ان خط التوهم ليس كخيط الكذب ففي الاول الذي نجده بغزارة في قصص الحب لا يوجد نوايا خبيثة ولارغبات دفينة في الايذاء والاخفاء لكنه مجرد خيال يعمل على خلق ما هوغير موجود وغير معقول ثم يبهره ويزينه ويحسن نكهته ليبدو معقولا وموجودا عند مستمعين متعطشين فهو والحالة هذه وصفة مجربة وناجحة لانه يقدم خدمات نفسية مجانية لمن يحتاجونها ومن هو أكثر حاجة من المكبوت عاطفيا الى قصة حب تبل ريقه ليفرح ويتفاءل ان كانت نهايتها سعيدةأو يسكت ويتعزى حين يسمع عمن يشاركه الهموم ذاتها .
ان التوهم والتأليف الخيالي حاجة ماسة للمجتمعات البدائية فانت ان ضجرت اليوم تذهب الى السينما او المسرح او تقرأ كتابا او تكتفي بالتلفزيون لكن ماذا يفعل بضجره وكبته من ليس عنده غير الرمل دوما وضوء القمرأحيانا وبينهما تقاليد أكثر قسوة من الجلاميد .
وقبل ان نخوض في تفاصيل أكبركذبة جميلة اخترعها الرواة العرب دعونا نتذكر ان القصص الواقعي لا يصلح لشحذ الخيال وان القصة المتوهمة تحتاج الراوي اكثر من حاجة الراوي للقصة فما بين الخيال والواقع مساحة وهم استولى عليها الرواة وحرروها وحولوها الى واحات سياحة روحية يقصدهم الناس من أجلها فالراوي الجيد في هذه الواحات ليس من يصدق وينقل التفاصيل بدقة بل من يخترع ويضيف ويسربل الحقائق بالاوهام التي يدرك ان حاجة مستمعيه اليها كحاجة القمح للمطر .
وانطلاقا من هذه الخلفيات فاننا لا نؤذي التراث العربي ولا نحاربه حين نقول ان حكاية مجنون ليلي أكبر كذبة اخترعها الرواة بل نضع القصة في سياقها الصحيح فهي في الحكم النهائي -ومهما تأسينا لصاحبها وصاحبتها - محصلة وهم جماعي اخترعه البدو ليرطبوا به جفاف الصحراء وليعزوا أنفسهم بالايحاء ان كل مصيبة تهون أمام فقدان الحبيب فنحن هنا مع شكل من اشكال التطهر الاغريقي الذي يغسل ضمائر البشر باغراقهم بالتراجيديا .
وكما اكثر الاغريق من المسرحيات التراجيدية أكثر العرب من قصص الحب المحطم والتعيس والمنكود الى درجة انك لا تجد قصة حب واحدة بنهاية سعيدة وان سالت نفسك لماذا يوجد العذول في كل قصة حب و في واحدة من كل ثلاث من اغاني الحب عندنا على الأقل فسوف تجيبك تلك النفس الحلوة الذكية ان تلك الظاهرة نشأت لاننا مجتمعات تقف ضد الحب وتضع في وجهه الحراس والبوابات والاسوار وكل ما يكرهه محمد عبده في واحدة من اجمل اغانيه التي تلعب على هذه الاوتار المعروفة في النفس العربية.
ان قصة قيس بن الملوح مع ليلى العامرية لا يمكن تفسيرها الا بهذه الحاجة الجماعية للتطهر النفسي وكل من يقرأ اخباره بدقة يكتشف –وان لم يكن من اصحاب الخبرة بالبحث العلمي- تناقضها وعدم اتساقهاوهي مشكلة شغلت من قبلنا فاضطروا لوضعها في اطار الصحيح والمنحول لان مناهج دراسة علم النفس لم تكن قد وجدت لتساعدهم على فهم الغنى العاطفي في تلك النصوص وحاجة المجتمعات اليها كشكل من اشكال العزاء في وجه التصحر العاطفي فالبشر ايضا يتصحرون ويجفون وتقل المساحات الخضراء في قلوبهم حين لا يحبون ولا يجدون حولهم من يحب او يحكي عن الحب ولو من باب التحذير و التراجيديا .
