صحيفة الغارديان البريطانية نشرت التقرير الذي يعد الأول عن المجزرة في ذكراها العاشرة، حيث لقي 700 شخص على الأقل مصرعهم عندما اجتاحت القوات الموالية لبشار الأسد داريا، إذ طرق الجنود الباب تلو الآخر لقتل واعتقال الرجال، والنساء، والأطفال. بينما التجأ الأشخاص الذين أصابهم الذعر إلى أقبية المنازل.
شهود ناجون
ووفقاً للصحيفة فإن 23 مقابلةً أجراها فريق من المحقِّقين والمختصين مع شهود ناجين من المجزرة، معظمهم لا يزال في الداخل السوري، فيما قام فريقٌ من المحققين السوريين والمنحدرين من أصلٍ سوري بتعقُّب الناجين وشهود العيان المتفرقين حول العالم، من أجل تسجيل وتحليل شهاداتهم بمعاونة المجلس السوري البريطاني. وجرى تغيير أسماء بعض المحققين لأسباب أمنية.
ويأمل الفريق أن تستخدم الوكالات الأممية والمؤسسات القانونية الأخرى النتائج التي توصل إليها التقرير في ملاحقة بعض المسؤولين قضائياً، وذلك بعد نشر التقرير اليوم الخميس 25 أغسطس/آب.
وجاء في التقرير: "يسجل التقرير الفظائع المُرتكبة في داريا بناءً على شهادات الشهود والضحايا، مما يساعد في تخليد رواياتهم والاحتفاظ بسجلٍ للأجيال المقبلة. ويكشف هذا أيضاً أن المساءلة والعدالة ما تزالان أموراً بعيدة المنال بالنسبة لأبناء داريا، رغم مرور 10 سنوات وتوافر مجموعة من الأدلة الدامغة. ويشعر العديد من شهود العيان بخيبة الأمل في النظام العالمي، لكنهم قدموا شهاداتهم واسترجعوا الجرائم البشعة التي ارتُكِبَت في داريا على يد حكومتهم. ويرجع السبب إلى قناعتهم بأن قصتهم -الحقيقية- لا تستحق التوثيق فقط، بل قد تساعد في تحقيق العدالة والمساءلة يوماً ما أيضاً".
أسوأ مذبحةٍ منفردة
وكانت أحداث داريا تُعتبر أسوأ مذبحةٍ منفردة في الحرب السورية آنذاك، حيث وصفها نظام الأسد بأنها عملية لمكافحة الإرهاب.
بينما مضت المذبحة دون توثيق تقريباً على المستوى الدولي، باستثناء ذكرها المقتضب في تقريرٍ أوسع من الأمم المتحدة عن سوريا عام 2013، عندما أقرت الأمم المتحدة بارتكاب القوات النظامية جرائم حرب، وقالت إن هناك حاجة لإجراء تحقيقات إضافية.
من جانبها، قالت ياسمين نهلاوي، المتخصصة بالقانون الدولي ومكافحة الجرائم الوحشية: "اخترنا التحقيق في هذه المذبحة، لأنها كانت بداية الانهيار في داريا. إذ شارك الجيش في مناوشات معها من قبل، ودخل المدينة ليطلق النار على المتظاهرين. لكن المذبحة كانت الحدثَ الرئيسي الأول الذي تمخض بعدها عن سلسلةٍ من الحملات الموجهة ضد المدينة، والمذابح الأخرى، والحصار، والقصف".
بينما تذكرت المحققة يافا عمر سماع أصوات القصف من منزلها في وسط دمشق، وقالت: "إذا سمحتم لهذه الجرائم بالحدوث في سوريا، فسيصبح الأمر معتاداً، وسيتكرر في أماكن أخرى. لكن ما يفعله السوريون الآن يمهد الطريق أمام الضحايا في الدول الأخرى حتى يستخدموا الأدوات نفسها للبحث عن العدالة".
هوية المشاركين
من جانبهم أوضح شهود عيان أن نظام الأسد والمتحالفين معه قصفوا أحياء داريا عشوائياً، ليقتلوا ويجرحوا المدنيين خلال الأيام التي سبقت المذبحة.
إذ قال أحد الشهود: "بدأ تصعيد النظام ضد مدينة داريا في أول أو ثاني أيام العيد (19 أو 20 أغسطس/آب). ثم أصبح القصف أسوأ من المعتاد. إذ بدأوا القصف بقذائف هاون وأنواع أسوأ من القصف بأسلحةٍ لا نعرفها، ولها أصواتٌ جديدة على أسماعنا".
وكشف التقرير أن المحققين نجحوا في تحديد هوية المشاركين في الهجمات من القوات الحكومية، والميليشيات الإيرانية، وحزب الله بناءً على أزيائهم وشاراتهم وأسلحتهم. كما حدد الفريق هوية بعض الأفراد المسؤولين أيضاً.
ويسرد التحقيق كذلك تفاصيل تعرُّض المذبحة وتداعياتها لحملة تضليل موجهة، تضمنت أدلةً على قيام مراسلي التلفزيون بالضغط على المدنيين المصابين بجروح خطيرة، وذلك حتى يؤكدوا رواية الحكومة، القائلة إن قوات المعارضة هي المسؤولة عن قتل المدنيين!
بينما قال المحقق أحمد سعيد، الذي نشأ في داريا: "يمكن القول إن جهود إخفاء الحقائق تعتبر أسوأ من المذبحة نفسها".
فيما قال محمد زردة، الذي فقد والده وشقيقه وابن عمه في الهجوم، إن الإدلاء بشهادته ساعده على التنفيس عن بعض ذكرياته الصادمة. وأردف أنه وجد الراحة في الحديث مع السوريين الآخرين، الذين سيفهمون ما مرّ به جيداً.
وأضاف: "أعتقد أن من المهم وجود توثيق رسمي، أو تحقيق يقول إن هذه المجموعات هي المسؤولة عما حدث، وإن بإمكاننا إثبات الأمر. لكن أبناء داريا يدركون هوية المسؤول جيداً".