دول الخليج العربي والعالم الثالث تتمرد على املاءات الغرب
أما الكتلة الثالثة فتتكون من دول غالبيتها تنتمي لما يوصف بالعالم الثالث وهي تسعى لأن تسير على خطى مجموعة عدم الانحياز التي تشكلت بعد سنوات من نهاية الحرب العالمية الثانية وعملت على البقاء بعيدا عن صراعات المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي واستفادت من حالة الثنائية القطبية والتوازن الدولية للحفاظ على استقلالها النسبي وضمان جزء من مصالحها الوطنية.هذه التكتلات تتعزز موازاة مع تصعيد واشنطن ضغوطها وتهديداتها على روسيا وكذلك مع الانكشاف الأوسع نطاقا للأخطار التي يشكلها تحكم طرف واحد أو حفنة صغيرة من دول العالم الغربي في النظام المالي الدولي وحركة التجارة وما يرافق ذلك من اضطراب سلاسل الإمدادات، وزيادة التضخم والمديونية.الحرب الاقتصادية التي يشنها التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة ضد روسيا والتي وصفت في شهر فبراير 2022 بالقنبلة النووية الاقتصادية التي ستدمر إمكانيات حكومة الكرملين وتجبرها على وقف الحرب في وسط شرق أوروبا، تتمخض عنها أضرار جسيمة على الاقتصاد الغربي من تضخم وزيادة مديونية وتعثر في الإنتاج والاستهلاك توازي ما يمس الطرف الآخر، وجزء كبير من دول العالم السائر في طريق النمو تعاني من أزمات كبيرة اقتصادية أساسا، ولكنها في نفس الوقت تجد أنه من أجل الخروج من الدائرة المغلقة للأزمات يجب أن تتحرر من الهيمنة ا على اقتصادها والنهب لثرواتها.في غياب مفاجآت يدخل العالم مرحلة النظام الجديد متعدد الأقطاب.عسكريا
يوم 23 أبريل 2022 قالت صحيفة “فاينانشيال تايمز”، إن تصريحات رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون حول العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، تتناقض مع توقعات “الجبهة الموحدة” للسبعة الكبار، وستثير غضب أوكرانيا.وفي مؤتمر صحفي وخلال تعليقه على تقييمات وكالات المخابرات الغربية لإمكانية مواصلة العملية الخاصة في أوكرانيا حتى نهاية العام وانتصار روسيا، قال جونسون: “إنه لأمر محزن أن هذا احتمال واقعي بالطبع”. ووفقا للصحيفة، تتعارض كلمات جونسون مع خطابه السابق: قبل أسابيع قليلة فقط، حين أعرب عن ثقته في “انتصار” أوكرانيا.
في العاصمة الألمانية برلين عارض نائب المراقب العام للقوات المسلحة الألمانية، ماركوس لوبنثال، تزويد بلاده لأوكرانيا بالأسلحة الثقيلة.
وقال لوبنثال في تصريح لقناة “ZDF” التلفزيونية الألمانية، يوم الأربعاء 20 أبريل: “من أجل إدارة القوات المسلحة الألمانية، وكذلك لتدريب العسكريين الجدد، نحتاج إلى تلك الأسلحة”، مضيفا أن ألمانيا لا تزال بحاجة إلى مركبات قتال مشاة من طراز “ماردر” للوفاء بالتزاماتها المختلفة، بما في ذلك داخل الناتو.
وأشار إلى أن مركبات المشاة “Marder” القتالية التي تطلبها أوكرانيا، يستخدمها الجيش الألماني في التدريب، كما أنه لا يمكن نقلها ببساطة إلى كييف.
وأضاف نائب المراقب العام للقوات المسلحة الألمانية: “عندها لن يكون لدى الجيش الألماني أي شيء لإرسال فرقة إلى قوة الرد السريع التابعة لحلف شمال الأطلسي، إذا احتاجوا إلى الدعم”.
وخلص لوبنتال إلى أن تزويد أوكرانيا بهذه العربات سينعكس سلبا على قدرات الجيش الألماني “وفي النهاية، سيضعف هذا بشكل كبير القدرة الدفاعية لألمانيا”.
تجدر الإشارة إلى أن المستشار الألماني، أولاف شولتز، قال بعد مؤتمر عبر الفيديو بمشاركة زعماء غربيين، إن احتياطيات الجيش الألماني لإمداد أوكرانيا بالأسلحة قد استنفدت في الغالب، لكن كييف يمكنها شرائها من الشركات الدفاعية الألمانية.
في واشنطن يتواصل الحديث الرسمي وفي جزء كبير من وسائل الإعلام من الحديث عن انجازات العسكريين الأوكرانيين مع التركيز على الجانب الإنساني المؤلم للحرب وخسائر كييف والدعم العسكري الذي يجب تقديمه مع إشارات عن تقاعس بعض الدول الغربية كألمانيا وإيطاليا عن مد أوكرانيا بالسلاح والإقدام على وقف استيراد الغاز والنفط من روسيا.
في لندن ويوم الاثنين 25 أبريل حذر مقال بصحيفة “الغارديان” البريطانية من أن الفشل في وقف الحرب الروسية على أوكرانيا ومعاقبة النظام في موسكو -الذي وصفه بالمارق- ستكون له تداعيات باهظة الثمن على الصعيد العالمي بخاصة على الدول الأوروبية.