شكوك ابن الكلبي
اول مشاكل قيس ليلى ان الرواة لا يتفقون على اسمه فهو تارة قيس واخرى مزاحم وثالثة معاذ ورابعة مهدي والشك بوجوده قائم منذ عصره فابن الكلبي يشير صراحة الى وضع القصة حين يقول :أخبروني ان حديث المجنون وشعره وضعهما فتى من بني امية كان يهوى ابنة عم له وكان يكره ان يظهر ما بينه وبينها فقال تلك الاشعار ونسبها للمجنون.
وعلى خلاف من جلس ليخبروه فان هناك من ذهب ليحقق ويتحقق وهو ايوب بن عبادة الذي قال بعد جولة مضنية على مضارب العامريين :
سألت بني عامر بطنا بطنا عن مجنون بني عامر فما وجدت احدا يعرفه .
وتطول حكايات من سألوا فخذا فخذا وقلبوها ظهرا لبطن فما وجدوا ما تطمئن اليه عقولهم لكن قلوبهم كانت مطمئنة ومستمتعة بقصائد عاطفية مليئة باللوعة والشجن وحب يرافق الانسان من المهد للحد:
تعلقت ليلى وهي ذات ذؤابة
ولم يبدللأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم ياليت اننا
الى الان لم نكبر ولم تكبر البهم
وهناك من يعتمد بنفي حكايات ليلى والمجنون ليس استنادا الى التناقض بالاسماء وسؤال سكان الحارات و الاحياء بل الى طبيعة القبائل التي ينسبون اليها رقة عاطفية ليست منها ولم تسمع عنها فابن دأب الاخباري يطرق الاناء من جانب اخر ويقول سألت رجلا من بني عامر أتعرف مجنون بني عامر الشاعر الذي قتله العشق؟ فقال :هيهات بنو عامر أغلظ اكبادا من ذلك انما يكون هذا في اليمانية الضعاف قلوبها الصعلة رؤسها فاما نزار فلا .
ونزارهذا الجد الاكبر لقيس وليلى فهم حسب رواية التوهم من قبيلة واحدة من قبائل الاصل النزاري القديم الذي يختلف عن الفرع النزاري الجديد لذي اسسه نزار قباني استاذ علم التوهم والايهام في المسائل العاطفيةوالذي ادرك اكثر من غيره اننا لا نعيش ويستحيل ان نعيش دون حب او وهم حب وان ذلك الحب يظل كبيرا طالما امتلكنا القدرة على عدم تأطيره وتقنينه وتحويله الى فيلم هندي او مصري حيث يعيش الجميع في سبات ونبات ويخلفون البنين والبنات وخير ما يمثل المذهب النزاري الحديث في جعل الحب يرقص حافي القدمين على حد الوهم والترقب قصيدته الذائعة –الى تلميذة -:
قل لي ولو كذبا كلاما ناعما
قد كاد يقتلني بك التمثال
كلماتنا في الحب قتل حبنا
ان الحروف تموت حين تقال
الحب ليس رواية شرقية
بختامها يتزوج الابطال
لكنه الابحار دون سفينة
وشعورنا ان الوصال محال
هو ان تظل على الاصابع رعشة
وعلى الشفاه المطبقات سؤال
هو هذه الايام تسحقنا معا
فنموت نحن وتزهر الامال
ان قصة مجنون ليلى تحقق كل العناصر المطلوبة للحب العربي المشروحة نظما في هذه القصيدة فالوصول محال والنهاية التقليدية مرفوضة والرعشة على الاصابع والشفاه والسفينة تبحر الى ما لانهايةفي بحر لا يحده غير حلم وجنون .
