المتهم بادعاء الألوهية يقول: سأقابل الله ببعض الحسنات، في مقدمتها أنني حاربت التبشير في جبال العلويين
وبناء على ذلك قامت النقابة العامة للعمال اليهود في فلسطين (الهستدروت)، بإصدار صحيفة أسبوعية صهيونية باللغة العربية، بعنوان “حقيقة الأمر” في شهر مارس/ آذار 1937 كان يحرّرها ميخائيل أساف مراسل الشؤون العربية في صحيفة “دافار”.
هذه الصحيفة نشرت عام 1946 تقريراً مثيراً للغاية عن إعدام سليمان المرشد في ساحة المرجة بدمشق في كانون الأول من عام 1946، ووصفته بأنه “رجل بلا عنق”، وكشفت فيه عن المكان الذي دُفن فيه.
التقرير كان مغفل التوقيع، وقد سعى لعرض وجهة نظر الاتهام والدفاع معاً، وقد شكك ببعض الروايات التي انتشرت، لكنه في النهاية سخر من تأليه المرشد، ووصفه بأنه قَتَلَ، واغتَصَبَ، وعاش عيشة الملوك.
(العربي القديم) يقدم النص الكامل لتقرير الصحيفة الإسرائيلية الذي حمل عنوان: “لغز محاكمة سليمان المرشد “رب” العلويين وإعدامه” الذي نُشر في عددها الصادر بتاريخ 1/1/1947
***
لا أدري أين وضعوا حبل المشنقة لسليمان المرشد الذي أُعدم في دمشق الأسبوع الماضي… إنه رجل بلا عنق، ورأسه موضوع وضعاً فوق كتفيه، كأنما كان وديعة لديها إلى حين.
لقد شفى الموت سليمان المرشد من الصرع الذي كان مصدر سعادته وشقائه منذ ثلاثين عاماً، ومن مرضه الروحي الذي جعله يوماً ما سلطاناً في جبل العلويين، وفي الوقت نفسه آلة في عدة أيدٍ تتكسّب عليه، وتبني لنفسها على أنقاضه، وتُخرج بأصابعه الكستناء من النار. وشفاه من الذل الذي لاحقه أيام محاكمته دون هوادة، ولا لين.
-إنهم يتهمونني بالتآمر مع فرنسا على وطني، ولئن قتلوني من أجل هذه التهمة فسأموت أشقى وأتعس ما أموت.
لقد انسقت حقيقة بعض الوقت مع التيار العام، ولكني قاومت فرنسا مع ذلك 15 سنة، يوم كان الشهود على خيانتي يُمرّغون جباههم في تراب الفرنسيين، وكان منهم مَن يفخر بتقديم القهوة إلى المفوض السامي في فناجين من ذهب. قل عني لقُرَّائِكَ: إنني أهزأ بالموت، بالمشنقة، وكلّ ما أتمناه ألّا أموت ميتة لص، ولكن في معركة أدافع فيها عن سوريا بلادي دفاع الأبطال.
سألت سليمان المرشد عن قصة ألوهيته، ونصيبها من الواقع فأجابني ضاحكاً: سل زملاءك الصحفيين؛ فإنهم أدرى مني بتفاصيل هذا الموضوع. يا سيدي أحمد الله على أنه أحياني مسلماً، وسَيُميتني مسلماً، ولئن كنت سأقابل الله ببعض الحسنات، فسيكون في مقدمتها أنني حاربت التبشير عدة أعوام في جبال العلويين، ولولاي لزاغت ألباب هناك، وكفرت ألباب.
إن هذه المعركة – معركة العذرة – مازالت بعد المحاكمة، كما كانت فيها، محاطة ببعض الظلال المبهمة؛ ولعل أم فاتح يوم ماتت، أخذت معها إلى القبر مفتاح لغزها المعقد!
