وقال البنتاغون: إن وزارة الخارجية الأمريكية وافقت على البيع المحتمل لنحو 300 صاروخ باليستي تكتيكي معزز التوجيه (أم آي أم-104 إي) لمنظومة الدفاع الصاروخي "باتريوت"، إضافة إلى عتاد داعم وقطع غيار مع تقديم خدمات الدعم الفني للسعودية.
كما أعلن البنتاغون أن وزارة الخارجية وافقت على صفقة محتملة أخرى لبيع 96 صاروخاً لمنظومة "ثاد" للدفاع الجوي ومعدات ذات صلة للإمارات إلى جانب قطع الغيار وتقديم خدمات الدعم الفني.
مقدمات وتحولات
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أعلن بعد لقائه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان بقصر السلام في جدة، في الخامس عشر من تموز/يوليو الماضي، أنه عقد "سلسلة اجتماعات جيدة" مع القيادة السعودية، ما أسفر عن إحراز تقدم كبير على صعيد القضايا الأمنية والاقتصادية".وقال بايدن في مؤتمر صحافي إنه "ناقش مع المسؤولين السعوديين احتياجات الرياض الدفاعية"، بينما أفاد بيان مشترك نشرته وكالة الأنباء السعودية (واس) حينها "أن بايدن أكد التزام بلاده القوي والدائم بدعم أمن السعودية والدفاع عن أراضيها وتسهيل حصولها على جميع الإمكانات اللازمة للدفاع عن شعبها وأراضيها ضد التهديدات الخارجية".
مطالب: ثلاثة مقابل ثلاثة
بين الثالث عشر والسادس عشر من تموز/يوليو ٢٠٢٢، جال الرئيس الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، قبل أن يحط في مدينة جدة حيث عقد قمةً جمعته بدول مجلس التعاون الخليجي وقادة مصر والأردن والعراق، وكان العنوان الأبرز لهذه القمة هو "عودة الشراكة بين الحلفاء لمواجهة المخاطر المشتركة".ثلاثة مطالب أساسية حملها بايدن إلى هذه القمة: الأول زيادة إنتاج النفط لمواجهة النقص الذي تسببت به العقوبات الغربية على صادرات الطاقة الروسية. الثاني عدم توسيع دول المنطقة تعاونها مع كل من روسيا والصين، وخاصة في المجالات العسكرية. أما الثالث فالعمل على تعزيز استقرار أمن المنطقة من أجل تفرغ الولايات المتحدة وحلفائها، خاصة دول الناتو، للمواجهة مع روسيا والصين.
الأول عدم توقيع اتفاق نووي جديد مع إيران بأي ثمن ودون الأخذ بالاعتبار ملاحظات ومخاوف دول الخليج والمنطقة، هذه الملاحظات المتمثلة بضرورة إضافة بندي البرنامج الصاروخي الإيراني وسياسات طهران المزعزعة لأمن الشرق الأوسط. الثاني رفع الحظر الرسمي وغير الرسمي المفروض على صادرات الأسلحة إلى بعض هذه الدول وفي مقدمتها السعودية. أما الثالث فهو تحديد موقف الولايات المتحدة من مستقبل وجودها في المنطقة بما يسمح لدولها بتحديد خياراتها بناء على المواقف والضمانات الأمريكية، خاصة وأن هذه القمة كانت تتزامن تقريباً مع الذكرى السنوية الأولى للانسحاب الأمريكي الفضائحي من أفغانستان.
جني ثمار القمة
للوهلة الأولى بدا أن الأمور بين القادة لم تكن مريحة تماماً في جدة، خاصة مع التعامل غير الودي الذي أبداه ولي العهد السعودي تجاه بايدن، سواء من حيث التصرفات أو من خلال التصريحات، وهو الأمر الذي ستبقى مفاعيله حاضرة حتى مع تغير هذا التصور عن نتائج القمة لاحقاً، إذ ورغم أن النتائج العملية بدأت تظهر بعد أسبوعين، إلا أن ذلك لم يكن على حساب المملكة كما يقول المحلل السياسي بسام بربندي.ويضيف في تعليقه لـ"أورينت نت" على إعلان الولايات المتحدة بيع السعودية صواريخ الباتريوت: في البداية يجب أن يكون واضحاً أن تزامن الإعلان الأمريكي مع إعلان الدول المصدرة للنفط زيادة الإنتاج ليس صدفة، ونحن حتماً أمام صفقة لكنها صفقة متوازنة تعلن عن نهاية حقبة وبداية حقبة جديدة من العلاقات بين الرياض وواشنطن.