هل تذكرون خاتمة رواية ماركيز (حب في زمن الكوليرا )؟عاشقان يلتقيان اخر العمر على ظهر قارب ويحيط بهما الحرس والطاعون ولا مهرب الا ان تظل السفينة مبحرة الى ما لا نهاية فهذا ما يتمناه كل عاشق حين تكون حبيبته معه اما حين لا تكون كما في حالة قيس وليلى –مجازيا-فلا مانع عند مجتمعات تحت كل خيمةفيها مأساة عاطفية من خلق عشرات الماسي المماثلة للتعويض النفسي فاذا اشتاق احدهم الىارض كان يقابل فيها الحبيبة وحن اليهاحنين الابل الى المرتع الخصب وذهب يتنشق عند اطلالها ريح الحبيب وجد في قصائد قيس الافتراضي ما يعزيه:
أمر على الديار ديار ليلى
اقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا
واذا وجد من يلومه كثيرا على تضييع نفسه في حب يائس محروم وكل انواع الحب بائسة ومحرومة في مجتمعات الكبت سارع الى اقوى الاسلحة ليزعم كما زعم قيس ان الحب اصعب من الجنون وهذه رخصة جاهزة لتفعل ما تشاء كلما زادوا في تبكيتك ولومك فهذا عين ما فعله الراوي العربي الذي تخيل ان ام قيس ذهبت الى ليلى تسالها المساعدة في ان يثوب اليه رشده وبعضعقله فأتته ليلا خوفا من اهلها وقالت له : يا قيس ان امك تزعم انك جننت من اجلي فأتق الله وابق على نفسك فبكى وانشد :
قالت جننت على راسي فقلت لها
الحب أعظم مما بالمجانين
الحب ليس يفيق الدهر صاحبه
وانما يصرع المجنون في الحين
وذا نهشت الغيرة قلب عاشق زوجوا حبيبته من غيره قسرا وجد العزاء عند مجنون سارع ذات
يوم يستوقف زوج حبيبته ليسأل ذلك السؤال الغريب الحزين :
بربك هل ضممت اليك ليلى
قبيل الصبح او قبلت فاها
وطبعا فعل فالرواق الصباحي خلق للقبل ولما هو ابهى واجمل لكن هذا ليس مما يتحدث عنه الازواج ولا المحبين ولا العقلاء اذن لا باس ان يأني السؤال على لسان مجنون اختلطت عليه الامور جاز له كالشعراء ما لا يجوز لغيره .
عشق الاثافي
واذا اضطررت ان تخفي اسرارك وتظهر غير ما تبطن حرصا على من تحب وخوفا على سمعتها وربما حياتها وجدت الجواب هذه المرة عند ليلى وليس قيس فقد وضع رواة الاهام الجميلة على لسانها اشعارا لا باس بها من بعضها قولها لهكذا مناسبة :
كلانا مظهر للناس بغضا
وكل عند صاحبه مكين
تبلغنا العيون مقالتينا
وفي القلبين ثم هوى دفين
وبالمناسبة فان الحالات الوحيدة التي تسامح فيها المجتمع مع خيانة الزوجات مهما كان نوعها-حسية او روحية - كانت مع المجانين والعذريين فليلى العامرية متزوجة وكذلك ليلى الاخيلية ولبنى وبثينة والقائمة تطول وكلهن عاشقات استمرت قصص حبهن بعد الزواج السعيد .
ان الحب عند الاعراب وسواء كان تصحرا عاطفيا عربيا او تطهرا على الطريقة الاغريقية ينهض كالاثفية التي يطبخون عليها على ثلاث قوائم العاشق والمعشوقة والعذول-يا عواذل فلفلوا-ومن شاء ان يقوي اثفيته ويجعل قصته اكثر اثارة يضيف العمود الرابع وهو الزوج وغالبا ما يختاره الرواة ليبهجوا مستمعيهم دميما بخيلا جبانا حتى يظل التعاطف محجوزا كليا للعاشق الجسور :
من ر اقب الناس لم يظفربغايته
وفاز بالطيبات الفاتك اللهج
اذن ليكن العاشق على جنونه فاتكا لهجا مقداما فصيحا ناظما ناثرا وليظل كل ما هو عكس هذه الصفات للزوج العاقل المسكين الذي يدخل القصة مرغما ويفوت المجالس كشخص غير مرغوب فيه –بيرسونا ننا كراتا-ففي سهرات السمر على ضوء القمر لا تحلو غير احاديث الحب والغرام بين قوم قاوموا جفاف الطبيعة وقتامة التقاليد بالقفز الى منطقة التوهم العاطفي حيث كل شئ في حكم المباح حتى يدرك شهرزاد الصباح وتنام غرائز المحرومين على قناعة اننا لسنا في هذا الهم وحدنا ....ألم أقل لكم ان اختراع الحب في مجتمعات تقف ضد الحب حاجة نفسية ماسة و عملية ضرورية مباركةفحين لا ينزل المطر لا ننتحرلكننا نعزى أنفسنا بوفرة العطشى حولنا ونظل نحلم بخرير شلالات رخيم لأنهار طويلة وقصية.
