أعلنت سوريا في 28 سبتمبر/أيلول 1961 انفصالها عن الجمهورية العربية المتحدة، وذلك في أعقاب انقلاب عسكري قاده عبد الكريم النحلاوي.
وكانت الوحدة قد أُعلِنت في 22 فبراير/شباط 1958 بتوقيع ميثاق الجمهورية المتحدة من قبل الرئيسين السوري شكري القوتلي والمصري جمال عبد الناصر، واختير إثر ذلك الأخير رئيساً والقاهرة عاصمة للجمهورية الجديدة.
غير أن الجمهورية الوليدة سرعان ما عانت خلافات وأزمات لتنهار بعد ذلك بثلاث سنوات فقط، وذلك عقب انقلاب عسكري في دمشق، أُعلِن إثره قيام الجمهورية العربية السورية، بينما احتفظت مصر باسم الجمهورية العربية المتحدة حتى عام 1971 عندما سُميت باسمها الحالي جمهورية مصر العربية.
وتأتي الوحدة بين مصر وسوريا ضمن سلسلة محاولات دول عربية للاتحاد فيما بينها، من ضمنها الاتحاد العربي الهاشمي بين العراق والأردن، واتحاد الجمهوريات العربية بين مصر وسوريا وليبيا في عهد أنور السادات وحافظ الأسد ومعمر القذافي، والجمهورية العربية الإسلامية بين ليبيا وتونس في عهد معمر القذافي والحبيب بورقيبة، إضافة لكثير من المحاولات الأخرى للوحدة، باءت كلها بالفشل نتيجة خلافات وأزمات وانقلابات عسكرية.
بوادر الوحدة
اتّسمت الحقبة الناصرية، والتي استمرت نحو عقدين بدءاً بعام 1952 حتى 1970، بتوهّج مشاعر القومية العربية، والثورة ضد الاستعمار، وتطبيق مبادئ الاشتراكية، إضافة إلى توجّهات وطنية بتأميم الاقتصاد المصري، وتعزيز القوات المسلحة.
وفي هذا الصدد يقول أستاذ العلوم السياسية جورج جبور، أنّه بتوجّه الإدارة المصرية في الخمسينيات، إضافة إلى "الثقل الذي تمثّله مصر في الوطن العربي؛ بشرياً وحضارياً وجغرافياً، اتضح لدينا أن استقطاب الزعامة الناصرية للجماهير العربية في النصف الثاني من الخمسينيات كان أمراً حتميّاً".
واختلف المؤرخون حول بوادر الوحدة، حيث اعتبر البعض أنّها جاءت نتيجة مطالبة مُلحة لمجموعة من الضباط السوريين، في وقت كان فيه قادة حزب البعث العربي الاشتراكي قد قاموا بحملة من أجل الاتحاد مع مصر.
فيما ذهب آخرون أنّ الوحدة نتجت عن توجّه الرئيس المصري بأن يحشد العرب خلفه ضد القوى الاستعمارية العظمى عبر إحداث حالة "تضامن عربي"، وهذا ما يعكسه خطاب عبد الناصر إبّان إعلانه عن الوحدة في 23 فبراير/شباط 1958، حين وصف تلك اللحظة بأسعد لحظة في حياته، مضيفاً أنّه كان دائم النظر إلى سوريا "قلب العروبة النابض.. التي حملت دائماً راية القومية العربية".
ويرى مختصّون في تاريخ سوريا السياسي المعاصر، أنّه مع انتخاب شكري القوتلي للرئاسة في سوريا عام 1955، حُسِم الموقف لمصلحة التيار المنادي بالتعاون والتحالف مع مصر.
مركزية القاهرة وتهميش دمشق
عقد مجلسا النواب المصري والسوري جلسة مشتركة في 18 أكتوبر/تشرين الأول 1957، وأصدرا بياناً بالإجماع دعوا فيه حكومتي البلدين للاجتماع وتقرير الاتحاد بين الدولتين.
