وتبدي المواقف الروسية مدى عدم موثوقية حكومتها لجهة إيران، التي دعمتها في معركتها العدوانية على أوكرانيا، كما تبدي حالة التعمد الروسي في توجيه ضربات لإيران، ما يفتح باب التساؤل عن طبيعة العلاقات الروسية الإيرانية؟ التي تصفها الأخيرة بالإستراتيجية عادة فيما تصمت موسكو إزاء هذا الوصف.
وكانت وزارة الخارجية الإيرانية قد استدعت السفير الروسي لدى طهران احتجاجاً على البيان الوزاري المشترك للحوار الإستراتيجي بين روسيا الاتحادية ومجلس التعاون الخليجي، ورفض المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، ما ورد في البيان المشترك لمجلس التعاون الخليجي وروسيا بشأن الجزر الإيرانية الثلاث بالقول: "هذه الجزر تابعة لإيران وإصدار مثل هذه التصريحات يتعارض مع العلاقات الودية بين إيران وجيرانها".
وكانت وزارة الخارجية الإيرانية قد استدعت السفير الروسي لدى طهران احتجاجاً على البيان الوزاري المشترك للحوار الإستراتيجي بين روسيا الاتحادية ومجلس التعاون الخليجي، ورفض المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، ما ورد في البيان المشترك لمجلس التعاون الخليجي وروسيا بشأن الجزر الإيرانية الثلاث بالقول: "هذه الجزر تابعة لإيران وإصدار مثل هذه التصريحات يتعارض مع العلاقات الودية بين إيران وجيرانها".
ظلال تاريخية مظلمة
يبقى التاريخ مرآة لاستشراف المستقبل، ومن خلاله، يمكن وصف العلاقات الروسية الإيرانية بالمتأرجحة والمشحونة بالعداء وانعدام الثقة غالباً، حيث تعود أول علاقة بينهما إلى زمن الشاه الصفوي عباس الأول والقيصر الروسي فيودور الأول، بدأت تجارية تطورت لعلاقة دبلوماسية عام 1589، ضمن رؤاهما المشتركة لإضعاف النفوذ العثماني، تأزمت العلاقة بينهما لاحقاً نتيجة تصادم مشروعيهما للتوسع الإقليمي وصراعهما على التفوق في منطقة القوقاز في عهدي نادر شاه وبطرس الأكبر، ففي عام 1722 قام الأخير بحملة اقتطع خلالها أقاليم باكو ودربنت وجيلان من بلاد فارس (إيران)، وبعدها نحت العلاقات بينهما للأسوأ بدخولهما حربي (1804-1813)، (1826-1828)، انتهتا بمعاهدتي "كلستان وتركمنشاي"، اللتين اقتطعت بموجبهما روسيا أراضي من شمال إيران، مقيدةً حق إيران في بحر قزوين، في مقابل منح روسيا حق نشر أسطول عسكري في بحر قزوين وإطلاق يدها في ممارسة الأعمال التجارية في بلاد فارس، ما جعلهما(المعاهدتان) حاضرتين في الوجدان الشعبي الإيراني لتوصيف أي عقد أو اتفاق جائر. وفي عام 1921 وقّع الجانبان اتفاقية تنازل بموجبها البلاشفة الروس عن الامتيازات والأراضي التي اقتطعتها روسيا القيصرية من إيران، بغية تحسين العلاقة مع إيران، إلا أن امتداد ظل ما اصطلح على تسميته بـ "اللعبة الكبرى"، المستخدمة للتعبير عن التنافس الروسي-البريطاني وسط