ان التوهم والتأليف الخيالي حاجة ماسة للمجتمعات البدائية فانت ان ضجرت اليوم تذهب الى السينما او المسرح او تقرأ كتابا او تكتفي بالتلفزيون لكن ماذا يفعل بضجره وكبته من ليس عنده غير الرمل دوما وضوء القمرأحيانا وبينهما تقاليد أكثر قسوة من الجلاميد .
وقبل ان نخوض في تفاصيل أكبركذبة جميلة اخترعها الرواة العرب دعونا نتذكر ان القصص الواقعي لا يصلح لشحذ الخيال وان القصة المتوهمة تحتاج الراوي اكثر من حاجة الراوي للقصة فما بين الخيال والواقع مساحة وهم استولى عليها الرواة وحرروها وحولوها الى واحات سياحة روحية يقصدهم الناس من أجلها فالراوي الجيد في هذه الواحات ليس من يصدق وينقل التفاصيل بدقة بل من يخترع ويضيف ويسربل الحقائق بالاوهام التي يدرك ان حاجة مستمعيه اليها كحاجة القمح للمطر .
وانطلاقا من هذه الخلفيات فاننا لا نؤذي التراث العربي ولا نحاربه حين نقول ان حكاية مجنون ليلي أكبر كذبة اخترعها الرواة بل نضع القصة في سياقها الصحيح فهي في الحكم النهائي -ومهما تأسينا لصاحبها وصاحبتها - محصلة وهم جماعي اخترعه البدو ليرطبوا به جفاف الصحراء وليعزوا أنفسهم بالايحاء ان كل مصيبة تهون أمام فقدان الحبيب فنحن هنا مع شكل من اشكال التطهر الاغريقي الذي يغسل ضمائر البشر باغراقهم بالتراجيديا .
وكما اكثر الاغريق من المسرحيات التراجيدية أكثر العرب من قصص الحب المحطم والتعيس والمنكود الى درجة انك لا تجد قصة حب واحدة بنهاية سعيدة وان سالت نفسك لماذا يوجد العذول في كل قصة حب و في واحدة من كل ثلاث من اغاني الحب عندنا على الأقل فسوف تجيبك تلك النفس الحلوة الذكية ان تلك الظاهرة نشأت لاننا مجتمعات تقف ضد الحب وتضع في وجهه الحراس والبوابات والاسوار وكل ما يكرهه محمد عبده في واحدة من اجمل اغانيه التي تلعب على هذه الاوتار المعروفة في النفس العربية.
ان قصة قيس بن الملوح مع ليلى العامرية لا يمكن تفسيرها الا بهذه الحاجة الجماعية للتطهر النفسي وكل من يقرأ اخباره بدقة يكتشف –وان لم يكن من اصحاب الخبرة بالبحث العلمي- تناقضها وعدم اتساقهاوهي مشكلة شغلت من قبلنا فاضطروا لوضعها في اطار الصحيح والمنحول لان مناهج دراسة علم النفس لم تكن قد وجدت لتساعدهم على فهم الغنى العاطفي في تلك النصوص وحاجة المجتمعات اليها كشكل من اشكال العزاء في وجه التصحر العاطفي فالبشر ايضا يتصحرون ويجفون وتقل المساحات الخضراء في قلوبهم حين لا يحبون ولا يجدون حولهم من يحب او يحكي عن الحب ولو من باب التحذير و التراجيديا .
شكوك ابن الكلبي
اول مشاكل قيس ليلى ان الرواة لا يتفقون على اسمه فهو تارة قيس واخرى مزاحم وثالثة معاذ ورابعة مهدي والشك بوجوده قائم منذ عصره فابن الكلبي يشير صراحة الى وضع القصة حين يقول :أخبروني ان حديث المجنون وشعره وضعهما فتى من بني امية كان يهوى ابنة عم له وكان يكره ان يظهر ما بينه وبينها فقال تلك الاشعار ونسبها للمجنون.
