كما أنّ العوامل الخارجية تُساهم أيضاً في نفور الجمهور عن الاهتمام بالسياسة ، حيث ذاب كل أصدقاء الشعب السوري وصاروا من الماضي ، إضافةً لجهود عربية ودولية وتركية للتطبيع مع الأسد باعتباره أمراً واقعاً ، مع غياب كامل لأيّ أفق لحل دولي للقضية السورية ، كما أنّ جمود الجبهات والتي لم يتمّ فتحها وتحرير المناطق المغتصبة إلا بقرار إقليمي و دولي أيضاً و ليس للسوريين فيه أي قرار...
لذلك ما نشهده من عودة الجماهير للفعل السياسي في الشمال هو مُؤشّر إيجابي لتغيير أوضاع سلبية وعدم الركون للواقع المرير والمُحبط ، ومن هذا المخاض العسير سيتمّ تجديد شباب الثورة بدخول دماء وعقول جديدة ولفظ كل من تسلّق عليها لتحقيق مآرب و منافع شخصية .
وتُعتبر مسألة فتح معبر أبو الزندين مع مناطق النظام محطة حيوية هامة في هذا الطريق...
لا أعتقد أنّ المنافع أو المضار الإقتصادية هي السبب الرئيسي وراء الرفض الشعبي العارم لفتح هذا المعبر ، لأنّ الجميع يعلم أنّ مافيات المهربين ومنذ سنوات تقوم بتبادل السلع التجارية على جانبي خطوط وقف القتال والأسواق تَعجّ بالبضائع وأهمها الأدوية في الصيدليات والتي تُشكّل الأدوية المهربة من معامل مناطق النظام الركن الأساسي فيها .
ويُدرك المواطن في الشمال أنّ المعابر المفتوحة مع قسد هي معابر مع النظام أيضاً ، لأنّ الأسد وقسد واحد لايتجزأ.
ولا أعتقد أنّ الأتراك الذين يملكون إقتصاداً هو من بين العشرين الأقوى في العالم بحجم ترليون دولار تقريباً سيهمهم طريق ترانزيت تجاري عبر أراضي النظام في مناطق تسيطر عليها ميليشيات متعددة الجنسيات وتمتهن الادإرهاب و صناعة وتهريب المخدرات ، وتركيا تملك خط بحر للتجارة مع الخليج العربي ولو أرادت خطاً برياً لافتتحت منذ سنوات معبر كسب مع النظام ..
لذلك معبر أبو الزندين يجب وضعه في إطاره السياسي لتفهّم مواقف الرافضين لإفتتاحه ومواقف السلطات المحلية الراغبة في افتتاحه...
قد تكون مسألة إفتتاح المعبر شكّلت نقطة للخروج او النهوض من حالة الترهّل والتشتت والسعي لتجميع الرؤى والأهداف وتأطيرها في قوالب تنظيمية ، لأنّ أيّ حراك أو رؤية أو مشروع أو هدف لايتمّ مأسسته سيضيع بالنتيجة ولن بكون أكثر من فورة او هَبّة أو غضبة أو سحابة صيف عابرة..
و كان التمحور حول مسألة إغلاق المعبر كمطلب وطني جامع فتحاً لباب إصلاح سياسي وإداري شامل ، والمطالبة بهدم ( أو تجديد ) كل البنى التقليدية للمعارضة السورية الرسمية التي شاخت وشابت وتجاوزها الزمن.
يخشى الإنسان العادي والمهموم بتأمين لقمة عيشه من نتائج كارثية سياسية تترتّب على تطبيع تركي مع نظام الأسد سيؤدي إلى دخول قوات النظام الى المنطقة ( ومثال ومآلات دخول النظام لحوران حاضرة في العقل الجمعي في الشمال ) ، والتي لم يبقَ غيرها للنزوح إليها ، لكن تُدرِك نخب الحراك في الشمال السوري إستحالة ( أو صعوبة ) ذلك وترى أنّ أفق المصالحة ببن أنقرة ودمشق دونه عقبات جسام لإدراكهم حقيقة الموقف التركي من الأسد والتي لخّصها مؤخراً وزير الدفاع بثلاث نقاط جوهرية للأتراك ومستحيلة التطبيق من قبل نظام الأسد وهي شروط مسبقة لأيّ انسحاب للجيش التركي من سوريا ( والذي هو شرط الاسد الأول ) حيث قال الوزير يشار غولر إنّ كتابة دستور وإجراء إنتخابات حرة ( بمعنى التفاوض مع حكومة سورية جدبدة ) ومحاربة الإرهاب ( بمعنى قضاء الأسد على ميليشيات قسد ) هي شروط تركية جوهرية لايمكن التنازل عنها.
وشروط الأسد المضادة تجعل من امر التطبيع امراً صعباً جداً...
لايجوز لأي سلطة محلية تستمد شرعيتها من قبول الناس بها دون إنتخابات كسلطة أمر واقع تمتلك العنف الشرعي وبعض مؤسسات الدولة الإدارية والتظيمية أن تتجاهل الخيارات السياسية الكبرى للحاضنة الثورية ، ولايجوز لها من برجها العاجي أخذ دور الأب أو الوصي الذي يعلم مصلحة ابناءه أو رعاياه أكثر منهم ، ولا يمكن القبول بوصول رغبة السلطات لإرغام الحاضنة على القبول بفتح المعبر تنفيذاً لوعود سياسية تمّ قطعها في غرف أستانة المظلمة والمغلقة ، ومن المؤكد أن العنف مرفوض من كل الأطراف ولن يجد له طريقا إلى مجتمعنا..
أصبح معبر أبو الزندين قضية عامة وكان فرصة جيدة لتحربك المياه الوطنية الثورية الراكدة لتوحيد الصفوف والإستفادة منه وتحويله من أزمة إلى فرصة لتصحيح المسار.
-----------------
جريدة سوريا الأمل الورقية