وجنوب آسيا خلال القرن التاسع عشر، أبقى إيران ضحية تنافس وتوافق الخصمين، ففي عام 1938 سيطرت القوات الروسية والبريطانية على شمال وجنوب إيران، وأرغمتا الشاه رضا بهلوي على التنازل عن العرش لابنه، ولاحقاً تلكأت موسكو في سحب قواتها من الأراضي الإيرانية، مقدمةً دعمها لجمهوريتي "مهاباد وأذربيجان الشعبية" الانفصاليتين، ما استدعى الخديعة (أسلوب مارسه الطرفان في علاقاتهم) من قبل رئيس الوزراء الإيراني، أحمد قوام السلطنة، للوصول إلى اتفاق يخرج القوات الروسية ويحيّد موسكو تجاه فرض إيران لسلطتها على "مهاباد وأذربيجان الشعبية".وفي مثال لاضطراب العلاقة بين الطرفين، واستخدام كل منهما للآخر كورقة مساومة في السوق الغربية، وقّع نائب الرئيس الأمريكي الأسبق آل غور، ورئيس الوزراء الروسي تشيرنومردين اتفاقاً سرياً يقضي بتقييد التعاون العسكري بين روسيا وإيران عام 1995، وهو العام الذي بدأ فيه التعاون الروسي مع إيران في مفاعل بوشهر النووي، ووافقت موسكو على ستة قرارات ضد إيران في مجلس الأمن، وفي موقف لافت، أشارت روسيا إلى حيادها تجاه توجيه ضربة عسكري أمريكية لإيران، ووقّع الرئيس الروسي السابق، ديمتري ميدفيديف عام 2010، مرسوماً يقضي بوقف شحنات صواريخ منظومة أس 300 إلى إيران تنفيذاً لقرار مجلس الأمن 1929، فاتهمه الرئيس الإيراني آنذاك، محمود أحمدي نجاد، بأنه قد باع نفسه للشيطان، متسائلاً: "أصدقاؤنا وجيراننا(الروس)؟ هل هم معنا أم أنهم يبحثون عن شيء آخر؟" راجياً "ألا يتركوا الشعب الإيراني يعتبرونهم في صفوف أعدائهم التاريخيين"
من سوريا إلى أوكرانيا
روايتان متناقضتان لدخول روسيا عسكرياً في سوريا، تراها الأولى تلبية لطلب إيراني نقله قائد فيلق القدس المقتول قاسم سليماني، وتضعفها ذكر بعض المصادر لرفض طلبين لزيارة سليماني موسكو لمقابلة سيد الكرملين خلال تلك الفترة، ووفقاً للثانية، جاء التدخل العسكري الروسي نتيجة قناعة موسكو بفشل إيران في حماية نظام الأسد وقرب سقوط الأخير، بعد إحكام فصائل المعارضة السورية سيطرتها على محيط دمشق والتحضير لمعركة تحريرها، وقد أقرّ أسد حينها بالوضع السيئ والمتفكك لقواته، يدعم هذه الرواية، التسريب الصوتي لوزير الخارجية الإيراني السابق، محمد جواد ظريف، حيث ذكر خلاله أن دخول إيران إلى سوريا جاء بناءً على طلب بوتين، مشيراً إلى فرض الحرس الثوري الإيراني توجهاته على وزارة الخارجية، وإلى محاولة موسكو عرقلة التوصل للاتفاق النووي عام 2015. المؤكد بمعزل عن الروايتين، أن التدخل الروسي جاء على خلفية توسيع مناطق الاحتكاك الروسي الأطلسي، بعد العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على موسكو نتيجة ضمها لشبه جزيرة القرم 2014، وفي سوريا ولد تزاوج الضرورة بين موسكو وطهران للدفاع