دة فتح مكّة!
المقام الأول:
في البدء أخترعت الكتابة لتدوين التراتيل والأناشيد، وتسجيل قرابين الآلهة، وشريعة (الملك ـ الإله) وعقود المبايعة.. وبمرور الأزمنة تحولت اللغة إلى مملكة للشعر والميثولوجيا والقصص والمعجزات وإشاعة الرهبة والرشوة والوعد، ومازالت ليومنا تتحكم بالوعي والخيال الجمعي وتصيغ هوية الناس ومصيرهم.
قبل خمسة آلاف عام من ميشيل فوكو إكتشف كهنة سومر سلطة اللغة ومذذاك وهم يأكلون خبزهم (بعرق وكدح غيرهم) فهم لم يزرعوا ويكدحوا قط بل إكتفوا بصياغة المقدس كوثيقة تعيين إداري ( إلهي) تضمن لهم ولسلالاتهم المباركة نيابة السماء (والثعبان الأقرع ونافخي الصور وسدنة بوابة الإله)
الحداثة هي التي أوقفت (نسبيا) تدخلهم في تاريخ الإنسان، وكفّت يدهم، وتجلت الصورة بإندثار لغتهم "اللاتينية لغة الإكليروس" وولادة لغات جديدة يحكيها ويكتبها الناس. أما نحن العرب فحافظنا بعزيمة لاتضاهى على لغة الأميين وموروثها الذي يحكمه يهوى إله العصر الأسطوري لبني إسرائيل! في هذه اللغة السجينة ( بوهم الماضي) والسجّانة ( للعقل الحر) مازلنا نسكب وعينا التاريخي.. لهذا ولأسباب أخرى تتعثر معظم كتاباتنا.
اللغة العربية لم تكبلنا بقواعدها المعقدة وبأفعالها الرباعية من طراز: إحرنجم وإذلوّع، بل تحجب عنا الضرورة والحاجة والقدرة على إجتراح معجزة الحرية. فالعقل واللغة صنوان وكلاهما أسير لنرجسية القبيلة وفحولتها، والعبد لايعلم أنه عبد
في خضم ثورة المعلومات يبدو لي أننا بدأنا نضيف إلى أميّتنا الأصيلة أميّة جديدة! مع ضرورة التنويه إلى أن لفظ الأميين في السياق العربي الإسلامي يُقصد به: العرب أو الأمم من غير أهل الكتاب، لكنه برأيي أصبح يشمل كل المناطق التي إستعمرتها ( بالعين أو الحاء) اللغة العربية وبسطت عليها نفوذها وبالتالي كل الفضاء اللغوي لمسلمي ومسيحي المشرق والبربر والكورد وصولا لبلاد الأفغان.أميّتنا الأصيلة إرتبطت بسطوة المقدس وهيمنته وقدرته على تثبيت صورة أرثودوكسية بمسامير الموروث الكلامي، مما أدى في المحصلة إلى شلّ مناحي الحياة العقلية الحرة وسُد منافذ الرؤية.
الأمية الجديدة تُولد رويدا رويدا في سيل وطوفان معلوماتي يجرف بمروره أسس المعرفة التقليدية ويعيق بنفس الوقت تشكّل بديل عنها، بسبب عنف جريانه ومنعه ترسب المعرفة في قارورة التجربة الإنسانية ا! فالمعلومة لذاتها وبذاتها وبدون نسق معرفي لاقيمة لها ولاجدوى منها! لأنها جزء من نسيج مفاهيمي أنتجها. وعندما لايُدرك هذا النسيج يتحول إلى ضوضاء وتشويش يخطف ملكة العقل ويستنزف الذاكرة .وأجزم بأن هذا الطوفان المعلوماتي بدأ يغرقنا جميعا في السطحية والتفاهة ويمنعنا من قراءة رواية أو كتاب أو سماع موسيقى ويحبسنا في قمقم عالم إفتراضي كذوات لحظية متوترة وموتورة ترزح تحت وطأة الإنفعال. والأخطر أنه أصبح يحرمنا من لحظات التواصل الحميمي الإنساني السوي. ويفرّغ (النخب المنتجة للمعرفة) ويحوّلها إلى طبول تبحث عن نفسها في محرك جوجل.
المقام الثاني
كثيرا ما أتساءل عن جدوى الكتابة !! ولماذا ولمن يكتب الكتّاب؟بالتأكيد هناك من يفعل ذلك بدافع حرص وألم وهمّ معرفي. وإختصارا وبعيدا فذلكات أساطين الكلام أزعم أن الكتابة تحوّلت أخيرا إلى ترف وإدمان إنترنيتي وفعل يُقترف كالشهوة، وبأحسن الأحوال وظيفة أيديولوجية. أو مجرد إنفعالات ظرفية فاقدة لدفقات الإشعاع وعاجزة عن صياغة رؤى عميقة.
