مرّ 44 عاماً على حادث اختطاف الطائرة الألمانية "لاندسهوت" التابعة لشركة "لوفتهانزا"، من قبل أربعة من أعضاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكان للحادث صدى مدوٍّ، واستمر العالم أجمع يتابع من كثب على مدار 4 أيام التطورات الواردة عن الطائرة المُختطَفة.
وكان الهدف من عملية الاختطاف تأمين إطلاق سراح 11 قيادياً من فصائل منظمة "الجيش الأحمر" المسجونين في سجون ألمانيا الغربية.
وكان على متن رحلة "لوفتهانزا 181" التي استقلّها الخاطفون 82 راكباً مدنياً إضافة إلى طاقم الطائرة المكوَّن من 5 أفراد، وكانت الرحلة متوجّهة من جزيرة مايوركا الإسبانية إلى مدينة فرانكفورت الألمانية.
غير أنّ الخاطفين غيّروا مسار الطائرة عدّة مرات، في رحلة بدأت في أوروبا مروراً بعدة محطات في آسيا إلى أن انتهى بها الحال في شرق قارة إفريقيا بمطار مقديشو الدولي بالصومال، وتخلّل ذلك تهديد مستمر من الخاطفين بقتل كل الركاب وطاقم الطائرة حال عدم الاستجابة لمطالبهم.
يسار عابر للحدود
على غير المتوقّع لم تكن لعملية اختطاف الطائرة الألمانية "لاندسهوت" علاقة مباشرة بالقضية الفلسطينية، بل ابتغى الخاطفون الفلسطينيون الأربعة بذلك تصعيد الضغط على الحكومة الألمانية لإطلاق سراح سجناء تابعين لمنظمة "الجيش الأحمر" (بادر ماينهوف) الألمانية، وهي إحدى أبرز الجماعات اليسارية المسلّحة بألمانيا الغربية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتصنّفها ألمانيا منظمةً إرهابيةً.
والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هو فصيل فلسطيني يساري عضو في منظمة التحرير الفلسطينية، تأسّس في 11 ديسمبر/كانون الأول 1967 امتداداً للفرع الفلسطيني من حركة القوميين العرب.
وبدأت الجبهة العمل العسكري انطلاقاً من رؤية تقضي بضرورة اعتماد الفلسطينيين على قواهم الذاتية لتحرير فلسطين بعد هزيمة الجيوش العربية في ما يُعرف بنكسة 1967، وتأثّرت بذلك بتجارب حرب العصابات في حركات التحرّر العالمية كالتجربة الفيتنامية والكوبية.
وتبنّت الجبهة الفكر الماركسي اللينيني وأعلنت عن ذلك رسمياً في مؤتمرها الثاني في فبراير/شباط 1969، كما اعتبرت القضية الفلسطينية قضية أمميّة، مستقطبةً ناشطين من مختلف أنحاء العالم، وتعاونت خلال ذلك مع منظمات يسارية أمميّة مسلّحة مثل "الجيش الجمهوري الآيرلندي" و"الألوية الحمراء" الإيطالية و"الجيش الأحمر" الياباني ومنظمة "الجيش الأحمر" الألمانية.
وأتت عملية اختطاف الطائرة الألمانية في سياق التعاون العسكري والعملياتي بين "الجبهة الشعبية" الفلسطينية و"بادر ماينهوف" الألمانية.
عملية اختطاف "لوفتهانزا 181"
لم يخطر على بال أحد، حتى من أعتى ضباط المخابرات الألمانية والإسبانية ما كان يدبرّه أربعة فلسطينيين تابعين لوحدة "الشهيدة حليمة" في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كما لم يفطن أحد من أمن المطار لما خبّأه قائد المجموعة زهير عكاشة وزملاؤه نبيل حربي ونادية دعيبس وسهيلة أندراوس في حقائبهم اليدوية قبل صعودهم طائرة رحلة "لوفتهانزا 181".
