وقد كنت شخصيا أحد المعجبين بالتجربة الماندلية بل أحد الذين صرفوا سنوات من شبابهم ، وهم يذهبون مساء كل سبت الى ساحة الطرف الأغر وسط لندن ليقفوا ساعات بالشموع أمام سفارة جنوب أفريقيا ، وهم يصرخون ملء حناجرهم : " فري نيلسون مانديلا " وقد تم الإفراج عن نيلسون مانديلا ، وشعر اليسار العالمي بالفخر لذلك الانجاز ، ومن يومها بدأت اسطورة الزعيم الذي هزم العنصرية تكبر لتُنسي الناس أن التوافق الدولي هو الذي حرر سجين جزيرة روبين ، ولقنه الخطوات التي يجب أن يسير عليها بعد ضغوط على شريكه الاول في الحكم دي كليرك في حقبة كان فيها العالم يعيد تشكيل نفسه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتحطيم جدار برلين ١٩٨٩ ، ومن حماسي لتجربة مانديلا حينها ذهبت الى جنوب افريقيا لأرى جزيرة روبين حيث سجنوا نيلسون فيها ، وهناك قضيت اياما في كيب تاون ، واخرى في جوهانسبوغ ، ويومين فقط في بريتوريا بالقطار الوحيد النظيف الذي شيدته "الفيفا" يوم استضافت الدولة كأس العالم ، وكانت تلك الأيام كافية لأعود بانطباع مختلف تماما عما تشيعه وسائل الإعلام ، وكتبة الكليشيهات الجاهزة ، ففي جنوب افريقيا كان البيض ، وهم "قرداحيو البلد" المتحكمون ما زالوا يتحكمون في كل شئ ، ففي المحلات الكبرى الأسود ينظف ويرتب ، وان كان فالحا يجلس خلف "كاونتر الكاشير" ليبيع لكن من يملكون القوة الشرائية ،ويتبضعون هم القرداحيون البيض ، وفي المطاعم من يكنس ، ويطبخ ، ويقدم الطعام هم السود ، اما الزبائن ، فأغلبهم من البيض الذين ظلوا بعد انهيار النظام العنصري يتحكمون بالفعاليات الاقتصادية والبنوك ، والمناصب العليا في الادارات ،والشركات الكبرى وما ذاك الا لأن القشرة غيرتها الشعارات فقط لكن الوقع ظل كما هو ، وهنا لابد من سؤال : من يضمن للمتحمسين للمقارنات بين سوريا وجنوب افريقيا ان الوضع لن يكون نفسه في سوريا ..؟ وان اسيادهم في الجاهلية سيظلون اسيادهم في الاسلام ، فنحن خلال خمسين عاما نعرف ماكان يحصل من تفرقة شوفينية ، وعنصرية في بلادنا حيث البعثات الدبلوماسية منهم ، والطلاب الموفدون منهم ، والتجار الذين يحصلون على رخص الاستيراد والتصدير منهم ، والمناصب العليا لهم بينما ابناء البطة السوداء الذين هم نحن يزدادون فقرا ، وانكسارا الى أن قامت الثورة لتعيد لهم بعض الإعتبار، ترى من يضمن للمتحمسين للمقارنات ان حمشو وسامر فوز ، وشبكات رجال الاعمال السوريين في الخليج المرتبطة بهم لن يسيطروا على كل شئ في ظل انفتاح بلا ضوابط ، وتسامح لا ترافقه عدالة انتقالية تضمن لأبناء البطة السوداء حقهم في المواطنة متساوية الحقوق التي دفعوا ثمنها دما وعذابا ، وتشريدا ونزوحا ولجوءا ، نعم من يضمن لهم ان القرداحيين الاقتصاديين ، وفلولهم لن يخرجوا من الباب ليعودوا من النافذة تماما كما حصل في جنوب افريقيا
--------------
الهدهد الدولي
--------------
الهدهد الدولي