نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


«اليهود في الكويت».. وقائع وأحـداث تروي تاريخاً وحكايات





تكاد مختلف المصادر، على ندرتها، لا تتفق على تاريخ محدد لقدوم اليهود إلى الكويت، إلا أنه وبالعودة إلى رصد عدد السكان قديماً، طبقاً لما يورده كتاب «اليهود في الكويت .. وقائع وأحداث »، لمؤلفه حمزة عليان، يتبين ان الإحصاء التقديري الذي أعده الجغرافي الفرنسي فيتال كينيه في العام 1890، يقدر عدد الكويتيين بنحو 20 ألف نسمة،من بينهم 50 يهودياً، وهي تكاد تكون الإشارة الوحيدة إلى وجودهم ضمن إحصاءات أو تقديرات عدد السكان.

إن نتائج هذه الإحصائية، التي يوردها الكتاب، الصادر عن منشورات ذات السلاسل- الكويت 212، حتى وإن كانت لا تتعدى كونها مجرد أرقام تقديرية لم تبن وفق أسس علمية، تعطي مؤشراً على تاريخ تواجد اليهود في الكويت، خصوصاً ان الوثائق التاريخية في مراحل لاحقة، تكشف عن تناقض واضح في هذا الخصوص، ففي الوقت الذي يذكر فيه المقيم السياسي البريطاني لويس بيلي، الذي زار الكويت في ذلك العام:
1865م، ان سكانها، بمن فيهم اليهود، يتمتعون بحرية العبادة والشعائر، نجد ان الباحث الكويتي يعقوب يوسف الإبراهيم يذهب إلى القول ان تاريخ إقامة اليهود في الكويت، يعود إلى العام 1776، عندما احتل صادق خان، البصرة، التي أخليت من سكانها وبعضهم من اليهود.
حيث ارتحل قسم منهم شمالاً، ومنهم من قصد الكويت، فاستقروا فيها. ورغم تأكيده ان تاريخ قدومهم إلى الكويت يعود إلى 1776، إلا ان الإبراهيم يتفق مع الرأي القائل إن بعض العوائل منهم، استقرت في نهاية عهد حكم الشيخ صباح جابر الصباح (الحاكم الرابع): (1859-1866)، وأوائل عهد الشيخ عبدالله بن صباح: (الحاكم الخامس للكويت بين عامي: 1866 و1893)، أي في حوالي العام 1860.
زيادة مطردة


غلاف كتاب اليهود في الكويت
غلاف كتاب اليهود في الكويت

شكّلت نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بداية التحولات الجذرية في ما يتعلق بتواجد اليهود في الكويت، فمنذ تلك الفترة أخذت الوثائق والتقارير التاريخية تذكرهم بصورة مستمرة، فمنذ العام 1903 أخذ عددهم بالارتفاع تدريجياً، نتيجة ازدياد حركة الهجرة من البصرة وبوشهر، حيث وصلت إلى الكويت نحو 50 عائلة، ليصبح عددهم نحو 200 فرد. وكان من اللافت ان عددهم لم يكن محل إجماع بين المؤرخين والباحثين والكتاب في مراحل تاريخية مختلفة، فهناك من قال ان عددهم بلغ 100 عائلة.
فيما نقل عن الشيخ عبدالله الجابر الصباح (1900- 1996)، ان عددهم كان نحو 80 أسرة، واتفق أكثر من مرجع على ان عدد أفراد الجالية اليهودية في الكويت، تجاوز 500 شخص، أو نحو 150 عائلة، حتى منتصف القرن العشرين. ومع الحرب العالمية الأولى، كان تواجد اليهود بدأ يأخذ حيزاً مهماً داخل المجتمع المحلي، وكان معظم هؤلاء قادمين من العراق، وتحديداً من البصرة، وهؤلاء هم ممن تمتد جذورهم إلى السبي في العام 586 قبل الميلاد.. فيما النسبة الأقل، قدمت من إيران واليمن. أما سبب تركهم لتلك البلاد فيرجح أنه يعود إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة التي عاشها العراق وبلاد فارس آنذاك، وكان من نتيجتها ان عدد من بقي في البصرة تحديداً، من إجمالي سكانها لم يتجاوز سبعة إلى ثمانية آلاف. كذلك فإن شريحة من هؤلاء قدمت من الهند.