وقال سيمون تيسدال، معلق الشؤون الدولية بالغارديان في مقاله بالصحيفة، إن انتصار روسيا في حربها على أوكرانيا سينذر بعصر جديد يسوده عدم الاستقرار والتصدع الاقتصادي والمجاعات والاضطرابات الاجتماعية.
وأبرز الكاتب أن هناك تباينا مقلقا في مواقف بعض الدول الغربية والأمم المتحدة بشأن الحرب يشي بضعف التنسيق بين تلك الدول والهيئات الأممية في هذا الإطار.
وقال إن هناك تناقضا مذهلا بين موقف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وموقف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، إذ أطلق غوتيريش مبادرة لوقف الحرب في أوكرانيا على نحو عاجل، وأعلن المتحدث باسمه عزمه على مناقشة خطوات عاجلة لإحلال السلام، وإجراء مباحثات شخصية فورية مع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين في موسكو والأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف.
أما رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون فقد صرح في الوقت نفسه الذي أعلن فيه غوتيريش مبادرته بأن بوتين غير جدير بالثقة، وتساءل: “أنا لا أدري حقًّا كيف يمكن للأوكرانيين الجلوس (إلى طاولة المفاوضات) بسهولة والتوصل إلى اتفاق ما… كيف يمكنك أن تتفاوض مع تمساح عندما تكون ساقك بين فكيه؟”.
وأوضح الكاتب أن هذا التباين الصارخ في المواقف يشي بضعف التنسيق حول أنجع السبل للتعاطي مع الحرب، كما يسلط الضوء على مشكلة أوسع هي تباين بل تعارض المقاربات التي ينتهجها القادة الغربيون تجاه الأزمة والتي تحكمها أحيانا المصالح الذاتية، رغم تأكيدهم لوحدة هدفهم.وذكر إن غضب الدول الغربية الذي أشعله غزو بوتين لأوكرانيا في 24 فبراير الماضي بدأ يتلاشى، شأنه شأن موجة التفاؤل التي أعقبت نجاح أوكرانيا في صد التقدم الروسي نحو كييف.ومع حملة موسكو العسكرية الضخمة والبطيئة في شرقي أوكرانيا، يتنامى الآن القلق من أن الصراع سيكون طويل الأمد وأن الأضرار الاقتصادية والبشرية الهائلة المترتبة عليه قد تكون دائمة وذات بعد عالمي.وأشار الكاتب إلى أن جونسون في تعاطيه مع الأزمة لا ينظر إلى ما هو أبعد من اللحظة الراهنة، حيث صرح بأن المملكة المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) سيواصلان إستراتيجية فرض العقوبات على روسيا وتزويد كييف بالأسلحة. وعلى الرغم من أن جونسون يدعم حرية أوكرانيا واستقلالها، فإنه مثل غيره من قادة الحلف يفتقر إلى خطة مدروسة وطويلة الأمد لتحقيق ذلك.وتساءل الكاتب: ماذا سيحدث لو بدأت القوات الأوكرانية تخسر الحرب؟ ماذا لو انقسمت أوكرانيا أو شارفت على الانهيار؟ مشيرا إلى أن فاتورة الفشل وانتصار بوتين في الحرب ستكون باهظة جدا.وقال إن الأسبوع الماضي يعطي لمحة عن المستقبل القاتم الذي ينتظر البشرية إذا تمكن بوتين من مواصلة حربه من دون رادع، واستمر في التهديد باستخدام الأسلحة النووية والكيميائية مقوضا بذلك ميثاق الأمم المتحدة. فقد بدأت تداعيات الحرب تتكشف، إذ خفض صندوق النقد الدولي بشكل كبير توقعاته للنمو بسبب الصراع، وتوقع تصدع الاقتصاد العالمي وزيادة الديون وحدوث اضطرابات اجتماعية.وختم الكاتب بالقول “لنكن واقعيين، أوكرانيا قد تخسر هذه الحرب، وبوتين قد ينتصر. إذا تخلى الغرب عن مبادئه وقيمه وسمح بحدوث ذلك، فإن الثمن الطويل الأمد الذي ينتظر الجميع سيكون عالمًا جديدا من الألم”.
