واستطرد قائلا إن هذا الفضل توّج أخيراً بأن مُنح الإقامة في إسبانيا مع عائلته بعد نزوحه من سورية، إثر مطالبة خمسة من أبرز كتّاب أميركا اللاتينية الذين ترجم لهم، حكومة إسبانيا بأن تمنحه الإقامة تكريماً لمنجزه في نقل إبداعات اللغة الإسبانية إلى العربية.
وبما أنه كان يعيش وضعاً صعباً بسبب المأساة السورية، فالمكالمة الهاتفية التي وردته بهذا الخبر جعلته يبكي، وهو مدين بهذا للترجمة ولأصدقائه الكتّاب، معترفاً أن هذا شيء أخجله حقاً، لأن الناس ما زالت تتذكر أن هناك مترجماً.
وزاد من هذا الاحتفاء بأن مُنح أيضاً جائزة "جيرار دي كريمونا" للترجمة العام الماضي، وهي جائزة سنوية مخصصة لمساهمة مهمة من شخص أو مؤسسة من الضفة الشمالية ومن الضفة الجنوبية للمتوسط في ميدان الترجمة وتحمل اسم جيرار دي كريمونا (1114 – 1187) الذي درس العلوم العربية في القرن الثاني عشر، وترجم أكثر من سبعين كتاباً إلى اللغة اللاتينية في الوقت الذي رد فيه علماني الجميل بأن ترجم مئة كتاب من اللغات اللاتينية إلى العربية.
وفي معرض رده على سؤال حول تقنية الترجمة أو خلطته السحرية في الترجمة التي تكاد تقارب النص الأصلي، قال مترجم "عشت لأروي" إنه لا توجد ترجمة أفضل من النص الأصلي في أية لغة، خاصة الشعر، معترفاً بأنه لا يقدم على ترجمة عمل ما لم يقع في حُبه، حيث رفض بعض الأعمال التي لم ترق له واعتذر عن ترجمتها، معرّجاً في إجابته على "تقنيته الترجمية" المتمثّلة في القراءة الاستطلاعية للعمل ثم قراءة العمل مرة أخرى وترجمة فصل أو فصلين ثم معاودة القراءة من حيث انتهى.
وهكذا ذاهباً وراجعاً بين قراءة العمل وترجمته حد الإجهاد، مع ضرورة فهم السياق التاريخي والثقافي للعمل المُترجم لفهم الإيحاءات والمعاني الملتبسة، تليها القراءة الأخيرة للعمل ليضع نفسه مكان القارئ ويشعر بسلاسة القراءة حتى يصل إلى الحالة المُرضية للترجمة النهائية.
وأضاف علماني أن المشكلة أثناء الترجمة في اللهجات الأميركية اللاتينية وليس في اللغة الإسبانية، والتي تختلف من بلد إلى آخر، لذلك فإن دراسته الطب وعيشه في هذا البلد ومعرفتة لشعوب القارة وأحوال معيشتهم وحكاياتهم وخرافاتهم وآلامهم وموسيقاهم، واطلاعه على تاريخ أميركا اللاتينية؛ كل ذلك ساعده كثيراً على فهم هذه الاختلافات النابعة على حد تعبيره من تركيبة هذه القارة وشعوبها المتعددة الأعراق والتي تميل إلى "الحياة شبه الفوضوية وعدم الصرامة".
كما أشار إلى تأثير المستعمر الإسباني الذي دمر حضارات بأكملها كحضارات المايا والأزتيك والإنكا، لكنه اضطر في النهاية ومن خلال مجمع اللغة الإسبانية إلى أن يعترف بهذه اللغات "الهندية" كون نصف أعضائه من جميع بلدان القارة، وبدأ يضيف الكلمات العامية إلى معجمه مما أغنى اللغة الإسبانية، بسبب انتشار ظاهرة الأدب اللاتيني، ما يعني أن المستعمَر فرض على المستعمِر لغاته الأم.
وضرب علماني مثلا في صعوبة ترجمة بعض الكلمات التي لها معانٍ مختلفة من بلد لآخر، بكلمة "خُلاسية" إذ توجد ست مسميات للأنواع الخلاسية في القارة الأميركية تبعاً لعرق الوالدين، وهذا ما يوجب توضيحه في الترجمة، كما أنه وقع حائراً في ترجمة كلمة "غانية" في كتاب ماركيز "ذاكرة غانياتي الحزينات" التي تعني في الأصل كلمة أكثر بذاءة من كلمة "عاهرة".
وقال مبتسماً بأن العربية لا تعدم طبعاً مرادفات لهذه الكلمة، متذكّراً أن وزير الثقافة الكولومبي قال له إنه لا يسمح شخصياً لابنته بقراءة عنوان كهذا، ما جعله في النهاية يستقر على كلمة "غانية" بكل دلالاتها في اللغة العربية.
يعتبر علماني نفسه محظوظاً، فرغم أن المترجم لا يمكنه العيش من الترجمة، إلا أنه سعيد بما منحته الترجمة من دخل مادي يساعده في معيشته وأسرته، فرغم مشاق الترجمة المعروفة؛ إلا أن الترجمة الأدبية خصوصاً ممتعة وشيّقة، لأنك تترجم في النهاية "الجانب الإنساني في الإنسانية".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
المترجِم شريكاً
يعترف علماني للحضور في الندوة العُمانية أن المترجم موجود في أعماله، وهو يرى أن المترجم شريك للكاتب في العمل، حتى إن الهيئات القانونية في إسبانيا تعتبر المترجم "مؤلّفاً للترجمة"، ولكن في بلداننا العربية لم نصل بعد إلى هذا الاعتراف، مشيراً إلى أنه فكر في وضع كتاب عن تجربته، لكنه أجّله كما أجّل فكرة كتابة رواية بعد أن قرأ وترجم "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه" لكن الفكرة قائمة على أية حال.
-----------
العربي الجديد