إذ تزامنت أزمة بلاد الرافدين ومحيطها في تلك الحقبة، مع ازدهار اقتصادي بدأت تتضح معالمه في الكويت، مدفوع بالعلاقات التجارية المميزة مع الهند، إذ لعبت شركة الهند الشرقية بوكالاتها في الخليج العربي، دوراً محورياً في تعزيز التجارة عبر الموانئ الواقعة بين شمالي الخليج وبلاد سوريا وآسيا الصغرى ودول شرق آسيا وتحديداً الهند.
 عوامل الاستقرار
وأمام هذه المفارقات الاقتصادية، بدأ اليهود بالتحرك نحو الكويت تدفعهم إلى ذلك عوامل عدة: وجود شريحة من أسلافهم التي وجدت الاستقرار في الكويت على كل المستويات، من ممارسة الشعائر الدينية إلى التسامح والاحتضان من قبل الأهالي. أما السبب الأهم فيبقى حسّهم التجاري.
وبحكم خلفيتهم التجارية، كان من المنطقي ان يتركز تواجد يهود الكويت في منطقة شرق، قرب أسواق الكويت القديمة، سكناً وعملاً، فأطلق على حيهم: فريج اليهود. ولم يعرف ان اليهود قطنوا أي منطقة أخرى بخلاف منطقة شرق حتى بدء تاريخ رحيلهم عن الكويت في ثلاثينات القرن الماضي.
أما بالنسبة لأبرز العائلات والشخصيات منهم، فإن الذاكرة القديمة لم تحتفظ سوى بعدد قليل من الأسماء، ويبدو ان الشخصيات التي اشتهرت في المجال التجاري هي التي بقي اسمها يتردد بين الناس، وكان من هؤلاء التاجر صالح ساسون محلب الذي قدم إلى الكويت في بداية القرن العشرين، كما عُرف من فئة التجار أيضاً ساسون بن ياقوت الذي امتلك دكاناً في سوق اليهود.
وكان منزله بالقرب من منزل الشيخ جابر الصباح، والتاجر من أصل إيراني عزرا علفي، ومنشي إلياهو وعمل في الصرافة والتجارة، كما اشتهر آخر عرف باسم يوسف الكويتي الذي أسس مع أحد تجار الكويت، وبمشاركة أحد اليهود الأفغان، شركة مقاولات. يضاف إليهم بطبيعة الحال، أسرة يعقوب بن عزرا التي كان أبناؤها من اليهود القلائل الذين عملوا في شركة النفط في الأحمدي.
ومن أبرز العائلات اليهودية التي كانت مقيمة في الكويت: الروبين، خواجة، محلب، ساسون، شامون، كوهيل، حزقيل، ساؤول، عزرا، يعقوب، الياهو، جماعة صالح، شاؤول، وصموئيل.. وإنْ بقيت محل شك فيما إذا كانت تنتمي إلى المسيحية أو اليهودية.
 الامتيازات التجارية
وفي عهد الشيخ أحمد الجابر الصباح (1921- 1950) بشكل خاص، امتد النشاط التجاري لليهود ليشمل الامتيازات التجارية، لتشهد تلك العلاقة معهم على المستوى التجاري، مزيداً من التوسع، ولعل أبرز تلك الامتيازات هو منح أحمد الجابر في ديسمبر 1931، شركة داود موشي وموشي حزقيل، وهي شركة عراقية، حق تزويد مدينة الكويت بالكهرباء لمدة 35 عاماً، لكن الاتفاق لم ينفذ بعد إفلاس الشركة.
