واستبقت روسيا انعقاد القمة بدفع النظام السوري لإلغاء مشاركته في جولة جديدة مقررة بشكل سابق من اجتماعات اللجنة الدستورية، مما أظهر سيطرة روسية كاملة على القرار السياسي للنظام.
الحراك الروسي الأخير في الملف السوري ذو طابع سياسي، ولا يشمل المجهود العسكري، وهذا يشير إلى رغبة موسكو باستمرار تجميد الصراع الميداني، مع محاولة الاستفادة من نفوذها في سوريا من أجل الضغط على المجتمع الدولي، أي توظيف الملف السوري في الصراع المحتدم بين روسيا والغرب.
التلويح بمفاقمة الأزمة الإنسانية في سوريا
خاضت موسكو قبل أسبوع معركة دبلوماسية في أروقة مجلس الأمن حول تجديد التفويض الاستثنائي لإدخال المساعدات إلى شمال غربي سوريا عبر الحدود، انتهت بفرض روسيا رؤيتها وتمديد الآلية لمدة 6 أشهر، مع إضافة بنود أخرى تتيح مناقشة الجهود الأممية بشكل مستمر الخاصة بإدخال المساعدات.
واللافت أن روسيا استخدمت حق النقض ضد مشروع قرار غربي، ينص على تمديد الآلية لمدة سنة، وهددت بنقض قرار آخر يحدد مدة تمديد إدخال المساعدات عبر الحدود بـ 9 أشهر، قبل أن توافق على مدة 6 أشهر، مع قدرتها على نسف الآلية بالكامل والتصويت ضد تجديدها، لكنها لم تفعل ذلك.
وعلى الأرجح فإن روسيا لا تريد خسارة ورقة مهمة تلوح بها بشكل مستمر في مواجهة الأطراف الدولية الأخرى، وهي التهديد بمفاقمة الأزمة الإنسانية شمال غرب سوريا، عن طريق قطع المساعدات الضرورية عن مئات الآلاف من السكان والنازحين، مما يعني التسبب بموجات لجوء جديدة إلى دول الجوار السوري وأوروبا.
وسيتعين على الدول الغربية التفاوض مع روسيا مجدداً بعد ستة أشهر حول آلية إدخال المساعدات بشكل مباشر إلى السكان دون تحكم كامل من النظام السوري، مما يؤكد على أهمية الدور الروسي على المستوى الدولي، ويتيح لموسكو قناة دبلوماسية مهمة لاستمرار التواصل مع الأطراف الدولية.
إعادة الزخم لمسار أستانا
تعمل روسيا على إعطاء أهمية خاصة للقمة الرئاسية المرتقبة للدول الضامنة لمسار أستانا، والتي ستنعقد للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات، حيث حرصت روسيا طيلة السنوات الماضية على إبداء التفاعل مع مسار جنيف، وحرصت على إجراء الترتيبات الميدانية من خلال تفاهمات ثنائية مع تركيا.
وأكد ديميتري بيسكوف المتحدث باسم الرئاسة الروسية (الكرملين) في 18 تموز/ يوليو 2022، أن القمة الثلاثية التي ستعقد في إيران "مهمة للغاية".
وأضاف المتحدث: ستكون عملية التسوية السورية في مركز الاهتمام خلال مشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضمن قمة طهران، واعتبر أن الصيغة الثلاثية بمشاركة روسيا وتركيا وإيران هي الصيغة الدولية الوحيدة التي تساهم فعلياً في التسوية السورية حالياً.
الموقف الروسي هذا، جاء في أعقاب الإخطار الذي وجهه وفد النظام السوري المشارك في اجتماعات جنيف المخصصة للجنة الدستورية، إلى المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا، يبلغه بالامتناع عن حضور الجولة التاسعة من اجتماعات اللجنة، بسبب عدم الاستجابة للمطالب الروسية بنقل مقر الاجتماعات من جنيف إلى مكان آخر.
ويبدو أن روسيا تحاول إثارة قلق الجهات الدولية من خلال تلك الخطوات، إذ إن استبدال مفاوضات الحل السياسي السوري التي ترعاها الأمم المتحدة، بمسار أستانا يعني إضفاء نوع من الشرعية على الدور الإيراني في سوريا، وإعطاءه صبغة دولية، يتزامن ذلك مع إعادة انتشار الميليشيات الإيرانية في مواقع حساسة على الأراضي السورية، على مقربة من تركيا وإسرائيل.
وسيكون مهماً بالنسبة لروسيا تعزيز التقارب مع إيران من بوابة الملف السوري، في ظل العزلة الدولية التي تعاني منها موسكو وتصاعد العقوبات الغربية ضدها، وأيضاً فإن سلوكها يحمل بشكل ضمني رسائل تحذيرية لدول إقليمية مؤثرة مثل إسرائيل لدفعها لمراجعة موقفها من الحرب الأوكرانية، وللسعودية التي استقبلت الرئيس الأمريكي جو بايدن منتصف تموز/ يوليو الجاري، وما جرى خلاله من مناقشة زيادة الرياض لإنتاجها النفطي بهدف تعويض السوق عن النفط الروسي، وتحقيق استقرار الأسعار العالمية، وهذا من شأنه الإضرار بمصالح موسكو.
النهج الروسي يظهر أهمية سوريا بالنسبة لموسكو، وما توفره لها من هامش كبير للمناورة على الساحة الدولية، مما يعزز الاعتقاد بأن روسيا ستتمسك أكثر بنفوذها في الملف السوري، على عكس التكهنات بتقليص النفوذ الروسي في سوريا، التي سادت في أعقاب اندلاع الحرب الأوكرانية.
القول بأن روسيا ستتمسك بمكتسباتها في سوريا، يدعم صحته ازدياد الاهتمام الأميركي والأوروبي بالملف الليبي ومحاولة جمع الفرقاء وتعزيز الاستقرار بما يتيح المجال أمام استغناء الأطراف الليبية عن الدعم الروسي ، وبالتالي قد تصبح سوريا منفذ روسيا الوحيد على حوض البحر المتوسط.
---------
تلفزيون سوريا