جاء في المعاجم أن الدستور هو القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة، وهو مجموعة المبادئ المنظمة لسلطات الدولة، ولحقوق الحكام والمحكومين وللعلاقات بين مختلف السلطات.
ويقول فقهاء القانون إن قوة الدساتير تقاس بطول الفترة التي مرت عليها دون تعديل، لأن استمراريتها تعني عدم الاعتراض عليها، وكلما زاد عدد التعديلات على دستور فقد قيمته وقوته كأعلى مرجعية يحتكم إليها.
وحرصا على ضمان علويته الدائمة وسموه القانوني والمعنوي يعمل المشرعون من صائغي الدساتير عادة على وضع قواعد وشروط صارمة لأي تعديل في فصول الدستور، حتى لا تطمع أي جهة في تعديله لخدمة مصلحة فرد أو مجموعة على حساب باقي شركاء الوطن.
وفي أغلب الدساتير الغربية تكون التعديلات قليلة ومدروسة ويفرضها عادة واقع جديد مثل تغيير شكل الحكم أو التقسيمات الإدارية والجغرافية، وهي في كل الأحوال تسعى لمزيد تكريس حقوق الفرد في علاقته بالدولة، وتعزيز مبدأ فصل السلطات والرقابة على الحكومات.
لكن التعديلات الدستورية في العالم العربي تكون في غالبها من أجل تكريس سلطة الفرد والتمديد للرئيس أو توريث أبنائه حتى وإن غلفها فقهاء السلاطين بطابع الضرورة المستجدة، وتكون قد مرت عبر المؤسسات التشريعية المنتخبة
مصر.. ملكية عسكرية
وافق البرلمان قبل أيام بأغلبية ساحقة على تعديلات دستورية تتيح للرئيس عبد الفتاح السيسي -الذي وصل للسلطة إثر انقلاب عسكري عام 2013 على رئيسه المنتخب محمد مرسي- البقاء في منصبه حتى عام 2034 بهدوء.
وتضمنت التعديلات المقترحة تمديد دورة الرئاسة إلى ست سنوات بدل أربع، مع الإبقاء على عدم جواز انتخاب الرئيس لأكثر من دورتين متتاليتين، لكنها تضمنت مادة انتقالية تتيح للسيسي فقط بصفته رئيس البلاد الحالي الترشح مجددا بعد انتهاء دورته الثانية الحالية عام 2022 لفترتين جديدتين مدة كل منهما ست سنوات، وهو ما يعني إمكانية استمراره في الحكم حتى عام 2034.
وقد اعتبر معارضو هذه التعديلات الدستورية أنها تعيد "أم الدنيا" إلى العهود السابقة التي كان فيها الرئيس يحكم باسم الثورة أو عبر التمديد والتجديد من خلال الاستفتاء الذي كان يجري بـ "مجلس الشعب" ولكن بعيدا عن إرادة الشعب الحقيقية.
ويقول بعض النشطاء إن التعديلات الجديدة ستجعل من مصر "ملكية عسكرية" خاصة أن من بين التعديلات المقترحة مادة تتعلق بتوسيع صلاحيات الجيش لحماية "مدنية الدولة والحياة الديمقراطية"
الجزائر.. لعبة العهدتين
عندما استلم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة السلطة عام 1999 بعد العشرية السوداء وإثر فوزه بالانتخابات الرئاسية كان الدستور ينص على عهدتين رئاسيتين لكل رئيس تدوم كل واحدة خمس سنوات، ولا يمكنه الترشح بعدهما لولاية جديدة.
لكن عام 2008 -وبعد أن أوشكت عهدته الثانية على الانتهاء- أجرى تعديلا دستوريا ألغى بموجبه المادة التي تحدد الفترات الرئاسية باثنتين فقط، وجعل الترشح للرئاسة مفتوحا وغير مقيد بعدد محدد من العهدات، وقد مكنه ذلك من الترشح بانتخابات 2009 و2014 وكان الفوز كالعادة.
وعام 2016 أجرى بوتفليقة تعديلا دستوريا آخر أعاد بموجبه المادة 74 إلى ما كانت عليه قبل تعديل 2008، أي أن الفترات الرئاسية أصبحت مجددا محددة بعهدتين تدوم الواحدة خمس سنوات ولا يمكن الترشح بعدها.
وقد أفتى له فقهاء للقانون بأن دستور 2016 يجبّ ما قبله مما يعني أن العهدات التي تقلدها بوتفليقة برئاسة الجمهورية قبل 2016 لا تحتسب ولا يسري عليها الفصل الجديد بما يمكنه من الترشح لعهدتين جديدتين.
