نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

الصراع على دمشق.. إلى متى؟

13/09/2024 - جمال الشوفي

( ماذا نفعل بالعلويين؟ )

12/09/2024 - حاتم علي

(عن الحرب بصفتها "الأهلية" ولكن!)

07/09/2024 - سميرة المسالمة *


(طبول الحرب تُقرَع شمالاً: ما وراء التهديدات الإسرائيلية بعملية بريّة في لبنان؟)






تزايدت في الآونة الأخيرة التصريحات الإسرائيلية التي تُفيد باستعداد إسرائيل لحسم الوضع على الجبهة اللبنانية، والتهديد بشن عملية برية ضد "حزب الله"، وهي التصريحات التي تأتي في سياق انسداد أفق التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة يُفضي إلى وقف التصعيد في جبهة شمال إسرائيل. والسؤال الذي يُثار في هذا الصدد هو: هل تعكس هذه التهديدات وجود توجهات أو خطط حقيقية لحكومة نتنياهو لتوسيع الحرب مع "حزب الله" أم أنها مجرد رسائل سياسية، لأغراض داخلية وخارجية؟


 
"ضجيج" التصريحات الإسرائيلية :
في خلال زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، لقيادة المنطقة الشمالية، التي يقع مقرها في صفد، في 10 سبتمبر الجاري، قال "نحن على وشك استكمال مهامنا في الجنوب" (يقصد غزة)، وأن "الثقل ينتقل الآن نحو الشمال" (أي لبنان)، مُضيفاً إن أمام حكومة إسرائيل مهمة "تغيير الوضع الأمني وإعادة السكان إلى منازلهم"، ومؤكداً بالقول "نحن نُنهي تدريب وإعداد جميع القوات البرية استعداداً لعملية برية شاملة على جميع المستويات"، وطالباً من جنوده أن يكونوا "جاهزين لتنفيذ العملية حين يأتي الوقت".
وتصبّ في الاتجاه نفسه تصريحات رئيس الأركان في الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، ففي خلال جولة له في مرتفعات الجولان المحتل، في 7 سبتمبر، قال إن الجيش "يركز بشدة على محاربة حزب الله"، وأنه "يستعد لتحركات هجومية في الأراضي اللبنانية"، من دون أن يوضح طبيعة هذه التحركات. وتزامنت هذه التصريحات العسكرية مع نشر الصحافة الإسرائيلية تقارير عن التدريبات التي يقوم بها الجيش والتي تحاكي القتال في لبنان، والتي يقوم بها الجيش "كجزء من جهوده لزيادة الاستعداد وسط التوترات المتزايدة على الحدود الشمالية".
وتزامنت هذه التصريحات من الجانب العسكري مع تصريحات من المستوى السياسي، فرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أوضح، عقب تصريحات هاليفي، إنَّه "أصدر تعليمات إلى الجيش بتغيير الوضع في الشمال الإسرائيلي على الحدود مع لبنان"، مشدداً على استحالة استمرار الوضع على ما هو عليه في الشمال، ومُكرراً التزام حكومته بإعادة جميع سكان الشمال إلى منازلهم. بل إن بيني غانتس، زعيم حزب "المعسكر الرسمي" المعارض والعضو السابق في مجلس الحرب، قال إنه "إذا لم تتمكن الحكومة الإسرائيلية من التوصل إلى اتفاق حول وقف النار في غزة وإطلاق الأسرى خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة، فعليها أن تذهب إلى الشمال"، مضيفاً "لا أعتقد أننا في حاجة إلى الانتظار أكثر، فلدينا القدرة على القيام بذلك"، بما في ذلك "ضرب لبنان إذا لزم الأمر".
وهذه التصريحات في جوهرها ليست جديدة، إذْ كانت تتردد منذ بدء "حزب الله" عملية "الإسناد لغزة" في 8 أكتوبر 2023، بيد أن الجديد فيها هو حدّة نبرتها، وتُمكِن إحالة هذا التصعيد في التصريحات إلى أسباب عدة:
أولاً، جاءت هذه التصريحات الحادة عقب رد "حزب الله" على اغتيال القائد العسكري البارز فؤاد شكر في 25 أغسطس، وهو الرد الذي جاء محدوداً والذي نجحت إسرائيل في التعامل معه؛ أي أن إسرائيل بعد هذا الرد "المحسوب" لحزب الله تَعزز شعورها بالردع، وتأكد لها أن الحزب لا يرغب في فتح حرب شاملة مع إسرائيل؛ الأمر الذي قوّى الموقف الإسرائيلي بإطلاق مثل هذه التهديدات الحادة.
ثانياً، مع إصرار "حزب الله" على ربط جبهة جنوب لبنان بجبهة غزة، فإن حكومة إسرائيل تواجه تحدي استمرار نزوح ما ينوف على 100 ألف إسرائيلي من مناطقهم في الشمال، والضغط الذي يمارسه هؤلاء عبر المطالبة بالعودة الآمنة إلى بيوتهم، وعليه تحتاج القيادتان السياسة والعسكرية إلى إقناع هؤلاء النازحين بأنهما تتّخذان خطوات تدفع بتحقيق مَطلبهم.
ثالثاً، لا يمكن إغفال أن تَباري الطرفين السياسي والعسكري في إطلاق التهديدات ضد لبنان و"حزب الله"، قد يعود -جزئياً- إلى عامل الصراع القائم بين القيادة السياسية بزعامة نتنياهو والقيادة العسكرية وإلى جانبها الوزير غالانت، في ضوء سعي نتنياهو إلى تحميل الجيش وحده وزر الإخفاق في السابع من أكتوبر، بل حتى توجيه نتنياهو وأسرته وحلفائه في اليمين الحاكم انتقادات إلى القيادات العسكرية بخصوص إدارة الحرب على غزة، لذا يسعى الجيش إلى رمي الكرة في ملعب نتنياهو من طريق تأكيد جاهزية الجيش للحرب مع "حزب الله"، وأنه ينتظر قرار المستوى السياسي.
وللبحث في احتمالات انتقال إسرائيل من المواجهة مع "حزب الله" ضمن قواعد الاشتباك الحالية إلى حرب شاملة فإن من المهم استقصاء العوامل السياسية والعسكرية التي تدفع إسرائيل إلى الذهاب إلى هذا الخيار.
العوامل الداعمة والكابحة للحرب.. ما الجديد؟
تناولت الكثير من التحليلات العوامل التي قد تدفع إسرائيل إلى شن حرب شاملة على لبنان، والعوامل التي تكبح مثل هذا الخيار. وقد تمثلت أبرز العوامل الداعمة للحرب بالحاجة إلى ترميم منظومة الردع الإسرائيلية بمواجهة "حزب الله"، والتأييد الواسع لدى الرأي العام الإسرائيلي للحرب، سيما من الجمهور اليميني ومن النازحين من الشمال. أما العوامل الكابحة فشملت استنزاف الجيش الإسرائيلي في حرب غزة، والخشية من التدمير الواسع في البنى التحتية الذي قد يَنتج عن الحرب في ضوء القدرات العسكرية النوعية التي يملكها "حزب الله" مقارنة بقدرات "حماس"، فضلاً عن الخسائر البشرية الكبيرة بين العسكريين والمدنيين والخسائر الاقتصادية، إلى جانب الرفض الأمريكي لمثل هذه الحرب التي قد تؤدي إلى حرب إقليمية واسعة تخشى أن تنجر لها، وبخاصة مع تقديم واشنطن ضمانات لتل أبيب بالوقوف معها في حال اندلاع حرب مع "حزب الله".
يُلاحظ أنه منذ ذلك الحين، لم يحصل تغير نوعي، سواء في العوامل الداعمة أو الكابحة للحرب، فمعظم تلك العوامل ما زالت سارية حتى الآن، ويمكن القول إن العامل الوحيد الذي طاوله التغير هو الجهوزية العسكرية الإسرائيلية، فمع تراجع حدّة ونطاق العملية العسكرية في قطاع غزة، نقل الجيش الإسرائيلي جزءاً كبيراً من القوات المنخرطة في حرب غزة إلى المنطقة الشمالية، فضلاً عن أن القيادة العسكرية عززت الاستعداد لسيناريو الحرب في لبنان عبر التمرينات والمناورات الميدانية، كما أن تواصل الإمداد العسكري الأمريكي بالعتاد والذخيرة عوَّض جزءاً كبيراً من الذخيرة المستنزفة في الحرب على غزة. وعلى الرغم من التحسن في الجهوزية العسكرية الإسرائيلية، فإن محللين وعسكريين، إسرائيليين وأمريكيين، مازالوا يشككون في قدرة إسرائيل على تحمُّل تبعات حرب شاملة مع "حزب الله".