وقبل ذلك سبق للتاجر عزرا علفي، من أهالي عبدان- كما ورد سابقاً- الحصول من الشيخ أحمد الجابر، على امتياز لشراء مصران الذبائح، بعد ان وقع اتفاقاً مع سكرتير الأمير ملا صالح، مقابل خمسة آلاف روبية، إلا ان المشروع فشل، وأصيب بخسائر قدرت بنحو 50 ألف روبية، ليعود ويحصل عليه تاجر يهودي آخر في العام 1934 يدعى داوود. إذ كان يقوم بجمع الأمعاء من الجزارين ومعالجتها في معمل خاص، وتقسيمها إلى خمسة أقسام، ثم يقوم بتصديرها لاحقاً إلى الولايات المتحدة الأميركية.
ومع التطور والازدهار الاقتصادي الذي عرفته الكويت، أخذت العلاقات التجارية مع اليهود تتوسع أكثر على مستوى القطاع الخاص، وفي الوقت الذي كانت فيه شريحة واسعة منهم تتسيد النشاط التجاري، في العراق عموماً والبصرة بشكل خاص، التي شكلت عمقاً اقتصادياً مهماً للكويت، حظي عدد من هؤلاء التجار بشهرة واسعة، كان من بينهم: الأخوان خضوري وعزرا مير لاوي وكلاء سيارات شفروليه، بويك وجي.أم.سي، والأخوان إبراهيم وشفيق عدس - من ذوي الأصول الحلبية- وكلاء سيارات شركة فورد. ورغم المكانة الاقتصادية التي حظي بها اليهود في بعض المفاصل والقطاعات التجارية.
وما عُرف عن بعضهم من علاقات جيدة مع حكام الكويت وشيوخها، غير ان مقارنة تجربتهم في الكويت إلى سواها من التجارب في دول عربية أخرى ولا سيما العراق، تؤكد حقيقة واحدة، وهي ان الازدهار التجاري الذي عرفوه، لم يتزامن مع أي نفوذ سياسي، فيكاد لم يذكر أي من المصادر عن تولي أحد منهم، لشؤون مرتبطة بالقطاع العام، والواقع أن عدم وصولهم إلى احتلالهم النفوذ السياسي، دعمته عدة تطورات وأسباب مختلفة، حتى ان معظم المصادر لم تشر إلى أي دور سياسي لهم، أو على الأقل لم يتم التطرق إلى الواقع السياسي ليهود الكويت.
وباستثناء ما ورد من ان يهوداً عملوا في وظائف رسمية بريطانية في الكويت، كان من بينهم حزقيل اليهودي، الذي عمل موظفاً بصفة مأمور للبريد والبرق في العام 1931. واليهودي الآخر، عزرا سيما، عمل في شركة نفط الكويت وكانت آنذاك لا تزال تحت السيطرة البريطانية، فإنه بالفعل لم يعثر على أي من حالات اليهود الذين عملوا في وظائف حكومية رسمية خاضعة للسلطات الكويتية.
ويستنتج هذا الواقع السياسي من رد ورد على لسان الشيخ عبدالله الجابر الصباح، حول ما إذا كان اليهود شغلوا وظائف حكومية بالقول: «أبداً كانوا تجاراً ولم يعملوا في الوظائف الحكومية». وهذا الواقع مرده إلى ما يمكن وصفه بغياب أي دور سياسي حقيقي لهم، وفي هذا السياق يمكن التوقف عند نقطتين:
الأولى: ان تقربهم من حكام دولة الكويت وشيوخها، لم يتعد مرحلة التعاون التجاري، حيث اقتصرت العلاقة على بعض الأعمال، التي لم تكن رائجة في الأسواق المحلية، كتصدير المصران، كما ورد سابقاً، وحتى انه في بعض الحالات التي أظهرت وجود علاقات جيدة مع الشيوخ، إلا أنها لم تتح لهم الاستفادة منها أو توظيفها سياسياً والتسلل إلى بعض المناصب».
والثانية: شكلت ممارسات شريحة منهم سواء في تجارتهم بالخمر أو الاحتيال التجاري في بعض الأعمال، جرس إنذار لأهل المجتمع المحلي، ولعل عدم وجود فاصل زمني طويل بين قدومهم ومن ثم ظهور هذه الممارسات، جعل الأضواء مسلطة عليهم، وهي قضايا أسست لشيء من عدم الثقة، فضلاً عن أن غالبية الكويتيين في تلك الحقبة ظلت تنظر إليهم على انّهم كيان غريب.