بسطت الحكومة السورية يدها إلى سليمان المرشد، وفيها العفو والمودة، والسلام الدائم، إذا رضي أن يردّ بعض أملاكه المُغتصبة إلى أصحابها الذين هاجروا من الجبال. ورضي سليمان – كما يقول عطوفة محافظ اللاذقية – بهذا الحل، وتقبله بقبول حسن. وجاءت الحكومة بهؤلاء المهاجرين لقرية سليمان المرشد، تمهيداً لاسترداد حقوقهم ظهر اليوم التالي، في وليمة الغداء التي أقامها سليمان لقائد الشرطة – محمد علي عزمت بك – تدشيناً لهذا الاتفاق.
وجاء قائد الشرطة في اليوم التالي مبكراً، ومعه سبعون من رجاله، مسلحون بالمدافع الرشاشة، ومحتمون بالسيارات المدرّعة، فقوبلوا بكمين من رجال مسلحين بين الصخور، وأطلق عليهم الكمين النار، فقتل بعض رجال الشرطة، ورُدَّ الباقون بالمدافع الرشاشة، وأصابوا 12 من هؤلاء العُصاة، وانهزم الكمين.
ونظرية الدفاع أنّ سليمان المرشد بريء من نية الغدر، وأنّ أم فاتح هالتها ترضية المهاجرين، لأنهم من عشيرة تناصب أهلها العداء، فألّبت بعض رجالها، ليمنعوا المهاجرين من دخول القرية في الصباح، لتحول دون تنفيذ الاتفاق.
وذُعر هؤلاء الأتباع، عندما رأوا رجال الشرطة بمدافعهم ورشاشاتهم بدلاً من المهاجرين، فأخذوا يولّون الأدبار، والشرطة تلاحقهم بالرصاص، فيصاب المصابون منهم بالظهور. وهم أثناء الفرار يردّون على رصاص الشرطة برصاصات طائشة، قتلت اثنين من هؤلاء الرجال، ولما صحا الزوج من النوم على صوت الرصاص، وعرف جليّة الخبر، أدرك أن السيف قد سبق العذل، واعتبر عقوق امرأته وكيدها جريمة عقابها الإعدام، فأطلق عليها الرصاص على رؤوس الأشهاد، وأرسل إلى قائد الشرطة راية الاستسلام.
على أنّ سرّ هذه المعركة كان يُثير خارج قاعة المحكمة نظريات أخرى تعربد خارج أبواب المحكمة، لا تجرؤ على اقتحام هذه الأبواب، ربما لأنها لم تكن تحمل بطاقة، لتخطّي السياج المضروب من رجال الشرطة على هذه الأبواب.
قالت إحدى هذه النظريات: إن سليمان المرشد لم يكن بحاجة إلى الغدر برجال الشرطة، ولو أراد منعهم عن غشيان حصنه، لاستطاع بعشرة رجال فقط أن يصمد للجيش السوري بأجمعه، لو أراد أن يغتصب “جوبة برغال”. ومضت هذه النظرية تقول: إنّ معركة الغدر، مسرحية ألّفها بعض أصحاب النفوذ، بالاشتراك مع أم فاتح، أو بدونها، ليضعوا الحبل في عنق سليمان المرشد، بعد أن خدّروه بحكاية العفو العام، وإعلان السلم الدائم بينه، وبين الحاكمين.
نعم، إنّ سليمان المرشد قد يحيا في هذا الجزء من الجبل كأسطورة، وقد قيل لي فعلاً – وما أكثر ما أصبحت أتشكك في أقاويل الرواة – إنّ بعض أتباعه يزعمون أن الرجل الذي كان يُحاكم، ليس هو سليمان المرشد، ولكن “شُبِّهَ لهم!!” كما قيل: إنّ بعض هؤلاء الأتباع كان يتوقع ألّا يسقط المطر هذا العام، غضباً على ما أصاب الربّ من هوان واضطهاد!
هذه الصحيفة نشرت عام 1946 تقريراً مثيراً للغاية عن إعدام سليمان المرشد في ساحة المرجة بدمشق في كانون الأول من عام 1946، ووصفته بأنه “رجل بلا عنق”، وكشفت فيه عن المكان الذي دُفن فيه.