وعلى خلاف من جلس ليخبروه فان هناك من ذهب ليحقق ويتحقق وهو ايوب بن عبادة الذي قال بعد جولة مضنية على مضارب العامريين :
سألت بني عامر بطنا بطنا عن مجنون بني عامر فما وجدت احدا يعرفه .
وتطول حكايات من سألوا فخذا فخذا وقلبوها ظهرا لبطن فما وجدوا ما تطمئن اليه عقولهم لكن قلوبهم كانت مطمئنة ومستمتعة بقصائد عاطفية مليئة باللوعة والشجن وحب يرافق الانسان من المهد للحد:
تعلقت ليلى وهي ذات ذؤابة
ولم يبدللأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم ياليت اننا
الى الان لم نكبر ولم تكبر البهم
وهناك من يعتمد بنفي حكايات ليلى والمجنون ليس استنادا الى التناقض بالاسماء وسؤال سكان الحارات و الاحياء بل الى طبيعة القبائل التي ينسبون اليها رقة عاطفية ليست منها ولم تسمع عنها فابن دأب الاخباري يطرق الاناء من جانب اخر ويقول سألت رجلا من بني عامر أتعرف مجنون بني عامر الشاعر الذي قتله العشق؟ فقال :هيهات بنو عامر أغلظ اكبادا من ذلك انما يكون هذا في اليمانية الضعاف قلوبها الصعلة رؤسها فاما نزار فلا .
ونزارهذا الجد الاكبر لقيس وليلى فهم حسب رواية التوهم من قبيلة واحدة من قبائل الاصل النزاري القديم الذي يختلف عن الفرع النزاري الجديد لذي اسسه نزار قباني استاذ علم التوهم والايهام في المسائل العاطفيةوالذي ادرك اكثر من غيره اننا لا نعيش ويستحيل ان نعيش دون حب او وهم حب وان ذلك الحب يظل كبيرا طالما امتلكنا القدرة على عدم تأطيره وتقنينه وتحويله الى فيلم هندي او مصري حيث يعيش الجميع في سبات ونبات ويخلفون البنين والبنات وخير ما يمثل المذهب النزاري الحديث في جعل الحب يرقص حافي القدمين على حد الوهم والترقب قصيدته الذائعة –الى تلميذة -:
قل لي ولو كذبا كلاما ناعما
قد كاد يقتلني بك التمثال
كلماتنا في الحب قتل حبنا
ان الحروف تموت حين تقال
الحب ليس رواية شرقية
بختامها يتزوج الابطال
لكنه الابحار دون سفينة
وشعورنا ان الوصال محال
هو ان تظل على الاصابع رعشة
وعلى الشفاه المطبقات سؤال
هو هذه الايام تسحقنا معا
فنموت نحن وتزهر الامال
ان قصة مجنون ليلى تحقق كل العناصر المطلوبة للحب العربي المشروحة نظما في هذه القصيدة فالوصول محال والنهاية التقليدية مرفوضة والرعشة على الاصابع والشفاه والسفينة تبحر الى ما لانهايةفي بحر لا يحده غير حلم وجنون .