لكن ماجدوى الكتابة حصرا في بلاد لم تنضج فيها فكرة الدولة الحديثة ومبادئ العقد الإجتماعي. كيف وبأية لغة نكتب عن الحرية والحداثة والفن والموسيقى، و الناس لم تبرح سقيفة بني ساعدة بعد، ومازالت تسير في مواكب الخرافة وتكفر بعضها البعض وتحز رؤوس الناصبة حينا والرافضة حينا وتلعن الضالين والمغضوب عليهم ،في ظل هيمنة ثقافة غيبية تحتكر الحقيقة وتختال إنتفاخا وزهوا كاذبا.
هل يمكننا أن نرتقي بهذه اللغة ونشعل شمعة بدل أن نلعن الظلام؟ أجل يمكن ذلك إذا ما بدأ العالم الإسلامي خطوة لتنقيه رأسماله الرمزي من وعثاء القرون! وذلك بعولمة وأنسنة رموزه المقدسة وإخراجها من دكاكين الفقهاء ومضارب البداوة. فالتاريخ هو قطار مشحون بالرموز. وهو الذي يُلقي بظلاله على الحاضر. وهذه لعمري خطوة مهمة يتحدث عنها البعض بخجل ومواربة، من هنا أجد أن فتح نوافذ العقل وتحريره، لن يتحقق بغياب سلطة وإرادة فاعلة قادرة على إعادة حياكة تلك الرموز بما يتلاءم مع فضاء من نسبية الحقيقة. وكخطوة مهمة أجد إقتراح العقيد القذافي مثاليا، إذ أن فتح مدن "التابو" للزوار والدارسين وباحثي الأركيولوجيا وهواة التصوير والفضوليين خطوة جبارة وإشارة لبدء حوار إنساني بين البشر، فعندما تُوصد مكة أبوابها بوجه خمسة أسداس البشرية وتصمهم بالنجاسة والكفر والزندقة! فهي تُغلق أمام المسلمين طريق الغد وتنعتهم بوصمة البربرية والتوحش. فالحداثة هي طريق الإيمان الحقيقي وما دونها وثنية وكفر بواح.
لذا أسمح لنفسي أنا العبد الفقير كاتب السطور بدعم فكرة القذافي، وأن تسرع منظمة العالم الإسلامي (وآل سعود) بإعادة تسليم مفاتيح مكة(رمزيا) لحفيد الدولة العثمانية السيد رجب طيب أردوغان، في إحتفالية خاصة تقام في الحرم المكي. وحبذا لو يُدعى لها شخصيات عالمية مؤثرة كنيلسون مانديلا، دي لاما، فيدل كاسترو، البابا بندكت أو محمود السادس عشر، وخاتمي (وأتعهد شخصيا بدفع تذاكر سفرهم)
فإذا ما وُجدت إرادة حقيقية لإعادة فتح مكة (رمزيا) يمكن للعالم الإسلامي أن يرتقي بنفسه والعالم ويهز عروش الغطرسة والهيمنة الدولية. عندها يمكن للعشاق الجلوس في حدائق مكة وصنعاء والنجف وقم كما يجلس أقرانهم في حدائق الفاتيكان وروما، وأن يقطفوا الورود والنظرات والقبلات واللمسات تحت ضوء الشمس بعيدا عن سيوف التحريم (وظلام الزوايا المعتمة وعقود الوطء والإرغام والتجحيش وبيوت الطاعة)؟ فأمة مكبوتة مهووسة تسجن المرأة ومباهج الحياة هي أمة معتوهة ومعوّقة نفسيا وعقليا وجسديا.
عندها يمكن أيضا تقشير هذه اللغة من أدران الخرافة، لتصبح لغة عفوية تلقائية تعبّر بدقة عن مشاعر وأحاسيس ووجدان الناس وترسم للشباب أحلامهم وفرحهم وغزلهم وهمسات وجدهم؟ ويلهج بها الطلبة والأساتذة في المدارس دون تكلف وحرج. وتُروى بها آخر النكات والطرف والدعابات؟ وتحتضن في جنباتها آلاف مصطلحات علوم البحار والجيولوجيا وغيرها.. عندها فقط تعيش اللغة العربية، ويعيش سيبويه! فلغة تعجز عما سلف ذكره هي أشبه بمومياء. وهنا برأيي تكمن المعضلة، فالكتابة العربية في جوهرها فصام عنيف بين لغة تيولوجيا وتورية ورياء وبديع الكلام وزخرفه. وبين لغة لم تُولد بعد
المقام الأول:
في البدء أخترعت الكتابة لتدوين التراتيل والأناشيد، وتسجيل قرابين الآلهة، وشريعة (الملك ـ الإله) وعقود المبايعة.. وبمرور الأزمنة تحولت اللغة إلى مملكة للشعر والميثولوجيا والقصص والمعجزات وإشاعة الرهبة والرشوة والوعد، ومازالت ليومنا تتحكم بالوعي والخيال الجمعي وتصيغ هوية الناس ومصيرهم.
