الموقع الجغرافي:
منطقة الحُوْلة أو سهل الحولة، هو سهل زراعي خصب وسط سورية، يقع بين محافظتي حمص وحماة غرب وادي نهر العاصي وشرق جبل الحلو، وهي عبارة عن تجمع سكاني مؤلف من مدينة تلدو ومدينة كفرلاها وبلدة تلذهب وقرية الطيبة الغربية، ويتبع لهذه المنطقة ثلاثة قرى وهي برج قاعي وكيسين والسمعليل، وهي عبارة عن سهل منبسط محاصر بقرى موالية للنظام من كافة الجهات.
يبلغ عدد سكانها حوالي مئة وعشرين ألف نسمة قبل عام 2011، وتتبع منطقة الحولة إدارياً لمحافظة حمص حيث تقع إلى الشمال الغربي من مدينة حمص على بعد 20كم على طريق حمص- مصياف.
ما قبل المجزرة:
بتاريخ 25/5/2012 خرجت المظاهرات المطالبة بالحرية والكرامة بعد صلاة الجمعة حوالي الساعة الواحدة ظهراً من كافة مناطق الحولة في مظاهرة جمعة “دمشق موعدنا القريب”، وتجمعت المظاهرة في إحدى ساحات مدينة تلدو (ساحة هرموش) في الجهة الغربية من مدينة تلدو، بدلاً من وسطها الذي يسيطر عليه قوات النظام، حيث كانت تتمركز الدبابات وعربات “ب م ب” وسط المدينة، والقسم الآخر من قواته تتمركز في المدخل الجنوبي في مفرزة الأمن العسكري بالإضافة إلى المركز الأكبر لقوات النظام في مؤسسة المياه، حيث تتحكم بعملية الدخول والخروج إلى المنطقة.
كانت قوات النظام عادةً تطلق النار على المتظاهرين باتجاه ساحة التظاهر بالأسلحة المتوسطة (الرشاشات)، إلا أنه تحديداً بذلك اليوم قامت بإطلاق النار من قبل الدبابات وعربات “الشيلكا” المتواجدة وسط المدينة وفي مؤسسة المياه، عندها أصيب أكثر من عشرة متظاهرين بجراح خطيرة، بعدها اندفع عدد من ثوار المنطقة (الجيش الحر) وقاموا بمحاصرة مفرزة الأمن العسكري في مدينة تلدو التي كانت تعذب وتقتل وتهين كافة الأهالي عند الدخول والخروج إلى المنطقة، ودارت اشتباكات عنيفة جداً من الساعة الواحدة والربع ظهراً وحتى الساعة السادسة مساء استطاع الجيش الحر السيطرة المؤقتة على المفرزة وتحريرها.
ارتكاب المجزرة:
تسللت قوات جيش النظام مدعومة بمجموعات من الشبيحة والميليشيات الطائفية من القرى الموالية إلى بلدة “تلدو” من جهتين، جهة الطريق العام حيث أمعنوا تقتيلا بمن تبقى من المدنيين الذين لم ينزحوا، ومن جهة حي “السد” الواقع جنوبي البلدة، ويوجد تجمع سكاني حوالي 200 شخص، لا علاقة لهم بالمظاهرات والثوار وغالبيتهم أطفال ونساء من آل “عبد الرزاق” و”آل السيد” الذي كان بينهم ضابط متقاعد في الشرطة برتبة عقيد لم تشفع رتبته وسنوات خدمته الطويلة له ولأفراد أسرته الخمسة عشرة الذين تمت تصفيتهم جميعاً ماعدا إحدى زوجتيه وبنتها اللتين تمكنتا من الهرب عبر باب خلفي للمنزل لتكونا شاهدتين على فظاعة ما حدث ،وقد كانت المسافة التي تفصل مكان المجزرة عن قرية(فلة) الموالية للنظام حوالي 800م، وعن مؤسسة المياه حوالي1كم.
