قبل ايام وفي تقرير كشفته وكالة "فرانس برس" بالتعاون مع "رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا"، صدم العالم مجدداً بـ"إبداع" نظام الأسد بالفظائع التي يرتكبها بحق المعتقلين. فقد كشف التقرير عن "غرف الملح"، وهي غرف توضع فيها جثث معتقلين قتلوا أو توفوا لتأخير تحللها في سجن صيدنايا.
اعتمد التقرير على شهادات صادمة لناجين وضباط سابقين عملوا داخل السجن. كان المعتقلون يوضعون في "غرف الملح" قبل نقلهم إلى غرف الزيارة أو قبل نقلهم إلى المحكمة. وكانت الجثث تنقل إلى مستشفى "تشرين العسكري" لإصدار شهادة الوفاة، لنقل الجثث بعد توثيق الوفاة إلى مقابر جماعية في نجها والقطيفة وقطنا، حيث استطاعت الرابطة تحديد مواقعها، حسب التقرير.
صيدنايا وتدمر
في حديث لـ"أساس" يقول منير الفقير، وهو ناشط سياسي وحقوقي ومعتقل سابق في سجون النظام السوري ومؤسس ومنسق في رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، والشاهد على صور قيصر، إنه يتذكر كيف لاحظ مرة اثناء اعتقاله في سجن صيدنايا في "غرفة الزيارة" شيئا ما وهو جاثم على ركبتيه بملابسه الرقيقة، ليمسكه بيديه ويدرك بعد قليل أن هذا الشيء هو ملح. ورغم رؤيته جثثاً ملقاة على الأرض لم يدرك في تلك اللحظة أن الملح هو لتأخير تحلل الجثث.
وكما كان اسم تدمر سابقا يعني الرعب المنقطع النظير للسوريين، بينما يعني الآثار والتاريخ والجمال للعالم الخارجي، كذلك وقع اسم صيدنايا التي تعدُّ من أعرق الحواضر المسيحية في المشرق العربي، وفيها دير سيدة صيدنايا الذي يقع في أعلى قمم بلدة صيدنايا وقد تم إنجازه في العام 547 وتواصلت فيها حياة الرهبنة منذ القرن الخامس الميلادي، ويأتيه الزوار سنوياً من جميع أنحاء العالم. لكن وقع اسم صيدنايا على مسامع السوريين له وقع آخر: ففي صيدنايا سجن يعد أحد أبرز السجون التي يتعرض فيها المعتقلون لعمليات تعذيب وتجويع ممنهجة، إلى جانب قتل الآلاف منهم بإعدامات جماعية، وفقا لتقرير "منظمة العفو الدولية" الصادر في شباط 2017. ويطلق السوريون على سجن صيدنا "المسلخ"، "مصنع الموت" وغيرها من الأسماء التي يحاول من نجا منه أن ينقل مأساته ومأساة المعتقلين من خلالها.
الفقير لـ"اساس": جزءاً من عمل الرابطة هو تقارير لتوظيفها بالمناصرة الإعلامية والسياسية لقضية المعتقلين. ولكن الجزء الأهم من هذه التوثيقات والمعلومات لا يتم نشرها بل تتم مشاركتها مع لجنة التحقيق الدولية ومع الصليب الأحمر
هيكلية السجن والقرارات يقول الفقير لـ"اساس" إن جزءاً من عمل الرابطة هو تقارير لتوظيفها بالمناصرة الإعلامية والسياسية لقضية المعتقلين. ولكن الجزء الأهم من هذه التوثيقات والمعلومات لا يتم نشرها بل تتم مشاركتها مع لجنة التحقيق الدولية ومع الصليب الأحمر. وما ينشر هو للمناصرة الحقوقية لقضية المعتقلين وبذل الجهد الممكن والحشد من أجل هذه التقارير. وما نشر عن غرف الملح هو جزء مقتضب من تقرير بالتعاون مع "فرانس برس"، بينما تقرير الرابطة الذي ينشر قريبا يتحدث عن الهيكلية الإدارية لسجن صيدنايا. ومن الأمور التي يتحدث عنها التقرير هي غرف الملح. والتقرير "ضخم" يتحدث عن الهيكلية الادارية وآلية اتخاذ القرار داخل السجن وتابعية العناصر داخله والتراتبية في اتخاذ القرار وأسماء المنتهكين وتفاصيل اخرى.
ويقول الفقير إن من مسؤوليات الرابطة الأساسية الكشف عن "سردية سجن صيدنايا الحقيقية" وكيف تعرفت الرابطة عليه وكيف تعتبره من صلب مسؤولياتها، واستخدام المعلومات للمناصرة الإعلامية والسياسية والحقوقية للقضية السورية، في اطار التقاضي والمحاسبة.
وعند سؤال الفقير إن كان ثمة تعاون بين الرابطة وبين ما تقوم به جمعيات وشخصيات حقوقية سورية في الخارج، وخصوصاً في أوروبا لملاحقة المرتكبين، لا يخفي الفقير أسفه من أن هناك "استقطابات في الحالة الحقوقية كأي حالة سورية قائمة أخرى"، دون أن ينفي التعاون مضيفاً أن هذا التعاون ليس بالمستوى المطلوب. ورغبة الرابطة أن تبقى بعيدة عن الاستقطابات التي تعيق قدرتها على التعاون مع الآخرين. وهذا ما يجعل التعاون بحده الأدنى غير كاف.
وعند سؤاله إن كان البعض قد بدأ بممارسة أي ضغوط على الرابطة لوقف الكشف عن الفظائع التي ارتكبها النظام، وخصوصاً مع إبداء عدد من الدول رغبتها باعادة التطبيع معه، أكد الفقير أنه حتى اللحظة لم تمارس عليهم أي ضغوط من الدول، ولكنه لم ينف أنهم يتوقعون أن تبدأ الضغوط عليهم.
-------------
اساس ميديا