قبل خمسة آلاف عام من ميشيل فوكو إكتشف كهنة سومر سلطة اللغة ومذذاك وهم يأكلون خبزهم (بعرق وكدح غيرهم) فهم لم يزرعوا ويكدحوا قط بل إكتفوا بصياغة المقدس كوثيقة تعيين إداري ( إلهي) تضمن لهم ولسلالاتهم المباركة نيابة السماء (والثعبان الأقرع ونافخي الصور وسدنة بوابة الإله)
الحداثة هي التي أوقفت (نسبيا) تدخلهم في تاريخ الإنسان، وكفّت يدهم، وتجلت الصورة بإندثار لغتهم "اللاتينية لغة الإكليروس" وولادة لغات جديدة يحكيها ويكتبها الناس. أما نحن العرب فحافظنا بعزيمة لاتضاهى على لغة الأميين وموروثها الذي يحكمه يهوى إله العصر الأسطوري لبني إسرائيل! في هذه اللغة السجينة ( بوهم الماضي) والسجّانة ( للعقل الحر) مازلنا نسكب وعينا التاريخي.. لهذا ولأسباب أخرى تتعثر معظم كتاباتنا.
اللغة العربية لم تكبلنا بقواعدها المعقدة وبأفعالها الرباعية من طراز: إحرنجم وإذلوّع، بل تحجب عنا الضرورة والحاجة والقدرة على إجتراح معجزة الحرية. فالعقل واللغة صنوان وكلاهما أسير لنرجسية القبيلة وفحولتها، والعبد لايعلم أنه عبد
في خضم ثورة المعلومات يبدو لي أننا بدأنا نضيف إلى أميّتنا الأصيلة أميّة جديدة! مع ضرورة التنويه إلى أن لفظ الأميين في السياق العربي الإسلامي يُقصد به: العرب أو الأمم من غير أهل الكتاب، لكنه برأيي أصبح يشمل كل المناطق التي إستعمرتها ( بالعين أو الحاء) اللغة العربية وبسطت عليها نفوذها وبالتالي كل الفضاء اللغوي لمسلمي ومسيحي المشرق والبربر والكورد وصولا لبلاد الأفغان.أميّتنا الأصيلة إرتبطت بسطوة المقدس وهيمنته وقدرته على تثبيت صورة أرثودوكسية بمسامير الموروث الكلامي، مما أدى في المحصلة إلى شلّ مناحي الحياة العقلية الحرة وسُد منافذ الرؤية.
الأمية الجديدة تُولد رويدا رويدا في سيل وطوفان معلوماتي يجرف بمروره أسس المعرفة التقليدية ويعيق بنفس الوقت تشكّل بديل عنها، بسبب عنف جريانه ومنعه ترسب المعرفة في قارورة التجربة الإنسانية ا! فالمعلومة لذاتها وبذاتها وبدون نسق معرفي لاقيمة لها ولاجدوى منها! لأنها جزء من نسيج مفاهيمي أنتجها. وعندما لايُدرك هذا النسيج يتحول إلى ضوضاء وتشويش يخطف ملكة العقل ويستنزف الذاكرة .وأجزم بأن هذا الطوفان المعلوماتي بدأ يغرقنا جميعا في السطحية والتفاهة ويمنعنا من قراءة رواية أو كتاب أو سماع موسيقى ويحبسنا في قمقم عالم إفتراضي كذوات لحظية متوترة وموتورة ترزح تحت وطأة الإنفعال. والأخطر أنه أصبح يحرمنا من لحظات التواصل الحميمي الإنساني السوي. ويفرّغ (النخب المنتجة للمعرفة) ويحوّلها إلى طبول تبحث عن نفسها في محرك جوجل.
المقام الثاني
كثيرا ما أتساءل عن جدوى الكتابة !! ولماذا ولمن يكتب الكتّاب؟بالتأكيد هناك من يفعل ذلك بدافع حرص وألم وهمّ معرفي. وإختصارا وبعيدا فذلكات أساطين الكلام أزعم أن الكتابة تحوّلت أخيرا إلى ترف وإدمان إنترنيتي وفعل يُقترف كالشهوة، وبأحسن الأحوال وظيفة أيديولوجية. أو مجرد إنفعالات ظرفية فاقدة لدفقات الإشعاع وعاجزة عن صياغة رؤى عميقة.