وثمة آراء تُعطي ثقلاً فيما يخص قرار الحرب مع لبنان إلى عوامل تتعلق بالمصلحة الشخصية والسياسية لنتنياهو؛ كأن يُبادر نتنياهو إلى شن حرب شاملة مع لبنان من أجل التخلص من الضغط، الداخلي والخارجي، لإبرام اتفاق وقف إطلاق النار مع "حماس"، وهو ما لا يُريده لإطالة بقائه السياسي ومنع تفكك حكومته، أو حتى أن يسعى نتنياهو للحرب للتأثير في فرص كامالا هاريس الانتخابية ومساعدة دونالد ترمب في العودة إلى البيت الأبيض في انتخابات الخامس من نوفمبر. ولكن هذا الاحتمال يُضعفه ما يظهر حتى الآن من تردّد نتنياهو في اتخاذ قرار الحرب على رغم الضغوط الكبيرة الواقعة عليه من طرف السكان النازحين وشركائه المتطرفين في الائتلاف الحكومي وجمهوره اليميني لشن مثل هذه الحرب، لأنه يدرك أنه يمكنه أن يبدأ الحرب مع "حزب الله" لكنه لا يملك قرار إنهائها.
استنتاجات :
حتى الآن يمكن وضع التهديدات الإسرائيلية بشن عملية برية ضد حزب الله ضمن خانة "الضجيج" الذي يُقصد منه التهويل بالحرب. ومع دخول الحرب في قطاع غزة شهرها الثاني عشر وتعثُّر مفاوضات التوصل إلى صفقة تهدئة هناك، ثمة من يرى أن الهدف من تصعيد نبرة التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان هو الضغط على "حزب الله"، ومن ورائه إيران، من أجل أن يقوما بدورهما بالضغط على "حماس" للقبول بصفقة التهدئة وفق الشروط الإسرائيلية، في حين يذهب آخرون إلى أبعد من ذلك بالقول إن الهدف هو الضغط على "حزب الله" لدفعه إلى وقف قصفه لشمال إسرائيل أو إلى إبرام تسوية تُفضي إلى فرض الهدوء على الجبهة الشمالية، ما يمكن معه إعادة النازحين الإسرائيليين إلى بلْداتهم ومستوطناتهم، إلا أنه ثَبت حتى الآن ضعف مثل هذا الرهان.
وعلى الرغم من هذا التصعيد الخطابي فإن المعطيات تَشي أن حرب الاستنزاف على الجبهة اللبنانية-الإسرائيلية ستستمر إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية، فتنصيب الإدارة الأمريكية الجديدة في يناير من العام المقبل سيكون بمنزلة المتغير الحاسم فيما يخص أي تسوية في غزة، والتي من المرجح أن يرتبط بها مسار التصعيد بين إسرائيل و"حزب الله"، وحتى ذلك الحين ستستمر إسرائيل في رفع جاهزية قواتها العسكرية واستعداداتها العملياتية لاحتمال أن تنزلق الأوضاع نحو حرب مع "حزب الله".
ونظراً إلى التهديد الذي يمثله "حزب الله" لإسرائيل، والذي تكشفت أبعاده الخطرة في الشهور الماضية، فإنها ستكون مضطرة في المديين المتوسط والطويل للتعامل مع هذا التهديد إما بشن حرب شاملة تهدف إلى تدمير قدرات الحزب بالترافق مع تدمير لبنان حتى لا تقوم له قائمة (سيناريو حرب غزة)، أو القيام بعملية عسكرية محدودة في جنوب لبنان تهدف فقط إلى إبعاد قوات "حزب الله" إلى شمال نهر الليطاني. وستكون القوى الإقليمية والدولية أمام تحدي منع اندلاع حرب مدمرة جديدة في المنطقة من طريق دفع الطرفين إلى تسوية سلمية ترتكز على بنود قرار مجلس الأمن رقم 1701 لسنة 2006.
------------------------
*هاني سليمان، باحث أول ومحرر في مركز الإمارات للسياسات.
 

هاني سليمان*
الاحد 15 سبتمبر 2024