لقد أسس تشومسكي مدرسة لغوية تعرف بالمدرسة التوليدية التحويلية التي تقوِّض المدرسة السلوكية، فهي مدرسة ترى بوجود منهج توليدي خاص للإنسان وحده، وتعتبر ملكة الإنسان اللغوية قدرةً غريزيةً وفطريةً، بينما المدرسة السلوكية تؤكد نظريةً أن اللغة عادة كلامية قائمة على المثيرات والاستجابات، فاللغة سلوك يستجيب لمثيرات خارجية ويخضع لسلطة البيئة بالدرجة الأولى. ورأى ليونارد بلومفيلد أحد دعاة المدرسة السلوكية، أن عقل الإنسان كورقة بيضاء في بداية الأمر ثم تملؤه البيئة المحيطة به.علل تشومسكي نظريته
وعلل تشومسكي نظريته بقدرة الطفل على اكتساب اللغة بسهولة، إذ إن الطفل يمتلك آلية ضمنية تحوّل ما سمعه إلى نطق، وتركّب المفاهيم اللغوية الخاصة التي لا يمكن شرحها، فهي بنية معطاة مسبقة إلى الطفل، وهذا مما يجعله مختلفا عن الحيوان الذي أجريت عليه تجارب عدة تحاول أن تُنطِقه بكل ما يسمع، وتبين أن الحيوان يفتقد الملكة اللغوية التي يملكها الطفل، ولا يستجيب مثيرات خارجية تجعله ينطق بألفاظ معينة، فالحيوانات لها جهازها الخاص للنطق غير مستجيب للبيئة، فاللغة ليست كما ذهبت إليه المدرسة السلوكية.
وتنسب إلى تشومسكي نظرية النحو الكلي التي تقول إن قدرة الإنسان على تعلم قواعد اللغة موجودة في الدماغ مسبقا، وهناك الخصائص التي تشترك فيها جميع اللغات البشرية. وبناء عليه فإن تشومسكي أشار إلى ثلاثة عوامل في تطور اللغة لدى الفرد: (1) الهبات الوراثية، التي تضع حدودًا للغات التي اكتسبها؛ (2) البيانات الخارجية، التي حولها إلى التجربة؛ (3) المبادئ غير محددة للكليات اللغوية.
وأبطل تشومسكي زعم اللغويين في أن الإنسان مقلد ومحاكي لما سمعه من التراكيب والصيغ اللغوية فقط، دون أن يولد قدرا كبيرا من الجمل لم يسمعها من قبل، بل أكّد أن الإنسان قادر على إبداع الكلمات والمصطلحات والصيغ الجديدة، ويعبر عنها تراكيب غير متناهية. واشتهر بنظرية التحول التوليدي التي هي جزء من النحو التوليدي (generative grammar) الذي يرى أن النحو هو نظام للقواعد التي تولد مجموعة من الكلمات تشكل الجمل النحوية في لغة معينة، وتتضمن عمليات إبداع الجمل الجديدة.
التسلسل الهرمي تشومسكي
وفي علم اللسانيات الحديث ظهر ما يسمى بالتسلسل الهرمي تشومسكي الذي هو من ابتكار هذا العالم اللساني، ويحتوي على طبقات من القواعد النحوية الرسمية، ويفرض بنية منطقية عبر فئات اللغة المختلفة، ويوفر أساسًا لفهم العلاقة بين القواعد النحوية (الأجهزة التي تعدد الجمل الصحيحة داخل اللغات). كل طبقة في هذا التسلسل هي مجموعة فرعية صارمة للطبقة التي فوقه، أي كل فئة متعاقبة يمكن أن تولد مجموعة أوسع من اللغات الرسمية، فهي مجموعات لا حصر لها من سلاسل تتألف من مجموعة منتهية من الرموز أو الحروف الهجائية السابقة، وهذا التسلسل الهرمي وثيق الصلة أيضا بعلم الحاسوب النظري، وخصوصا في نظرية لغة البرمجة، وبناء المجمع، ونظرية الآلي.
وهكذا بعض مساهمات نعوم تشومسكي في هذا العالم العبقري في مجال اللسانيات وآرائه في ظهور اللغة واكتسابها، واتضح لنا ارتباط اللغة الوثيق بفطرة الإنسان الكائن ذو ملكات وهبها الخالق عليه، ومن خلال نظرية النحو التوليدي ونظرية النحو التحولي اللتان من سمة المدرسة التوليدية التحولية، والتسلسل الهرمي “التشومسكي” يستحق فعلا أن يُلقّب تشومسكي بأب علم اللسانيات الحديث.
([1]) ولد أفرام نعوم تشومسكي في عام 1928 في فيلادلفيا، بنسلفانيا، فهو فيلسوف أمريكي ومؤرخ وناقد وناشط سياسي، ويعمل حاليا كأستاذ في علم اللسانيات في قسم اللسانيات والفلسفة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أمريكا.
([2]) هو عالم اللغة الأمريكي الذي عاش بين عام 1887 و1949. وهو من أهم الرائدين في مجال اللغويات البنيوية وقدم منهجا لغويا يقوم على الأسس العلمية اللغوية وينطلق من المذهب السلوكي، ولكن تأثيره تراجع وانحسر بعد أن ظهرت نظرية توليدية لتشومسكي
----------
كونتور.