في الساعة السادسة والنصف عصرا وردت معلومات للأهالي بأن ميليشيات النظام من القرى العلوية والشيعة المحيطة بالمنطقة قد ارتكبوا مجزرة مروعة بحق مدنيين في الجهة الجنوبية والغربية المتطرفة عن مدينة تلدو، وعندها أسرع شبان البلدة وتسللوا إلى هذه المنطقة ليتأكدوا من صحة الخبر، وسط القصف العنيف الذي لم يهدأ، وليُصدموا بعشرات الجثث لأطفال ونساء مزّق الرصاص أجسادهم ورؤوسهم، كما عثروا على جثث أطفال ونساء ورجال مذبوحين بالسكاكين ، ثم ليقوموا بإجلاء الجثث بصعوبة شديدة حيث كانت المنطقة مرصودة نارياً من حاجز قوات النظام في مؤسسة المياه ومن قريتي فلة والقبو العلويتين وقرية العوصية .
تبين بعدها حجم المجزرة التي راح ضحيتها 109 أشخاص، وإصابة نحو 300 شخص آخرين بجروح- وكان معظم الضحايا من الأطفال والنساء – قتلوا باستخدام الأسلحة النارية والأسلحة البيضاء
وقد ترافقت المجزرة مع وجود المراقبين الدوليين في سورية، والذين لم يصلوا للمدينة إلا بعد 24 ساعة من المجزرة، وقاموا بالاستماع إلى شهادات الضحايا وأصدروا تقريراً في وقت لاحق.
شهادات الناجين:
وبحسب شهادات للناجين، فإنّ المسلحين الذين كان يرتدي بعضهم ملابس عسكرية دخلوا إلى الحولة قبيل غروب يوم 25/5/2012، واستمروا في أعمال القتل حتى قبيل فجر يوم 26/5/2012. واستخدم المسلحون الأسلحة النارية الصغيرة، بالإضافة إلى سكاكين من الحجم الكبير والمتوسط.
موقف حكومة النظام:
بعيد المجزرة، نفى المتحدّث باسم وزارة الخارجية السورية آنذاك جهاد المقدسي، بشكل قاطع مسؤولية النظام السوري عن المجزرة، وأدان ما اعتبره استسهالاً في إدانة النظام بارتكاب مثل هذا العمل.
وقال المقدسي في المؤتمر الصحفي الذي عُقد بتاريخ 31/5/2012 أنّ مئات من المسلحين تجمّعوا في سيارات بيك آب يوم المجزرة في الساعة الثانية ظهراً، مستخدمين أسلحة متقدمة، وقاموا بالهجوم على قرى الحولة، وقاموا بقتل ثلاثة من عناصر قوات حفظ النظام التي كانت بحالة دفاع عن النفس، وكانوا يسعون إلى تأليب الرأي العام على النظام من خلال اتهامه بارتكاب مثل هذا العمل.
وفي 7/11/2014 قامت قناة الإخبارية الرسمية ببث مقابلة مع معتقل قيل بأن اسمه هو مهند عدنان الطائع. وقال الطائع في اعترافاتٍ يُعتقد أنها انتُزعت تحت التعذيب بأنّه من المسلحين المعارضين للنظام، وأن قائد المجموعة المحلية التي كان يتبع لها في الحولة قرر ذبح الأهالي لأنه كان يعلم أن مجلس الأمن سينعقد في اليوم التالي، وأراد أن يؤثّر على قرار المجلس! وأن مجموعته قامت بذبح النساء والأطفال وأرسلت صورهم لقنوات الجزيرة والعربية وأورينت نيوز لتحقيق غرضهم!
وقال بأنهم بعد أن ذبحوا الأهالي واستخدموا صورهم، قاموا بالصلاة على الجثث ودفنهم في مقبرة جماعية!
تقرير لجنة التحقيق الدولية حول سورية لعام 2012
وجاء في التقرير الذي قدّمته لجنة التحقيق الدولية حول سورية يوم 27/6/2012 أن اللجنة تشتبه في أنّ القوات الموالية لنظام الأسد قد ارتكبت العديد من عمليات القتل في بلدة الحولة بحمص، لكنّ المراقبين الدوليين غير قادرين على تحديد هوية الجناة في جرائم القتل تلك.