رهان على الوقت
في موسكو يتمسك الكرملين بشروطه لوقف الحرب ولا يظهر أنه متعجل لإنهائها فيما يعتبره البعض رغبة منه في انتظار زيادة تأزم الدول الغربية اقتصاديا وزعزعة النظام المالي.يوم الجمعة 22 أبريل 2022 أكد نائب قائد قوات المنطقة العسكرية الوسطى في الجيش الروسي، روستام مينيكايف، خلال اجتماع سنوي لاتحاد الشركات المعنية بصناعة الدفاع في مقاطعة سفيردلوفسك، أن المرحلة الثانية من العملية انطلقت قبل يومين، مضيفا: “يكمن أحد أهداف الجيش الروسي في إحكام السيطرة التامة على منطقة دونباس وجنوب أوكرانيا، ما سيتيح إنشاء ممر بري إلى القرم والتأثير على المنشآت الاقتصادية الأوكرانية ذات الأهمية الحيوية”.وأشار مينيكايف إلى أن السيطرة على جنوب أوكرانيا ستمنح روسيا ممرا إضافيا إلى منطقة بريدنيستروفيه ترانسنيستريا، أي جمهورية معلنة ذاتيا ومعترف بها من قبل المجتمع الدولي كجزء من مولدوفا.وتعد هذه المرة الأولى التي تعلن فيها روسيا عن سعيها إلى إحكام سيطرتها على جنوب أوكرانيا بالكامل وليس منطقة دونباس فقط.عضو مجلس العلاقات بين الأعراق التابع للرئاسة الروسية، بوغدان بيزبالكو، ينفي وجود خطة لتقسيم أوكرانيا من خلال السيطرة على المناطق الجنوبية والشرقية التابعة لها.لكنه أكد، في ندوة تلفزيونية، ضرورة أن تواصل موسكو تنفيذ العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا حتى تتمكن من الوصول إلى الحدود الغربية لهذا البلد، لأنه عندها فقط، سيتوقف حلف شمال الأطلسي “ناتو” عن إمداد كييف بالأسلحة والتقنيات العسكرية.العقيد احتياط فيتالي ليتوفكين، أوضح أن هجوم القوات المسلحة الروسية مستمر على طول خطوط المواجهة، لكنها ليست بالسرعة التي يودها الكثيرون، وذلك لأنها تستند إلى “التكتيكات السورية”، عبر “قطع التحصينات وطحنها والمضي قدما”، وفي الوقت نفسه، ضمان أقصى درجات الأمان للأفراد والمعدات، قبل الدخول في عمليات تقطيع الأوصال بين المدن والأقاليم الأوكرانية.ويشير ليتوفكين إلى أن منطقة زاباروجيا أصبحت تخضع بشكل كامل للقوات الروسية، التي دخلت جزئيا إلى منطقة دنيبروبتروفسك. ويتابع أنه بعد السيطرة الكاملة على دونباس، يمكن الذهاب إلى الشرق والجنوب الشرقي والجنوب في أوكرانيا.وحسب رأيه، فإن الجنوب هو ميكولايف وأوديسا، وهما من وجهة النظر العسكرية أهم من كييف، ويجب أن تكون الأولوية في السيطرة عليهما، لأن فيهما قواعد للناتو، والسيطرة عليهما تعني حرمان الحلف و”نظام كييف” من “إمكانيات حيوية”.ويتوقع أن نشهد في المستقبل القريب تقدم القوات الروسية إلى ميكولايف، وفي الوقت نفسه قطع أوديسا، من دون هجوم بري، والاكتفاء باستخدام الصواريخ والمدفعية والطيران.مدير المركز الدولي للتحليل السياسي، دينيس كركودينوف، يرى من جانبه أن التلويح بـ “تقطيع أوكرانيا” يمكن أن يندرج في سياق التكتيكات السياسية المرحلية، وليس الأهداف الإستراتيجية.ويتابع حديثه لمحطة تلفزة: أنه ليس لدى روسيا نية “احتلال أوكرانيا”، بل أن تصبح روسيا مركزا للتأثير، ودولة تؤخذ مصالحها في الاعتبار في واشنطن ولندن والعالم كله، وأن ما يحدث في أوكرانيا هو دليل على أن روسيا مستعدة للعمل بشكل حاسم وحازم.ويضع المتحدث السيطرة على خيرسون في إطار تأمين إمدادات المياه العذبة إلى شبه جزيرة القرم، وليس “انتزاعها” من أوكرانيا، معتبرا إياها إنجازا اقتصاديا قبل أن يكون عسكريا.لكنه لم يستبعد أن تتغير جغرافية الدولة الأوكرانية في مرحلة متقدمة من الحرب، لا سيما بعدما أحرقت كافة الجسور بين روسيا والغرب، وغياب أي حلول وسط بين القطبين حيال الأزمة الأوكرانية.كما لم يستبعد أن تكون ما وصفها بـ”الدراما الأوكرانية” الخطوة الأولى لإحداث توازنات جيوسياسية جديدة تمهد لتشكيل نظام دولي جديد، تضمن فيه روسيا العودة -بالحد الأدنى- إلى حدود حقبة الحرب الباردة.الواقع العالمي الجديد
يوم 21 أبريل 2022 كتاب فياتشيسلاف سوتيرين، في “أوراسيا إكسبرت”، حول الواقع العالمي الجديد الذي يرجح أن تقود إليه العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا.وجاء في المقال: يذكرنا الصراع على أوكرانيا ببداية مرحلة نشطة من النضال من أجل إعادة توزيع الأوراق “أماكن جديدة” في التكوين العالمي للسلطة والثروة، والذي يحدث مرة واحدة كل 100 عام تقريبا، وفقا لمؤرخي الرأسمالية. إن عملية فقدان هيمنة الغرب لم تبدأ بالأمس ولن تنتهي اليوم. فعلى مدى السنوات الخمسين الماضية، انتقلت القوة المهيمنة الأمريكية من أكبر دائن إلى أكبر مدين في العالم. هذا هو أحد الاختلافات الواضحة بين واقع اليوم والحرب الباردة الماضية.الصراع حول أوكرانيا اليوم في قلب المواجهة العالمية، بين ما يسمى البلدان المتقدمة والدول النامية. كانت الولايات المتحدة وأوروبا الأطلسية على مدى سنوات عديدة تستحوذ على موارد البلدان النامية التي كانت تتمتع، في أحسن الأحوال، بوضع شبه سيادي. فقد فرضوا عليها شروطهم من خلال الهيمنة العسكرية والسيطرة على الموارد المالية العالمية.ولكن، إذا بدأت الدول النامية في انتهاج سياسة مستقلة لتعزيز مكانتها في النظام العالمي، وإنشاء نظام تسويات مواز للدولار، فإن هذا يهدد بانهيار نظام الهيمنة الغربية. وبسبب المنافسة المحتدمة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على موارد العالم النامي، سيصبح النظام العالمي أكثر مساواة في هذه الحالة، وبالتالي أكثر عدلا.ويرى المحلل الاستراتيجي لبنك Credit Suisse، ز. بوزار، في تقرير تم توزيعه، أن أزمة السلع العالمية التي سببتها الأزمة الأوكرانية تضعف نظام اليورو دولار، ما يسرع من التضخم في الغرب. وفي رأيه، هذه الأزمة لا يمكن مقارنتها بأي شيء بعد العام 1971، عندما فصلت الولايات المتحدة الدولار عن الذهب. توقعاته: في أعقاب الأزمة، سيضعف الدولار ويتعزز اليوان، وسيؤدي هذا إلى ركود في الاقتصاديات الغربية وتدمير هيمنة اليورو دولار.