وزار وفد عسكري سوري القاهرة سراً خلال شهر يناير/كانون الثاني 1958، دون علم الحكومة السورية مُطالباً بالوحدة الفورية، وتفاوض عبد الناصر وعبد الحكيم عامر طيلة 4 أيام مع الوفد السوري، لينتج عن ذلك اتفاق عام على شروط الوحدة.
وتبع ذلك اجتماع عبد الناصر مع شكري القوتلي، إضافة إلى نخبة من رجال الدولتين المصرية والسورية، وأصدروا بياناً في 22 فبراير/شباط 1958 أعلنوا فيه توحيد القطرين في دولة واحدة تحت اسم "الجمهورية العربية المتحدة"، على أن يكون نظامها السياسي رئاسياً ديمقراطياً.
وأُجري استفتاء شعبي على الوحدة، جرى على إثره انتخاب جمال عبد الناصر رئيساً والقاهرة عاصمةً للجمهورية العربية المتحدة، ووضِع في 5 مارس/آذار 1958 دستور جديد مؤقّت للجمهورية الجديدة، كما أُسس إلى جانب الحكومة المركزية في القاهرة، مجلسان تنفيذيان إقليميان؛ وهما المجلس التنفيذي المصري، والمجلس التنفيذي السوري.
وفي عام 1960 جرى توحيد برلماني البلدين في مجلس الأمة بالقاهرة وأُلغِيت الوزارات الإقليمية لصالح وزارة موحّدة في القاهرة أيضاً.
وجرى اختيار أعضاء مجلس الأمة التشريعي عبر آلية يُعيِّن بموجبها رئيس الجمهورية نصفهم، والنصف الآخر يختاره عبد الناصر أيضاً من بين أعضاء مجلس النواب السابقين في سوريا ومصر.
انهيار الجمهورية الوليدة
يذهب محلّلون إلى أنّ الهيكل السياسي الذي قامت عليه الوحدة تسبّب في حالة تهميش للدور السوري وهيمنة شبه كاملة لمصر، لا سيما أنّ عبد الناصر أهمل مبادئ الفصل بين السلطات حيث كان يتدخل في اختيار أعضاء مجلس النواب، وهو ما يخالف ويتجاوز طبيعة النظام الرئاسي الديمقراطي.
كما ألغى عبد الناصر الأحزاب السياسية كافة، ما أدى إلى جمود في الحركة السياسية السورية التي كانت تتمتّع نسبياً بتعددية حزبية قبل الوحدة.
يُضاف إلى العوامل الهيكليّة السياسية عديد الأسباب التي أدّت إلى نشوب خلافات بين ساسة دمشق والقاهرة إبّان سنوات الوحدة الثلاث، والتي نتج عنها في نهاية المطاف فشل الجمهورية العربية المتحدة وانهيارها السريع.
ويأتي البُعد الجغرافي ضمن أبرز تلك العوامل، حيث لا تمتلك مصر وسوريا حدوداً مشتركةً تسهّل من حركة المواطنين بين البلدين، في وقتٍ وُجد بينهما كيان جديد شديد العداء لهما وهو دولة إسرائيل، إضافة إلى شحّ وسائل النقل الجوي، وساهم ذلك البُعد في هشاشة الروابط بين الشعبين السوري والمصري.
وتسببت المبادئ الاشتراكية الصارمة التي انتهجها عبد الناصر في هضم حقوق عديد من أفراد الطبقة الوسطى في سوريا، وذلك إثر حركة التأميمات للبنوك الخاصة والمعامل والشركات الصناعية الكبرى والتي كانت مزدهرة في مجالات الغزل والنسيج والإسمنت، وأسفر ذلك عن غضب الطبقة الوسطى السورية التي كافح أفرادها طوال سنوات لبناء ثرواتهم الشخصية.
ونتج عن الجوانب السلبية التي خلّفتها الوحدة رغبة الجانب السوري في الانفصال عن الجمهورية العربية المتحدة، وهو ما وقع عقب انقلاب عسكري تبوأ من خلاله عبد الكريم النحلاوي السلطة في دمشق وأنهى الوحدة مع القاهرة.