علق على ذلك السيناتور روبرت مينينديز (ديمقراطي من نيوجرسي) رئيس لجنة العلاقات الخارجية وذلك خلال مؤتمر عقد الأسبوع الماضي في "كابيتول هيل" أقامته منظمة حقوقية أميركية سورية تعرف باسم "مواطنون من أجل أميركا آمنة وسالمة"، حيث قال: "لست أدري ما هي سياسة الإدارة تجاه سوريا؟ وإنني أقول ذلك على سبيل الانتقاد".
فقد أعلن رئيس لجنة العلاقات الخارجية أمام الملأ أن سياسة إدارته تجاه سوريا من المستحيل أن تفهم، ثم ذكر على وجه الخصوص أنه لا يدري لماذا لم تقم الحكومة الأميركية بأي شيء للوقوف في وجه التطبيع مع نظام الأسد ، بما أن تلك العملية شارك فيها شركاء للولايات المتحدة في المنطقة مثل الأردن ودولة الإمارات العربية المتحدة، وقد سادت حالة الارتباك والتشوش تلك في كلا الحزبين.
وفي المؤتمر ذاته أعلن السيناتور الجمهوري في اللجنة جيمس إي. ريش (من ولاية إيداهو) أنه: "للأسف، يبدو أن هذه الإدارة تغض الطرف عن سعي شركائنا العرب نحو تطبيع العلاقات مع النظام، ومتابعة الترتيبات بشأن الطاقة بما يتعارض مع القانون الأميركي".
إذ خلال الحملة الانتخابية، تعهد مستشار بايدن، أنطوني بلينكن ، الذي أصبح وزير خارجية البلاد اليوم، أمام الجميع، بفرض قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا ، والذي يفرض عقوبات على أية شركة أو دولة تساعد الأسد في إعادة إعمار البلد الذي قام بتخريبه وتدميره، أو في ملء خزينة الدولة لديه، ما لم يتوقف عن ارتكاب جرائمه المتواصلة بحق الإنسانية. ولكن حتى اليوم لم تنفذ إدارة بايدن ذلك مطلقاً، ومع ذلك ماتزال وزارة الخارجية الأميركية تصر على أن هذه هي السياسة الأميركية.
وفي مكالمة هاتفية للإحاطة بتلك الأمور جرت خلال الأسبوع الماضي، ذكر مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأميركية ما يلي: "إننا لا نرضخ لفكرة التطبيع مع الأسد التي يقوم بها الآخرون، بل إننا نعارضها بشدة، ولا تغيير في سياستنا عندما يتصل الأمر بقيامنا بأي شيء بوسعنا أن نقوم به وذلك لمواصلة جهودنا في تحميل الأسد المسؤولية مع مراقبتنا للإجراءات التي تحسن وضع سوريا وهي تسير قدماً".
انقسام داخلي
في الخفاء، كانت الرسالة التي عبر عنها أعضاء مجلس الأمن القومي مختلفة، فقد ذكر مسؤولون في مجلس الأمن القومي حول هذا الموضوع أنه ثمة تغيير فعلي في السياسة، وبأن إدارة بايدن لم تعد تقف فعلياً في وجه مساعي شركائها العرب لإعادة العلاقات مع نظام الأسد، ويبدو أن هذه الرسالة قد وصلت وفهمها المسؤولون في الدول العربية الشريكة للولايات المتحدة بشكل جيد.
ويعلق على ذلك جيمس جيفري الذي شغل منصب المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا أيام إدارة ترامب، فيقول: "أعرف ذلك لأنني سمعت عنه من القادة العرب على أعلى المستويات، حيث ذكروا لي أنهم تلقوا تشجيعاً وضوءاً أخضر ليتقاربوا مع الأسد"، ويضيف: "يبدو أن هنالك انقساماً داخل الإدارة حول هذا الموضوع".
فمثلاً، لم يقم فريق بايدن بأي شيء ليقف ضد مشروع خط الغاز الجديد في المنطقة الذي سيزود شبكة لبنان التي تعاني بالطاقة، بالرغم من أنه سيمر عبر سوريا، لذا، وبدلاً من التلويح على الأقل بالعقوبات أو البحث عن أساليب بديلة لمساعدة لبنان، دافع المسؤولون في الإدارة الأميركية عن هذا المشروع في السر. فإلى جانب قيام هذا المشروع بملء خزينة الأسد، سيقوم في الوقت ذاته بتقويض الأهداف الأميركية الأوسع، ولهذا حذر تقرير جديد صادر عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى من هذا المخطط الذي "سيدمر بصورة أكبر" المساعي الدبلوماسية لدفع رأس النظام نحو التفاوض على حل سياسي لإنهاء الحرب أو لوقف جرائم الأسد وفظائعه.
سياسة ترامب × سياسة بايدن تجاه سوريا
في معظم الأحيان، يلقي مسؤولو بايدن باللوم على إدارة ترامب في ما يخص الوضع الحالي. وهنا لابد أن نؤكد أن سياسة الرئيس السابق دونالد ترامب تجاه سوريا لم تكن جيدة، لكونه أعلن فجأة عن سحب القوات الأميركية من هناك، فناقض نفسه مرتين، ثم إن ترامب وصف سوريا بكل قسوة بأنها ليست أكثر من "رمال ودماء وموت" وبأن كل ما يريده منها هو: "الاحتفاظ بالنفط".
ولكن على الأقل، لم تسمح إدارة ترامب للأسد بشق طريقه للعودة إلى حضن المجتمع الدولي، فإن لم تكن تلك سياسة بايدن الرسمية، فهذا يعني أن السياسة الرسمية فاشلة، وإن كانت تلك سياسة غير رسمية، عندها يتعين على البيت الأبيض أن يعترف بها!
فاليوم أصبحت الهوة بين ما تقوله إدارة بايدن وما تفعله تدمر المصداقية الأميركية، وفي الوقت ذاته، يدعم الخلل الواضح في سياسة واشنطن كلاً من النظام وموسكو وإيران، مع تقويض ما تبقى من ثقل ونفوذ لابد أن يتمتع به الغرب للدفاع عن كرامة الشعب السوري وفاعليته وحقوقه الأساسية.
ثم إن مسؤولي بايدن يقومون في معظم الأحيان باستعراض جهودهم للتفاوض على هدنة محلية لوقف إطلاق النار ولإبقاء ممرات المساعدات الإنسانية مفتوحة، على أنها أمثلة لسعيهم للمحافظة على ما يصفونه بخفض العنف إلى الحدود الدنيا. وخلال الأسبوع الماضي أكد مسؤول رفيع آخر من تلك الإدارة للصحفيين أن عام 2021 كان: "عاماً من أهدأ الأعوام منذ بداية الحرب الأهلية" على حد تعبيره.
لكن ذلك ليس بصحيح، إذ خلال عام 2021 بقي ملايين السوريين في إدلب يحاولون تجنب القذائف وحماية أنفسهم من كوفيد-19 وهم يعيشون تحت أشجار الزيتون. كما تعرضت مدينة درعا لحصار الهدف منه تجويعها، واستمرت معاناة ملايين اللاجئين السوريين في ظل الظروف السيئة التي تعيشها تلك المنطقة، وتعرض آلاف المدنيين الأبرياء للتعذيب والقتل في زنازين الأسد، أي إن الشعب السوري لم ينعم بالهدوء قط، بل لم يعد أحد يسمعه وهو يستغيث طلباً للمساعدة.
واشنطن بوست - موقع تلفزيون سوريا