا في الحياة هو حق مقدس.
لن أعود بكم إلى آلام السيد المسيح أو إلى أوجاع مريم المجدلية، لكنني سأقول لكم إنها تجربة كبرى وأنا أعيش في وسطها.
هل تعرفون أحداً كتب الألم؟ دلوني عليه كي أستأنس به في رحلة العذاب التي أخوضها وحيداً. أرسلوه لي كي أقرأ له حكايتي وأستمع لحكايته.
لكنني عندما أجد رجلاً كهذا، أكتشف أنه يفر مني ويخاف من مواجهة ألمي وألمه، كأن الآلام لا تتقاطع.
هل الرأس مفصول عن الجسد؟
هل أستطيع أن أفكر برأسي بينما جسدي يتمزق؟
هذه هي لعبة الألم معي. أبدأ بالكتابة فأشعر بسكينة الروح تتنزل عليّ من رأسي إلى جسدي، لكن بعد لحظات تمتزج هذه السكينة بالألم الوحشي الذي يجتاحني، وأضطر إلى التوقف كي أستعيد صفائي من جديد.
هذه اللعبة أرهقتني ولا أعرف كيف ألعبها، كل ما في الأمر أنني ألجأ إليها مستغيثاً كي أجد مكاناً آمناً في نفسي.
هل هناك مكان آمن حين يضربك الألم؟
لا أدري. كلنا لا يدري، لكننا نحاول كي نحافظ على الحد الأدنى من علاقة الرأس بالجسد.
أذكر يوم 12 تموز 2023 حين كنت أقف في طوارئ مستشفى «أوتيل ديو»، وفجأة ضربني ألم لا قدرة للإنسان على تحمله، فصرت أطلب المورفين من الممرض ثم طلبت الموت كي يتوقف هذا الألم، ثم غبت عن الوعي، لأجد نفسي بعد يومين في غرفة العناية الفائقة.
كان الألم وجعاً لا سابق له، ولم أكن أتخيل وجوده بهذه الوحشية، لكنه كان هناك يتربص بي.
كان ذلك ليلة عيد ميلادي، وكانت ابنتي قد أعدت عدة العيد، وفجأة تحول العيد إلى عكسه، وصار عرس الألم هو البديل.
هل تذكرون؟ أنا لم يعد لي طاقة على التذكر، أنا الآن في السرير أروي لكم ما أحسست به في ذلك اليوم والأيام التي تلته، وأريدكم أن لا تنسوا أن الألم قد يأتي من حيث لا ندري ويستوطن أجسادنا وأرواحنا ويقيم بيننا.
ورغم كل ذلك، فأنا لم أفقد الأمل ولا الشجاعة.
كيف يفقد الأمل من هو محاط بأصدقاء ومحبين ومن يعيش تجربة حب لا مثيل لها ومعي مجموعة من الأطباء نذروا وقتهم لإنقاذي؟
كيف يفقد الشجاعة من امتزجت تجربته بالتراب منذ بداية المقاومة الفلسطينية؟
غزة وفلسطين تُضربان بشكل وحشي منذ ما يقارب العام أيضاً، وهما صامدتان لا تتزحزحان. إنهما النموذج الذي أتعلم منه كل يوم حب الحياة.
-------------
القدس العربي
15 - يوليو - 2024
ترجمات ودراسات
الجهات الأربع
|
عيون المقالات
نظام الأسد وحرب النأي بالنفس عن الحرب
21/11/2024
- بكر صدقي
الأسد الحائر أمام الخيارات المُرّة
17/11/2024
- مالك داغستاني
العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب
17/11/2024
- العميد الركن مصطفى الشيخ
إنّه سلام ما بعده سلام!
17/11/2024
- سمير التقي
تعيينات ترامب تزلزل إيران ورسالة خامنئي للأسد تتعلق بالحرب التي لم تأتِ بعد
17/11/2024
- عقيل حسين
هذا التوجس التركي من اجتياح إسرائيلي لدمشق
16/11/2024
- عبد الجبار عكيدي
السوريات في الحياة الأوروبية والتجارب السياسية
15/11/2024
- ملك توما
هل دقّت ساعة النّوويّ الإيرانيّ؟
13/11/2024
- أمين قمورية
بشـار الأسـد بين علي عبدالله صـالـح وحسـن نصر الله
13/11/2024
- فراس علاوي
“وقف الحروب” اختبارٌ لترامب “المختلف”
13/11/2024
- عبد الوهاب بدرخان
( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )
13/11/2024
- عبد الباسط سيدا*
قنبلة “بهتشلي”.. ماذا يحدث مع الأكراد في تركيا؟
13/11/2024
- كمال أوزتورك
طرابلس "المضطهدة" بين زمنين
13/11/2024
- د.محيي الدين اللاذقاني
حين تمتحن سورية تلك النبوءات كلّّها
12/11/2024
- ايمن الشوفي
اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق
12/11/2024
- عبد الناصر حوشان
هل تتهدد الحرب الأهلية لبنان؟
10/11/2024
- حازم صاغية
رئاسيات أمريكا والصوت اليهودي: أبعد من أطرش في الزفة
09/11/2024
- صبحي حديدي
العالم مع ترامب لأربع سنوات قادمة.. ماذا بعد؟.
09/11/2024
- ياسر الزعاترة
ثلاث مسارات تفاوضية دولية محتملة قد تكسر جمود المشهد السوري
09/11/2024
- فراس فحام
هل يشعل العراق حرباً إقليمية؟
09/11/2024
- عاصم عبد الرحمن
|
عامٌ من الألم
فوجئت أنني قابع في سريري في المستشفى منذ سنة كاملة.
|
|