إلا أن انتقال بايدن من إسرائيل إلى السعودية كان الأكثر إثارة للجدل بين الأمريكيين، بين من فسره تراجعاً عن وعوده الانتخابية، وبين من يرون أن السياسة الأمريكية تكيل بمكيالين..فبعضهم تساءل: ألَم يكن الدفاع عن حقوق الإنسان ومعاقبة من قتل الصحفي جمال خاشقجي أحد أهم ذرائع بايدن لمعاداة السعودية والتلويح بفرض عقوبات عليها؟ بينما كرر آخرون : ألم تكن شيرين أبو عاقلة إعلامية تحمل الجنسية الأمريكية تماماً مثل خاشقجي؟ فلماذا لم يتخذ بايدن الموقف ذاته من قادة إسرائيل التي تمرغ فيها بتراب الهولوكوست دون أن يتذكر هولوكوست الفلسطينيين بسبب إسرائيل؟
أما السؤال الرئيسي فهو: ما الذي غيّر موقفه من السعودية ليقرر زيارتها في هذا التوقيت، أمْ إنّ اللوبي الإيراني المعادي للدول السُنّية لم يعد قادراً على مواجهة الأصوات الأخرى داخل الإدارة الأمريكية التي تحمّل هذا اللوبي مع فريق الأمن القومي، تبعات المآزق التي ما زال يوقع أمريكا فيها منذ أيام أوباما وحتى الآن؟! اللافت ورغم ما اعتُبِر تنازلاً من بايدن عندما قرر زيارة السعودية، إلا أن الرئيس الأمريكي بدأ يتلقى "لَكَمات" الأمير محمد بن سلمان بمجرد هبوط طائرته في جدة، حتى قبل أن يلتقيا وجهاً لوجه في قصر السلام لاحقاً. فابتداءً بعدم استقبال الأمير ابن سلمان له في المطار وانتهاء بتأكيد الأمير بأن المملكة وصلت لسقف إنتاجها البالغ ١٣ مليون برميل وأنها لن تجاوز هذا السقف، يمكن أن نقول بأن بايدن قد عاد بخُفّي حُنين. ولعلّ أكثر ما يلخص محطة بايدن في السعودية هي ابتسامة الأمير ابن سلمان الساخرة وهو ينظر إلى بايدن العاجز عن الإجابة على سؤال الصحفية الأمريكية له: "هل لا تزال السعودية منبوذة؟!".
لابد أن بايدن قد أدرك خطأه الإستراتيجي بمعاداة الدول السُنية إرضاء للوبي الإيراني داخل إدارته، فالسعودية هي أكبر مصدِّر للنفط في العالم، وهي الوحيدة القادرة على تعويض فقدان النفط والغاز الروسيين من الأسواق العالمية، وبضخ السعودية مزيداً من النفط يمكن المحافظة على تماسك التحالف الغربي المناهض لروسيا في معركة عض الأصابع بين المعسكَرَين ويساعد في تحقيق الهزيمة الإستراتيجية لبوتين كما تعهّد بايدن. لكن إمكانية تحقيق هذا الهدف الإستراتيجي بدأت تتلاشى مع إصرار فريق بايدن للأمن القومي، وعلى رأسهم بريت ماكغورك على تجاهل مطالب حلفائهم في المنطقة، وفي مقدمتهم السعودية، طوال محادثات الاتفاق النووي مع إيران. فبينما يمنح هذا الاتفاق عشرات مليارات الدولارات لإيران، فإنه لا يشترط عليها وقف كافة أنشطتها العابرة للحدود والتي تزعزع الاستقرار في المنطقة. فالميليشيات الطائفية المدعومة من إيران لاتزال تعيث فساداً في سوريا وتعطل الحياة السياسية في لبنان والعراق وتستهدف المنشآت المدنية والنفطية في السعودية واليمن وتهدد سلامة الممرات البحرية الحيوية لأمن الطاقة العالمي..لذلك كانت محطة بايدن في السعودية هي الأصعب في رحلته رغم أنه اعتبر توجه طائرته من إسرائيل إلى السعودية بشكل مباشر إنجازاً تاريخياً!