هجرة
يمكن القول إن هجرة اليهود من الكويت، تمت على مرحلتين أساسيتين، وان كانتا متقاربتين زمنياً، الأولى في العام 1918، مع استلام الشيخ سالم المبارك كرسي الإمارة واتخاذه سلسلة من الإجراءات في ظل تفشي ظاهرة تقطير وتجارة الخمر. أما الثانية، وكانت بصورة أوضح، ففي العام 1930 مع تصاعد ظاهرة الحركة الصهيونية وبدء الحشد للهجرة إلى فلسطين.
 تشدد وإجراءات
تزامن تبدل المزاج الشعبي من اليهود، مع تسلم الشيخ سالم المبارك الصباح (فبراير1917-1921)، مقاليد الإمارة كتاسع حاكم للكويت، والذي عُرف عنه التشدد والتدين، لتشكل هذه الخطوة نقطة التحول في علاقة اليهود بالقيادة السياسية الجديدة، التي أخذت على عاتقها معالجة هذه الظاهرة المتفشية.
وفي هذا السياق، يذكر تقرير المعتمد السياسي، الكولونيل هاملتون (Hamilton)، المحفوظ تحت الرقم I.O R/15/5/180، أنّ «الشيخ سالم مشغول بجملة من الإصلاحات ومن أولياتها استدعاء اليهود الموجودين في الكويت وتحذيرهم»، وبخاصة ممن عملوا في صناعة الخمر والمشروبات الكحولية ووبخهم محذراً من الاستمرار في هذه الصنعة. ومع التسليم بالدور الذي لعبه اليهود في مجال صناعة الخمر والسعي إلى نشرها في المجتمع المحلي، إلا أنّ هذا الواقع قد يكون السبب في هجرة أو رحيل بعضهم، وليس جميعهم، وعلى هذا الأساس، يمكن القول إنّ هجرة اليهود من الكويت دونها أسباب أخرى.
ولعل أبرزها العوامل الاقتصادية المتتالية التي عرفتها تلك الحقبة، وبخاصة اكتشاف اليابان اللؤلؤ الصناعي الذي أحدث هزة عنيفة لاقتصاد المنطقة. كما شكّل الحصار الاقتصادي الذي فرضته بريطانيا على الكويت، بحجة تقديم الشيخ سالم المبارك الصباح يد العون والمساعدة للدولة العثمانية، أحد أوجه معالم تردي الواقع الاقتصادي.
وكان لهذه الخطوة أثرها على اليهود بشكل خاص من منطلقين، الأول ما عُرف عنهم من نزعة تجارية، وما يعنيه الحصار من تأثير على تجارتهم ونشاطاتهم وأعمالهم، وما تولد من شعور محتمل لديهم بإمكان تعرضهم للمضايقة، نظراً لعلاقتهم الوطيدة بالإنجليز. كذلك فإن الواقع المناخي الاستثنائي الذي واجهته الكويت في تلك الفترة، شكل أحد العوامل الطبيعية التي ساهمت في هجرة بعض من اليهود، ففي 8-12-1934، هطلت كمية كبيرة من الأمطار لم توفر المنازل والأسواق، واستمرت لمدة أكثر من أسبوع. وعرف ذلك العام لفداحة النتائج التي تركتها الظروف المناخية، بـ"سنة الهدامة 1934".
استقلال العراق وتعاظم نفوذهم
يبقى العامل السياسي المهم في تلك الحقبة، قيام الدولة العراقية المستقلة عن الإمبراطورية العثمانية، منذ العام 1920، إذ وجد اليهود في تلك الخطوة، مصدر اطمئنان لهم، على خلفية وقائع عدة، أولها العلاقات الوطيدة التي عرف بها الملك فيصل الأول مع شخصيات يهودية والارتياح الذي تركه وصوله إلى الحكم لديهم.
