إذ إن الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، التي تضم مجموعة من دول آسيا الوسطى، والصين، وروسيا، وباكستان، والهند، هو جزء من سياسة إيران "التوجه شرقاً"، وهي التي اكتسبت زخماً جديداً وسط تعثُّر المحادثات النووية مع الولايات المتحدة وصعود القيادة المتشددة تحت قيادة رئيسي. ويقول أليكس فاتانكا، مدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط بواشنطن: إن "الشرق" تسمية خاطئة إلى حدٍّ مَا. فبالنسبة لطهران، هذا يعني تعزيز العلاقات مع روسيا وآسيا الوسطى والهند، في واقع الأمر، يعني أيَّ شخص في العالم باستثناء أوروبا والولايات المتحدة، كحصن ضد الضغط الغربي. لكن أكثر من أي دولة أخرى، تعتمد طهران على الصين كقوة مُوازِنة للولايات المتحدة وأوروبا.
ويقول فاتانكا: "تشكِّل الصين جزءاً كبيراً من السبب الذي يجعل إيران، على الرغم من أنها بلد مصاب اقتصادياً، واثقة جداً ومغرورة للغاية". "وعلينا أن نفترض أن الصين عامل رئيسي في سبب شعور إيران بقدرتها على التغلب على حملة العقوبات". إن طهران ترى في حال انهيار المفاوضات وبقاء العقوبات الأمريكية سارية، أن الصين هي بمثابة عامل مهم للعقوبات وشريان حياة للاقتصاد.
ويقول كيفين ليم -وهو محلل أبحاث رئيسي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة "ماركيت للأبحاث": "تستعد إيران لسيناريو عدم وجود صفقة وتعتقد أن بإمكانها «تحييد» تأثير العقوبات من خلال تكثيف الإنتاج المحلي وزيادة الاكتفاء الذاتي، مع التركيز على أوراسيا والشرق، وخاصة الصين وروسيا". ويضيف ليم: إن سياسة النظر باتجاه الشرق تكتسب قوة جذب في ظل حكم رئيسي والمتشددين، الذين لطالما كانوا لا يثقون في الغرب ويفضلون القيام بأعمال تجارية مع دول أقل فظاظة. لكنه يشير إلى أن هذه السياسة تم اتباعها إلى حد ما خلال إدارة الرئيس السابق حسن روحاني، على الرغم من أنه كان يفضل الاتفاق النووي والعلاقات مع الغرب.
وفي شهر آذار/ مارس، وقّعت إيران والصين اتفاقية إستراتيجية شاملة مدتها 25 عاماً، لم يتم الإعلان عن شروطها المحددة، ولكن يُعتقد أنها تتضمن مجموعة واسعة من الأهداف الاقتصادية والعسكرية الطَّمُوحة. كما وقَّعت البلدانِ اتفاقياتٍ دفاعيةً وأجرتَا تدريباتٍ بحريةً مشتركةً خلال سنوات روحاني.
على الرغم من أن الصين خفضت وارداتها النفطية من إيران بعد أن فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقوبات، وحتى أكثر من ذلك عندما خفضت جائحة "كوفيد-19" الطلب على الطاقة، فإنها لا تزال عميلاً رئيسياً. ويقدر تقرير صادر عن ليم حول العلاقات الإيرانية الصينية، نشره معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، أن الصين استحوذت في عام 2019 على نصف صادرات النفط الإيراني بشكل مباشر، وربما أكثر عَبْر دولة ثالثة. فكان هذا عاملاً حاسماً في مساعدة طهران على تحمُّل ضغوط العقوبات.
الأولوية القُصْوَى
وعلى نطاق أوسع، ترى كل من إيران والصين نفسيهما على أنهما تتحديان الهيمنة الغربية والأمريكية على النظام العالمي. وهذا لا يشمل فقط إصرار الغرب على الالتزام بمعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان، بل يشمل احتكار الدولار الأمريكي تقريباً في المعاملات التجارية العالمية. في الواقع، منظمة "شنغهاي" للتعاون هي إحدى وسائل تحدي الغرب.
إن طهران حريصة على تعميق العلاقات الإيرانية الصينية. فقد قال رئيسي بعد فترة وجيزة من توليه منصبه، بعد حديثه إلى الزعيم الصيني شي جين بينغ: "إن تعزيز التعاون مع الصين من أهم أولويات الحكومة الإيرانية في مجال السياسة الخارجية".
وينقسم المحللون حول ما إذا كانت بكين تشارك طهران حماسها. على الرغم من أنه يُنظر إلى الصين على أنها تميل نحو طهران في صراعها الطويل الأمد مع الولايات المتحدة، إلا أن بكين لم تُشِرْ إلى نفس الحماس مثل طهران للعلاقات الثنائية. ويلاحظ ليم أنه "بشكل أساسي، طبيعة العلاقات بين الصين وإيران غير متكافئة فعندما نتحدث عن الاتفاقيات، نسمع الكثير عن تلك التي تخص إيران أكثر من الصين".
صوَّتت الصين لصالح عقوبات الأمم المتحدة ضد إيران فيعام 2010، وتحت حملة "الضغط الأقصى" التي شنها ترامب، قطعت الصين علاقاتها التجارية مع إيران. ويقول ليم: إن بكين، حتى عام مضى على الأقل، ما زالت تحتفظ بـ 20 مليار دولار من احتياطيات العملات الأجنبية الإيرانية. ومن المحتمل أن تنظر الصين إلى العلاقة على أنها معاملات، كما يقول ليم، بدلاً من النظر إلى إيران كشريك في مقاومة النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة.