لكن ماجدوى الكتابة حصرا في بلاد لم تنضج فيها فكرة الدولة الحديثة ومبادئ العقد الإجتماعي. كيف وبأية لغة نكتب عن الحرية والحداثة والفن والموسيقى، و الناس لم تبرح سقيفة بني ساعدة بعد، ومازالت تسير في مواكب الخرافة وتكفر بعضها البعض وتحز رؤوس الناصبة حينا والرافضة حينا وتلعن الضالين والمغضوب عليهم ،في ظل هيمنة ثقافة غيبية تحتكر الحقيقة وتختال إنتفاخا وزهوا كاذبا.
هل يمكننا أن نرتقي بهذه اللغة ونشعل شمعة بدل أن نلعن الظلام؟ أجل يمكن ذلك إذا ما بدأ العالم الإسلامي خطوة لتنقيه رأسماله الرمزي من وعثاء القرون! وذلك بعولمة وأنسنة رموزه المقدسة وإخراجها من دكاكين الفقهاء ومضارب البداوة. فالتاريخ هو قطار مشحون بالرموز. وهو الذي يُلقي بظلاله على الحاضر. وهذه لعمري خطوة مهمة يتحدث عنها البعض بخجل ومواربة، من هنا أجد أن فتح نوافذ العقل وتحريره، لن يتحقق بغياب سلطة وإرادة فاعلة قادرة على إعادة حياكة تلك الرموز بما يتلاءم مع فضاء من نسبية الحقيقة. وكخطوة مهمة أجد إقتراح العقيد القذافي مثاليا، إذ أن فتح مدن "التابو" للزوار والدارسين وباحثي الأركيولوجيا وهواة التصوير والفضوليين خطوة جبارة وإشارة لبدء حوار إنساني بين البشر، فعندما تُوصد مكة أبوابها بوجه خمسة أسداس البشرية وتصمهم بالنجاسة والكفر والزندقة! فهي تُغلق أمام المسلمين طريق الغد وتنعتهم بوصمة البربرية والتوحش. فالحداثة هي طريق الإيمان الحقيقي وما دونها وثنية وكفر بواح.
لذا أسمح لنفسي أنا العبد الفقير كاتب السطور بدعم فكرة القذافي، وأن تسرع منظمة العالم الإسلامي (وآل سعود) بإعادة تسليم مفاتيح مكة(رمزيا) لحفيد الدولة العثمانية السيد رجب طيب أردوغان، في إحتفالية خاصة تقام في الحرم المكي. وحبذا لو يُدعى لها شخصيات عالمية مؤثرة كنيلسون مانديلا، دي لاما، فيدل كاسترو، البابا بندكت أو محمود السادس عشر، وخاتمي (وأتعهد شخصيا بدفع تذاكر سفرهم)
فإذا ما وُجدت إرادة حقيقية لإعادة فتح مكة (رمزيا) يمكن للعالم الإسلامي أن يرتقي بنفسه والعالم ويهز عروش الغطرسة والهيمنة الدولية. عندها يمكن للعشاق الجلوس في حدائق مكة وصنعاء والنجف وقم كما يجلس أقرانهم في حدائق الفاتيكان وروما، وأن يقطفوا الورود والنظرات والقبلات واللمسات تحت ضوء الشمس بعيدا عن سيوف التحريم (وظلام الزوايا المعتمة وعقود الوطء والإرغام والتجحيش وبيوت الطاعة)؟ فأمة مكبوتة مهووسة تسجن المرأة ومباهج الحياة هي أمة معتوهة ومعوّقة نفسيا وعقليا وجسديا.
عندها يمكن أيضا تقشير هذه اللغة من أدران الخرافة، لتصبح لغة عفوية تلقائية تعبّر بدقة عن مشاعر وأحاسيس ووجدان الناس وترسم للشباب أحلامهم وفرحهم وغزلهم وهمسات وجدهم؟ ويلهج بها الطلبة والأساتذة في المدارس دون تكلف وحرج. وتُروى بها آخر النكات والطرف والدعابات؟ وتحتضن في جنباتها آلاف مصطلحات علوم البحار والجيولوجيا وغيرها.. عندها فقط تعيش اللغة العربية، ويعيش سيبويه! فلغة تعجز عما سلف ذكره هي أشبه بمومياء. وهنا برأيي تكمن المعضلة، فالكتابة العربية في جوهرها فصام عنيف بين لغة تيولوجيا وتورية ورياء وبديع الكلام وزخرفه. وبين لغة لم تُولد بعد