وفيما بدا وكأنه حرب بين الإمبريالية التقليدية والواقعية السياسية، فشل الإمبريالي بايدن بالحصول على الحد الأدنى من تأييد حلفائه التقليديين، في حين ينجح الواقعي بوتين بانتزاع مكاسب كبيرة حتى من حلفاء أمريكا التقليديين، كتركيا ودول الخليج، وحتى إسرائيل، مع محافظته على علاقات متينة مع الأنظمة اليسارية. وفي رد واضح على سياسات واشنطن، تنعقد في طهران قمة تجمع رؤساء روسيا وتركيا وإيران لمناقشة النزاعات في المنطقة وعلى رأسها الأزمة السورية، حيث من المتوقع أن يصل الرؤساء الثلاثة لحدود دنيا من التفاهم فيما بينهم.
ويبدو أن هذه النسبة مرشحة لمزيد من التدهور بعد فشل بايدن بجولته في المنطقة، كما إن صور بايدن في السعودية وهو يجتمع بقادتها، متجاهلاً تصريحاته السابقة المعادية للمملكة بسبب ملف حقوق الإنسان، لابد أن تسبب خسارته لثقة الناخب الأمريكي، وبذلك ينطبق على بايدن وصف المُنْبَتّ الذي "لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى"، فلا هو استعاد علاقة أمريكا المميزة مع السعودية، ولا هو حافظ على ثقة الأمريكيين كمدافع مبدئي عن حقوق الانسان، لا بل إن قادة السعودية كسبوا تأييد شريحة كبيرة داخلياً وخارجياً لموقفهم الرافض للانصياع للإملاءات الأمريكية، خاصة مع عودة استخدام النفط كسلاح للدفاع عن مصالح دول المنطقة كما فعلت المملكة خلال حرب تشرين ١٩٧٣. و بذلك غادر بايدن المنطقة تاركاً حلفاء أمريكا يبنون تحالفات جديدة مع خصومها -روسيا والصين- كما توقّع ترامب ذات يوم فيما لو تخلت أمريكا عن حلفائها. وإذا لم تحصل مراجعة سريعة و شاملة لعقيدة أوباما في السياسة الخارجية والتي يسير بايدن على نهجها، فستتجه مكانة أمريكا وقوتها لمزيد من الانحدار.
----------
اورينت نت
أما السؤال الرئيسي فهو: ما الذي غيّر موقفه من السعودية ليقرر زيارتها في هذا التوقيت، أمْ إنّ اللوبي الإيراني المعادي للدول السُنّية لم يعد قادراً على مواجهة الأصوات الأخرى داخل الإدارة الأمريكية التي تحمّل هذا اللوبي مع فريق الأمن القومي، تبعات المآزق التي ما زال يوقع أمريكا فيها منذ أيام أوباما وحتى الآن؟!
عقيدة أوباما
لكن إحجام زعماء المنطقة وحلفاء أمريكا التقليديين عن المشاركة في حلف ناتو شرق-أوسطي مزعوم لمواجهة إيران كان كفيلاً بالجواب على سؤال الصحفية بأن المنبوذ هو بايدن وإدارته، فسياسة إدارة بايدن الخرقاء الموالية لإيران والمستمدة من عقيدة أوباما تسمح لإيران باستخدام عشرات المليارات لتموِّل بها وكلاءها لاستكمال تدمير ما تبقى من بلدان المنطقة وتهجير أهلها، بينما ترفع الجاهزية ضد الدول الأخرى إلى ذروتها!لابد أن بايدن قد أدرك خطأه الإستراتيجي بمعاداة الدول السُنية إرضاء للوبي الإيراني داخل إدارته، فالسعودية هي أكبر مصدِّر للنفط في العالم، وهي الوحيدة القادرة على تعويض فقدان النفط والغاز الروسيين من الأسواق العالمية، وبضخ السعودية مزيداً من النفط يمكن المحافظة على تماسك التحالف الغربي المناهض لروسيا في معركة عض الأصابع بين المعسكَرَين ويساعد في تحقيق الهزيمة الإستراتيجية لبوتين كما تعهّد بايدن.