هل تذكرون خاتمة رواية ماركيز (حب في زمن الكوليرا )؟عاشقان يلتقيان اخر العمر على ظهر قارب ويحيط بهما الحرس والطاعون ولا مهرب الا ان تظل السفينة مبحرة الى ما لا نهاية فهذا ما يتمناه كل عاشق حين تكون حبيبته معه اما حين لا تكون كما في حالة قيس وليلى –مجازيا-فلا مانع عند مجتمعات تحت كل خيمةفيها مأساة عاطفية من خلق عشرات الماسي المماثلة للتعويض النفسي فاذا اشتاق احدهم الىارض كان يقابل فيها الحبيبة وحن اليهاحنين الابل الى المرتع الخصب وذهب يتنشق عند اطلالها ريح الحبيب وجد في قصائد قيس الافتراضي ما يعزيه:
أمر على الديار ديار ليلى
اقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا
واذا وجد من يلومه كثيرا على تضييع نفسه في حب يائس محروم وكل انواع الحب بائسة ومحرومة في مجتمعات الكبت سارع الى اقوى الاسلحة ليزعم كما زعم قيس ان الحب اصعب من الجنون وهذه رخصة جاهزة لتفعل ما تشاء كلما زادوا في تبكيتك ولومك فهذا عين ما فعله الراوي العربي الذي تخيل ان ام قيس ذهبت الى ليلى تسالها المساعدة في ان يثوب اليه رشده وبعضعقله فأتته ليلا خوفا من اهلها وقالت له : يا قيس ان امك تزعم انك جننت من اجلي فأتق الله وابق على نفسك فبكى وانشد :
قالت جننت على راسي فقلت لها
الحب أعظم مما بالمجانين
الحب ليس يفيق الدهر صاحبه
وانما يصرع المجنون في الحين
وذا نهشت الغيرة قلب عاشق زوجوا حبيبته من غيره قسرا وجد العزاء عند مجنون سارع ذات
يوم يستوقف زوج حبيبته ليسأل ذلك السؤال الغريب الحزين :
بربك هل ضممت اليك ليلى
قبيل الصبح او قبلت فاها
وطبعا فعل فالرواق الصباحي خلق للقبل ولما هو ابهى واجمل لكن هذا ليس مما يتحدث عنه الازواج ولا المحبين ولا العقلاء اذن لا باس ان يأني السؤال على لسان مجنون اختلطت عليه الامور جاز له كالشعراء ما لا يجوز لغيره .
عشق الاثافي
واذا اضطررت ان تخفي اسرارك وتظهر غير ما تبطن حرصا على من تحب وخوفا على سمعتها وربما حياتها وجدت الجواب هذه المرة عند ليلى وليس قيس فقد وضع رواة الاهام الجميلة على لسانها اشعارا لا باس بها من بعضها قولها لهكذا مناسبة :
كلانا مظهر للناس بغضا
وكل عند صاحبه مكين
تبلغنا العيون مقالتينا
وفي القلبين ثم هوى دفين
وبالمناسبة فان الحالات الوحيدة التي تسامح فيها المجتمع مع خيانة الزوجات مهما كان نوعها-حسية او روحية - كانت مع المجانين والعذريين فليلى العامرية متزوجة وكذلك ليلى الاخيلية ولبنى وبثينة والقائمة تطول وكلهن عاشقات استمرت قصص حبهن بعد الزواج السعيد .
ان الحب عند الاعراب وسواء كان تصحرا عاطفيا عربيا او تطهرا على الطريقة الاغريقية ينهض كالاثفية التي يطبخون عليها على ثلاث قوائم العاشق والمعشوقة والعذول-يا عواذل فلفلوا-ومن شاء ان يقوي اثفيته ويجعل قصته اكثر اثارة يضيف العمود الرابع وهو الزوج وغالبا ما يختاره الرواة ليبهجوا مستمعيهم دميما بخيلا جبانا حتى يظل التعاطف محجوزا كليا للعاشق الجسور :
من ر اقب الناس لم يظفربغايته
وفاز بالطيبات الفاتك اللهج
اذن ليكن العاشق على جنونه فاتكا لهجا مقداما فصيحا ناظما ناثرا وليظل كل ما هو عكس هذه الصفات للزوج العاقل المسكين الذي يدخل القصة مرغما ويفوت المجالس كشخص غير مرغوب فيه –بيرسونا ننا كراتا-ففي سهرات السمر على ضوء القمر لا تحلو غير احاديث الحب والغرام بين قوم قاوموا جفاف الطبيعة وقتامة التقاليد بالقفز الى منطقة التوهم العاطفي حيث كل شئ في حكم المباح حتى يدرك شهرزاد الصباح وتنام غرائز المحرومين على قناعة اننا لسنا في هذا الهم وحدنا ....ألم أقل لكم ان اختراع الحب في مجتمعات تقف ضد الحب حاجة نفسية ماسة و عملية ضرورية مباركةفحين لا ينزل المطر لا ننتحرلكننا نعزى أنفسنا بوفرة العطشى حولنا ونظل نحلم بخرير شلالات رخيم لأنهار طويلة وقصية.