فبينما تشتري الصين النفط الإيراني، يقال: إنها تفعل ذلك بخصومات ضخمة، لأن الإيرانيين يائسون للغاية من بيعه. وبدلاً من المنافسة الجادة، غزت الصين السوق الإيرانية التي تضم أكثر من 80 مليون مستهلك. حتى أن إحدى صادراتها إلى إيران تشمل السجاد، وهو المنتج الإيراني التقليدي الرئيسي. لكنَّ هناك حدّاً للمدى الذي يمكن أن تصل إليه العلاقات الاقتصادية. فحتى بعد رفع العقوبات في أعقاب الاتفاق النووي لعام 2015، كانت الشركات الصينية تواجه مشكلة في ممارسة الأعمال التجارية في إيران.
ومن بين عدة أسباب أخرى، طهران لم توقِّع بعدُ على اتفاقيات مجموعة العمل المالي الحكومية الدولية بشأن غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. إلى جانب كوريا الشمالية، وذلك يضع إيران على القائمة السوداء لـ FATF، والتي تحظر فعلياً ممارسة الأعمال التجارية بالدولار أو استخدام غرف تقديم العروض والمناقصات الأمريكية. وما لم تقم إيران بتسجيل الدخول إلى تلك الغرفة، لا يمكن للبنوك الصينية توفير خدمات التمويل والمعاملات اللازمة لاتفاقيات العمل طويلة الأجل. على الصعيد الدبلوماسي، ألقت بكين مسؤولية حلّ أزمة المحادثات النووية على واشنطن.
ومع ذلك، فإن الصين لا تدعم تباطُؤ طهران وتريد منها أن تحترم شروط الاتفاقية. ويقول فاتانكا: إن الصين لا تمنح إيران "شِيكاً على بياض" بشأن برنامجها النووي. في الوقت نفسه، كانت هذه فرصة للصين لتُظهر نفسها كشخص كامل الأهلية بين القوى العالمية، مقارنة بالولايات المتحدة مُبرِزةً فرضية أن: الأمريكيين هم مَن انسحبوا من الصفقة، والإيرانيين هم مَن حافظوا على الاتفاق".
هل هو تشتيت مرحَّب به؟
تتباين مصالح إيران والصين حول قضية الاستقرار في الشرق الأوسط. فقد سعت إيران إلى ادِّعاء أنها قوة إقليمية من خلال رعاية الميليشيات غير الحكومية في جميع أنحاء المنطقة، وتقويض الأنظمة في العراق ولبنان، والمساعدة في إدامة الحروب في سورية واليمن. وفي الخليج، فالشحن البحري مهدَّد ويُعتقد أن إيران وراء هجمات الطائرات بدون طيار على المصافي السعودية. فإيران حريصة على إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة.
القليل من هذا يُعجِب الصين، التي ترى الاستقرار مفيداً للأعمال التجارية. في الواقع، تقدر الصين مظلة الأمن الإقليمي للولايات المتحدة، التي تحمي تدفُّق نفط الخليج إلى الصين مع تحمُّل واشنطن التكلفة، كما يؤكد ليم. ومن ناحية أخرى، يعتقد فاتانكا أن الصين قد تكون مستعدة لتولي دور الولايات المتحدة كضامن إقليمي.
ويشير إلى القواعد العسكرية التي أقامتها الصين على هامش الشرق الأوسط، في باكستان وجيبوتي في القرن الإفريقي، وكذلك المناورات العسكرية التي أجرتها في المنطقة. على أي حال، ما قد يُملِي موقفَ بكين هو تضامُنٌ أقل مع طهران من تقلُّبات علاقاتها مع الولايات المتحدة. فعندما أرادت الصين الحفاظ على علاقات دافئة مع واشنطن، أيدت العقوبات الأمريكية ضد إيران. لكن منذ اندلاع الحروب التجارية في عهد ترامب، كانت بكين أكثر ميلاً للمقاومة. في هذا الصدد، كانت إيران أداة مفيدة.
ويقول ليم: "كلما زاد تشتُّت انتباه الأمريكيين في المنطقة، كان ذلك أفضل للصين، وينطبق الشيء نفسه على روسيا". وتودّ إسرائيل، بالطبع، أن تبذل الصين قُصَارى جُهْدها في الضغط على إيران، لكن ليم يقول: إن قدرتها على التأثير على بكين محدودة للغاية، على الرغم من أن شركاءها الجدد في اتفاقيات "أبراهام" في الخليج قد يمنحونها بعض النفوذ الإضافي. لكن الكثير من الضغط يمكن أن يأتي بنتائج عكسية، من خلال جعل بكين تُفسِّره على أنه تدخُّل غير مناسب في سياستها الخارجية.
ويقترح ليم في تقرير معهد دراسات الأمن القومي: "بدلاً من ثَنْي الصين عن تعزيز العلاقات مع إيران، يجب على إسرائيل بدلاً من ذلك إقناع بكين باستمرار، بصفتها جهة
فاعلة غير حزبية تسعى إلى القدرة على التنبؤ خاصة في التجارة والأعمال الإقليمية، للضغط على إيران لتهدئة سلوكها المزعزع للاستقرار
-------------
هآرتس - نداء بوست
ديفيد روزينبيرغ (هو رئيس وكبير الاقتصاديين والإستراتيجي في مؤسسة روزينبيرغ للأبحاث)