عن نظام أسد حليف الطرفين، وقوّى العلاقة بينهما تشارك الطرفان في مجابهة الوجود الأمريكي في المنطقة الشرق أوسطية ووسط آسيا، دون أن يزيل جذور الخلافات بينهما، والتي بدت في سوريا في منافسة كل منهما للآخر على توسيع مناطق النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي وامتداداً للمؤسساتي، ظهر ذلك ببعض الاشتباكات بين الطرفين وقصف الطيران الروسي لفصائل موالية لإيران حاولت عرقلة الاتفاق الروسي التركي الخاص بمعركة حلب، وفي إبعاد إيران عن الشريط الساحلي وعن الفوسفات السوري، ويبقى التفاهم الروسي الإسرائيلي أوضح مثالاً على الخلافات الموجودة بين الطرفين، رغم اشتراكهما في دعم نظام أسد.العلاقة الروسية الإيرانية في سوريا هي علاقة تكاملية تنافسية، حسب رئيس تحرير موقع شرق نيوز، فراس علاوي، تكاملية، حين يتعلق الأمر بالحفاظ على نظام أسد وفي حالة العداء للوجود الغربي وخاصة الأمريكي في المنطقة، وتنافسية، في الحصول على مكتسبات من نظام أسد، سواءً كانت مكتسبات اقتصادية، عن طريق الاتفاقيات الاقتصادية أو سياسية، عن طريق التأثير في قرارات نظام أسد، مضيفاً في حديثه لموقع أورينت، كما يوجد حالة من التنافسية في مناطق السيطرة، وقد كان في بداية دخول الروس على سوريا تقاسم للسيطرة بينهما في سوريا، ولكن الآن هناك يوجد تنافس بينهما في بعض المناطق، والتنافس الأساسي في سوريا هو تنافس اقتصادي على بقايا النظام الاقتصادية، لكن العلاقة بينهما في سوريا تبقى متعلقة في جزء كبير منها بالعلاقة الشاملة ما بين روسيا وإيران، بمعنى أن أي توتر بالعلاقات الروسية الإيرانية على المستوى العام سوف ينعكس على علاقتهما في سوريا.
ومع بدء موسكو لحربها العدوانية في أوكرانيا، تسارعت وتيرة العلاقات بين الطرفين، نتيجة اصطفاف إيراني واضح إلى جوار روسيا، حيث تأمل طهران تقــديم نفســها باعتبارهــا شــريكاً موثوقــاً لروسيا، مــن خلال الدعــم الــذي تقدمه الأولى للثانية فــي صراعهــا ضد الناتـو، بهدف تجــاوز حلقــة الثقــة المفقــودة تاريخيــاً بيــن البلديــن، والتي تقلصت مساحتها خلال العقد الأخير، فمن اعتبار "المرشد الأعلى للثورة الإيرانية" للحرب الروسية في أوكرانيا حرباً استباقية لمواجهة الناتو، إلى دعم المجهود العسكري الروسي في الحرب بالمسيرات، ومن تراكم الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين، وأهمها إعادة إحياء مشروع ممر شمال-جنوب وتشعباته، إلى أحاديث تزويد روسيا لإيران بمنظومة الدفاع الجوي S400، وطائرات SU-35، وهو ما لم يحدث، رغم التصريحات الإيرانية عن قرب تسلّمها بداية السنة الفارسية، وهو ما لا يترجح لدي، إلا في حالة انخراط إسرائيلي خليجي في الحرب الأوكرانية إلى جانب دول الناتو، وهو ما تغيب مؤشراته.