تعثر الحظر
يوم 22 أبريل جاء في تقرير نشره موقع الحرة شبه الرسمي الأمريكي:”وجهة غير معروفة”، علامة جديدة أصبحت تحملها شحنات النفط الروسية خلال الأسابيع الأخيرة.يكشف تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنل، أن صادرات النفط من الموانئ الروسية المتجهة إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ارتفعت إلى متوسط 1.6 مليون برميل يوميا في أبريل، اعتمادا على بيانات “تانك تراكر”.وأشار التقرير إلى أن صادرات النفط الروسي كانت قد انخفضت إلى متوسط 1.3 مليون برميل يوميا في مارس، بحسب بيانات “كابلر” البحثية.وتظهر البيانات أن أكثر من 11 مليون برميل تم شحنها في أبريل إلى “وجهة غير معروفة”، ولم تحدد ناقلات النفط مسار رحلتها بشكل دقيق.وعزا التقرير أحد أسباب إخفاء المنشأ لبعض الدول، أنها بحاجة ماسة إلى النفط للحفاظ على استمرار اقتصادها، ومنع ارتفاع أسعار الوقود، لكن الشركات والوسطاء يريدون تداولها ب “هدوء” وتجنب أي رد فعل سلبي لتسهيل المعاملات التي توفر الأموال، والتي بالنهاية ستعود بالإيرادات على موسكو.وقال محللون للصحيفة إن استخدام ترميز “وجهة غير معروفة” مؤشر على نقل النفط إلى سفن أكبر في البحر وتفريغها، إذ يتم خلط الخام الروسي مع حمولة السفن، مما يمكنهم من عدم كشف مصدر الخام الأصلي. وأشاروا إلى أن هذه ممارسة قديمة مكنت دول خاضعة للعقوبات أمريكية مثل إيران وفنزويلا من تصدير النفط.وذكر تجار أنه يتم تداول منتجات خام يطلق عليها اسم مزيج “لاتيفيا وتركمانستان” معروضة في السوق أيضا، وتحتوي على كميات كبيرة من النفط الروسي.وأكدت منظمتا Global Witness وRefinitiv أن الشركات النفطية الكبرى، منها“رويال داتش شل” الهولندية-البريطانية و”ربسول” الإسبانية و”إكسون موبيل” الأمريكية و”إني” الإيطالية و”فيتول” السويسرية-الهولندية و”ترافيغورا” التي تتخذ من سنغافورة مقرا لها، استأجرت في الأسابيع الأخيرة سفنا لنقل النفط الخام من المحطات الروسية على البحر الأسود وبحر البلطيق إلى موانئ الاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى أن هذه الشحنات النفطية وصلت إلى إيطاليا وإسبانيا وهولندا في شهر أبريل.
في موسكو قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف يوم 22 أبريل، إن السلطات البريطانية سمحت بتحويل الأموال لمصرف “غازبروم بنك” لقاء واردات الغاز الروسي، مسترشدة باعتبارات عملية. وأضاف: “هذا الوضع برمته، الذي بدأته دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة، وعدد من البلدان الأخرى التي تبنت كل هذه المجموعات من القيود، تسبب من بين أمور أخرى بتعقيد حياتهم بشكل كبير”.
كما نفى الرأي القائل بأن إصدار الترخيص يعني “تأجيلا” معينا لأوروبا للتحول إلى المخطط الجديد لدفع ثمن الغاز بالروبل الروسي.
عواقب غير مقصودة
يوم الخميس 21 أبريل صرحت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين أن فرض حظر أوروبي على واردات النفط والغاز الروسية قد يكون له عواقب اقتصادية غير مقصودة.وقالت يلين للصحافيين عقب اجتماع مع رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميغال ووزير ماليته سيرغي مارشينكو في واشنطن إن حظرا كهذا قد يتسبب في النهاية بضرر أكثر مما قد ينفع. وأضافت “من الواضح أن أوروبا بحاجة إلى خفض اعتمادها على روسيا فيما يتعلق بموارد الطاقة. لكننا بحاجة إلى توخي الحذر عندما نفكر بفرض حظر أوروبي شامل، لنقل على سبيل المثال، على واردات النفط”.
واعتبرت أن من شأن الحظر الأوروبي أن يرفع أسعار النفط العالمية “وبعكس المتوقع، قد يكون له تأثير سلبي ضئيل للغاية على روسيا لأنها على الرغم من تصديرها كميات أقل، إلا أن الأسعار التي ستحصل عليها مقابل صادراتها قد ترتفع”.
وفي إشارة إلى الحظر المقترح، قالت يلين “إذا تمكنا من إيجاد طريقة للقيام بذلك دون الإضرار بالعالم بأسره من خلال دفع أسعار الطاقة إلى الارتفاع، فسيكون ذلك مثاليا”.