وفي التقرير الذي أصدرته اللجنة يوم 16/8/2012 أشارت إلى أن “الإمكانية كانت متاحة للجماعات المسلحة المناهضة للحكومة والقوات الحكومية وجماعة الشبيحة للوصول إلى موقعي مسرح الجريمة، وأولهما منازل عائلة عبد الرزاق السبعة الواقعة على طريق السد، أما الموقع الثاني فهو مترل عائلة السيد على الشارع الرئيسي مقابل المشفى”.
وخلصت اللجنة منذ ذلك الوقت إلى أن نقطة التفتيش في القوس وهي الأقرب إلى منزل عائلة السيد على الشارع الرئيسي كانت يوم وقوع الحادثـة لا تـزال تحـت سـيطرة الحكومة. وكان خط المواجهة الذي يفصل بين المعارضة والقوات الحكومية يقع شمال نقطـة التفتيش. وبناءً على ذلك خلصت اللجنة إلى أن من المستبعد للغاية أن تكون الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة قد تمكنت من الوصول إلى منزل عائلة السيد يوم وقوع عمليات القتل.
وفيما يتعلق بموقع عائلة عبد الرزاق حيث لقي ما يزيد عن ٦٠ شخصاً حـتفهم رأت اللجنة أن تنفيذ هذه الجريمة يقتضي عدداً كبيراً من الفاعلين. ووجـدت، اسـتناداً إلى الصور المرسلة من (فريق المراقبين) والروايات المتطابقة، أن القوات الحكومية التي كانت تـرابض في موقع مصلحة المياه كان بإمكانها أن تكشف بسهولة حركة المركبات أو الأسلحة فضلاً عن حجم المجموعة. ولذلك فإن اللجنة تعتقد أن إمكانية الوصول إلى مسرح الجريمة تتعذر على أية مجموعة كبيرة من المجموعات المسلحة المناهضة للحكومة.
كما أشار التقرير إلى أنه وأثناء وقوع الحوادث، كان المشفى الوطني لعدة أشهر بين أيدي الجيش. وعلـى الرغم من أنه يمكن الوصول إلى المشفى الوطني سيراً على الأقدام من كل موقع من مـوقعي مسرح الجريمة فلم يسع أي أحد لا من الجرحى ولا من الأشخاص الذين فروا من مـسرح الجريمة إلى اللجوء إلى المشفى للعلاج أو للحماية. وخلصت اللجنة، في الحدود المتاحة لها، إلى أن جميع الجرحى وأقاربهم فضلاً عن الأشخاص الذين كانوا في المنازل القريبة قد فـروا إلى مناطق تسيطر عليها المعارضة. ولم يسعَ أي جريح إلى الحصول على الرعاية الطبية في المشفى الوطني. وقد صور تقرير الحكومة عائلة السيد على أنها موالية للحكومة لكن أفراد الأسـرة الناجين فروا إلى مناطق تلدو الخاضعة لسيطرة المعارضة بعـد أن اختـاروا ألا يطلبـوا المساعدة من القوات الحكومية القريبة”.
صورة لأطفال قتلوا في مجزرة الحولة
رد الفعل الدولي على المجزرة:
صرح أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون والمبعوث الدولي لسوريا كوفي أنان: “المجزرة انتهاك صارخ للقانون الدولي”، وأدان المتحدث باسم البيت الأبيض المجزرة ووصفها بأنها تمثل صورة حقيرة لنظام غير شرعي يرد على الاحتجاجات السلمية بوحشية لاإنسانية”، فيما وصفت وزيرة الخارجية الأوروبية كاثرين آشتون المجزرة بالمهولة ودعت لوضع حد لسفك دماء السوريين، وطالب وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ برد دولي قوي، ومنذ ذلك الحين قال الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند إن “الخيار العسكري لم يعد مستبعداً”.