التقرير كان مغفل التوقيع، وقد سعى لعرض وجهة نظر الاتهام والدفاع معاً، وقد شكك ببعض الروايات التي انتشرت، لكنه في النهاية سخر من تأليه المرشد، ووصفه بأنه قَتَلَ، واغتَصَبَ، وعاش عيشة الملوك.
(العربي القديم) يقدم النص الكامل لتقرير الصحيفة الإسرائيلية الذي حمل عنوان: “لغز محاكمة سليمان المرشد “رب” العلويين وإعدامه” الذي نُشر في عددها الصادر بتاريخ 1/1/1947
***
لا أدري أين وضعوا حبل المشنقة لسليمان المرشد الذي أُعدم في دمشق الأسبوع الماضي… إنه رجل بلا عنق، ورأسه موضوع وضعاً فوق كتفيه، كأنما كان وديعة لديها إلى حين.
لقد شفى الموت سليمان المرشد من الصرع الذي كان مصدر سعادته وشقائه منذ ثلاثين عاماً، ومن مرضه الروحي الذي جعله يوماً ما سلطاناً في جبل العلويين، وفي الوقت نفسه آلة في عدة أيدٍ تتكسّب عليه، وتبني لنفسها على أنقاضه، وتُخرج بأصابعه الكستناء من النار. وشفاه من الذل الذي لاحقه أيام محاكمته دون هوادة، ولا لين.
حارب التبشير المسيحي في جبال العلويين
قال لي، وأنا أزوره في سجنه:-إنهم يتهمونني بالتآمر مع فرنسا على وطني، ولئن قتلوني من أجل هذه التهمة فسأموت أشقى وأتعس ما أموت.
لقد انسقت حقيقة بعض الوقت مع التيار العام، ولكني قاومت فرنسا مع ذلك 15 سنة، يوم كان الشهود على خيانتي يُمرّغون جباههم في تراب الفرنسيين، وكان منهم مَن يفخر بتقديم القهوة إلى المفوض السامي في فناجين من ذهب. قل عني لقُرَّائِكَ: إنني أهزأ بالموت، بالمشنقة، وكلّ ما أتمناه ألّا أموت ميتة لص، ولكن في معركة أدافع فيها عن سوريا بلادي دفاع الأبطال.
سألت سليمان المرشد عن قصة ألوهيته، ونصيبها من الواقع فأجابني ضاحكاً: سل زملاءك الصحفيين؛ فإنهم أدرى مني بتفاصيل هذا الموضوع. يا سيدي أحمد الله على أنه أحياني مسلماً، وسَيُميتني مسلماً، ولئن كنت سأقابل الله ببعض الحسنات، فسيكون في مقدمتها أنني حاربت التبشير عدة أعوام في جبال العلويين، ولولاي لزاغت ألباب هناك، وكفرت ألباب.
الغدر في معركة العذرة
لقد بُرّئ سليمان المرشد، إذا صحّ ما روته الصحف من تهمة الخيانة الوطنية، والتآمر على سلامة الدولة. وإذا صحّ هذا، فيكون سليمان المرشد قد أُعدم لموقفه من رجال الدرك، في المعركة التي حدثت يوم استسلامه، ولقتله زوجته في نفس اليوم.إن هذه المعركة – معركة العذرة – مازالت بعد المحاكمة، كما كانت فيها، محاطة ببعض الظلال المبهمة؛ ولعل أم فاتح يوم ماتت، أخذت معها إلى القبر مفتاح لغزها المعقد!
بسطت الحكومة السورية يدها إلى سليمان المرشد، وفيها العفو والمودة، والسلام الدائم، إذا رضي أن يردّ بعض أملاكه المُغتصبة إلى أصحابها الذين هاجروا من الجبال. ورضي سليمان – كما يقول عطوفة محافظ اللاذقية – بهذا الحل، وتقبله بقبول حسن. وجاءت الحكومة بهؤلاء المهاجرين لقرية سليمان المرشد، تمهيداً لاسترداد حقوقهم ظهر اليوم التالي، في وليمة الغداء التي أقامها سليمان لقائد الشرطة – محمد علي عزمت بك – تدشيناً لهذا الاتفاق.