ويتابع: نحن أمام قرار أمريكي بتزويد الرياض بمنظومة الصواريخ وليس أمام مرحلة التفكير أو أن واشنطن تدرس القرار، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الثمن المادي الذي دفعته السعودية مقابل هذه الصفقة يبدو منطقياً جداً ويتناسب وقيمة السلاح الذي تحتاجه وستحصل عليه الرياض دون مبالغة، على عكس ما كان يحدث في السابق عندما كانت دول الخليج تشتري أسلحة للتخزين وبقيمة مالية ضخمة لا تتناسب وحاجاتها، الأمر الذي يؤكد أن السعودية والدول الحليفة لها قد تغيرت ولم تعد كما كانت عليه من قبل في تعاطيها مع أمريكا.
خليفة وفي مناقشته لهذه التطورات مع" أورينت نت" ذكّر بالزيارات التي أجراها ولي العهد السعودي إلى الصين، وتحالفه مع روسيا فيما يخص أوبك+ "ما سمح للرياض بتنويع تحالفاتها وجعلها قادرة على أن تقول (لا) لأمريكا وبقوة عندما طلبت منها زيادة إنتاج النفط بعد الغزو الروسي لأوكرانيا" كما يقول.
التصعيد ضد الصين والتلويح ضد إيران
لكن اللافت أيضاً وبقوة أن الإعلان المتزامن عن صفقة الصواريخ الأمريكية وزيادة إنتاج النفط (حتى وإن كان بكميات محدودة الآن) جاء بالتزامن أيضاً مع حدثين مهمين جداً، هما زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي إلى تايوان والتوتر الشديد الذي أحدثته هذه الزيارة بين واشنطن والصين، فيما بدا أنه تأكيد أمريكي على المضي بالمواجهة مع التنين الأحمر رغم أن المواجهة مع الدب الروسي ما تزال مفتوحة، والثانية استئناف مفاوضات إحياء الاتفاق النووي مع إيران في العاصمة النمساوية فيينا.نقطتان يشدد عليهما الكثير من المراقبين، ضمن ما يعتبرونه "إعادة صانع القرار الأمريكي للنظر بسياساته وتقيمه لأهمية منطقة الشرق الأوسط وحلفاء الولايات المتحدة التاريخيين فيها"، حيث ثبت أن استمرار الوجود الأمريكي الفاعل في الإقليم، وإقامة أفضل العلاقات مع هؤلاء الحلفاء، والاستجابة لمطالبهم ومخاوفهم واحتياجاتهم، أمر مهم لواشنطن من أجل كسب التحدي الذي أطلقه قادتها ضد كل من بكين وموسكو.
يأتي ذلك بعد أيام من تقديم بوريل، مسودة اقتراح لطهران وواشنطن في سعي للتوصل إلى تسوية تمكن من إعادة تفعيل التفاهم الذي انسحبت منه الولايات المتحدة عام 2018.
وفي آذار/مارس ٢٠٢٢ بدا الطرفان الأمريكي والإيراني على مقربة جداً من التوصل إلى هذه التسوية، لكن احتجاجات بعض دول الخليج وكذلك إسرائيل، على ما تضمنته المسودة من بنود، والضغط القوي الذي مارستها هذه الدول، لعب دوراً كما يبدو في عرقلته.
وبينما لا تثق تل أبيب بجدوى الإجراءات التقنية المطبقة والمقترحة لمنع طهران من الحصول على قنبلة نووية، تطالب السعودية والإمارات والكويت ومصر والأردن، بتضمين تقييد البرنامج الصاروخي الإيراني وأنشطة الحرس الثوري في أي اتفاق.
وبينما نقلت صحيفة وول ستريت جورنال يوم الأربعاء، عن مصدر مطلع القول إن "إيران وافقت على تنحية مطلبها بإزالة الحرس الثوري من قوائم الإرهاب الأمريكية" قال روبرت مالي في تغريدة له على موقع تويتر: "تطلعاتنا متأنية، إلا أن الولايات المتحدة ترحب بجهود الاتحاد الأوروبي، وهي مستعدة لمحاولة التوصل إلى اتفاق بنية حسنة".
"النية الحسنة لا تكفي" هو الشعار الذي بات الجميع يرفعه بقوة كما هو واضح الآن..فلا إيران تثق بنية أمريكا "الحسنة"، ولا دول الخليج تثق بنية إيران وأمريكا "الحسنة"، ولا أحد على ما يبدو بوارد القبول بأقل من ضمانات حقيقية وخطوات عملية تلبي متطلباته. لذا فإن الحصول على الصواريخ الدفاعية وأخذ ملاحظاتها على مسودة الاتفاق
النووي الجديد بعين الاعتبار، كانت أبرز مطالب السعودية من أجل الموافقة على طلب الولايات المتحدة بزيادة إنتاج النفط، فهل بدأت قمة جدة تؤتي أكلها؟
---------
اورينت نت