يذكر أن بنك جي بي مورغان، كان قد أعلن يوم 19 أبريل “إن حظر الاتحاد الأوروبي للنفط الروسي بشكل كامل وفوري قد يزيح أكثر من أربعة ملايين برميل يوميا من الإمدادات، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار خام برنت بنحو 65 في المائة إلى 185 دولارا للبرميل”.
وبحسب وكالة أنباء “بلومبيرغ”، ذكر بنك جي بي مورغان “إذا كان الاتحاد الأوروبي جادا بشأن الضغط على النفط الروسي، فقد يحتاج إلى الاستعداد لبعض الألم”.
والسيناريو الرئيس للبنك أكثر تحفظا، حيث يقدر خفض الإمدادات الروسية إلى أوروبا بنحو النصف، مع تعطل 2.1 مليون برميل يوميا بحلول نهاية العام.
صندوق النقد الدولي من جانبه أفاد إن الحرب في أوكرانيا ستؤثر بشكل كبير على النمو الاقتصادي في منطقة اليورو، مخفضا توقعاته لهذا العام إلى 2.8 بالمائة بعد أن كانت 3.9 بالمائة في يناير.
التضخم يفتك بأمريكا..
جاء في تقري نشر في واشنطن يوم 17 أبريل 2022: رغم أن روسيا هي المستهدفة بالعقوبات الأمريكية والغربية، لكن تلك العقوبات كما يؤكد محللون وخبراء سلاح ذو حدين ارتد بتداعياته السلبية الكبيرة كذلك على الدول الفارضة للعقوبات وعلى اقتصادياتها وفي مقدمها الولايات المتحدة، التي تشهد معدلات تضخم قياسية هي الأعلى منذ عقود.ووفق مؤشر أسعار المستهلك الصادر عن وزارة العمل الأمريكية، فقد ارتفعت الأسعار بنسبة 8.5 بالمئة على مدى عام واحد، و1.2بالمئة على مدى شهر واحد فقط في مارس الماضي، بعدما زاد بنسبة 0.8 بالمائة في فبراير، وهو ما يظهر تعاظم التأثير السلبي للحرب الأوكرانية في هذا المضمار.
وأوضحت الأرقام الرسمية الأمريكية أن أسعار الوقود وحدها ارتفعت خلال شهر مارس، بنسبة 18.3 بالمئة مقارنة بشهر فبراير، وتمثل بذلك أكثر من نصف حجم التضخم، وأن أسعار السكن والغذاء ساهمت كذلك في ارتفاع معدلات التضخم.
ومع ذلك، تباطأ ما يسمى بالتضخم الأساسي الذي لا يشمل أسعار الطاقة والغذاء من 0.5 بالمئة في فبراير إلى 0.3 بالمئة في مارس، لكنه تسارع على مدار عام واحد ليصل إلى 6.5 بالمئة، وهو أعلى مستوى له منذ شهر أغسطس من العام 1982، أي على مدى 40 عاما.
في بريطانيا حذر خبراء يوم 18 أبريل من أن ارتفاع أسعار الطاقة في الشتاء المقبل ستكون “كارثية” وقد تدفع 30 إلى 40 في المائة من المستهلكين البريطانيين إلى الفقر في مجال الطاقة، داعية داونينغ ستريت إلى التحرك.
وبحسب “الفرنسية”، قال كيث أندرسون مدير شركة كهرباء سكوتش باور، أمام لجنة برلمانية “خلال فصل الصيف سينخفض استهلاك “الأسر البريطانية”، بالتالي سيكون من الأسهل تسديد الفواتير، لكن مع توقع ارتفاع جديد في الأسعار في أكتوبر على الأفراد “سيصبح الأمر كارثيا وفظيعا حقا”.
النظام المالي في خطر
حذر صندوق النقد الدولي في تقرير له يوم 20 أبريل من أن التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا أدى إلى زيادة مخاطر الاستقرار المالي “على عدة جبهات” وسيختبر صمود النظام المالي العالمي في وقت ترتفع فيه أسعار الفائدة بشكل حاد.وبحسب “رويترز”، أضاف الصندوق أنه “على الرغم من عدم وجود حدث مالي شامل عالمي حتى الآن، فإن هناك عدة قنوات يمكن من خلالها أن يزيد تأثير الاضطرابات في أوكرانيا في النظام المالي”.وذكر تقرير الصندوق “إن ذلك يتضمن الانكشافات المباشرة وغير المباشرة للبنوك والشركات غير المصرفية على روسيا واضطرابات أسواق السلع الأساسية وضعف سيولة السوق وضغوط التمويل والهجمات الإلكترونية وتسارع استخدام الأصول المشفرة”.وقال صندوق النقد الدولي “في حين أثبت النظام المالي صموده في مواجهة أحدث الصدمات، فإن الصدمات المستقبلية قد تكون أكثر ضررا”.وأضاف “إعادة تسعير مفاجئة للمخاطر الناتجة عن اشتداد الحرب وما يرتبط بها من تصعيد للعقوبات ربما تظهر بعض نقاط الضعف التي تراكمت خلال الجائحة وتتفاعل معها، ما يؤدي إلى انخفاض حاد في أسعار الأصول”.وأوضح التقرير أن انكشاف البنوك العالمية على روسيا وأوكرانيا متواضع نسبيا ويقتصر على عدد قليل من البنوك الأوروبية. بيد أنه من غير الواضح مدى الانكشاف غير المباشر للشركات المالية على الصراع، لأن الإفصاحات غير مكتملة وغير متسقة.إلى ذلك، قال مسؤول كبير في صندوق النقد الدولي “إن العالم يسير نحو عالم متعدد الأقطاب بصورة أكبر بالنظر إلى صعود الأسواق الناشئة في الاقتصاد العالمي، لكن الأمر سيكون كارثيا إذا انقسم الاقتصاد العالمي إلى أنظمة متنافسة بمعايير مختلفة”.وأبلغ بيير-أوليفييه جورينشا كبير الخبراء الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي الصحافيين بأن انتقالا منظما إلى عالم متعدد الأقطاب سيكون نتيجة مفضلة، “لأنه سيحافظ على مكاسب العولمة ويحميها”.وقال “أحد السيناريوهات هو أن تكون لدينا كتل منقسمة لا تتعامل كثيرا مع بعضها بعضا، ولها معايير مختلفة، وذلك سيكون كارثة على الاقتصاد العالمي”، مضيفا أن “هذه مخاطرة على المدى الطويل”.الغرب يواجه صعوبات