إيران الغربية خطر على روسيا
سعت كلّ من روسيا القيصرية والبلشفية والاتحادية خلال القرنين الماضيين، على إبعاد إيران عن العالم الغربي، وفي الوقت الراهن، تنظر موسكو إلى معاداة إيران للولايات المتحدة على أنه رصيد جيو إستراتيجي مضاف لحسابها، وبالنسبة لإيران، هناك سببان حاسمان لتعزيز تعاونها مع روسيا، أولهما حاجتها لتأمين معلومات استخباراتية حول العمليات الإسرائيلية والأمريكية ضدها، وثانيهما، المساعدة السياسية والاستخباراتية المحتملة لموسكو خلال الفترة الانتقالية إلى المرشد الأعلى الثالث لإيران، ومن خلال النظر في وثيقة مفهوم السياسة الخارجية للاتحاد الروسي الأخيرة، نشهد غياباً لمصطلح العلاقة "الإستراتيجية" مع إيران، فيما نالتها دول أخرى، واحدة منها حليفة للولايات المتحدة الأمريكية (الهند)، فيما تقيد الوثيقة علاقة روسيا بإيران مستقبلاً عند حدود "تطوير التعاون الكامل و"الموثوق به" مع الجمهورية "الإسلامية الإيرانية".ووفقاً لعلاوي، العلاقة الروسية الإيرانية علاقة مركبة، فيها تناقض وفيها تطابق، وبشكل عام يمكن تسميتها بعلاقة مصلحية أو علاقة حاجة كل طرف للآخر، وهذه الحاجة تتوسع وتتغير حسب المكانة الموجودة فيه، لذا يمكن أن نرى تنسيقاً وتطابقاً كاملاً في مكان ما وتنافراً في مكان آخر، حيث يمثل العداء الغربي لروسيا وإيران السبب الرئيسي للتقارب بينهما، مع قيام العلاقة بينهما في ذات الوقت على عدم ثقة كل طرف بالآخر، حيث ينظر كل طرف منهما للآخر على أنه يريد أن يأخذ أو يقلّص مساحة سيطرة الطرف الآخر، سواءً تعلق الأمر بالجوانب الاقتصادية أو السياسية أو بتوسيع مناطق النفوذ على الأرض، لذا العلاقة بينهما قريبة من التعاون وليست علاقة تحالف.
وبحسب علي واعظ، مدير برنامج إيران في "مجموعة الأزمات الدولية"، فإن "روسيا وإيران لا تثقان ببعضهما البعض، لكنهما الآن بحاجة إلى بعضهما أكثر من أي وقت مضى، ولم تعد الشراكة بينهما اختياراً، بل تحالفاً بدافع الضرورة"، ويلخّص رجب سافاروف، أحد كبار الباحثين الروس المتخصصين في الشأن الإيراني، العلاقة الروسية الإيرانية بقوله: "إيران الموجّهة نحو الغرب ستكون أسوأ لروسيا من إيران المسلّحة نووياً، وستقود إلى انهيار روسيا". وحتى الآن، لم توقع روسيا عن تجديد "قانون الاتفاقية الأساسية للعلاقات المتبادلة ومبادئ التعاون بين جمهورية إيران الإسلامية والاتحاد الروسي"، الموقعة بداية عام 2001، والتي انتهت مفاعيلها منذ ثلاثة أعوام، رغم تكرار التصريحات والطلبات الإيرانية بتجديدها أو توقيع اتفاقية بديلة عنها شبيهة باتفاقية الشراكة الإستراتيجية بين الصين وإيران، الموقعة عام 2021، كما لم تبدِ روسيا مؤشرات جدية على تزويد إيران بأسلحة إستراتيجية متطورة، في ظل حساسية ذلك على علاقات روسيا بإسرائيل والدول العربية، الخليجية منها خصوصاً، إضافة لما يسببه هذا الأمر من تعكير مياه البيان الصيني السعودي الإيراني، ما يمكن تفسيره صينياً على أنه عصاً روسية في عجلاتها الشرق أوسطية، وهذا ما لا ترغبه روسيا حالياً، في ظل حاجتها لعلاقة أكثر دفئاً مع الصين، وفي ضوء هذه المؤشرات جميعاً يبدو أن روسيا لن تقدم على رفع مستوى علاقاتها مع إيران للمستوى الإستراتيجي في المنظورين القريب والمتوسط، وفي ذات الوقت لن تتخلى عن علاقة تعاونية مع إيران، في إطار عملية توازن تبقي إيران بعيدة عن العالم الغربي، يساعدها في ذلك، احتكار التيار الأكثر تشدداً للسلطات الثلاثة الحاكمة في إيران.