تونس.. تأبيد دستوري
وقصة التعديلات الدستورية من أجل الفرد بدأت في الوطن العربي مع أواسط القرن الماضي مباشرة مع الرعيل الأول لدولة الاستقلال، حيث فشلت أغلب النخب التي تولت مقاليد السلطة في تكريس علوية الدستور ومبدأ التداول السلمي على السلطة.
ففي تونس صادق مؤتمر الحزب الاشتراكي الدّستوري الحاكم في سبتمبر/أيلول 1974 على لائحة "لمبايعة المجاهد الأكبر الزعيم الحبيب بورقيبة رئيسا مدى الحياة اعترافا بعظيم فضله على الأمّة" وتمّ تحوير الدّستور سنة 1975 على أساس تلك اللاّئحة، دون أن تعرض المسألة على الاستفتاء الشعبي.
وعام 2002 لجأ الرئيس زين العابدين بن علي -الذي انقلب على بورقيبة عام 1987- إلى تعديل الدستور بعد أنهى فتراته الرئاسية الدستورية، فنظم استفتاء شعبيا يلغي حاجز السن بالدستور، وتمكن بمقتضاه من الترشح عام 2004 ثم عام 2009، وكان ينوي إجراء تعديلات جديدة للترشح سنة 2014 لكن الثورة التي اندلعت في ديسمبر/كانون الأول 2010 منعته من إنهاء مخططه.
سوريا.. توريث في دقائق
إثر وفاة الرئيس حافظ الأسد في يونيو/حزيران 2000 قام مجلس الشعب أعلى سلطة تشريعية في البلاد بالتصويت على تعديل دستوري يفتح الطريق أمام بشار نجل الرئيس لاعتلاء سدة الحكم، وقد تمت الموافقة على التعديل بالإجماع خلال دقائق.
وأقر مجلس الشعب بالإجماع جعل سن المرشح للرئاسة 34 عاماً خلال جلسة استثنائية عقدت إثر وفاة الأب لتعديل الدستور بجعل سن المرشح للرئاسة 34 عاما وهو بالضبط سن الأسد الابن.
وتم تعديل المادة 83 لتصبح كالتالي "يشترط فيمن يرشح لرئاسة الجمهورية أن يكون عربيا سوريا متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية متمما الرابعة والثلاثين من عمره" بعد أن كانت "متمما للأربعين من عمره".
وتعد هذه الواقعة السابقة الأولى لتوريث السلطة في دولة يفترض أنها ذات نظام جمهوري بالمنطقة.
السودان.. المؤقت الدائم
يعد الدستور الانتقالي لعام 2005 الساري في السودان منذ التوقيع عليه ضمن بنود اتفاقية نيفاشا بين الحكومة والحركة الشعبية.
فبعد انفصال الجنوب عام 2011 في أعقاب الفترة الانتقالية بستة أعوام، استمر العمل بالدستور الانتقالي وسط مطالبات متكررة بصياغة دستور جديد يتوافق مع المتغيرات الجديدة، لكن الجدل مازال قائما إلى الآن بشأن الدستور الدائم.
وقد مكنت هذه الحالة الدستورية الخاصة من انتخاب البشير رئيسا عام 2010، ثم أعيد انتخابه بعد خمس سنوات لدورة رئاسية تنتهي عام 2020، دون احتساب فترات الحكم الأخرى منذ وصوله السلطة في يونيو/حزيران 1989.
ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي الرئاسي المقرر للسنة القادمة بدأت الأصوات -خاصة من داخل حزب البشير (المؤتمر الوطني)- تنادي بتعديلات دستورية جديدة تمكن من تمديد عهدة الرئيس وتخول البشير الترشح لولاية جديدة، وجمع حزبه الحاكم 294 توقيعا من النواب طالبين تعديل مادة الولاية الرئاسية وجعلها مفتوحة بدل تحديدها بفترتين فقط.
لبنان.. التعديل الموسمي
في أكتوبر/تشرين الأول 1998 أقرت الحكومة تعديلا دستوريا في خطوة تهدف لإعطاء الشرعية لانتخاب قائد الجيش اللبناني العماد إميل لحود رئيسا بعد اتفاق في دمشق بين الرئيس إلياس الهراوي ونظيره السوري حافظ الأسد.
وجاء في التعديل على المادة 49 أنه "لمرة واحدة وبصورة استثنائية يجوز انتخاب رئيس الجمهورية من القضاة أو موظفي الفئة الأولى وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة" وهي فئات كانت ممنوعة من الترشح للرئاسة.
لكن هذا التعديل تكرر ثانية عند انتخاب ميشال سليمان رئيسا خلفا للحود وبعد فترة فراغ رئاسي امتدت حوالي سنة بسبب عدم اتفاق الأطراف السياسية على مرشح جديد، مما جعل عددا من السياسيين والأكاديميين يطالبون بتعديل شامل في الدستور لتجنب التعديلات الموسمية وحتى لا يطغى الاستثناء على القاعدة.