وهو ما تجلى في العديد من المظاهر الاحتفالية التي نظمها اليهود، وعبروا فيها عن سرورهم باستلامه مقاليد الحكم. وكل هذه التطورات السياسية، كانت تترافق مع ازدهار اقتصادي في العراق، ونفوذ متزايد لليهود، وتوجت بتعيين ساسون حزقيل، وزيراً للمالية في العراق في عهد الملك الجديد.
وتعددت الروايات عن تاريخ بدء رحيل اليهود عن الكويت، فمنهم من اعتبر انه في العام 1936، لم يتبق أحد منهم في الكويت، في حين ذهب البعض الآخر إلى القول إن خروجهم النهائي كان في العام 1947. وفي الإجمال، أصاب علاقات اليهود مع محيطهم الكويتي، شي ء من التصدع الاجتماعي.
وما لبث أن أخذ الطابع السياسي يتحكم بهذه العلاقات، لا سيما في مرحلة قيام الثورة الفلسطينية الكبرى في العام 1936، ومطالبة العرب بريطانيا بوقف هجرة اليهود إلى فلسطين، ومنع انتقال ملكية الأراضي إلى اليهود.
وفي خضم هذه التطورات، وصلت إلى الكويت أول بعثة مدرسين من فلسطين، فخرج بعض وجهاء أهل الكويت والشباب والأهالي لاستقبالهم، في مؤشر يعكس تنامي التعاطف القومي داخل الكويت، تجاه القضية الفلسطينية.
ومنذ ذلك الحين، أخذت وتيرة التطورات تتسارع، حيث تردد صدى واقعة إعدام شفيق عدس، أحد أشهر تجار السيارات في العراق، والذي امتلك إلى جانب شقيقه إبراهيم عدس، وكالة سيارات فورد في العراق، على خلفية تعاونه مع الحركة الصهيونية، فترددت أصداء هذه الواقعة بقوة في الكويت.
 هل صدر قرار رسمي؟
أما السؤال الأهم، فيبقى: هل صدر بالفعل، قرار رسمي بطرد اليهود، على غرار بعض الإجراءات التي أعلنت عنها دول عربية عدة؟ الواقع ان الإجابة يكتنفها الكثير من الغموض كما هي الحال في تلك المتعلقة بتحديد تاريخ دقيق لرحيل اليهود عن الكويت. إذ يظهر جلياً، من خلال المراجع والمصادر المختلفة.
وجود روايات وتواريخ مختلفة حول الواقعة نفسها، ومرد هذا الواقع بطبيعة الحال، غياب التوثيق الدقيق، بالنظر إلى الحساسية العربية والكويتية بشكل خاص تجاه المسألة اليهودية وارتباطها بالصراع العربي - الإسرائيلي والتي لا تزال مستمرة، حتى اليوم.
أما حول صدور إجراءات أو قرار رسمي بطردهم، فيبقى محل خلاف بين من يؤكد أن الشيخ أحمد الجابر الصباح أصدر مرسوماً في العام 1947 بطردهم وإبعادهم، بعد أن أدرك خطورة بقائهم، إلا أن هناك من خالف هذا الرأي نافياً بشدة اتخاذ قرار رسمي من هذا النوع، فهناك من يرى أن التاريخ لم يذكر، ولا حتى اليهود ذاتهم يذكرون، أنهم ظلموا في الكويت، لا بل إن الحكومة الكويتية أنصفتهم وعوضتهم عن ممتلكاتهم وسهلت خروجهم، وفي هذا السياق، يوضح يعقوب يوسف الإبراهيم:
«إن ما قيل وشاع وتداول عن تهجير اليهود وطردهم من الكويت لا يقابله مستند أو نص يركن إليه، ولو كان الأمر صحيحاً لأفاضت تقارير المعتمدين البريطانيين بذكر ذلك وهم الراصدون لكل صغيرة وكبيرة ...»، وهناك من ذهب إلى القول انه «لربما قامت بعض الأنظمة العربية بطرد مواطنيها من اليهود من أوطانهم وترحيلهم لإسرائيل غصباً، لكن ذلك لا يسري على الكويت».