فشل في 4 أزمات دولية
لقد غادر بايدن المنطقة تاركاً خلفه العديد من النزاعات الإقليمية دون أن يطرح رؤيته في حلها، فلم يتطرق بايدن مثلا في خطاباته لنزيف الدم السوري، ولم يطرح خطة طريق لإنهاء معاناة ملايين السوريين على أيدي نظام الأسد، كما أنه لم يكلف نفسه عناء زيارة تركيا -حليفة أمريكا التقليدية- لترميم ما دمره هو وأوباما من قبله، أو ليحاول إنقاذ حلفائه المدللين -قوات سوريا الديموقراطية- من عملية تركية وشيكة، وترك الأزمة اليمنية تراوح مكانها في ظل عدم رغبة إدارة بايدن بالضغط على الحوثيين لعدم إغضاب إيران.وفيما بدا وكأنه حرب بين الإمبريالية التقليدية والواقعية السياسية، فشل الإمبريالي بايدن بالحصول على الحد الأدنى من تأييد حلفائه التقليديين، في حين ينجح الواقعي بوتين بانتزاع مكاسب كبيرة حتى من حلفاء أمريكا التقليديين، كتركيا ودول الخليج، وحتى إسرائيل، مع محافظته على علاقات متينة مع الأنظمة اليسارية. وفي رد واضح على سياسات واشنطن، تنعقد في طهران قمة تجمع رؤساء روسيا وتركيا وإيران لمناقشة النزاعات في المنطقة وعلى رأسها الأزمة السورية، حيث من المتوقع أن يصل الرؤساء الثلاثة لحدود دنيا من التفاهم فيما بينهم.
تحديات بايدن الداخلية
كما إن بانتظار بايدن في بلاده تحديات كان يعتقد أن التغلب عليها يمر عبر نجاحه في جولته خارجياً في المنطقة، فالتحدي الأول الذي يمس الأمريكيين بشكل مباشر يتمثل بتراجع الأداء الاقتصادي لإدارة بايدن، حيث ارتفع معدل التضخم السنوي إلى 8.6 في المئة حسب وزارة العمل الأمريكية، إضافة إلى ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية لمستويات لم تشهدها البلاد منذ ٤٠ عاماً، ويسهم الوضع الاقتصادي المتدهور ببروز تحدٍّ ثانٍ يتمثل بانخفاض شعبية الرئيس، خاصة قبيل خوضه للانتخابات النصفية في تشرين الثاني القادم، حيث تشير استطلاعات الرأي في أواخر حزيران إلى أن ٣٩% فقط من الأمريكيين يمكن أن يصوتوا لصالحه كما أوردت وكالة بلومبيرغ.ويبدو أن هذه النسبة مرشحة لمزيد من التدهور بعد فشل بايدن بجولته في المنطقة، كما إن صور بايدن في السعودية وهو يجتمع بقادتها، متجاهلاً تصريحاته السابقة المعادية للمملكة بسبب ملف حقوق الإنسان، لابد أن تسبب خسارته لثقة الناخب الأمريكي، وبذلك ينطبق على بايدن وصف المُنْبَتّ الذي "لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى"، فلا هو استعاد علاقة أمريكا المميزة مع السعودية، ولا هو حافظ على ثقة الأمريكيين كمدافع مبدئي عن حقوق الانسان، لا بل إن قادة السعودية كسبوا تأييد شريحة كبيرة داخلياً وخارجياً لموقفهم الرافض للانصياع للإملاءات الأمريكية، خاصة مع عودة استخدام النفط كسلاح للدفاع عن مصالح دول المنطقة كما فعلت المملكة خلال حرب تشرين ١٩٧٣.
----------
اورينت نت