وقال وزير خارجية مصر محمد كامل: “إن ما حدث جريمة لا سكوت عنها وانتهاك لكافة الخطوط الحمر”، واتهم مجلس التعاون الخليجي القوات النظامية بارتكابها، ودعت الإمارات إلى عقد قمة عربية طارئة لبحث تداعيات المجزرة، كما أدانت المملكة العربية السعودية والكويت وحشية النظام.
واستنكاراً للمجزرة طردت كل من (الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، النمسا، سويسرا، هولندا، بلجيكا، بولندا، النرويج، البرتغال، تركيا، أستراليا، نيوزيلندا، اليابان) السفراء السوريين من أراضيها فيما حملت روسيا المسؤولية عن مجزرة الحولة على عاتق السلطات ومن سمتهم “المتطرفين” في سورية على حد سواء.
المسؤول المباشر عن تنفيذ مجزرة الحولة
حصلت اللجنة السورية لحقوق الإنسان على معلومات من مصادر متعددة تفيد أن المسؤول المباشر عن تنفيذ مجزرة الحولة في 25 أيار/مايو 2012 هو النقيب رازي صافي علي، وهو من مرتبات الفرقة الرابعة، فوج 555 بالسومرية كتيبة 86.
حصار الحولة:
فرض النظام على الحولة حصار من كافة الجهات لأكثر من سبع سنوات، ولم يكن يوجد أي طريق تسلكه السيارات للوصول إلى المنطقة، حيث كان المدنيون يحاولون تأمين الاحتياجات الضرورية من خلال سلوك طريق وعر جداً، مشياً على الأقدام مسافة 10 كيلو متر ومعظمها ليلاً تخفياً عن أنظار القناصين من القرى الموالية للنظام (كفرنان–الزارة– جدرين)؛ حيث قضى العديد من المدنيين نحبهم في سبيل تأمين مسلتزمات العيش الضرورية لأبناء المنطقة وهم في هذا الطريق، وفي فصل الشتاء كان يتم استخدام الحمير لنقل المواد الغذائية والتي كانت لا تكاد تسدّ الحد الأدنى من مستلزمات الناس في المنطقة.
واتبع النظام سياسة الحصار على المنطقة من كافة الجهات، وقام بوضع الدبابات وعربات الـ” ب م ب والشيلكا” في القرى الموالية له، والمحيطة بالمنطقة وهي(فلة- القبو- الشرقلية- الشنية- مريمين- قرمص- التاعونة- الحميري- جدرين- كفرنان- ……) والتي كانت تقوم بقصف منطقة الحولة ليلاً ونهاراً مما دفع بأكثر من ستين ألف شخص من الأهالي بالنزوح والهروب إما إلى تركيا شمالاً، أو إلى لبنان جنوباً، وترك كافة ممتلكاتهم وبقيت المنطقة على هذا الحال حتى حدوث عملية التهجير القسري لكامل ريف حمص الشمالي ومنها منطقة الحولة وذلك في منتصف شهر أيار 2018 .
خاتمة:
لقد تمرس نظام بشار الأسد في ارتكاب المجازر بحق المدنيين لا سيما في ظل سياسة الإفلات من العقاب التي طبّقها المجتمع الدولي في سورية منذ بداية الأحداث وحتى الآن، والتي أدّت إلى استمرار مرتكبي المجازر في سياسة الإبادة الجماعية التي تشهدها سورية منذ عام 2011 وحتى الآن. ورغم وضوح الاستنتاجات في التقرير الذي أصدرته اللجنة الدولية للتحقيق في سورية عام 2012 حول الجهة المسؤولة عن ارتكاب مجزرة الحولة، إلا أن المنظومة الدولية لم تقم بدورها في متابعة أعمال التحقيق، وفي محاسبة الجناة.
لذلك نطالب في اللجنة السورية لحقوق الإنسان بمحاسبة المتورطين بارتكاب هذه المجزرة المروعة وغيرها من المجازر، وفي مقدمتهم بشار الأسد وقادته الأمنيين والعسكريين، كما نطالب بإيجاد حل عادل للمأساة السورية المستمرة منذ أحد عشر عاما، ووضع حد لجميع الانتهاكات المرتكبة بحق الشعب السوري.