واستطاع خاطفو الطائرة حمل مسدسين وأربع قنابل يدوية و500 غراماً من المواد المتفجّرة، فيما أفادت التحقيقات التي تلت عملية الخطف بأنّ العقل المدبّر للعملية كان وديع حداد، القيادي البارز بالجبهة الفلسطينية، وكان يشرف لحظة بلحظة على كل تفاصيل العملية بنفسه من بغداد.
واتفق الخاطفون على أن تكون ساعة الصفر بعد إقلاع الطائرة بنصف ساعة ودخولها المجال الجوي الفرنسي، وفي تمام الساعة 11 من صباح يوم الخميس 13 أكتوبر/تشرين الأول 1977 أقلعت رحلة "لوفتهانزا 181"، وهي طائرة من طراز "بوينغ 737" تُدعى "لاندسهوت"، من بالما دي مايوركا الإسبانية في طريقها إلى مطار فرانكفورت، وكان الكابتن الطيار يورغن شومان ومساعده الطيار يورغن فيتور يقودان الطائرة.
وبالفعل بعد مرور نحو نصف ساعة على الإقلاع وبينما تحلّق الطائرة فوق مدينة مارسيليا الفرنسية، نهض رجلان وامرأتان من مقاعدهم وهدّدوا المضيفات واندفعوا إلى مقصورة الطيارين وهم يلوحون بالمسدسات.
وسرعان ما نجح الخاطفون في السيطرة على غرفة التحكّم وتحويل وجهة الطائرة، كما كان مخططاً إلى مدينة لارنكا، وتوقّفت الطائرة أولاً بأمر من الخاطفين في مطار العاصمة الإيطالية روما للتزوّد بالوقود.
رحلة عشوائية دامت 4 أيام وآلاف الكيلومترات
أثناء الوجود في روما أعلن قائد المجموعة زهير عكاشة مجموعة من المطالب، أبرزها الإفراج عن 11 قيادياً من عناصر منظمة الجيش الأحمر الألمانية ودفع فدية قيمتها 15 مليون دولار أمريكي، وحال عدم تحقيق مطالبهم سيقتلون جميع المسافرين الذين احتُجِزوا رهائن.
وتحت تهديد فوّهات سلاح الخاطفين، واصل ربّان الطائرة شومان الطيران إلى مصير مجهول. فبعد روما أمر الخاطفون بهبوط الطائرة في مطار لارنكا القبرصي، ثم واصلوا رحلتهم العشوائية من لبنان إلى البحرين، ومن دبي بالإمارات إلى هبوط اضطراري في عدن باليمن حيث قتل الخاطفون قبطان الطائرة.
وفي اليوم الثالث لعملية الخطف واصل مساعد الربّان قيادة "لاندسهوت" لتحطّ الطائرة في محطتها الأخيرة بالعاصمة الصومالية مقديشو، وظلّت هناك يوما كاملاً بعد أن قطعت نحو 9 آلاف كيلومتراً خلال تلك الرحلة العشوائية.
وفي 18 أكتوبر/تشرين الأول 1977، وبعد مرور نحو خمس دقائق من انتصاف الليل اقتحمت وحدة مكافحة الإرهاب الألمانية الغربية "GSG 9" بدعم من القوات المسلحة الصومالية طائرة "لاندسهوت" القابعة في مطار مقديشو.
وخلال سبع دقائق فقط استطاع المهاجمون تحرير كل الرهائن وقُتِل خلال العملية ثلاثة من الخاطفين المنهكين بعد رحلتهم العشوائية الطويلة، فيما أُلقي القبض على الخاطفة الرابعة وهي سهيلة أندراوس، لتنتهي بذلك عملية دامت أربعة أيام.
وفي نفس اليوم انتحر بعض أعضاء منظمة الجيش الأحمر عبر مسدسات أُدخِلت إلى زنازينهم سراً عقب سماعهم بفشل العملية.