جاء في تقرير نشرته صحيفة الاقتصادية يوم 25 أبريل: هل روسيا “أكثر عزلة من أي وقت مضى”؟ بعد شهرين من بدء الحرب في أوكرانيا، يبدو أن تأكيد الرئيس الأمريكي بايدن أمل بعيد المنال، مع استمرار تردد جزء من المجتمع الدولي في تحديد موقفه تجاه موسكو.وتؤكد سيلفي ماتيلي، نائبة مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية “إيريس”، أن “هناك عزلة واضحة للغاية لروسيا عن الكتلة الغربية، “لكن الوضع مختلف تماما فيما يتعلق بعزلة روسيا على الساحة الدولية، مع التزام عدد من الدول الحذر الشديد ورفضها الرضوخ للضغوط الغربية”.ويقول كريس لاندسبيرغ، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جوهانسبرغ، على أعمدة “واشنطن بوست”: “هناك عدد متزايد من الدول التي ترغب في تأكيد استقلالها، رغم رغبتها في تعاون أوثق مع الغرب وحاجتها إلى دعم غربي”.من جانبه، يضيف خورخي هاينه، سفير تشيلي السابق في الهند وجنوب إفريقيا، إن “إدانة الحرب شيء، وشن حرب اقتصادية على روسيا شيء آخر، وعديد من البلدان في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا ليست مستعدة لاتخاذ هذه الخطوة”. وأضاف أن تلك الدول “لا تريد أن تدفع إلى اتخاذ موقف يتعارض مع مصالحها”.والتزمت الهند الموقف نفسه، معتبرة أن الحرب فرضت اختيارا غير مرحب به ما بين الغرب وروسيا، وهو اختيار تتجنبه بأي ثمن، وفق ما يوضح شيفشانكار مينون، مستشار رئيس الوزراء الهندي السابق مانموهان سينغ.سلطت الضغوط نفسها على مجموعة العشرين، لكن إندونيسيا، التي ترأسها، رفضت استبعاد روسيا منها باسم الحياد.كما أن غياب آثار قصيرة المدى للعقوبات الاقتصادية الغربية في النزاع المستمر، لا يساعد أيضا على إقناع الدول المترددة.ويشير أليكسي فيديف، المحلل المالي في معهد جيدار الروسي، إلى أن “وضع الاقتصاد الروسي سيكون أكثر وضوحا في يونيو ويوليو”، مشيرا إلى أن “الاقتصاد لا يزال يعمل على أساس احتياطياته”.ويقول خبراء، وفقا لمجلة فورين بوليسي إن العقوبات قد تنجح على المدى الطويل، لكن في الوقت الحالي لا تزال العديد من الدول نفسها التي تفرض عقوبات على روسيا تقوض جهود العقوبات بشكل خطير من خلال شراء الطاقة من موسكو، وفي بعض الحالات بكميات أكبر خلال شهر أبريل مقارنة بشهر مارس.ونقلت المجلة عن إدوارد فيشمان، المتخصص في أوروبا السابق في وزارة الخارجية الأمريكية إن “بوتين يواصل كسب ما لا يقل عن مليار دولار يوميا من بيع النفط والغاز، وحصة الأسد من هذه الأموال قادمة من أوروبا”، وأضاف “ترسل دول أوروبية منفردة مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا لكن هذه الجهود تتضاءل أمام المدفوعات التي تقدمها لروسيا مقابل النفط والغاز”.وفي حال استمر الاقتصاد الروسي بالعمل، فإن هذا يعني مزيدا من العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.نتائج عكسية للضغط
جاء في تقرير نشر يوم 19 أبريل في موقع ساسة بوست:وصلت الفترة الوجيزة من التعاون العالمي عبر الخطوط الأيديولوجية إلى نهاية حاسمة في الحرب حول المنطقة الحدودية المتنازَع عليها بين روسيا وأوكرانيا، ودشن ذلك صراعا طويلا بين القوى المتناحرة.
واقترن هذا العداء بنظام عقوبات تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، وبينما كان ينظر إلى هذا النظام في البداية على أنه أداة سياسية مؤقتة ومرنة، إلا أنه سرعان ما أصبح نظاما راسخا بقوة.
هذا ما افتتح به رايان مارتينيز ميتشل، الأستاذ المساعد في كلية الحقوق بالجامعة الصينية في هونك كونغ، مقاله الذي تحدث فيه حول الآثار السيئة للضغط على حكومات الدول المحايدة للانضمام إلى الولايات المتحدة في فرض عقوبات على روسيا، ومدى فاعلية هذا الإجراء في المقام الأول.