وجاء قائد الشرطة في اليوم التالي مبكراً، ومعه سبعون من رجاله، مسلحون بالمدافع الرشاشة، ومحتمون بالسيارات المدرّعة، فقوبلوا بكمين من رجال مسلحين بين الصخور، وأطلق عليهم الكمين النار، فقتل بعض رجال الشرطة، ورُدَّ الباقون بالمدافع الرشاشة، وأصابوا 12 من هؤلاء العُصاة، وانهزم الكمين.
نظريتا الاتهام والدفاع
نظرية الاتهام أنّ سليمان المرشد إنما دعا رجال الشرطة إلى مائدته، وهو ينوي الغدر بهم، فلما رأى رجاله ينهزمون، قتل زوجته، ليغسل بدمها عن يديه أوضار الغدر المقصود.ونظرية الدفاع أنّ سليمان المرشد بريء من نية الغدر، وأنّ أم فاتح هالتها ترضية المهاجرين، لأنهم من عشيرة تناصب أهلها العداء، فألّبت بعض رجالها، ليمنعوا المهاجرين من دخول القرية في الصباح، لتحول دون تنفيذ الاتفاق.
وذُعر هؤلاء الأتباع، عندما رأوا رجال الشرطة بمدافعهم ورشاشاتهم بدلاً من المهاجرين، فأخذوا يولّون الأدبار، والشرطة تلاحقهم بالرصاص، فيصاب المصابون منهم بالظهور. وهم أثناء الفرار يردّون على رصاص الشرطة برصاصات طائشة، قتلت اثنين من هؤلاء الرجال، ولما صحا الزوج من النوم على صوت الرصاص، وعرف جليّة الخبر، أدرك أن السيف قد سبق العذل، واعتبر عقوق امرأته وكيدها جريمة عقابها الإعدام، فأطلق عليها الرصاص على رؤوس الأشهاد، وأرسل إلى قائد الشرطة راية الاستسلام.
أكثر الروايتين أدلة
هاتان وجهتا النظر اللتان طُرحتا أمام المحكمة، ويبدو أنّ المحكمة قد أخذت بأكثر الروايتين أدلة وشهوداً، فأنصفت نظرية الاتهام، وحكمت على سليمان المرشد بالإعدام.على أنّ سرّ هذه المعركة كان يُثير خارج قاعة المحكمة نظريات أخرى تعربد خارج أبواب المحكمة، لا تجرؤ على اقتحام هذه الأبواب، ربما لأنها لم تكن تحمل بطاقة، لتخطّي السياج المضروب من رجال الشرطة على هذه الأبواب.
قالت إحدى هذه النظريات: إن سليمان المرشد لم يكن بحاجة إلى الغدر برجال الشرطة، ولو أراد منعهم عن غشيان حصنه، لاستطاع بعشرة رجال فقط أن يصمد للجيش السوري بأجمعه، لو أراد أن يغتصب “جوبة برغال”. ومضت هذه النظرية تقول: إنّ معركة الغدر، مسرحية ألّفها بعض أصحاب النفوذ، بالاشتراك مع أم فاتح، أو بدونها، ليضعوا الحبل في عنق سليمان المرشد، بعد أن خدّروه بحكاية العفو العام، وإعلان السلم الدائم بينه، وبين الحاكمين.
نعم، إنّ سليمان المرشد قد يحيا في هذا الجزء من الجبل كأسطورة، وقد قيل لي فعلاً – وما أكثر ما أصبحت أتشكك في أقاويل الرواة – إنّ بعض أتباعه يزعمون أن الرجل الذي كان يُحاكم، ليس هو سليمان المرشد، ولكن “شُبِّهَ لهم!!” كما قيل: إنّ بعض هؤلاء الأتباع كان يتوقع ألّا يسقط المطر هذا العام، غضباً على ما أصاب الربّ من هوان واضطهاد!