الخبر المهم في خطاب بوتين كان الرسالة الضمنية بأن الحرب الروسية ضد
أوكرانيا لن تنتهي قريبا، وأنه على الروس التعايش مع الحرب التي قال
عنها بوتين إنها تمثل فرصة اقتصادية لهم تفوق التضحيات المطلوبة منهم.
كما اختار بوتين في رسالته التي تتزامن مع الذكرى الأولى لبدء الحرب في
أوكرانيا لتشير إلى أنه ليس لديه فكرة عن كيفية الفوز بالحرب، لذلك
يفضل استمرارها لفترة أطول مادام ليس لديه خيارات أفضل، بحسب المحلل
السياسي ليونيد بيرشيدسكي في التحليل الذي نشرته وكالة بلومبرج للأنباء.
وقبل يوم واحد من خطاب الرئيس بوتين طرح منافسه المحلي القوي الوحيد
ألكسي نافالني رسالة إلى الشعب الروسي والعالم عبر سلسلة من التغريدات
عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر من داخل سجنه في روسيا، قال فيها إن
روسيا ستخسر الحرب. لكن لا نفالني ولا أحد في العالم يعرف كيف ستخسر
روسيا الحرب، تماما كما أن بوتين لا يعرف كيف ستكسبها.
ويقول الكاتب والناشر الروسي المقيم في برلين ليونيد بيرشيدسكي إن
الرسائل المتناقضة عن حالة الأمة الروسية الواردة في خطابي كل من الرئيس
ومنافسه المسجون تكشف عن حالة دولة عالقة بين النصر والهزيمة والشعور
الجماعي بالذنب والشعور الجماعي بالتحدي، وعن اقتصاد أقيم على النموذج
الغربي لكنه أصبح يعتمد بصورة أكبر على الصين، لتتحول روسيا في عهد
بوتين إلى دولة غير قادرة على التخلص من البؤس الذي وضعت نفسها فيه.
وإذا كانت روسيا قد غامرت بشن هجوم كبير خلال الأسابيع القليلة الماضية
كما يقول بعض المحللين العسكريين، فإن هذا الهجوم لم يحقق أي مكاسب
حقيقية باستثناء الاستيلاء على عدة قرى ومدينة باخموت، وهي مكاسب لا
ترقى إلى درجة الإنجاز الذي يمكن أن يتحدث عنه بوتين، باستثناء إقامة
"ممر بري يعتمد عليه" إلى شبه جزيرة القرم التي استولت عليها روسيا من
أوكرانيا في .2014 في الوقت نفسه لم يشر بوتين في خطابه إلى الإخفاقات
العسكرية التي تعرضت لها روسيا في أوكرانيا مما أثار استياء المعلقين
القوميين المتطرفين مثل إيجور جيركين (سترلكوف) أحد أقوى المحرضين على
غزو شبه جزيرة القرم في .2014
وكتب سترلكوف على تطبيق تيليجرام إن بوتين لم "ينطق بكلمة عن الأخطاء
أو الأرقام المسؤولة عنه الحكومة... كل شيء على ما يرام. كل شيء يمضي
بطريقة صحيحة إلخ إلخ. لا شيء يستحق أن نسمعه" في خطاب بوتين. ومما أثار
خيبة أمل سترلكوف أيضا عدم إعلان بوتين عن تعبئة جديدة ولا إعلان اقتصاد
حالة الحرب بما يسمح بإعادة ترتيب أولويات البلاد لخدمة الأهداف
العسكرية.
وفي حين كان حديث بوتين عن الوطنية والدعم الشعبي للحرب كلام روتيني
مكرر فإن لحظة الحقيقة بالنسبة له كانت عندما قال "قلت لكم من قبل"
مخاطبا رجال الأعمال الروس الذين ذكرهم بتحذيره لهم في 2002 بأن أي أصول
سيمتلكونها أو ثروات سيراكمونها في الغرب لن تكون آمنة وستكون عرضة
للمصادرة بسهولة.
وقال بوتين "هذا هو ما حدث بالضبط" مضيفا أن المواطنين الروس العاديين
لا يتعاطفون من المليارديرات الذين خسروا قصورهم ويخوتهم الفارهة التي
صادرتها الدول الغربية.
وبالنسبة "للمحاربين الحقيقيين" في مجتمع الأعمال الروسي بحسب بوتين،
فإن خروج الشركات الغربية من روسيا ستتيح فرصا لا تحصى لهم، مع توفير
موارد مالية حكومية منخفضة التكلفة للشركات الروسية من أجل مساعدتها على
المضي قدما في استغلال هذه الفرص. كما أعلن أن النظام التعليمي الروسي
سيفك ارتباطه بالمعايير الغربية لكي يتمكن من توفير الخريجين الذين
يحتاجهم اقتصاد يعتمد على الذات.
ويرى بيرشيدسكي أن إصرار بوتين على تخصيص الجزء الأكبر من خطابه السنوي
للحديث عن أمور ليست لها علاقة بالحرب في أوكرانيا يستهدف إعطاء انطباع
بأن الأمور تمضي كالمعتاد في ظل الظروف الجديدة الدائمة أو على الأقل
المستمرة لفترة طويلة. فلم يكن هذا خطاب طوارئ، ولم يحاول بوتين ولا
كتاب خطابه جعله تاريخيا، وإنما جعله روتينيا. فبوتين لم يشر بأي شكل
من الأشكال إلى إمكانية وجود حل سلمي لأزمة أوكرانيا، ولا بمعرفته بوجود
اقتراح تسوية من جانب الصين، رغم أنه ربما يعرف بمحتواه بالفعل.
ويختتم بيرشيدسكي تحليله بالقول إن روسيا الحالية المعزولة عن الغرب
والتي تركز على تحقيق الاكتفاء الذاتي من كل شيء واستعادة "أراضيها
التاريخية" والتي تعتبر المعارضين خونة والجيش في حالة عمل مستمرة، هي
الدولة التي يريد بوتين إدارتها. في هذه الدولة كما كان الحال في دول
أوقيانوسيا الخيالية التي رسمها الكاتب البريطاني جورج أورويل في
روايته الشهيرة 1984، تعتبر الحرب الدائمة أمرا طبيعيا في حياة
مواطنيها.
إن حلم بوتين بالتحول إلى إمبراطور في الحرب لن يستمر إذا خسر الحرب،
لكنه لا يتصور إمكانية انتصار أوكرانيا، فهو يؤمن بشدة بتفوق روسيا
وصبر شعبها الأسطوري الذي صمد أمام العدوان الغربي خلال العام الماضي.