 عادات وتقاليد
 أظهر أهل الكويت، لا سيما في البدايات، تقبلاً لليهود. وأظهروا روح التسامح تجاههم، كما هي الحال مع الديانات والمِلَل الأخرى التي كانت متواجدة آنذاك على أرضهم، ويتجلى ذلك في ممارسة هؤلاء لكل شعائرهم الدينية وعاداتهم وتقاليدهم.. حيث كان لهم كنيس خاص. واتخذ يهود الكويت من يوم السبت عطلتهم الأسبوعية. أما رأس السنة عندهم، فيسمونه "روش هشانا".
ويبدأ تقريباً، في مطلع أكتوبر، كما كانوا يصومون يوم كيبور (الغفران)، فيما كان كتاب التوراة عندهم ملفوفاً على قضيبين، أحدهما للفتح والآخر للف، فيما العبارات فيه مكتوبة بالعبرية على رق غزال، في لفافات أسطوانية، وكان الكتاب يوضع في خزائن على الجدار الشمالي باتجاه القدس.
 روايات غريبة
 ترافقت فترة تواجد اليهود في الكويت، مع الكثير من الروايات الشعبية التي بدت في بعض معالمها غريبة، وساهم في إذكائها بقاؤهم بعيداً عن أطياف المجتمع الأخرى، إلى حد أن هناك اعتقاداً كان سائداً بأن اليهود هم من السحرة وغيرها من القصص الأخرى.. ومنها أنّ الأطفال كانوا يتعقبونهم ويقذفونهم بالحجارة مرددين: «عنكريزي بوتيله.. عساه يموت الليلة»..
والتيلة اسم لنوع من أنواع القبعات التي اعتاد الأجانب على ارتدائها قديماً وكان يقال لمن يلبسها أبوتيله. غير أنه يمكن القول إن رفض الكويتيين لهذه الممارسة لا يعني بالضرورة عدم تقبلهم للأديان الأخرى، بقدر ما شعروا بأنها عنوان للترويج والتبشير بدين آخر ومحاولة لإلغاء الهوية العربية الإسلامية. ويبدو ان الطبيعة الانطوائية لليهود، وبقاء علاقاتهم مع أهل الكويت في إطارها العام، باستثناء ما خلا من علاقات بنوها في سياق تعزيز تجارتهم، أرضاً خصبة للكثير من الغموض في علاقتهم المشتركة على المستوى الاجتماعي والتي كادت ان تكون معدومة، باستثناء ما خلا خروج بعض الرجال منهم إلى المقاهي الشعبية.
 شريحتان
 يرى الباحث الكويتي، الدكتور صالح العجيري، ان هناك اختلافاً حول اليهود في الكويت، مشيراً إلى ان البعض يرى أنهم ليسوا كويتيين، إلا أنه يميز بين أولئك الذين قدموا إلى الكويت للعمل في الغوص وبيع بضاعتهم في ساحة الصفاة وغيرها العديد من الأعمال والمهن، ثم يعودون، بعد ان ينتهوا من أعمالهم، إلى وطنهم وهؤلاء برأيه ليسوا كويتيين، وبين من يضع شريحة من تملك منهم العقار من منازل وكانت لهم دكاكين وعاشوا في البلاد مدة طويلة.
 «من العراق»
 لا توافق على التوصيف القاضي بأن اليهود أصلهم من الكويت، العديد من الآراء، بل إن البعض منهم ذهب إلى الرفض المطلق للربط بين اليهود وأهل الكويت، وفي هذا السياق يؤكد الباحث الكويتي والوزير السابق د. يعقوب يوسف الغنيم الذي يقول إنّ اليهود «جاءوا من العراق وعاشوا بين الكويتيين كأنهم منهم، ولكنهم بعد فترة عملوا في الخمر وبيعها وفتحوا محالاً للفساد في الكويت، التي لم تكن تعرف مثل هذه الأمور، وأفسدوا بين الكويتيين الأمر الذي دفع بالسلطات إلى طردهم من الكويت».
---------
البيان


نضال حمدان
الاحد 3 يوليوز 2022