يواصل الكاتب مقاله الذي نشرته مجلة ريسبونسبل ستيت كرافت التابعة لمعهد كوينسي لفن الحكم الرشيد قائلا: في حين أن فرض العقوبات يسبب المعاناة والضرر للمواطنين العاديين في الدول المستهدفة، إلا أنه أمر صعب أيضا، كما أن هذه الخطوة لا تحظى بشعبية على مستوى العالم، وتؤدي في النهاية إلى نتائج عكسية. وهذه الخطوة تعزز أيضا بناء روابط أوثق بين أعداء واشنطن الأيديولوجيين على الرغم من وجود خلافات كبيرة بينهم في الحقيقة.
كما أن الولايات المتحدة تنفر تدريجيا تلك الدول التي تفضل أن تبقى على الحياد سعيا وراء نموها الخاص. وإذا نظرنا إلى الوراء، فسنجد أن العقوبات الواسعة النطاق التي فرضت على الاتحاد السوفيتي منذ عام 1949 و”الصين الحمراء” منذ عام 1950، كانت بالكاد تعد ناجحة.
ويضيف الكاتب: ربما ينتهي الأمر بتكرار مظاهر الحرب الباردة في “الحرب الباردة الثانية”، وهو مصطلح يصبح لا مفر منه تقريبا بالنظر إلى المواجهات المتصاعدة التي تتسم بها العلاقات بين واشنطن، وموسكو، وواشنطن، وبكين. وبالطبع من المهم الاستمرار في استكشاف أي إمكانية للوصول إلى تدابير تعاونية مؤقتة، ولكنها قائمة على مبادئ بين القوى الكبرى والمتوسطة والصغيرة بدلا عن كفاح إدارة بايدن المفرط في طموحه (والمتناقض مع الذات في بعض الأحيان) الذي يعني نضال “الديمقراطيات ضد الأنظمة الاستبدادية”. إلا أنه حتى على المستوى التكتيكي البحت يمكن لحملة العقوبات أن تثير شكوكا جدية.
نسق أمريكا في معاقبة روسيا
يلفت الكاتب إلى أنه كلما تطورت التدابير المطبقة على روسيا، ازدادت احتمالية أن تتوسع لتصبح حظرا تجاريا شبه كامل. وهذا لا يذكرنا بالأمثلة الحديثة لفرض هذه القانون كتلك التي فرضت على إيران بسبب برنامجها النووي، ولكن بتلك التي فرضت في الحرب الباردة، مثل الحظر الأمريكي الذي فرض على الصين والذي بدأ مع بداية الحرب الكورية ولم يرفع حتى عام 1972. وخلال تلك الفترة وجدت واشنطن نفسها معزولة أكثر فأكثر نظرا لعدم اعترافها ببكين ومحاولاتها خنق اقتصادها.وطورت الصين بسرعة علاقاتها التجارية التي كانت مهملة سابقا مع الدول الشيوعية، وبذلك ساعدت في ترسيخ مكانة بكين باعتبارها “شريكا أصغر” لموسكو. وبحلول ستينيات القرن الماضي، كانت الصين أيضا قد انخرطت في تجارة متنامية حتى مع حلفاء الولايات المتحدة، لاسيما ألمانيا الغربية، واليابان، وبريطانيا، وكندا، وإيطاليا. وكما حدث مع كوبا لاحقا، فشل الحظر الذي فرضته واشنطن في تحقيق هدفها الطموح لتغيير النظام.ولزم أن تحدث صدمات غير متوقعة من الانقسام الصيني السوفيتي حول الأيديولوجيا، والجغرافيا السياسية، وانقلابات داخلية متعاقبة في الثورة الثقافية قبل أن تطَبع العلاقات بين الولايات المتحدة والصين. وتطلب الأمر أكثر من ذلك بكثير كي يعود حجم التجارة إلى مستويات عام 1950. وهذه العلاقات التجارية الصينية الألمانية والصينية اليابانية، التي بمرور الوقت لعبت دورا رئيسا في تعزيز القدرة التنافسية الاقتصادية للدول الثلاث على حساب العمال الأمريكيين، تأسست جميعها رمزيا وعمليا على التناقض بين براغماتية بون وطوكيو وإيمان واشنطن شبه الديني في قدرتها على عزل نظام مكروه.النتائج العكسية
يشير الكاتب إلى أن الأكثر خطورة من ذلك هي الخسائر التي ألحقتها الولايات المتحدة بنفسها حينما ضغطت واشنطن على الدول التي تحررت من الاستعمار حديثا لوقف العلاقات الودية أو المساعدات -بحسب التقرير- مع موسكو أو بكين. وتأكد ذلك في اجتماع مؤتمر باندونغ للدول الآسيوية والأفريقية عام 1955 للسعي إلى إيجاد “منطقة سلمية محايدة بين المعسكرين الكبيرين” خلال الحرب الباردة. ونظرت واشنطن بقلق وسعت إلى “إحداث توازن في التأثيرات الشيوعية القوية والمحايدة” التي مثلها مؤتمر باندونغ، كما وصفتها مجلة نيوزويك في ذلك الوقت. إن الإرث المدمر للذات من الانقلابات التي دعمتها الولايات المتحدة والاجتياحات المباشرة التي تلت ذلك تتحدث عن نفسها ببلاغة.وليس مصادفة أن معظم الدول التي عدت نفسها تاريخيا جزءا من “العالم الثالث”، بما فيها على سبيل المثال لا الحصر 120 دولة مرتبطة رسميا بحركة عدم الانحياز، تتبنى موقفا مختلفا عن موقف واشنطن اليوم. ولم يحل رد الفعل الانتقامي غير المسبوق على الحرب الروسية في أوكرانيا، بما فيه نظام العقوبات المدمر وحظر الطيران والدعم المالي والعسكري المهم لكييف وغيرها، محل “الحياد” ومبادئه التي تتبناها الغالبية العظمى من الدول التي رفضت أن تحذو حذو الولايات المتحدة.
ويشمل ما سبق ذكره 141 دولة من الدول الـ193 الأعضاء في الأمم المتحدة الذين صوتوا في الثاني من مارس، أو الـ139 دولة التي صوتت في 24 مارس، لإدانة “عدوان الاتحاد الروسي على أوكرانيا الذي ينتهك المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة”. ولكن شجب الحرب “غير الشرعية” أمر، وشن هجوم اقتصادي مضاد أمر آخر تماما.
ونظرا لأن أوكرانيا نفسها تفكر اليوم بجدية في أن تتبنى موقفا محايدا باعتباره جزءا من اتفاقية سلام محتملة، يجب على واشنطن وبروكسل “الاتحاد الأوروبي” الاعتراف بشرعية الحياد في التدابير التي يتخذونها. والالتزام بعقود من النضال ضد “الديكتاتورية” قد يصبح في نهاية المطاف “صرحا من خيال، ومن ثم يهوى” كما هوى النضال ضد “الشيوعية” و”الإرهاب”. وإحدى الطرق التي تساعد على أن يهوى هذا النضال بسرعة، هو التنازل عن الاعتراف بشرعية الحياد -والتنازل كذلك عن متممه الطبيعي، تعدد الأقطاب- للمستبدين.
السلاح الجيوسياسي الأمريكي الأقوى
نشرت “موسكوفسكي كومسوموليتس” يوم 21 أبريل نص لقاء مع الأكاديمي فيتالي نعومكين المدير العلمي لمعهد الدراسات الشرقية، حول أسباب رفض السعودية الانصياع للمطلب الأمريكي بزيادة إنتاج النفط جاء فيه:”الابتعاد مسافة ما عن واشنطن أصبح بالفعل اتجاها مستقرا في سياسات معظم الدول العربية. تسعى السعودية إلى تحقيق التوازن في علاقاتها الوثيقة مع شركائها القدامى، أي الولايات المتحدة وأوروبا، من خلال تطوير العلاقات مع الدول غير الغربية “الجديدة” عليها، وفي مقدمتها الصين، فضلا عن روسيا والهند.الضامن المحوري لاستقرار نهج الرياض متعدد النوافل هو الإرادة السياسية التي يتمتع بها من دون شك ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي لا تجعله المخاطر السياسية يتلكأ.ولكن، على الرغم من ثباته في الدفاع البراغماتي المستقل عن مصالح المملكة، يدرك بن سلمان جيدا أنه لا ينبغي له تجاوز “خطوط حمراء” معينة. أحد هذه الخطوط هو تطوير التعاون العسكري مع روسيا وشراء المعدات العسكرية الروسية.بحسبي، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يمكن بالتأكيد اعتباره أحد شركاء روسيا الأكثر موثوقية. الأمر نفسه ينطبق على الإمارات العربية المتحدة، وولي عهد إمارة أبوظبي، محمد بن زايد.مسألة أخرى هي أن تعذر التنبؤ إلى حد بعيد بتطور الوضع، سواء في منطقة الشرق الأوسط أم في جميع أنحاء العالم، والضغط المستمر على الدول العربية من شركائها الغربيين، والأزمات المستمرة والصراعات الإقليمية، التي تغذيها المنافسة الشديدة على الموارد والنفوذ، لا يمكن إلا أن يؤثر في مواقف أي زعيم إقليمي. لذلك، لا يمكن الوثوق بشكل مطلق بإستمرار توجه محدد.اللغز والمصيدة
لا ينفي أحد وجود مفاوضات سرية روسية أمريكية حول أوكرانيا، نجاح هذه الاتصالات ربما يكون ممكنا إذا طوي الملف الغامض حول مصنع صلب “آزوفستال” في مدينة ماريوبول بعد سيطرة الجيش الروسي على كل المدينة.فيوم 20 أبريل قالت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون السياسية، فيكتوريا نولاند، في حديث إلى شبكة CNN، إن هناك “بعض الآمال” في أن توفر روسيا “ممرا آمنا لانسحاب المدنيين والعسكريين الجرحى من ماريوبول”.ورجحت أنه “قد يكون هناك حلفاء من الناتو منخرطون في هذه العملية إذا حصل ذلك”، مشيرة إلى أن الجانب الروسي هو الذي يعود إليه قرار توفير الممر الآمن من عدمه.وأعلنت روسيا غير مرة في الأيام الأخيرة عن فتحها ممرات إنسانية بغية منح العسكريين الأوكرانيين المحاصرين في “آزوفستال” فرصة الاستسلام وإنقاذ أرواحهم.ويطرح عدد من الملاحظين أسئلة عن الأسباب الحقيقية لبقاء مصنع صلب “آزوفستال” حتى الآن بدون أن يقوم الروس بتدميره بصواريخهم وإجبار من فيه على الاستسلام. فهل هناك به شخصيات عسكرية هامة من الغرب، وهل به أسرار لا يريد الروس تدميرها ؟